ثقافة الحج ومنهج الوسطية والاعتدال
د. أم كلثوم حكوم داوود بن يحي
أستاذ مشارك/ جامعة الملك خالد
بحث مقدم إلى ندوة الحج الكبرى/ وزارة الحج السعودية1436هــ
مقدمة:
الحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا أمة وسطاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنزل عليه قول ربه سبحانه: ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾، الكهف:28، وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا منهجاً وسطاً، فلا تجاوز ولا شطط، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحث في نصرة الدين الخطى، أما بعد:
فإن الإسلام دين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والوسطية والاعتدال سمتان بارزتان للأمة الإسلامية تميزت بهما عن أهل الإفراط من جنس اليهود ممن قتلوا الأنبياء وحرموا كثيرا من الطيبات التي أحلها الله، وعن أهل التفريط من جنس النصارى ممن ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم، وأحلوا الخبائث افتراء على الله تعالى.
وقد وعى الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يد سيد الخلق معنى الوسطية وأهمية الحفاظ عليها باعتبارها خصوصية للأمة الإسلامية بين الأمم السابقة فلا هي مُفَّرِطة في تدينها ولا هي مُفْرِطة في دينها، بل هي وسطية مسئولة شهيدة على باقي الأمم، فتبنوا الوسطية منهجا وسبيلا وعلموها للتابعين وتابعيهم، فها هو الحسن البصري يسأله أعرابي فيقول: "يا أبا سعيد، عّلمني دينا وَسُوطًا، لا ذاهِبا فَروطًا، ولا ساقطًا سقوطًا"، أي دينا متوسطًا، لا متقدما بالغلو، ولا متأخرا بالتلو، قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي"، خير الأمور أوساطها.([1])
وإذا كان منهج الوسطية والاعتدال يتجلى في كل شعائر الإسلام، فإن الحج بوصفه من أعظمها حيث الذكر والتوبة والطاعة والتقرب إلى المولى وما تحققه من سلام داخلي للحاج، وحيث يجتمع المسلمون من كل الأقطار تلفهم خرق بيضاء غنيهم وفقيرهم عزيزهم وذليلهم لا تكاد تفرق بينهم تجمعهم الايجابية والرحمة والبساطة وما تحققه من سلام خارجي، ينشد في مناسكه وفي ثقافته إشاعة الوسطية والاعتدال بين جموع المسلمين.... يوحد كلمتهم ويجمع فرقتهم ويذكرهم بمنزلتهم بين الأمم وبواجبهم تجاه أنفسهم، وتجاه دينهم.
لقد صار لزاما على المسلمين في ظل الظروف الراهنة والتحديات المتراكمة أن يروا في شعيرة الحج وثقافته النيرة فرصتهم السانحة ليبرزوا للعالم أجمع هذه القيم وهذه الإنسانية التي تتجلى في أبهى صورها حيث الناس من كل المعمورة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولهجاتهم تجمعهم التلبية لنداء الحج بقلوب خاشعة ونفوس راضية، لا فوراق تميزهم لا مصالح تفرقهم فهم سواسية، تتلاشى العادات والموضات والطبقات إلا من أتى الله بقلب سليم، وبأنهم أمة واحدة مهما عصفت بهم الفتن ومهما تربص بهم المتربصون ....مصيرهم واحد ودينهم واحد وربهم واحد فلا مكان بينهم للغلو والتطرف ...ولا مكان بينهم لتعصب والعنصرية التي قال عنها الحبيب المصطفى:( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )([2]).
إن السؤال الذي يطرحه هذا البحث هو: كيف يمكن لشعيرة عظيمة كشعيرة الحج أن تعمل على تفعيل قيم الوسطية بين الحجاج أولا وبين الأمة الإسلامية والعالم أجمع ثانيا، وكيف لها أن تحد من نقائضها من غلو وتطرف وإرهاب فكري ومادي.
وترتبط الإجابة عن هذا السؤال ارتباطا وثيقا ببيان معنى الوسطية وأثرها على الأمة والعالم أجمع، وبيان الانحراف الفكري وما جناه على أمتنا ووحدتنا، وقطع الطريق على نشر رسالتنا، من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
أولا: الوسطية والاعتدال
ترد الوسطية في اللغة بعدة معان متقاربة هي: العدل، الخيار، الفضل، النسب، النصف، البينية، التوسط بين الطرفين، وغيرها من المعاني([3])، جاء في معجم مقاييس اللغة:" الواو الطاء والسين بناء صحيح يدل على العدل، والنصف وأعدل الشيء أوسطه ووسطه"،([4]) وفي اللسَّان:" ووسط الشيء وأوسطه أعدله"([5]).
أما في الشرع فقد جاءت الوسطية بمعنى العدالة والخيرية، والتوسط بين الإفراط والتفريط، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾، البقرة: 143، وبذلك فإنها لا تخرج عن مقتضى اللغة، وقد عرفها الدكتور وهبة الزحيلي، فقال :( والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة "([6])، وهي:" مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم"([7]).
وبين حدودها الدكتور سلمان العودة حفظه الله فقال:" إنَّ الوسطية تعني -لزوماً- الاعتراف والإيمان بعدم لزوم التمامية بل عدم إمكانيتها"، وجعلها مبنية على أصلين هامين هما السداد والمقاربة، مدعمين بقاعدة البشارة([8]) مخرجا الوسطية بذلك من دائرة الفهم الضيق للأشخاص والجماعات والأحزاب التي ترى منهجها منهجا وسط دون البقية لتدخل في الحلقة المفرغة للتطرف الفكري فتسيء من حيث ترتجي الإصلاح وتضر من حيث تبغي النفع.
فالسداد والمقاربة والبشارة أسس أقرهما الحبيب المصطفى في قوله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ)([9]).
أما الاعتدال لغة فقد جاء في القاموس المحيط:" من معاني العدل والاعتدال: الحكم بالعدل والاستقامة والتقويم والتسوية والمماثلة والموازنة والتزكية والمساواة والإنصاف والتوسط([10]).
واصطلاحا هو: " التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما الإفراط والتفريط"([11]).
والوسطية بالمعنى السابق ترادف الاعتدال حيث ورد في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخذري مرفوعا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، قَالَ عَدْلًا؛﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، البقرة: 143) ([12]) .
وهي منهج تقرأ النصوص الدينية من خلاله لكيلا يصطدم الواجب بالواقع، ولا العقل بالنقل، ولا يتم إظهار نص وإخفاء آخر، أو انتصار طرف على مقابله، ([13]) هي سلوك والتزام وليست مجرد شعار وادعاء، بل هي سمة الإسلام في عقائده وشرائعه ....وسمة المسلم في حله وترحاله، في سلمه وفي حربه، في عباداته وفي عاداته، وهي تعبير عن الاعتدال والتّوازن الذي يطبع حركة الكون، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾، النساء: 123" أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه" ، ([14]) ويقول ابن عبد البر قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم: " أتدري ما السمت الصالح ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب وإنما هو لزوم طريق القوم إذا فعل ذلك قيل قد أصاب السمت وتدري ما الاقتصاد هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير ".([15])
كما أن الاعتدال في الأمور كلها مطلب شرعي يتحقق من خلاله التمكين لدين الله في أرضه، والانتفاع بما هو مفيد من العلوم والنقول ما وُجِد وما استجد منها، وقد قيل قديما:" من فقد الاعتدال فقد الانتفاع بالعلوم جميعها".([16])
لذلك كله وجب على علماء الأمة ومفكريها أن يبقوا في يقظة حية دائمة لكيلا يتحول مصطلح الوسطية إلى سلاح بيد جهالها أو أعدائها يفتك بالغلو وينسى المجون، أو أن يتم تفريغه عن معناه فلا نجني منه إلا البعد عن الأسس الراسخة، وتمزيق عرى الهوية الإسلامية الحقة([17]).
ثانيا: مظاهر الوسطية والاعتدال في الإسلام
الإسلام الوسطي هو إسلام شمولي متوازن، واضح العقائد، يحقق المقاصد الشرعية، ويستوعب المخالفين، يتحرى الوسطية في المعتقدات، والعبادات، في الأخلاق وفي التشريعات، ويتبناها منهجا في الحكم على الأشخاص والدول والعلماء وما استحدث من علوم وأراء، وهو وسط في الملموس والمحسوس فلا استغراق في الماديّات، ولا اقتصار على الروحانيّات:
1- وسطية الإسلام في الاعتقاد:
حبا الله تعالى أمة محمد بأن جعلها أمة وسط بين الأمم وجعل ملتها وسطا بين الملل، فلا هم قتلوا الأنبياء كما فعل قوم موسى عليه السلام، ولا هم ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم كما فعل قوم عيسى عليه السلام، يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾ ، النساء، 171 :" نهى الله تعالى عن الغلو، غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا؛ فالإفراط والتقصير كله سيئة،([18]) وحياة المسلمين وسط فلا رهبنة ولا تشديد مفرط، ولا استغراق في الملذات ولا تيسير غير منضبط.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " و " أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله...وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾)، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم وشرعوا دينا لم يأذن به الله فقال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾، الشورى: 21، ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك .([19])
كما أن المسلمين وسط في الأسماء والصفات، فما كانوا كاليهود الذين وصفوا الخالق بصفات المخلوق، فقالوا: يد الله مغلولة، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾، المائدة: 64، وقالوا: الله فقير ونحن الأغنياء، قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾،آل عمران: 181، وغير ذلك من الافتراءات على الله، ولا كانوا كالنصارى الذين وصفوا المخلوق بصفات الخالق، فنسبوا لعيسى عليه السلام الحياة والموت، الرزق والفقر، المغفرة والرحمة، وهي صفات خص بها الله عز وجل نفسه بها.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق من معطلة ومشبهة ومرجئة ومعتزلة، فلا يعطلون ولا يجسمون ولا يشبهون ولا يرجئون، وهم وسط في حب الصحابة رضوان الله عليهم، فلا يغالون ولا يجافون ويكفرون.
2- وسطية الإسلام في العبادات:
من مظاهر الوسطية في العبادات تعدد الطاعات وكثرة القربات فلا يلزم المسلمون بنمط معين منها إلا فيما تعلق بصلاة الفرض، وصيام الفرض، والزكاة الواجبة وحج الفرض، أما غير ذلك فهناك الصائم وهناك القائم وتعدد أوجه البر فهناك المحسن وهناك المتصدق وهناك العالم وهناك المجاهد وهناك.....، وكلها إسلام وعبادة والجنة لها ثمانية أبواب كل باب لضرب من ضروب الخير والبر.
والمسلمون وسط في العبادة، فلا هم كاليهود الذين أسرفوا في التحريم، ولا هم كالنصارى الذين أسرفوا في الإباحة، ولا هم منقطعون للعبادة، ولا منقطعون عنها وهو ما يؤكده قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [62:9] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، الجمعة:9-10، يقول القرطبي في تفسيره للآيتين:" هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى : وإذا حللتم فاصطادوا، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم،" وابتغوا من فضل الله " أي من رزقه، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين"([20]) .
ثالثا: أثر الوسطية على الأمة الإسلامية والعالم
أ- أثر الوسطية على الأمة الإسلامية:
لا تتحقق الوسطية والاعتدال البعيدين عن التطرف والإرهاب من جهة، والعلمانية والإلحاد من جهة أخرى إلا بتحقيق أمن فكري يمكنه أن يقف سدا منيعا في وجه الانحراف في التصور العقدي، والآفات التي تطوق العقل وتجعله عرضة للانزلاق في براثن الوهم والخطأ، فمتى غاب الفكر الوسطي، طغى أحد الفكرين إما الفكر التكفيري المنظر للإرهاب، والمستند على التأويل الباطل للنصوص، والقصور في الفهم الصحيح لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ومحاولة تقنينه بزعم أن مرجعيته إسلامية، وإما الفكر الإلحادي الذي يلغي الدين، ولا يؤمن إلا بالمادي والملموس من الأمور، وما ذاك إلا نتيجة لضحالة المعرفة، وتكبيل العقل بأفكار لا تتعدى المرئي والمحسوس.([21])
إن هذا العبث الفكري بنقيضيه أنتج حالة هي مزيج من الغضب والشك والهروب، وقد زاد الأمر تعقيدا افتقاد الكثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم للفهم الشرعي الصحيح للوسطية جعل كثيراً من صور العمل الإسلامي تتجه إلى الرؤى المتقابلة فصار قانون التضاد يمثل واقعاً في الأعمال الإسلامية بقدرٍ كان ينبغي ألاّ يوجد، مع أنه بحمد الله لا زال في أهل الإسلام ودعاته خير كثير واعتدال محمود([22]).
إن الوسطية ليست منتصف الطريق بل هي الطريق ذاته، وهي ليست حقا مطلقا تملكه جهة أو جماعة أو حزب وإلا انقلبت تطرفا بغيضا يزيد الأمة غمة وفرقة، إنما هي حبل النجاة للأمة ترفع رايتها عالية بين الأمم، تمنعها من أن تضرب حول نفسها طوقا من العزلة، وتحمي خصوصيتها وتميزها عن باقي الأمم، وهي حصن منيع في وجه الانزلاق بها في براثن الانحراف الفكري وتنامي الفكر المتطرف، وقبول فتاويه التكفيرية والهدامة، ذلك أن الجهل بالدين، وليس الدين، هو أس الإرهاب ومنبعه.
إن ثنائية الجهل بالدين والتطرف أخطر على الأمة بكثير من أعدائها التقليديين فخوارج عصر الرسالة قتلوا خيرة الصحابة، وقتلوا خليفتهم وإمامهم العادل علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لقد قتله من ظُنَّ فيه الصلاح والتقى، والفقه عبد الرحمن بن ملجم الذي قرأ القرآن على معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وكان من العباد المعدودين قبل خروجه، حتى يقال إن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله أن يوسع دار عبد الرحمن بن ملجم ليعلم الناس الفقه والقرآن، ثم كان من شيعة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وشهد معه صفين([23])، وفي النقيض المحمود يذكر عن خالد بن الوليد أنه أم الناس بالحيرة ثم قرأ من سور شتى ثم التفت إلى الصحابة حين انصرف فقال:" شغلنا الجهاد عن تعليم القرآن"([24]).
وخوارج العصر روعوا الآمنين وقتلوا المعصومين، وفتكوا بالوحدة وجمدوا حضارة بنيت بسواعد المخلصين على مر القرون وقد ربط الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الغلو بالهلاك فقال:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([25]).
إن الغلو والتطرف يورث حالة من عدم الاستمرارية، وينفر النفوس من الأمور المتطرفة وإن أقبلت عليها في البداية متلهفة، يقول الإمام الغزالي معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ)([26]): " أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه" .([27])
لذلك كله تبقى الوسطية سياجا مهما للرد على من يزعم أن الإسلام ينتمي إلى الماضي، ويدعو إلى القتل ويصادر الآخر ويتعارض مع العقل، ([28]) وحصنا يمنع المسلم من الردة عن دينه اسما ورسما بسبب التعنت والتطرف وتحميل النفس ما لا تطيق.
ب- أثر الوسطية على العالم:
إن الوسطية في السلوك الإنساني مطلب عالمي، وأمنية بشرية، ووسيلة مهمة لكل المجتمعات لكي تعيش في أمان واستقرار وسعادة، والمرجع الوحيد بعد الإفراط والتفريط،([29])ولقد شهد الغرب قبل العرب على وسطية الإسلام وسمو رسالته يقول هاملتون جب: أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب، وإنه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدّ من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الإسلام([30]).
إن بيان أهمية الوسطية في حياة الأمة والعالم يتجلى واضحا عند التطرق لمخاطر الانحراف الفكري الذي يجعل الأمة تعاني الأمرين، عقوق أبنائها، وتكالب أعدائها، ويمكن هنا الحديث عن أهمية الوسطية على مستويين:
1- على مستوى الرأي العام العالمي:
إن ظهور الفكر المتطرف في مناطق وإن كانت محدودة في العالم الإسلامي مقارنة بالفكر الوسطي في ظل القرية الكونية وسهولة وصول المعلومة في ظل العولمة الإعلامية، والحملات الشرسة على الإسلام، أصبح مطية لأعداء الدين حيث يزعم مناهضوه أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يحول دون إحلال السلام، وإشاعة الوئام والانسجام بين أبناء الأرض مثل المسلمين الذين يستعملون العنف والإرهاب ضد خصومهم ومخالفيهم، ومن ثمة ينبغي على شعوب الأرض أن تتخذ الأساليب والسبل لصدهم ومنعهم مسخرين لذلك الترسانة الإعلامية الضخمة لاستعطاف الرأي العالمي الغربي، وكسب تأييده بعد إرهابه وتخويفه.
2- على مستوى الدول:
الإرهاب ظاهرة عالمية مركبة ومعقدة متعددة الأسباب، وأكثر من عانى من ويلاته هي الدول الإسلامية التي غرر بشبابها المتحمس من جهة، ثم أرهبت من القوى الخارجية بدعوى الضربات الوقائية ومكافحة الإرهاب من جهة أخرى، حيث تم تشويه صورة الإسلام لدى العامة من الغرب، لإعطاء الذريعة لأعدائه لضرب البنى التحتية للأمة بدعوى الضربات الاستباقية أو الوقائية، ووضع اليد على ثرواتها بدعوى إعادة الاعمار، واستعباد أبنائها بدعوى التحرير، وتقويض الشرع بدعوى أن الدين أفيون الشعوب.
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
في ظل عولمة غربية وحالة جمود إسلامية يجد المسلم نفسه بحاجة إلى ضوء في آخر النفق يجدد له إيمانه برسالته ومهمته في الحياة، ويحصنه من الوقوع في مستنقع العنف والغلو والتطرف والإرهاب، وغير ذلك من ما يندرج تحت مسمى الانحراف الفكري([31])والذي تتعد مظاهره، وتتنوع أسبابه.
أولا: مظاهر الانحراف الفكري
1- الغلو:
الغلو في اللغة: مجازوة الحد، يقال غلا السعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلوا، إذا جاوز حده، وغلا بسهمه غلوا إذا رمى به سهما أقصى غايته([32]).
يقول الطبري في شرح قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾، النساء:171:" لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه، وأصل الغلو في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده، يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غلوا"([33]).
أما في الاصطلاح فيعرفه شيخ الإسلام بن تيمية بأنه:" مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده، أو ذمه على ما يستحقه ونحو ذلك"، ([34])ويشرح ابن قيم الجوزية المقصود من الغلو شرحا وافيا في قوله رحمه الله: "فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد"([35])، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَمْرٍ إِلا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ : فَإِمَّا إِلَى غُلُوٍّ ، وَإِمَّا إِلَى تَقْصِيرٍ فَبِأَيِّهِمَا ظَفَرَ قَنَعَ ).([36])
وقال النووي في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا)([37])، أي المتعمقون، المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"،([38]) وقال صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([39])، وجاء عن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال : " خَيْرُ النَّاسِ النَّمَطُ الأَوْسَطُ الَّذِينَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِهِ الْجَافِي"([40]).
2- التطرف:
التطرف في اللغة هو: مجاوزة حد الاعتدال والتوسط،([41]) أما في الاصطلاح فهو: " الغلو والتنطع في قضايا الشرع، والانحراف المتشدد في فهم قضايا الواقع والحياة "،([42])ويعرفه القرضاوي بأنه:" الوقوف في الطرف بعيداً عن الوسط، وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم ينتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين أو الفكر، أو السلوك، ومن لوازم التطرف أنه أقرب إلى المهلكة والخطر وأبعد عن الحماية والأمان".([43])
والتطرف أعم واشمل من الغلو لأنه يكون شاملاً للغلو والتقصير فكل غال متطرف، وليس كل متطرف غالياً،([44]) وكثيرا ما ينسب هذا المصطلح للإسلام والمسلمين، بناءا على أفعال وأقوال صدرت من بعض أبنائه الذين أقل ما يقال عنهم أنهم جاهلون لأحكام الإسلام مغرر بهم، في حين أن المتأمل لنصوص الشرع يجد الإسلام كدين بعيد كل البعد عن التطرف والانحراف، قريب كل القرب من الوسطية والاعتدال، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، (البقرة:143).
3- الإرهاب:
مصطلح الإرهاب في الاصطلاح المعاصر يختلف عن ما عرفه العرب قديما، وهو يقابل ما يعرف في اللغة الإنجليزية" terrorism"، كما يشير الكثير من الباحثين أن مصطلح الإرهاب ظهر في الساحة السياسية العالمية بعد الثورة الفرنسية حيث ارتكبت الممارسات القمعية والتصفية في حق أعداء الثورة لقطع الطريق أمام من يريد القضاء عليها([45])، وقد حاول العديد من الباحثين والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية وضع تعريف محدد للإرهاب.([46])
ثانيا: أسباب الانحراف الفكري
لعل أهم أسباب الانحراف الفكري المتمثل في الغلو التطرف والإرهاب ما يلي:
1- حالة الإحباط السياسي التي تسود العالم الإسلامي:
لقد أصبح الإحباط السياسي ظاهرةً واضحة المعالم ترصدها العين المجردة في التجمعات الشعبية وفي المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتنوع هذا الإحباط بين داخلي وخارجي:
فالإحباط الداخلي نشأ من الظروف السياسية التي تعيشها بعض الدول الإسلامية حيث الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية، ثم ترجم هذا الإحباط إلى غضب تحول إلى تصرفات عدوانية تنامت للتتحول إلى إرهاب منظم ضد أجهزة الدولة.([47])
وأما الخارجي فإن أبرز مسبباته حالة الاستعمار التي عانت منها الشعوب الإسلامية لعقود، وما زالت تعاني من تبعاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، فالاستعمار هو أس الإرهاب ومنبعه والذي لم يكتفي باحتلال الأرض بل انتهك العرض واستعبد الشعب وأرهبه، فملأه حقدا ورغبة في الانتقام، أضف إلى ذلك مجازر الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين واللبنانيين،كل ذلك يولد لدى شباب الأمة حالة من الغضب هستيرية قد تجعله يجانب الصواب في ردود أفعاله، وقد جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 1973م حول الإرهاب الدولي:" يعود نشوء الإرهاب السياسي إلى أعمال القمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل تحريرها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها واستقلالها وفي حرياتها الأساسية الأخرى"([48]).
2- الحالة التربوية:
من المؤسف أن تهتم الدول الإسلامية بالمناهج التربوية فيما يتعلق بالعلوم التجريبية على حساب العلوم الشرعية، وكنتيجة لذلك قلَّ الإقبال على هذا التخصص المبني على الحب للشريعة والرغبة في نشرها والذود عنها، وإن كانت نتائج هذا الخلل لم تظهر في حينها فقد ظهرت الآن عندما أنشأت المنظومة التربوية عن غفلة منها جيلا يعاني من الأمية الدينية، فلا الاهتمام بالعلوم التجريبية طور هذه الدول، ولا إهمال العلوم الشرعية أمنَّها من مخاطر التطرف والإرهاب، فمع قلة الاهتمام بالعلم الشرعي وغياب الضوابط الشرعية، يسهل على المتطرفين استدراج شبابنا المتحمس لنصرة دينهم.
3- الجهل بفقه الخلاف وحب الجدل:
كثيرا ما يحل العنف في المسائل الاجتهادية محل الحوار، بل ويتطور الأمر إلى حد التبديع والتفسيق ثم التكفير واستباحة الدماء المعصومة، وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:" ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"([49])، فلا يجوز لأحد أن يكفر مسلما موحدا بذنب يرتكبه ما لم يستحل ذلك، فما بالك بالأمور الخلافية.
وانظر إلى الرجل الذي سأل سيدنا علي فلما أجابه، فقال الرجل:" ليس كذا يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا"، فقال:" أصاب وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم"، قال الغزالي معلقا:" وهكذا يكون إنصاف طالب الحق!! ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده".([50])
كما نهى النبي الكريم عن الجدل؛ وذلك لمعرفته بما يجنيه هذا الأخير على أمته، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ)([51])، إذ هو من أخطر الأمراض التي تفتك بالشباب المبتلى بالفراغ الديني، فينشغل بالقضايا الجزيئية أو الأحداث التاريخية المنتهية ولا يسأم من المجادلة فيها، وينصرف عن القضايا المصيرية للأمة، في الوقت الذي طالت فيه العولمة كل مقومات الأمة من ثقافة ودين وهوية، وأصبح للعلمانيين منبرهم ولليمينين منبرهم، وحيث الحملات التنصيرية مستعرة في دول افريقية الفقيرة والمسلمة.
3- الفكر الجهادي المغلوط لدى بعض الجماعات الدينية:
من المآخذ التي تؤخذ على الكثير الجماعات البعد عن الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فكثير من الأحزاب والجماعات تأسست بناء على قراءات خاصة ومفاهيم مغلوطة عن الجهاد والإمارة والتعامل مع الحاكم حالة الفتنة، والتي تعتمد في دعوتها على الشحن العاطفي المبني على المغالطة الفكرية والدينية، وكل ذلك ناتج عن إهمال الجانب التربوي والديني لدى أفراد المجتمع في فترة الدراسة ما جعلهم عرضة للانحراف وصيدا سهلا للشعارات البراقة عن إقامة الدولة الإسلامية المنشودة التي ظاهرها الصلاح وباطنها الخراب والدمار؛ وما يطفح به العالم الالكتروني من عناوين بجواز قتل النساء والأطفال والسفراء .....وغيرهم، خير دليل على الفكر المأزوم الذي ابتليت به الأمة.
4- ضعف دور العلماء في التوعية الدينية لشباب الأمة:
يتحمل علماء الأمة ومفكروها في جميع المجالات وزرا لا يستهان به فيما يتعلق بانحراف الشباب فكريا، وذلك أن العلماء عزلوا أنفسهم بقصد وبدونه عن شريحة واسعة من شبابنا الذين التبس عليهم الحق بالباطل، فراحوا يبحثون بأنفسهم عن مخارج شرعية لحالة الإحباط السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشه الأمة دون الرجوع إلى العلماء ولا يخفى خطر ذلك على أحد، قال ابن مسعود: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" ، قال ابن قتيبة في تفسير ذلك: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه حِدة الشباب ومتعته وعجلته واستصحب التجربة في أموره فلا تدخل عليه في علمه الشبه ولا يستميله الهوى ولا يستزله الشيطان، والحَدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ".([52])
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
الحج بوصفه أعظم الشعائر الدينية، يجمع في مؤتمره السنوي ملايين الحجاج من كل البقاع محرمين ملبين لله تعالى راغبين، تتعدد انتماءاتهم السياسية، وتختلف مشاربهم الفكرية لكن توحدهم التلبية لله عز وجل في صورة فسيفسائية جميلة، وتزيد في رسوخ العقيدة الوسطية في قلوبهم وعقولهم ثقافته الراقية التي تتبنى اليسر والبر والتقوى منهجا وشعارا.
أولا: معاني الوسطية في شعائر الحج
شهر الحج وما يصاحبه من عبادات وقربات أشبه بأن يكون مركز تدريب مكثف للمسلمين روحيا وماديا ليحققوا النهضة الحضارية والخيرية الكونية التي شرفهم الإسلام بها، حيث يسطر أعظم ما في الخصال التالية:
1- الحج وعالمية الإسلام
إن أول ما افتتح الله عز وجل به كتابه العزيز قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الفاتحة: 02، حيث عرف عن نفسه لعباده بأنه رب العالمين عربا وعجما بدوا وحضرا مسلمين وكفارا، وكذا كان رسوله الكريم في دعوته للإسلام قال تعالى عن نبيه محمد: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾، الأنبياء:107، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، سبأ:28.
إن ما سبق ذكره يؤسس لعالمية الرسالة المحمدية باعتبارها آخر الرسالات وإذا كان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا إلى أقوامهم، فإن الحبيب المصطفى كان المرسل بالدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء بجميع ألوانها وأجناسها بجميع عصورها وأزمنتها، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾، الفرقان:01، وقال صلى الله عليه وسلم:( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ).([53])
إن الإسلام حق مشاع وثروة مشتركة لجميع الأمم والشعوب، والعناصر والأجناس،([54])وهو الدين الذي ارتضاه الله ورسوله للبشرية وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وختم بها حديثه مع المسلمين وغيرهم فقال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، المائدة:3، يقول صاحب التحرير معلقا على الآية: لا شك أن أمر الإسلام بدأ ضعيفا، ثم أخذ يظهر ظهور سنا الفجر، ....ثم لما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين، وغلب الإسلام على بلاد العرب، تمكن الدين وخدمته القوة، فأصبح مرهوبا بأسه، ومنع المشركين من الحج بعد عام، فحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام عشرة وليس معه غير المسلمين، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين: بمعنى سلطان الدين وتمكينه وحفظه، وذلك تبين واضحا يوم الحج الذي نزلت فيه هذه الآية .([55])
إن تعدد الأجناس والألوان في هذا المؤتمر السنوي الذي ينفرد دون غيره من المؤتمرات باشتراط الإسلام والقدرة والاستطاعة فقط لحضوره، دون الشهادات والعلاقات، لدلالة على عالمية الإسلام وتفرده الجميل بين باقي الديانات وباقي المعتقدات.
2- الوحدة والتآخي :
إن هذا المنسك السنوي المقدس يقرب بين أبناء الأمة بعضهم بعضاً، ويحقق التعارف بينهم كأفراد وجماعات، وتتجلى مظاهر الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية في كل تفاصيله، حيث تتوحد جسور التواصل بين هذه المجتمعات الإنسانية بعيداً عن توجهات حكوماتها وسياساتها التي قد تتعارض فيما بينها، وتبدي قدرة بارزة على الاتحاد والتوافق رغم المحن والعقبات، في صفوف متراصة مؤمنة وملتزمة، يجمعهم الحب لله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف حتى قيل في قوله تعالى: ﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾، الحج: 31، أي حجَّاجاً، وجعل الله بيته الحرام قياماً للناس، فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه، فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرَّت السماء على الأرض، هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس "([56]).
يقول اتيين دينيه: "إن الإسلام بلغ من تماسك بناءه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا، ففي أقل من مئة عام ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم ......أن يستولوا على أغلب بقاع العالم القديم: من الهند إلى الأندلس".([57])
إن قائد أي جيش في العالم مهما بلغ من القوة والعظمة لا يستطيع ضبط الجيش المحترف إذا بلغ من العدد مبلغا لكن إمام الحرم يستطيع ضبط ما يزيد عن مليوني حاج على اختلاف أعمارهم ومكتسباتهم العلمية ومداركهم الفقهية، فيكفي أن يقول: استووا يرحمكم الله ليستوي الحجاج في مشهد مهيب يتلوه ركوع موحد وسجود موحد وتسليم موحد...إنها الوحدة في أبهى وأرقى صورها.
3 - المساواة:
لقد انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية بتضحيات جسام قدمها المسلمون الأوائل على اختلاف أعراقهم وألوانهم جمعهم الدين الجديد أمثال خالد بن الوليد العربي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، ثم امتدت إمبراطوريته العظمى شرقا وغربا شمالا وجنوبا على يد عظماء أمثال طارق بن زياد البربري، وحفظت علوم الدين قديما على يد مسلم والبخاري ومالك والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، والطبري وتطورت على يد ابن خلدون، والخوارزمي، والبيروني، والحسن بن الهيثم، وعمر الخيام، وابن سينا، والرازي، والألباني، وغيرهم من عظماء السند والهند وشمال افريقية والسودان والشام والحجاز.
لقد جسد المسلمون الأوائل معاني خطبة الوداع للحبيب المصطفى أمام ما يزيد على مائة ألفٍ من المسلمين واعتمدوا دستورهم الجديد والقانون الذي لم يألفه العرب من قبل حيث أعلنها صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي واضحة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([58]).
4- التقوى:
التقوى في الحج تكون بتعظيم شعائره، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، الحج: 32، ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، البقرة: 158، ويقول: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾، الحج: 30، وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا- يعني الكعبة- ، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا )([59]).
وأفضل زاد يحمله الحاج معه في رحلته الروحية هو التقوى، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، البقرة: 197 ؛ كما قال ابن رجب - رحمه الله:" فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى، ولا دعي للحاج عند توديعه بأفضل من التقوى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع غلاما للحج فقال له: "زودك الله التقوى"،([60]) ذلك أن الحج على كثرة مناسكه وكثرة قربات الحاج فإن التقوى هي مقياس القبول أو الرفض للأعمال، قال تعالى: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾، الحج: 37.
5- البر:
من أسمى المعاني التي يستوجبها الحج المبرور والتي تسهم في رص صفوف المسلمون وتحابهم وتنزع الغل من قلوبهم:
أ- الرفق بالحجيج في الطواف والإفاضة وعند مزدلفة فقد سَمِع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل، فقال:( وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ )([61]).
ب- بدْل الطعام وإفشاء السلام حيث قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحَجٌّ المَبْرُورٌ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ "، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الحَجٌّ المَبْرُورٌ ؟، قَالَ : " إِطْعَامُ الطَّعَامِ , وَإِفْشَاءُ السَّلامِ) ([62]).
ج- اليسر([63]): يتجلى اليسر في محطات كثيرة من محطات الحج، في جواز التأخير في رمي الجمارات، وفي تأخير طواف الإفاضة، وفي سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، وفي اختلاف الحجاج في مغادرة مكَّة والخروج منها، فمنهم المتعجِّل، ومنهم المتأخر: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾، البقرة:203، وقبل ذلك كله في فرض الحج على المستطيع مرة في العمر.
6- العفو والصبر على الأذى:
العفو خلق كريم تحلى به رسولنا الأعظم وحث الصحابة ومن بعدهم المسلمين على التحلي به، وضرب لنا في ذلك مثلا رائعا عن العفو بعد المقدرة وهو ما لم نجده في الحروب التي يذكرها الغرب في كتب التاريخ، فالنبي عاني الأمرين من قريش، فلما كان يوم الفتح قال سعد بن عبادة:" يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا....وقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول الله ما نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشا)، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله".([64])
إن الحج عبادة بدنية قد يصاحبها مشقة في تحقيق أركانها مع كثرة الحجيج واختلاف طبائعهم والتزامهم بوقت واحد للعبادة؛ لذلك كان لزام على الحاج التحلي بالصبر والدفع بالحسنى وبذل بعض التنازل في سبيل ضمان سير الأمور دون أن يستشعر الدنية في صبره وتنازله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وما زَاد الله عَبداً بعَفو إلا عِزًّا)([65])، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، آل عمران: 146.
كما يجب على الحاج تجنب الخوض في المسائل الخلافية والجدال والرفث محتسبا فعله هذا لله عز وجل قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ﴾، البقرة: 197، وقال صلى الله عليه وسلم:(أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ).([66])
إن الرسول الأعظم ضرب لنا أمثلة واضحة في حسن الخلق والصبر على البلاء وتجنب الفحش من القول والفعل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ:( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)"([67]).
7- تعلم ثقافة الاختلاف ونبذ التعصب:
إن أهم درس يمكن للحاج تعلمه هو ثقافة الاختلاف، فالحج مهرجان يبرز تعدد الأعراق واختلاف الأزياء وتنوع العادات والتقاليد وكثرة اللهجات وتباين الطبائع، وهو فرصة ليكتشف الحجاج كلهم التنوع المحمود في الأجناس وفي المرجعيات الدينية السنية - فهذا مصري شافعي وهذا مغربي مالكي، وهذا شامي حنفي وهذا حجازي حنبلي- وفي المنطلقات الفكرية، وقد قيل قديما: الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
هذا التنوع المحمود يؤسس لرسوخ الفكر الوسطي لدى الحجاج فالتآخي والتعاون والبر الذي يصاحب هذا التنوع يورث الاحترام المتبادل، واستشعار النية الصادقة لخدمة الإسلام بين جموعهم تجعلهم على مسافات متقاربة فكرا وتدينا وحبا للخير وعملا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾، أخوة قد لا تخلو من بعض الاختلاف وسوء الفهم لذا أتبعها الله تعالى بقوله: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إصلاحا لا يخلوا من التقوى فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، الحجرات: 10.
8- حرمة دماء وأموال المعصومين:
إن أعظم قيمة إنسانية أقرها الرسول الكريم في خطبة الوداع هي حرمة دماء المعصومين حينما قال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ..... فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([68])، وقدمها على حرمة الكعبة حيث خاطبها وهو يطوف بها فقال: ( مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْء)([69]).
إن الحجاج على اختلاف أعمارهم خاصة الشباب في حاجة ماسة إلى هذه القيم الربانية التي تحصنهم من العنف والغلو والإرهاب، والحج فرصة سانحة لغرس هذه القيم بين المسلمين، فالجهل بالدين وليس الدين هو أفيون الشعوب.
9- الجمع بين الحج والتجارة:
الحج وإن كان أياما معدودات يؤدي فيها الحاج شعيرة سنوية تفرض مرة واحدة في العمر، فإن الله عز وجل رخص فيها بالاتجار، فقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾، البقرة: 198، والمراد بالفضل في الآية التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق، فدلَّت الآيةُ على جواز التجارة للحاج حالَ السفر لتأدية ما افترضه اللهُ من الحجِّ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:" كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ في مواسم الحج"([70]).
إن هذا الجمع بين العمل الديني والعمل الدنيوي في الآية الكريمة: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، الحج: 28 يدل على أن تعاليم الشرع تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، حيث يستطيع الإنسان أن يعبد ربه بينما يكون منهمكا في شئون حياته اليومية، إذ لا رهبانية في الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَلا مَنْ تَرَكَ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ, حَتَّى يَنَالَ مِنْهَا, فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَبْلَغُهُ إِلَى الأُخْرَى, وَلا تَكُنْ كَلا عَلَى النَّاسِ ).([71])
ثانيا: استثمار معاني الوسطية في الحج في نشر الفكر الوسطي
1- إشراك الحجيج في عملية التعريف بالوسطية:
إن نجاح أي مشروع مرهون بمدى تقبل الناس له ورغبتهم في استمراره، والفكر الوسطي باعتباره مشروع أمة وطريق فلاح لابد لنجاحه من إشراك جميع عناصر المجتمع المسلم في فهمه الفهم الصحيح وتمكينه من حياتهم باتخاذه منهجا وسبيلا، وإذا كنا نهدف إلى الاستفادة من الحج لإشاعة هذا الفكر فلا أحسن من إشراك الحجيج في هذا المشروع النهضوي، وبخاصة فئتي النساء والشباب.
أ- إشراك المرأة في نشر الفكر الوسطي:
إن إشراك المرأة في التعريف بوسطية الإسلام أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال العمل على فتح فضاءات حوارية على هامش الحج تجمع الداعيات والمفكرات بنساء الحجيج من كل البلاد كل حسب لغته للتعريف بدور المرأة الخطير في تربية أبنائها على الوسطية وحمايتهم من الوقوع صيدا للفكر المتطرف.
إن قدسية المكان والزمان كفيلة باستنهاض الهمم والتعريف بعظم المسئولية الملقاة على عاتق المرأة المسلمة في نشر الفكر الوسطي بين الأسرة والمجتمع، فالتربية السليمة وإن كانت تأخذ وقتها في تحقيق النتائج هي أقصر الطرق وأنجعها لحماية الإسلام من أعدائه التقليدين والمعاصرين، إننا ومن خلال هذه الفضاءات نستطيع تكوين شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في حماية الدين من الحملات المسعورة التي تتوالى تباعا على أمتنا.
ب- إشراك الشباب في نشر الفكر الوسطي:
إن أكثر ضحايا الفكر المتطرف هم الشباب ممن تقطت بهم السبل السوية، وطغت على عقولهم الأمية العقدية التي تمخضت من ضحالة المعرفة، وقصور في الفهم الصحيح للمنهج الرباني، وتشبع بالأفكار هدامة التي ولدت لديهم مفاهيم خاطئة عن الجهاد، ترجمت إلى جرائم تخرج عن نطاق التصور وتخالف الفطرة الإنسانية السليمة، والتي اتخذت من فتاوي التكفير والجهاد مرجعية لها.([72])
إن استغلال الحالة النفسية للحاج الشباب التي تساعده على قبول الحوار وتقبل ثقافة الاختلاف تمكن من تحصينه حتى لا يقع عرضة للأفكار المنحرفة والآراء الهدامة، وتغرس في نفسه رسالة هي في غاية الخطورة والأهمية مفادها أنه يتعين على المستفتين الرجوع في مسائلهم إلى العلماء الربانين المشهود لهم بالتقوى.
كما أن فتح أبواب الحوار على مصرعيه أمام الشباب وإعطائهم الفرصة لعرض أفكارهم مهما جانبت الحق إفراطا وتفريطا والرد عليها بالعقل والحكمة والنص الشرعي القاطع سيحرر عقولهم ويفتح قلوبهم ليتحولوا من معول هدم إلى وسيلة بناء، ومن طاقة سالبة مهدرة إلى طوفان ايجابي يبني الأمة ويرفع رايتها عالية بين الأمم.
2- إشراك الإعلام في التعريف بالوسطية:
الحج مؤتمر سنوي يحضره المسلمون من كل فج عميق تجمعهم التلبية للنداء والوحدة في أداء الشعائر في جو مهيب يجعل من الصورة رسالة قوية كاملة الأركان، هذه الرسالة التي يمكن لوسائل الإعلام نقلها من أرض الحدث إلى كل بقاع الأرض على المباشر؛ لتعرف العالم أجمع بالإسلام وخصوصيته وكثرة أتباعه وسهولة اعتناقه.
ونقصد هنا الإعلام بشقيه، الإعلام الغربي والإعلام التابع للدول المسلمة والذي يبث بلغات شتى، فالحج فرصة سانحة للتعريف بعالمية الإسلام وقيمه السامية، والتركيز على إبراز معاني الوسطية والاعتدال في الحج من خلال الوقوف على شعائر الحج ورصد تحركات الحجيج وما تبرزه من تنوع بشري يقل نظيره أو يكاد يستحيل في غير الحج بشهادة مفكرين وعلماء غير مسلمين كالسير طوماس أر نولد يري" في الحج عملا ساميا، نجد زنجي ساحل إفريقيا الغربي يلتقي بالصيني من أقصى المشرق، ويتعرف التركي على أخيه من جزر الملايو في عطف وحنان ويجتمعون حول الكعبة التي يولون وجوههم شطرها في كل ساعة من ساعات عباداتهم الخاصة في أوطانهم النائية، لم تستطع أي محاولة يقوم بها عباقرة أي دين أن تتصور وسيلة أحسن من هذه الوسيلة "....([73])، ثم يقول في موضع آخر يقول:" كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".([74])
كما يمكن للإعلام توظيف ما كتبه المسلمون الجدد عن الإسلام، ذلك أنهم أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، فقد ولدوا في البيئة الغربية وتربوا على الطريقة الغربية واستطاعوا بصفاء فكرهم من جهة وبفهمهم العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقوا الإسلام، كما استطاعوا في كثير من الأحيان أن يدافعوا عنه أحسن ممن ولدوا مسلمون؛ لأن لهم قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إننا بذلك نقطع الطريق على من يروج للإسلام فوبيا على أنه حتمية صنعها المسلمون بدينهم وما يحتويه من قتل وإكراه وتسلط على الحريات، وعلى من جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة الفهم الصحيح للإسلام.
3- إقامة المعارض والندوات وتوزيع المطويات:
أثبتت التجارب أن المعارض والحملات وسائل فعالة في الترويج للأفكار بين الفئات المستهدفة، فالمعارض تعمل على رفع الحس بالمسئولية عند الحاج، والحملات التوعوية تحسن أداءه والتزامه بالانضباط والأمانة والنظافة وتعرفه بالفكر الوسطي وتزداد فعاليتها عند إشراك الحجاج أنفسهم في الحملات وتوفير الوسائل المادية والقادة الميدانيون المتطوعون من شباب السعودية والدعاية لها في المواقع الالكترونية والقنوات الإعلامية.
كما أن توزيع المطويات يساهم في تسهيل القراءة على الحاج والوصول إلى المعلومة المفيدة واستغلال وقت الحج فيما هو مفيد من عبادة وعلم وخير، إضافة إلى استخدام اللوحات الاشهارية للترويج للفكر الوسطي فالصورة تكون في كثير من الأحيان أبلغ الخطابات، وأكثر وقعا ومن وقع الكلمات.
4- التنسيق مع بعثات الحج من أجل تهيئة الحاج للفكر الوسطي:
تلعب بعثات الحج دورا هاما في تسير شئون الحجاج كل حسب بلده، وتضطلع بدرو مهم في تهيئة الحاج وتدريبه على شعائر الحج وعلى الظروف المصاحبة لها من كثرة للحجيج والتزام بوقت واحد لأداء الشعائر وما يصاحب ذلك من صعوبات ومشاق قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ما لا يحمد عقباه من تدافع قد يسبب الموت.
كما يمكن التنسيق بين البعثات ووزارة الحج السعودية لضبط برنامج متكامل وشامل يكون بمثابة دورة تدربية للحاج حول كل ما يحتاجه لضمان حج مبرور، وتضمين هذا البرنامج التعريف بمعاني الوسطية في الإسلام وخطر التطرف على الأمة والعالم، من خلال دورات مكثفة تقام للحاج في بلده، ثم استكمال البرنامج في الحج وما يضفيه من جو مهيب وقدسية للمكان والزمان تجعل أهداف البرنامج تحقق وتؤتي أكلها المنشود.
كما يمكن لبعثات الحج والاستفادة من التجارب الناجحة في مجال تدريب الحجاج كالتجربة الماليزية التي أبدعت في تنظيم شئون الحجيج وإعدادهم للحج من خلال دورات تدريبية تقام لهم قبل وصولهم إلى المملكة مما يسهل على القائمين على الحج والسير الحسن له ضمان أداء الحجاح لشعائرهم في ظروف مشجعة ومرضية للطرفين.
الخاتمة:
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يستفيد المسلمون من هذا الدرس السنوي العظيم حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فيعودون إلى ديارهم حجاجا ميامين محملين بمبادئ الوحدة ومساهمين في تحقيق المساواة بينهم بعيدا عن الماديات والفتن والشهوات.... ما أحوجنا إلى الوسطية والاعتدال في حياتنا وفي حلنا وترحالنا ......ما أحوجنا لأن يحل البناء محل الهدم والعلم محل الظلم ....والتعايش محل التنافر....والتساند محل التعاند فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
التوصيات:
- أن ظاهرة التنطع والغلو في الدين من أكبر التحديات الفكرية التي يواجهها شباب الأمة الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال الديني والخلقي حيث يجب الأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، من خلال الاهتمام بهم واحتوائهم.
- إذا كانت العولمة سلاحا وظف للنيل من الهوية الإسلامية، فإنه يمكن توظيفها لخدمة الدين الإسلامي والتعريف به وبسماحته وبركنه الأعظم الحج من خلال وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية .
- ضرورة الاستفادة من خبرة المنظمات الدعوية العالمية والمحلية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعات الإسلامية وغيرها من المنظمات والهيئات والتنسيق فيها بينها لتبني مشروع غرس الفكر الوسطي بين جموع الحجيج.
- استضافة علماء وعباقرة الغرب الذين كان الإعجاز العلمي للقرآن سببا في إسلامهم، لتعريف الحجيج أن الإسلام دين عقل ونقل ومن يدعي التعارض بينهما قليل علم وورع أحق أن لا يلتفت إلى كلامه.
- إحياء السنن النبوية فيما يتعلق بفقه الخلاف ومعاملة الآخر وتعليمها للحجيج وبخاصة شباب منهم لصناعة جيل رباني يسعد في الدارين ويسعد من جاوره من الأمم بأخلاقه الربانية.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
د. أم كلثوم حكوم داوود بن يحي
أستاذ مشارك/ جامعة الملك خالد
بحث مقدم إلى ندوة الحج الكبرى/ وزارة الحج السعودية1436هــ
مقدمة:
الحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا أمة وسطاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنزل عليه قول ربه سبحانه: ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾، الكهف:28، وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا منهجاً وسطاً، فلا تجاوز ولا شطط، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحث في نصرة الدين الخطى، أما بعد:
فإن الإسلام دين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والوسطية والاعتدال سمتان بارزتان للأمة الإسلامية تميزت بهما عن أهل الإفراط من جنس اليهود ممن قتلوا الأنبياء وحرموا كثيرا من الطيبات التي أحلها الله، وعن أهل التفريط من جنس النصارى ممن ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم، وأحلوا الخبائث افتراء على الله تعالى.
وقد وعى الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يد سيد الخلق معنى الوسطية وأهمية الحفاظ عليها باعتبارها خصوصية للأمة الإسلامية بين الأمم السابقة فلا هي مُفَّرِطة في تدينها ولا هي مُفْرِطة في دينها، بل هي وسطية مسئولة شهيدة على باقي الأمم، فتبنوا الوسطية منهجا وسبيلا وعلموها للتابعين وتابعيهم، فها هو الحسن البصري يسأله أعرابي فيقول: "يا أبا سعيد، عّلمني دينا وَسُوطًا، لا ذاهِبا فَروطًا، ولا ساقطًا سقوطًا"، أي دينا متوسطًا، لا متقدما بالغلو، ولا متأخرا بالتلو، قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي"، خير الأمور أوساطها.([1])
وإذا كان منهج الوسطية والاعتدال يتجلى في كل شعائر الإسلام، فإن الحج بوصفه من أعظمها حيث الذكر والتوبة والطاعة والتقرب إلى المولى وما تحققه من سلام داخلي للحاج، وحيث يجتمع المسلمون من كل الأقطار تلفهم خرق بيضاء غنيهم وفقيرهم عزيزهم وذليلهم لا تكاد تفرق بينهم تجمعهم الايجابية والرحمة والبساطة وما تحققه من سلام خارجي، ينشد في مناسكه وفي ثقافته إشاعة الوسطية والاعتدال بين جموع المسلمين.... يوحد كلمتهم ويجمع فرقتهم ويذكرهم بمنزلتهم بين الأمم وبواجبهم تجاه أنفسهم، وتجاه دينهم.
لقد صار لزاما على المسلمين في ظل الظروف الراهنة والتحديات المتراكمة أن يروا في شعيرة الحج وثقافته النيرة فرصتهم السانحة ليبرزوا للعالم أجمع هذه القيم وهذه الإنسانية التي تتجلى في أبهى صورها حيث الناس من كل المعمورة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولهجاتهم تجمعهم التلبية لنداء الحج بقلوب خاشعة ونفوس راضية، لا فوراق تميزهم لا مصالح تفرقهم فهم سواسية، تتلاشى العادات والموضات والطبقات إلا من أتى الله بقلب سليم، وبأنهم أمة واحدة مهما عصفت بهم الفتن ومهما تربص بهم المتربصون ....مصيرهم واحد ودينهم واحد وربهم واحد فلا مكان بينهم للغلو والتطرف ...ولا مكان بينهم لتعصب والعنصرية التي قال عنها الحبيب المصطفى:( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )([2]).
إن السؤال الذي يطرحه هذا البحث هو: كيف يمكن لشعيرة عظيمة كشعيرة الحج أن تعمل على تفعيل قيم الوسطية بين الحجاج أولا وبين الأمة الإسلامية والعالم أجمع ثانيا، وكيف لها أن تحد من نقائضها من غلو وتطرف وإرهاب فكري ومادي.
وترتبط الإجابة عن هذا السؤال ارتباطا وثيقا ببيان معنى الوسطية وأثرها على الأمة والعالم أجمع، وبيان الانحراف الفكري وما جناه على أمتنا ووحدتنا، وقطع الطريق على نشر رسالتنا، من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
أولا: الوسطية والاعتدال
ترد الوسطية في اللغة بعدة معان متقاربة هي: العدل، الخيار، الفضل، النسب، النصف، البينية، التوسط بين الطرفين، وغيرها من المعاني([3])، جاء في معجم مقاييس اللغة:" الواو الطاء والسين بناء صحيح يدل على العدل، والنصف وأعدل الشيء أوسطه ووسطه"،([4]) وفي اللسَّان:" ووسط الشيء وأوسطه أعدله"([5]).
أما في الشرع فقد جاءت الوسطية بمعنى العدالة والخيرية، والتوسط بين الإفراط والتفريط، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾، البقرة: 143، وبذلك فإنها لا تخرج عن مقتضى اللغة، وقد عرفها الدكتور وهبة الزحيلي، فقال :( والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة "([6])، وهي:" مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم"([7]).
وبين حدودها الدكتور سلمان العودة حفظه الله فقال:" إنَّ الوسطية تعني -لزوماً- الاعتراف والإيمان بعدم لزوم التمامية بل عدم إمكانيتها"، وجعلها مبنية على أصلين هامين هما السداد والمقاربة، مدعمين بقاعدة البشارة([8]) مخرجا الوسطية بذلك من دائرة الفهم الضيق للأشخاص والجماعات والأحزاب التي ترى منهجها منهجا وسط دون البقية لتدخل في الحلقة المفرغة للتطرف الفكري فتسيء من حيث ترتجي الإصلاح وتضر من حيث تبغي النفع.
فالسداد والمقاربة والبشارة أسس أقرهما الحبيب المصطفى في قوله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ)([9]).
أما الاعتدال لغة فقد جاء في القاموس المحيط:" من معاني العدل والاعتدال: الحكم بالعدل والاستقامة والتقويم والتسوية والمماثلة والموازنة والتزكية والمساواة والإنصاف والتوسط([10]).
واصطلاحا هو: " التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما الإفراط والتفريط"([11]).
والوسطية بالمعنى السابق ترادف الاعتدال حيث ورد في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخذري مرفوعا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، قَالَ عَدْلًا؛﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، البقرة: 143) ([12]) .
وهي منهج تقرأ النصوص الدينية من خلاله لكيلا يصطدم الواجب بالواقع، ولا العقل بالنقل، ولا يتم إظهار نص وإخفاء آخر، أو انتصار طرف على مقابله، ([13]) هي سلوك والتزام وليست مجرد شعار وادعاء، بل هي سمة الإسلام في عقائده وشرائعه ....وسمة المسلم في حله وترحاله، في سلمه وفي حربه، في عباداته وفي عاداته، وهي تعبير عن الاعتدال والتّوازن الذي يطبع حركة الكون، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾، النساء: 123" أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه" ، ([14]) ويقول ابن عبد البر قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم: " أتدري ما السمت الصالح ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب وإنما هو لزوم طريق القوم إذا فعل ذلك قيل قد أصاب السمت وتدري ما الاقتصاد هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير ".([15])
كما أن الاعتدال في الأمور كلها مطلب شرعي يتحقق من خلاله التمكين لدين الله في أرضه، والانتفاع بما هو مفيد من العلوم والنقول ما وُجِد وما استجد منها، وقد قيل قديما:" من فقد الاعتدال فقد الانتفاع بالعلوم جميعها".([16])
لذلك كله وجب على علماء الأمة ومفكريها أن يبقوا في يقظة حية دائمة لكيلا يتحول مصطلح الوسطية إلى سلاح بيد جهالها أو أعدائها يفتك بالغلو وينسى المجون، أو أن يتم تفريغه عن معناه فلا نجني منه إلا البعد عن الأسس الراسخة، وتمزيق عرى الهوية الإسلامية الحقة([17]).
ثانيا: مظاهر الوسطية والاعتدال في الإسلام
الإسلام الوسطي هو إسلام شمولي متوازن، واضح العقائد، يحقق المقاصد الشرعية، ويستوعب المخالفين، يتحرى الوسطية في المعتقدات، والعبادات، في الأخلاق وفي التشريعات، ويتبناها منهجا في الحكم على الأشخاص والدول والعلماء وما استحدث من علوم وأراء، وهو وسط في الملموس والمحسوس فلا استغراق في الماديّات، ولا اقتصار على الروحانيّات:
1- وسطية الإسلام في الاعتقاد:
حبا الله تعالى أمة محمد بأن جعلها أمة وسط بين الأمم وجعل ملتها وسطا بين الملل، فلا هم قتلوا الأنبياء كما فعل قوم موسى عليه السلام، ولا هم ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم كما فعل قوم عيسى عليه السلام، يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾ ، النساء، 171 :" نهى الله تعالى عن الغلو، غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا؛ فالإفراط والتقصير كله سيئة،([18]) وحياة المسلمين وسط فلا رهبنة ولا تشديد مفرط، ولا استغراق في الملذات ولا تيسير غير منضبط.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " و " أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله...وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾)، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم وشرعوا دينا لم يأذن به الله فقال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾، الشورى: 21، ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك .([19])
كما أن المسلمين وسط في الأسماء والصفات، فما كانوا كاليهود الذين وصفوا الخالق بصفات المخلوق، فقالوا: يد الله مغلولة، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾، المائدة: 64، وقالوا: الله فقير ونحن الأغنياء، قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾،آل عمران: 181، وغير ذلك من الافتراءات على الله، ولا كانوا كالنصارى الذين وصفوا المخلوق بصفات الخالق، فنسبوا لعيسى عليه السلام الحياة والموت، الرزق والفقر، المغفرة والرحمة، وهي صفات خص بها الله عز وجل نفسه بها.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق من معطلة ومشبهة ومرجئة ومعتزلة، فلا يعطلون ولا يجسمون ولا يشبهون ولا يرجئون، وهم وسط في حب الصحابة رضوان الله عليهم، فلا يغالون ولا يجافون ويكفرون.
2- وسطية الإسلام في العبادات:
من مظاهر الوسطية في العبادات تعدد الطاعات وكثرة القربات فلا يلزم المسلمون بنمط معين منها إلا فيما تعلق بصلاة الفرض، وصيام الفرض، والزكاة الواجبة وحج الفرض، أما غير ذلك فهناك الصائم وهناك القائم وتعدد أوجه البر فهناك المحسن وهناك المتصدق وهناك العالم وهناك المجاهد وهناك.....، وكلها إسلام وعبادة والجنة لها ثمانية أبواب كل باب لضرب من ضروب الخير والبر.
والمسلمون وسط في العبادة، فلا هم كاليهود الذين أسرفوا في التحريم، ولا هم كالنصارى الذين أسرفوا في الإباحة، ولا هم منقطعون للعبادة، ولا منقطعون عنها وهو ما يؤكده قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [62:9] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، الجمعة:9-10، يقول القرطبي في تفسيره للآيتين:" هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى : وإذا حللتم فاصطادوا، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم،" وابتغوا من فضل الله " أي من رزقه، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين"([20]) .
ثالثا: أثر الوسطية على الأمة الإسلامية والعالم
أ- أثر الوسطية على الأمة الإسلامية:
لا تتحقق الوسطية والاعتدال البعيدين عن التطرف والإرهاب من جهة، والعلمانية والإلحاد من جهة أخرى إلا بتحقيق أمن فكري يمكنه أن يقف سدا منيعا في وجه الانحراف في التصور العقدي، والآفات التي تطوق العقل وتجعله عرضة للانزلاق في براثن الوهم والخطأ، فمتى غاب الفكر الوسطي، طغى أحد الفكرين إما الفكر التكفيري المنظر للإرهاب، والمستند على التأويل الباطل للنصوص، والقصور في الفهم الصحيح لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ومحاولة تقنينه بزعم أن مرجعيته إسلامية، وإما الفكر الإلحادي الذي يلغي الدين، ولا يؤمن إلا بالمادي والملموس من الأمور، وما ذاك إلا نتيجة لضحالة المعرفة، وتكبيل العقل بأفكار لا تتعدى المرئي والمحسوس.([21])
إن هذا العبث الفكري بنقيضيه أنتج حالة هي مزيج من الغضب والشك والهروب، وقد زاد الأمر تعقيدا افتقاد الكثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم للفهم الشرعي الصحيح للوسطية جعل كثيراً من صور العمل الإسلامي تتجه إلى الرؤى المتقابلة فصار قانون التضاد يمثل واقعاً في الأعمال الإسلامية بقدرٍ كان ينبغي ألاّ يوجد، مع أنه بحمد الله لا زال في أهل الإسلام ودعاته خير كثير واعتدال محمود([22]).
إن الوسطية ليست منتصف الطريق بل هي الطريق ذاته، وهي ليست حقا مطلقا تملكه جهة أو جماعة أو حزب وإلا انقلبت تطرفا بغيضا يزيد الأمة غمة وفرقة، إنما هي حبل النجاة للأمة ترفع رايتها عالية بين الأمم، تمنعها من أن تضرب حول نفسها طوقا من العزلة، وتحمي خصوصيتها وتميزها عن باقي الأمم، وهي حصن منيع في وجه الانزلاق بها في براثن الانحراف الفكري وتنامي الفكر المتطرف، وقبول فتاويه التكفيرية والهدامة، ذلك أن الجهل بالدين، وليس الدين، هو أس الإرهاب ومنبعه.
إن ثنائية الجهل بالدين والتطرف أخطر على الأمة بكثير من أعدائها التقليديين فخوارج عصر الرسالة قتلوا خيرة الصحابة، وقتلوا خليفتهم وإمامهم العادل علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لقد قتله من ظُنَّ فيه الصلاح والتقى، والفقه عبد الرحمن بن ملجم الذي قرأ القرآن على معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وكان من العباد المعدودين قبل خروجه، حتى يقال إن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله أن يوسع دار عبد الرحمن بن ملجم ليعلم الناس الفقه والقرآن، ثم كان من شيعة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وشهد معه صفين([23])، وفي النقيض المحمود يذكر عن خالد بن الوليد أنه أم الناس بالحيرة ثم قرأ من سور شتى ثم التفت إلى الصحابة حين انصرف فقال:" شغلنا الجهاد عن تعليم القرآن"([24]).
وخوارج العصر روعوا الآمنين وقتلوا المعصومين، وفتكوا بالوحدة وجمدوا حضارة بنيت بسواعد المخلصين على مر القرون وقد ربط الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الغلو بالهلاك فقال:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([25]).
إن الغلو والتطرف يورث حالة من عدم الاستمرارية، وينفر النفوس من الأمور المتطرفة وإن أقبلت عليها في البداية متلهفة، يقول الإمام الغزالي معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ)([26]): " أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه" .([27])
لذلك كله تبقى الوسطية سياجا مهما للرد على من يزعم أن الإسلام ينتمي إلى الماضي، ويدعو إلى القتل ويصادر الآخر ويتعارض مع العقل، ([28]) وحصنا يمنع المسلم من الردة عن دينه اسما ورسما بسبب التعنت والتطرف وتحميل النفس ما لا تطيق.
ب- أثر الوسطية على العالم:
إن الوسطية في السلوك الإنساني مطلب عالمي، وأمنية بشرية، ووسيلة مهمة لكل المجتمعات لكي تعيش في أمان واستقرار وسعادة، والمرجع الوحيد بعد الإفراط والتفريط،([29])ولقد شهد الغرب قبل العرب على وسطية الإسلام وسمو رسالته يقول هاملتون جب: أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب، وإنه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدّ من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الإسلام([30]).
إن بيان أهمية الوسطية في حياة الأمة والعالم يتجلى واضحا عند التطرق لمخاطر الانحراف الفكري الذي يجعل الأمة تعاني الأمرين، عقوق أبنائها، وتكالب أعدائها، ويمكن هنا الحديث عن أهمية الوسطية على مستويين:
1- على مستوى الرأي العام العالمي:
إن ظهور الفكر المتطرف في مناطق وإن كانت محدودة في العالم الإسلامي مقارنة بالفكر الوسطي في ظل القرية الكونية وسهولة وصول المعلومة في ظل العولمة الإعلامية، والحملات الشرسة على الإسلام، أصبح مطية لأعداء الدين حيث يزعم مناهضوه أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يحول دون إحلال السلام، وإشاعة الوئام والانسجام بين أبناء الأرض مثل المسلمين الذين يستعملون العنف والإرهاب ضد خصومهم ومخالفيهم، ومن ثمة ينبغي على شعوب الأرض أن تتخذ الأساليب والسبل لصدهم ومنعهم مسخرين لذلك الترسانة الإعلامية الضخمة لاستعطاف الرأي العالمي الغربي، وكسب تأييده بعد إرهابه وتخويفه.
2- على مستوى الدول:
الإرهاب ظاهرة عالمية مركبة ومعقدة متعددة الأسباب، وأكثر من عانى من ويلاته هي الدول الإسلامية التي غرر بشبابها المتحمس من جهة، ثم أرهبت من القوى الخارجية بدعوى الضربات الوقائية ومكافحة الإرهاب من جهة أخرى، حيث تم تشويه صورة الإسلام لدى العامة من الغرب، لإعطاء الذريعة لأعدائه لضرب البنى التحتية للأمة بدعوى الضربات الاستباقية أو الوقائية، ووضع اليد على ثرواتها بدعوى إعادة الاعمار، واستعباد أبنائها بدعوى التحرير، وتقويض الشرع بدعوى أن الدين أفيون الشعوب.
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
في ظل عولمة غربية وحالة جمود إسلامية يجد المسلم نفسه بحاجة إلى ضوء في آخر النفق يجدد له إيمانه برسالته ومهمته في الحياة، ويحصنه من الوقوع في مستنقع العنف والغلو والتطرف والإرهاب، وغير ذلك من ما يندرج تحت مسمى الانحراف الفكري([31])والذي تتعد مظاهره، وتتنوع أسبابه.
أولا: مظاهر الانحراف الفكري
1- الغلو:
الغلو في اللغة: مجازوة الحد، يقال غلا السعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلوا، إذا جاوز حده، وغلا بسهمه غلوا إذا رمى به سهما أقصى غايته([32]).
يقول الطبري في شرح قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾، النساء:171:" لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه، وأصل الغلو في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده، يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غلوا"([33]).
أما في الاصطلاح فيعرفه شيخ الإسلام بن تيمية بأنه:" مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده، أو ذمه على ما يستحقه ونحو ذلك"، ([34])ويشرح ابن قيم الجوزية المقصود من الغلو شرحا وافيا في قوله رحمه الله: "فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد"([35])، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَمْرٍ إِلا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ : فَإِمَّا إِلَى غُلُوٍّ ، وَإِمَّا إِلَى تَقْصِيرٍ فَبِأَيِّهِمَا ظَفَرَ قَنَعَ ).([36])
وقال النووي في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا)([37])، أي المتعمقون، المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"،([38]) وقال صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([39])، وجاء عن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال : " خَيْرُ النَّاسِ النَّمَطُ الأَوْسَطُ الَّذِينَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِهِ الْجَافِي"([40]).
2- التطرف:
التطرف في اللغة هو: مجاوزة حد الاعتدال والتوسط،([41]) أما في الاصطلاح فهو: " الغلو والتنطع في قضايا الشرع، والانحراف المتشدد في فهم قضايا الواقع والحياة "،([42])ويعرفه القرضاوي بأنه:" الوقوف في الطرف بعيداً عن الوسط، وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم ينتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين أو الفكر، أو السلوك، ومن لوازم التطرف أنه أقرب إلى المهلكة والخطر وأبعد عن الحماية والأمان".([43])
والتطرف أعم واشمل من الغلو لأنه يكون شاملاً للغلو والتقصير فكل غال متطرف، وليس كل متطرف غالياً،([44]) وكثيرا ما ينسب هذا المصطلح للإسلام والمسلمين، بناءا على أفعال وأقوال صدرت من بعض أبنائه الذين أقل ما يقال عنهم أنهم جاهلون لأحكام الإسلام مغرر بهم، في حين أن المتأمل لنصوص الشرع يجد الإسلام كدين بعيد كل البعد عن التطرف والانحراف، قريب كل القرب من الوسطية والاعتدال، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، (البقرة:143).
3- الإرهاب:
مصطلح الإرهاب في الاصطلاح المعاصر يختلف عن ما عرفه العرب قديما، وهو يقابل ما يعرف في اللغة الإنجليزية" terrorism"، كما يشير الكثير من الباحثين أن مصطلح الإرهاب ظهر في الساحة السياسية العالمية بعد الثورة الفرنسية حيث ارتكبت الممارسات القمعية والتصفية في حق أعداء الثورة لقطع الطريق أمام من يريد القضاء عليها([45])، وقد حاول العديد من الباحثين والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية وضع تعريف محدد للإرهاب.([46])
ثانيا: أسباب الانحراف الفكري
لعل أهم أسباب الانحراف الفكري المتمثل في الغلو التطرف والإرهاب ما يلي:
1- حالة الإحباط السياسي التي تسود العالم الإسلامي:
لقد أصبح الإحباط السياسي ظاهرةً واضحة المعالم ترصدها العين المجردة في التجمعات الشعبية وفي المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتنوع هذا الإحباط بين داخلي وخارجي:
فالإحباط الداخلي نشأ من الظروف السياسية التي تعيشها بعض الدول الإسلامية حيث الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية، ثم ترجم هذا الإحباط إلى غضب تحول إلى تصرفات عدوانية تنامت للتتحول إلى إرهاب منظم ضد أجهزة الدولة.([47])
وأما الخارجي فإن أبرز مسبباته حالة الاستعمار التي عانت منها الشعوب الإسلامية لعقود، وما زالت تعاني من تبعاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، فالاستعمار هو أس الإرهاب ومنبعه والذي لم يكتفي باحتلال الأرض بل انتهك العرض واستعبد الشعب وأرهبه، فملأه حقدا ورغبة في الانتقام، أضف إلى ذلك مجازر الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين واللبنانيين،كل ذلك يولد لدى شباب الأمة حالة من الغضب هستيرية قد تجعله يجانب الصواب في ردود أفعاله، وقد جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 1973م حول الإرهاب الدولي:" يعود نشوء الإرهاب السياسي إلى أعمال القمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل تحريرها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها واستقلالها وفي حرياتها الأساسية الأخرى"([48]).
2- الحالة التربوية:
من المؤسف أن تهتم الدول الإسلامية بالمناهج التربوية فيما يتعلق بالعلوم التجريبية على حساب العلوم الشرعية، وكنتيجة لذلك قلَّ الإقبال على هذا التخصص المبني على الحب للشريعة والرغبة في نشرها والذود عنها، وإن كانت نتائج هذا الخلل لم تظهر في حينها فقد ظهرت الآن عندما أنشأت المنظومة التربوية عن غفلة منها جيلا يعاني من الأمية الدينية، فلا الاهتمام بالعلوم التجريبية طور هذه الدول، ولا إهمال العلوم الشرعية أمنَّها من مخاطر التطرف والإرهاب، فمع قلة الاهتمام بالعلم الشرعي وغياب الضوابط الشرعية، يسهل على المتطرفين استدراج شبابنا المتحمس لنصرة دينهم.
3- الجهل بفقه الخلاف وحب الجدل:
كثيرا ما يحل العنف في المسائل الاجتهادية محل الحوار، بل ويتطور الأمر إلى حد التبديع والتفسيق ثم التكفير واستباحة الدماء المعصومة، وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:" ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"([49])، فلا يجوز لأحد أن يكفر مسلما موحدا بذنب يرتكبه ما لم يستحل ذلك، فما بالك بالأمور الخلافية.
وانظر إلى الرجل الذي سأل سيدنا علي فلما أجابه، فقال الرجل:" ليس كذا يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا"، فقال:" أصاب وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم"، قال الغزالي معلقا:" وهكذا يكون إنصاف طالب الحق!! ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده".([50])
كما نهى النبي الكريم عن الجدل؛ وذلك لمعرفته بما يجنيه هذا الأخير على أمته، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ)([51])، إذ هو من أخطر الأمراض التي تفتك بالشباب المبتلى بالفراغ الديني، فينشغل بالقضايا الجزيئية أو الأحداث التاريخية المنتهية ولا يسأم من المجادلة فيها، وينصرف عن القضايا المصيرية للأمة، في الوقت الذي طالت فيه العولمة كل مقومات الأمة من ثقافة ودين وهوية، وأصبح للعلمانيين منبرهم ولليمينين منبرهم، وحيث الحملات التنصيرية مستعرة في دول افريقية الفقيرة والمسلمة.
3- الفكر الجهادي المغلوط لدى بعض الجماعات الدينية:
من المآخذ التي تؤخذ على الكثير الجماعات البعد عن الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فكثير من الأحزاب والجماعات تأسست بناء على قراءات خاصة ومفاهيم مغلوطة عن الجهاد والإمارة والتعامل مع الحاكم حالة الفتنة، والتي تعتمد في دعوتها على الشحن العاطفي المبني على المغالطة الفكرية والدينية، وكل ذلك ناتج عن إهمال الجانب التربوي والديني لدى أفراد المجتمع في فترة الدراسة ما جعلهم عرضة للانحراف وصيدا سهلا للشعارات البراقة عن إقامة الدولة الإسلامية المنشودة التي ظاهرها الصلاح وباطنها الخراب والدمار؛ وما يطفح به العالم الالكتروني من عناوين بجواز قتل النساء والأطفال والسفراء .....وغيرهم، خير دليل على الفكر المأزوم الذي ابتليت به الأمة.
4- ضعف دور العلماء في التوعية الدينية لشباب الأمة:
يتحمل علماء الأمة ومفكروها في جميع المجالات وزرا لا يستهان به فيما يتعلق بانحراف الشباب فكريا، وذلك أن العلماء عزلوا أنفسهم بقصد وبدونه عن شريحة واسعة من شبابنا الذين التبس عليهم الحق بالباطل، فراحوا يبحثون بأنفسهم عن مخارج شرعية لحالة الإحباط السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشه الأمة دون الرجوع إلى العلماء ولا يخفى خطر ذلك على أحد، قال ابن مسعود: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" ، قال ابن قتيبة في تفسير ذلك: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه حِدة الشباب ومتعته وعجلته واستصحب التجربة في أموره فلا تدخل عليه في علمه الشبه ولا يستميله الهوى ولا يستزله الشيطان، والحَدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ".([52])
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
الحج بوصفه أعظم الشعائر الدينية، يجمع في مؤتمره السنوي ملايين الحجاج من كل البقاع محرمين ملبين لله تعالى راغبين، تتعدد انتماءاتهم السياسية، وتختلف مشاربهم الفكرية لكن توحدهم التلبية لله عز وجل في صورة فسيفسائية جميلة، وتزيد في رسوخ العقيدة الوسطية في قلوبهم وعقولهم ثقافته الراقية التي تتبنى اليسر والبر والتقوى منهجا وشعارا.
أولا: معاني الوسطية في شعائر الحج
شهر الحج وما يصاحبه من عبادات وقربات أشبه بأن يكون مركز تدريب مكثف للمسلمين روحيا وماديا ليحققوا النهضة الحضارية والخيرية الكونية التي شرفهم الإسلام بها، حيث يسطر أعظم ما في الخصال التالية:
1- الحج وعالمية الإسلام
إن أول ما افتتح الله عز وجل به كتابه العزيز قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الفاتحة: 02، حيث عرف عن نفسه لعباده بأنه رب العالمين عربا وعجما بدوا وحضرا مسلمين وكفارا، وكذا كان رسوله الكريم في دعوته للإسلام قال تعالى عن نبيه محمد: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾، الأنبياء:107، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، سبأ:28.
إن ما سبق ذكره يؤسس لعالمية الرسالة المحمدية باعتبارها آخر الرسالات وإذا كان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا إلى أقوامهم، فإن الحبيب المصطفى كان المرسل بالدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء بجميع ألوانها وأجناسها بجميع عصورها وأزمنتها، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾، الفرقان:01، وقال صلى الله عليه وسلم:( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ).([53])
إن الإسلام حق مشاع وثروة مشتركة لجميع الأمم والشعوب، والعناصر والأجناس،([54])وهو الدين الذي ارتضاه الله ورسوله للبشرية وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وختم بها حديثه مع المسلمين وغيرهم فقال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، المائدة:3، يقول صاحب التحرير معلقا على الآية: لا شك أن أمر الإسلام بدأ ضعيفا، ثم أخذ يظهر ظهور سنا الفجر، ....ثم لما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين، وغلب الإسلام على بلاد العرب، تمكن الدين وخدمته القوة، فأصبح مرهوبا بأسه، ومنع المشركين من الحج بعد عام، فحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام عشرة وليس معه غير المسلمين، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين: بمعنى سلطان الدين وتمكينه وحفظه، وذلك تبين واضحا يوم الحج الذي نزلت فيه هذه الآية .([55])
إن تعدد الأجناس والألوان في هذا المؤتمر السنوي الذي ينفرد دون غيره من المؤتمرات باشتراط الإسلام والقدرة والاستطاعة فقط لحضوره، دون الشهادات والعلاقات، لدلالة على عالمية الإسلام وتفرده الجميل بين باقي الديانات وباقي المعتقدات.
2- الوحدة والتآخي :
إن هذا المنسك السنوي المقدس يقرب بين أبناء الأمة بعضهم بعضاً، ويحقق التعارف بينهم كأفراد وجماعات، وتتجلى مظاهر الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية في كل تفاصيله، حيث تتوحد جسور التواصل بين هذه المجتمعات الإنسانية بعيداً عن توجهات حكوماتها وسياساتها التي قد تتعارض فيما بينها، وتبدي قدرة بارزة على الاتحاد والتوافق رغم المحن والعقبات، في صفوف متراصة مؤمنة وملتزمة، يجمعهم الحب لله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف حتى قيل في قوله تعالى: ﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾، الحج: 31، أي حجَّاجاً، وجعل الله بيته الحرام قياماً للناس، فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه، فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرَّت السماء على الأرض، هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس "([56]).
يقول اتيين دينيه: "إن الإسلام بلغ من تماسك بناءه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا، ففي أقل من مئة عام ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم ......أن يستولوا على أغلب بقاع العالم القديم: من الهند إلى الأندلس".([57])
إن قائد أي جيش في العالم مهما بلغ من القوة والعظمة لا يستطيع ضبط الجيش المحترف إذا بلغ من العدد مبلغا لكن إمام الحرم يستطيع ضبط ما يزيد عن مليوني حاج على اختلاف أعمارهم ومكتسباتهم العلمية ومداركهم الفقهية، فيكفي أن يقول: استووا يرحمكم الله ليستوي الحجاج في مشهد مهيب يتلوه ركوع موحد وسجود موحد وتسليم موحد...إنها الوحدة في أبهى وأرقى صورها.
3 - المساواة:
لقد انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية بتضحيات جسام قدمها المسلمون الأوائل على اختلاف أعراقهم وألوانهم جمعهم الدين الجديد أمثال خالد بن الوليد العربي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، ثم امتدت إمبراطوريته العظمى شرقا وغربا شمالا وجنوبا على يد عظماء أمثال طارق بن زياد البربري، وحفظت علوم الدين قديما على يد مسلم والبخاري ومالك والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، والطبري وتطورت على يد ابن خلدون، والخوارزمي، والبيروني، والحسن بن الهيثم، وعمر الخيام، وابن سينا، والرازي، والألباني، وغيرهم من عظماء السند والهند وشمال افريقية والسودان والشام والحجاز.
لقد جسد المسلمون الأوائل معاني خطبة الوداع للحبيب المصطفى أمام ما يزيد على مائة ألفٍ من المسلمين واعتمدوا دستورهم الجديد والقانون الذي لم يألفه العرب من قبل حيث أعلنها صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي واضحة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([58]).
4- التقوى:
التقوى في الحج تكون بتعظيم شعائره، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، الحج: 32، ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، البقرة: 158، ويقول: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾، الحج: 30، وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا- يعني الكعبة- ، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا )([59]).
وأفضل زاد يحمله الحاج معه في رحلته الروحية هو التقوى، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، البقرة: 197 ؛ كما قال ابن رجب - رحمه الله:" فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى، ولا دعي للحاج عند توديعه بأفضل من التقوى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع غلاما للحج فقال له: "زودك الله التقوى"،([60]) ذلك أن الحج على كثرة مناسكه وكثرة قربات الحاج فإن التقوى هي مقياس القبول أو الرفض للأعمال، قال تعالى: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾، الحج: 37.
5- البر:
من أسمى المعاني التي يستوجبها الحج المبرور والتي تسهم في رص صفوف المسلمون وتحابهم وتنزع الغل من قلوبهم:
أ- الرفق بالحجيج في الطواف والإفاضة وعند مزدلفة فقد سَمِع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل، فقال:( وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ )([61]).
ب- بدْل الطعام وإفشاء السلام حيث قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحَجٌّ المَبْرُورٌ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ "، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الحَجٌّ المَبْرُورٌ ؟، قَالَ : " إِطْعَامُ الطَّعَامِ , وَإِفْشَاءُ السَّلامِ) ([62]).
ج- اليسر([63]): يتجلى اليسر في محطات كثيرة من محطات الحج، في جواز التأخير في رمي الجمارات، وفي تأخير طواف الإفاضة، وفي سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، وفي اختلاف الحجاج في مغادرة مكَّة والخروج منها، فمنهم المتعجِّل، ومنهم المتأخر: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾، البقرة:203، وقبل ذلك كله في فرض الحج على المستطيع مرة في العمر.
6- العفو والصبر على الأذى:
العفو خلق كريم تحلى به رسولنا الأعظم وحث الصحابة ومن بعدهم المسلمين على التحلي به، وضرب لنا في ذلك مثلا رائعا عن العفو بعد المقدرة وهو ما لم نجده في الحروب التي يذكرها الغرب في كتب التاريخ، فالنبي عاني الأمرين من قريش، فلما كان يوم الفتح قال سعد بن عبادة:" يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا....وقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول الله ما نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشا)، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله".([64])
إن الحج عبادة بدنية قد يصاحبها مشقة في تحقيق أركانها مع كثرة الحجيج واختلاف طبائعهم والتزامهم بوقت واحد للعبادة؛ لذلك كان لزام على الحاج التحلي بالصبر والدفع بالحسنى وبذل بعض التنازل في سبيل ضمان سير الأمور دون أن يستشعر الدنية في صبره وتنازله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وما زَاد الله عَبداً بعَفو إلا عِزًّا)([65])، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، آل عمران: 146.
كما يجب على الحاج تجنب الخوض في المسائل الخلافية والجدال والرفث محتسبا فعله هذا لله عز وجل قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ﴾، البقرة: 197، وقال صلى الله عليه وسلم:(أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ).([66])
إن الرسول الأعظم ضرب لنا أمثلة واضحة في حسن الخلق والصبر على البلاء وتجنب الفحش من القول والفعل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ:( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)"([67]).
7- تعلم ثقافة الاختلاف ونبذ التعصب:
إن أهم درس يمكن للحاج تعلمه هو ثقافة الاختلاف، فالحج مهرجان يبرز تعدد الأعراق واختلاف الأزياء وتنوع العادات والتقاليد وكثرة اللهجات وتباين الطبائع، وهو فرصة ليكتشف الحجاج كلهم التنوع المحمود في الأجناس وفي المرجعيات الدينية السنية - فهذا مصري شافعي وهذا مغربي مالكي، وهذا شامي حنفي وهذا حجازي حنبلي- وفي المنطلقات الفكرية، وقد قيل قديما: الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
هذا التنوع المحمود يؤسس لرسوخ الفكر الوسطي لدى الحجاج فالتآخي والتعاون والبر الذي يصاحب هذا التنوع يورث الاحترام المتبادل، واستشعار النية الصادقة لخدمة الإسلام بين جموعهم تجعلهم على مسافات متقاربة فكرا وتدينا وحبا للخير وعملا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾، أخوة قد لا تخلو من بعض الاختلاف وسوء الفهم لذا أتبعها الله تعالى بقوله: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إصلاحا لا يخلوا من التقوى فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، الحجرات: 10.
8- حرمة دماء وأموال المعصومين:
إن أعظم قيمة إنسانية أقرها الرسول الكريم في خطبة الوداع هي حرمة دماء المعصومين حينما قال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ..... فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([68])، وقدمها على حرمة الكعبة حيث خاطبها وهو يطوف بها فقال: ( مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْء)([69]).
إن الحجاج على اختلاف أعمارهم خاصة الشباب في حاجة ماسة إلى هذه القيم الربانية التي تحصنهم من العنف والغلو والإرهاب، والحج فرصة سانحة لغرس هذه القيم بين المسلمين، فالجهل بالدين وليس الدين هو أفيون الشعوب.
9- الجمع بين الحج والتجارة:
الحج وإن كان أياما معدودات يؤدي فيها الحاج شعيرة سنوية تفرض مرة واحدة في العمر، فإن الله عز وجل رخص فيها بالاتجار، فقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾، البقرة: 198، والمراد بالفضل في الآية التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق، فدلَّت الآيةُ على جواز التجارة للحاج حالَ السفر لتأدية ما افترضه اللهُ من الحجِّ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:" كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ في مواسم الحج"([70]).
إن هذا الجمع بين العمل الديني والعمل الدنيوي في الآية الكريمة: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، الحج: 28 يدل على أن تعاليم الشرع تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، حيث يستطيع الإنسان أن يعبد ربه بينما يكون منهمكا في شئون حياته اليومية، إذ لا رهبانية في الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَلا مَنْ تَرَكَ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ, حَتَّى يَنَالَ مِنْهَا, فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَبْلَغُهُ إِلَى الأُخْرَى, وَلا تَكُنْ كَلا عَلَى النَّاسِ ).([71])
ثانيا: استثمار معاني الوسطية في الحج في نشر الفكر الوسطي
1- إشراك الحجيج في عملية التعريف بالوسطية:
إن نجاح أي مشروع مرهون بمدى تقبل الناس له ورغبتهم في استمراره، والفكر الوسطي باعتباره مشروع أمة وطريق فلاح لابد لنجاحه من إشراك جميع عناصر المجتمع المسلم في فهمه الفهم الصحيح وتمكينه من حياتهم باتخاذه منهجا وسبيلا، وإذا كنا نهدف إلى الاستفادة من الحج لإشاعة هذا الفكر فلا أحسن من إشراك الحجيج في هذا المشروع النهضوي، وبخاصة فئتي النساء والشباب.
أ- إشراك المرأة في نشر الفكر الوسطي:
إن إشراك المرأة في التعريف بوسطية الإسلام أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال العمل على فتح فضاءات حوارية على هامش الحج تجمع الداعيات والمفكرات بنساء الحجيج من كل البلاد كل حسب لغته للتعريف بدور المرأة الخطير في تربية أبنائها على الوسطية وحمايتهم من الوقوع صيدا للفكر المتطرف.
إن قدسية المكان والزمان كفيلة باستنهاض الهمم والتعريف بعظم المسئولية الملقاة على عاتق المرأة المسلمة في نشر الفكر الوسطي بين الأسرة والمجتمع، فالتربية السليمة وإن كانت تأخذ وقتها في تحقيق النتائج هي أقصر الطرق وأنجعها لحماية الإسلام من أعدائه التقليدين والمعاصرين، إننا ومن خلال هذه الفضاءات نستطيع تكوين شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في حماية الدين من الحملات المسعورة التي تتوالى تباعا على أمتنا.
ب- إشراك الشباب في نشر الفكر الوسطي:
إن أكثر ضحايا الفكر المتطرف هم الشباب ممن تقطت بهم السبل السوية، وطغت على عقولهم الأمية العقدية التي تمخضت من ضحالة المعرفة، وقصور في الفهم الصحيح للمنهج الرباني، وتشبع بالأفكار هدامة التي ولدت لديهم مفاهيم خاطئة عن الجهاد، ترجمت إلى جرائم تخرج عن نطاق التصور وتخالف الفطرة الإنسانية السليمة، والتي اتخذت من فتاوي التكفير والجهاد مرجعية لها.([72])
إن استغلال الحالة النفسية للحاج الشباب التي تساعده على قبول الحوار وتقبل ثقافة الاختلاف تمكن من تحصينه حتى لا يقع عرضة للأفكار المنحرفة والآراء الهدامة، وتغرس في نفسه رسالة هي في غاية الخطورة والأهمية مفادها أنه يتعين على المستفتين الرجوع في مسائلهم إلى العلماء الربانين المشهود لهم بالتقوى.
كما أن فتح أبواب الحوار على مصرعيه أمام الشباب وإعطائهم الفرصة لعرض أفكارهم مهما جانبت الحق إفراطا وتفريطا والرد عليها بالعقل والحكمة والنص الشرعي القاطع سيحرر عقولهم ويفتح قلوبهم ليتحولوا من معول هدم إلى وسيلة بناء، ومن طاقة سالبة مهدرة إلى طوفان ايجابي يبني الأمة ويرفع رايتها عالية بين الأمم.
2- إشراك الإعلام في التعريف بالوسطية:
الحج مؤتمر سنوي يحضره المسلمون من كل فج عميق تجمعهم التلبية للنداء والوحدة في أداء الشعائر في جو مهيب يجعل من الصورة رسالة قوية كاملة الأركان، هذه الرسالة التي يمكن لوسائل الإعلام نقلها من أرض الحدث إلى كل بقاع الأرض على المباشر؛ لتعرف العالم أجمع بالإسلام وخصوصيته وكثرة أتباعه وسهولة اعتناقه.
ونقصد هنا الإعلام بشقيه، الإعلام الغربي والإعلام التابع للدول المسلمة والذي يبث بلغات شتى، فالحج فرصة سانحة للتعريف بعالمية الإسلام وقيمه السامية، والتركيز على إبراز معاني الوسطية والاعتدال في الحج من خلال الوقوف على شعائر الحج ورصد تحركات الحجيج وما تبرزه من تنوع بشري يقل نظيره أو يكاد يستحيل في غير الحج بشهادة مفكرين وعلماء غير مسلمين كالسير طوماس أر نولد يري" في الحج عملا ساميا، نجد زنجي ساحل إفريقيا الغربي يلتقي بالصيني من أقصى المشرق، ويتعرف التركي على أخيه من جزر الملايو في عطف وحنان ويجتمعون حول الكعبة التي يولون وجوههم شطرها في كل ساعة من ساعات عباداتهم الخاصة في أوطانهم النائية، لم تستطع أي محاولة يقوم بها عباقرة أي دين أن تتصور وسيلة أحسن من هذه الوسيلة "....([73])، ثم يقول في موضع آخر يقول:" كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".([74])
كما يمكن للإعلام توظيف ما كتبه المسلمون الجدد عن الإسلام، ذلك أنهم أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، فقد ولدوا في البيئة الغربية وتربوا على الطريقة الغربية واستطاعوا بصفاء فكرهم من جهة وبفهمهم العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقوا الإسلام، كما استطاعوا في كثير من الأحيان أن يدافعوا عنه أحسن ممن ولدوا مسلمون؛ لأن لهم قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إننا بذلك نقطع الطريق على من يروج للإسلام فوبيا على أنه حتمية صنعها المسلمون بدينهم وما يحتويه من قتل وإكراه وتسلط على الحريات، وعلى من جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة الفهم الصحيح للإسلام.
3- إقامة المعارض والندوات وتوزيع المطويات:
أثبتت التجارب أن المعارض والحملات وسائل فعالة في الترويج للأفكار بين الفئات المستهدفة، فالمعارض تعمل على رفع الحس بالمسئولية عند الحاج، والحملات التوعوية تحسن أداءه والتزامه بالانضباط والأمانة والنظافة وتعرفه بالفكر الوسطي وتزداد فعاليتها عند إشراك الحجاج أنفسهم في الحملات وتوفير الوسائل المادية والقادة الميدانيون المتطوعون من شباب السعودية والدعاية لها في المواقع الالكترونية والقنوات الإعلامية.
كما أن توزيع المطويات يساهم في تسهيل القراءة على الحاج والوصول إلى المعلومة المفيدة واستغلال وقت الحج فيما هو مفيد من عبادة وعلم وخير، إضافة إلى استخدام اللوحات الاشهارية للترويج للفكر الوسطي فالصورة تكون في كثير من الأحيان أبلغ الخطابات، وأكثر وقعا ومن وقع الكلمات.
4- التنسيق مع بعثات الحج من أجل تهيئة الحاج للفكر الوسطي:
تلعب بعثات الحج دورا هاما في تسير شئون الحجاج كل حسب بلده، وتضطلع بدرو مهم في تهيئة الحاج وتدريبه على شعائر الحج وعلى الظروف المصاحبة لها من كثرة للحجيج والتزام بوقت واحد لأداء الشعائر وما يصاحب ذلك من صعوبات ومشاق قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ما لا يحمد عقباه من تدافع قد يسبب الموت.
كما يمكن التنسيق بين البعثات ووزارة الحج السعودية لضبط برنامج متكامل وشامل يكون بمثابة دورة تدربية للحاج حول كل ما يحتاجه لضمان حج مبرور، وتضمين هذا البرنامج التعريف بمعاني الوسطية في الإسلام وخطر التطرف على الأمة والعالم، من خلال دورات مكثفة تقام للحاج في بلده، ثم استكمال البرنامج في الحج وما يضفيه من جو مهيب وقدسية للمكان والزمان تجعل أهداف البرنامج تحقق وتؤتي أكلها المنشود.
كما يمكن لبعثات الحج والاستفادة من التجارب الناجحة في مجال تدريب الحجاج كالتجربة الماليزية التي أبدعت في تنظيم شئون الحجيج وإعدادهم للحج من خلال دورات تدريبية تقام لهم قبل وصولهم إلى المملكة مما يسهل على القائمين على الحج والسير الحسن له ضمان أداء الحجاح لشعائرهم في ظروف مشجعة ومرضية للطرفين.
الخاتمة:
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يستفيد المسلمون من هذا الدرس السنوي العظيم حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فيعودون إلى ديارهم حجاجا ميامين محملين بمبادئ الوحدة ومساهمين في تحقيق المساواة بينهم بعيدا عن الماديات والفتن والشهوات.... ما أحوجنا إلى الوسطية والاعتدال في حياتنا وفي حلنا وترحالنا ......ما أحوجنا لأن يحل البناء محل الهدم والعلم محل الظلم ....والتعايش محل التنافر....والتساند محل التعاند فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
التوصيات:
- أن ظاهرة التنطع والغلو في الدين من أكبر التحديات الفكرية التي يواجهها شباب الأمة الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال الديني والخلقي حيث يجب الأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، من خلال الاهتمام بهم واحتوائهم.
- إذا كانت العولمة سلاحا وظف للنيل من الهوية الإسلامية، فإنه يمكن توظيفها لخدمة الدين الإسلامي والتعريف به وبسماحته وبركنه الأعظم الحج من خلال وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية .
- ضرورة الاستفادة من خبرة المنظمات الدعوية العالمية والمحلية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعات الإسلامية وغيرها من المنظمات والهيئات والتنسيق فيها بينها لتبني مشروع غرس الفكر الوسطي بين جموع الحجيج.
- استضافة علماء وعباقرة الغرب الذين كان الإعجاز العلمي للقرآن سببا في إسلامهم، لتعريف الحجيج أن الإسلام دين عقل ونقل ومن يدعي التعارض بينهما قليل علم وورع أحق أن لا يلتفت إلى كلامه.
- إحياء السنن النبوية فيما يتعلق بفقه الخلاف ومعاملة الآخر وتعليمها للحجيج وبخاصة شباب منهم لصناعة جيل رباني يسعد في الدارين ويسعد من جاوره من الأمم بأخلاقه الربانية.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
([1]) الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت، مادة فرط.
([2]) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة المنافقين، باب قوله: يقولون: لئن رجعنا إلى المدينة الأعز منها الأذل، رقم:(4624)، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير:(4/1863).
([3]) للتفصيل ينظر: الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة، ص: 13-15.
([4]) ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران، باب الواو والسين وما يثلثهما : (6/108).
([5]) ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، فصل الواو،( باب وسط)(7/430).
([6]) الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا ، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت، ص5.
([7]) الصلابي، الوسطية في القرآن الكريم، ص: 33.
([8]) موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم:(39): (1/23).
([10]) الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، مادة (عدل).3
([11]) ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، ص: 5، من موقع : http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
([12]) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم، برقم: (6917).
([13]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ص:13.
([14]) ابن كثير، اسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
([15]) ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه:(21/68).
([16]) مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، تحـ: سيد كسروي، ط(1)، 1422هـ - 2001م ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص: 170.
([17]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ص:13.
([18]) القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر:(5/380).
([19]) ابن تيمية، تقي الدين، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد:(10/388-389)
([20]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن:(5/319).
([21]) أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
([22]) موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
([23]) ينظر: الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة:(28/289)، السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني: (2/351).
([24]) ابن أبي شيبة، مصنف بن أبي شيبة، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض:(6/151).
([25]) أخرجه البيهقي في سننه برقم:(9806) ، البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند:(5/127).
([26]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:( 13074)، الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، القاهرة.
([27]) المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م: (2/690).
([28]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الحق، ص:58.
([29]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ص: 53.
([30]) أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ص: 43.
([31]) يعرف الانحراف الفكري لغة بأنه: الميل إلى الطرف، وطرف الشيء في اللغة ما يقرب من نهايته وقيل ما زاد عن النصف، فالانحراف هو الخروج بالفكر والعقل عن جادة الصواب والبعد عن الوسط المعتدل، واصطلاحا بأنه: الفكر المنحرف الذي يتخذ من الدين ستاراً لنشر هذا الفكر وترويجه مصطدماً بالأنساق الاجتماعية والدينية وكل عناصر الضبط الاجتماعي بداية من الأسرة التي يوليها الإسلام ما تستحقه من اهتمام وينظر إليها على أنها الخلية الأساسية في بناء المجتمع، ولها دور كبير في رعاية الفرد وتشكيل شخصيته من جميع جوانبها"، ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة حرف؛ الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض، ص: 291.
([32]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، كتاب الغين، باب الغين واللام: (4/387).
([33]) الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف:(9/416).
([34]) ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان: (1/289).
([35]) ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي:(2/466).
([36]) أبو سليمان الخطابي البستي، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية،القاهرة:(1/97).
([37]) أخرجه مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، برقم:(4823).
([38]) النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت: (16/220).
([39]) أخرجه البيهقي في سننه برقم:(9806):(5/127).
([40]) مصنف بن أبي شيبة:(8/156).
([41]) مجمع اللغة العربية،المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م، مادة طرف.
([42]) مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود،ص: 2.
([43]) القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت، ص:27.
([44]) الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية، ص:23.
([45]) ينظر: عبد الوهاب حومد، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان، ص:221.
([46]) الإرهاب في لغة العرب مأخوذ من رهِب بالكسر يرهب، رهبة أو رهبا، وهو بمعنى خاف مع تحرز واضطراب، وهو بكسر الهمزة: بمعنى الإزعاج والإخافة، ولها معنى آخر وهو قدع الإبل عن الحوض وذياذها.
وعرف الإرهاب بيان مكة الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في: 21-26/10/ 1422هـ الموافق لـ: 05-10 /01 /2002 م بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: (دينه، ودمه، وعقله، ماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفســــــــاد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، القصص:77".
كما يعرف الإرهاب في لغة قرار الأمم المتحدة في 1999 م بأنه:" كل عمل إجرامي دون سبب وجيه، حيثما تم فعله ومهما كان الفاعل فهو يستحق الشجب".
وتعرفه لجنة مجلس جامعة الدول العربية المكلفة بوضع تصور عربي مشترك لمفهوم الإرهاب عام 1989 م:"هو كل فعل منظم من أفعال العنف، أو التهديد به يسبب رعبا، أو فزعا من خلال أعمال القتل، أو الاغتيال، أو حجز الرهائن، أو اختطاف الطائرات، أو السفن، أو تفجير المفرقعات أو غيرها من الأفعال مما يخلق حالة من الرعب والفوضى، والاضطراب الذي يستهدف أهدافًا سياسية".
ينظر بالتفصيل: الفيرزو أبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة، مادة: رهب، ص:118؛ هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص:31.، وحمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م، ص:314- 320؛ عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص:14. http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
وعرف الإرهاب بيان مكة الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في: 21-26/10/ 1422هـ الموافق لـ: 05-10 /01 /2002 م بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: (دينه، ودمه، وعقله، ماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفســــــــاد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، القصص:77".
كما يعرف الإرهاب في لغة قرار الأمم المتحدة في 1999 م بأنه:" كل عمل إجرامي دون سبب وجيه، حيثما تم فعله ومهما كان الفاعل فهو يستحق الشجب".
وتعرفه لجنة مجلس جامعة الدول العربية المكلفة بوضع تصور عربي مشترك لمفهوم الإرهاب عام 1989 م:"هو كل فعل منظم من أفعال العنف، أو التهديد به يسبب رعبا، أو فزعا من خلال أعمال القتل، أو الاغتيال، أو حجز الرهائن، أو اختطاف الطائرات، أو السفن، أو تفجير المفرقعات أو غيرها من الأفعال مما يخلق حالة من الرعب والفوضى، والاضطراب الذي يستهدف أهدافًا سياسية".
ينظر بالتفصيل: الفيرزو أبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة، مادة: رهب، ص:118؛ هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص:31.، وحمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م، ص:314- 320؛ عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص:14. http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
([47]) انظر: يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص: 83-84.
([48]) محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت، ص:175.
([49]) الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة:(2/433).
([50]) الغزالي، أبو حامد، احياء علوم الدين، دار الكتب العربية:(1/45).
([51]) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة، كتاب التفسير، برقم:(3726).
([52]) الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية :(1/428).
([53]) أخرجه مسلم في صحيحه، المساجد ومواضع الصلاة، برقم: 523.
([54]) حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ، ص:182.
([55]) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون: (6/106).
([56]) ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص:321.
([57]) عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.ص: 284.
([58]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(23536).
([59]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(19072):(4/347).
([60]) ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر، ص:235.
([61]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط، برقم:(157).
([62]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(14522)، (3/325).
([63]) واليسر بمعناه الاصطلاحي: عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم، المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق، ص:749.
([64]) المتقي الهندي، كنز العمال في سنن القوال والأفعال، 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت:(10/762).
([65]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو التواضع، برقم:(4695).
([66]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين – القاهرة، برقم: (
4693)، (5/68).
4693)، (5/68).
([67]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، رقم: (2599).
([68]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(23536).
([69]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم:(6706)، وذكره الألباني في السلسة الصحيحة برقم:3420، وقال: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
([70]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن:(2/384).
([71]) المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة:(3/238).
([72])ينظر: متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود، ص:21.
([73]) أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص: 337.
([74]) عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 264.
قائمة المصادر والمراجع:
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
- الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
- أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير.
- البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية.
- البستي، أبو سليمان الخطابي ، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية، القاهرة.
- البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ؛ شعب الإيمان، تحـ: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط(1)، 1410هـ، دار الكتب العلمية بيروت.
- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد.
- الحاكم ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1407هـ، 1986م، دار الريان للتراث.
- حومد، عبد الوهاب، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان.
- الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، مختار الصحاح، تحـ: أحمد عبد الغفور عطا، ط(2)، 1979م، دار العلم للملايين، بيروت.
- الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة.
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة.
- ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما، الوسطية لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت.
- الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت.
- السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني.
- الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة – القاهرة. المكتبة
- الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة.
- الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون.
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه .
- عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.
- عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.
- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار الكتب العربية.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران.
- الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، دار الجيل.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة.
- القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت.
- القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر.
- ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
- ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجة، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.موسوعة
- محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م.
- المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة.
- المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق.
- ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
- النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، سنن النسائي الكبرى، ، ط(1)، 1411هـ، 1991م، دار الكتب العلمية، بيروت.الموسوعة الشاملة
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري ، شرح النووي على مسلم، 1416هـ، 1996م، دار الخير.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت.
- يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الرسائل:
- حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ.
- البحوث:
- أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
- حمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م.
- الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية.
- عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf
- ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، من موقع: http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
- متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- المواقع الالكترونية:
- موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
- definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
ثقافة الحج ومنهج الوسطية والاعتدال
د. أم كلثوم حكوم داوود بن يحي
أستاذ مشارك/ جامعة الملك خالد
بحث مقدم إلى ندوة الحج الكبرى/ وزارة الحج السعودية1436هــ
مقدمة:
الحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا أمة وسطاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنزل عليه قول ربه سبحانه: ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾، الكهف:28، وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا منهجاً وسطاً، فلا تجاوز ولا شطط، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحث في نصرة الدين الخطى، أما بعد:
فإن الإسلام دين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والوسطية والاعتدال سمتان بارزتان للأمة الإسلامية تميزت بهما عن أهل الإفراط من جنس اليهود ممن قتلوا الأنبياء وحرموا كثيرا من الطيبات التي أحلها الله، وعن أهل التفريط من جنس النصارى ممن ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم، وأحلوا الخبائث افتراء على الله تعالى.
وقد وعى الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يد سيد الخلق معنى الوسطية وأهمية الحفاظ عليها باعتبارها خصوصية للأمة الإسلامية بين الأمم السابقة فلا هي مُفَّرِطة في تدينها ولا هي مُفْرِطة في دينها، بل هي وسطية مسئولة شهيدة على باقي الأمم، فتبنوا الوسطية منهجا وسبيلا وعلموها للتابعين وتابعيهم، فها هو الحسن البصري يسأله أعرابي فيقول: "يا أبا سعيد، عّلمني دينا وَسُوطًا، لا ذاهِبا فَروطًا، ولا ساقطًا سقوطًا"، أي دينا متوسطًا، لا متقدما بالغلو، ولا متأخرا بالتلو، قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي"، خير الأمور أوساطها.([1])
وإذا كان منهج الوسطية والاعتدال يتجلى في كل شعائر الإسلام، فإن الحج بوصفه من أعظمها حيث الذكر والتوبة والطاعة والتقرب إلى المولى وما تحققه من سلام داخلي للحاج، وحيث يجتمع المسلمون من كل الأقطار تلفهم خرق بيضاء غنيهم وفقيرهم عزيزهم وذليلهم لا تكاد تفرق بينهم تجمعهم الايجابية والرحمة والبساطة وما تحققه من سلام خارجي، ينشد في مناسكه وفي ثقافته إشاعة الوسطية والاعتدال بين جموع المسلمين.... يوحد كلمتهم ويجمع فرقتهم ويذكرهم بمنزلتهم بين الأمم وبواجبهم تجاه أنفسهم، وتجاه دينهم.
لقد صار لزاما على المسلمين في ظل الظروف الراهنة والتحديات المتراكمة أن يروا في شعيرة الحج وثقافته النيرة فرصتهم السانحة ليبرزوا للعالم أجمع هذه القيم وهذه الإنسانية التي تتجلى في أبهى صورها حيث الناس من كل المعمورة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولهجاتهم تجمعهم التلبية لنداء الحج بقلوب خاشعة ونفوس راضية، لا فوراق تميزهم لا مصالح تفرقهم فهم سواسية، تتلاشى العادات والموضات والطبقات إلا من أتى الله بقلب سليم، وبأنهم أمة واحدة مهما عصفت بهم الفتن ومهما تربص بهم المتربصون ....مصيرهم واحد ودينهم واحد وربهم واحد فلا مكان بينهم للغلو والتطرف ...ولا مكان بينهم لتعصب والعنصرية التي قال عنها الحبيب المصطفى:( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )([2]).
إن السؤال الذي يطرحه هذا البحث هو: كيف يمكن لشعيرة عظيمة كشعيرة الحج أن تعمل على تفعيل قيم الوسطية بين الحجاج أولا وبين الأمة الإسلامية والعالم أجمع ثانيا، وكيف لها أن تحد من نقائضها من غلو وتطرف وإرهاب فكري ومادي.
وترتبط الإجابة عن هذا السؤال ارتباطا وثيقا ببيان معنى الوسطية وأثرها على الأمة والعالم أجمع، وبيان الانحراف الفكري وما جناه على أمتنا ووحدتنا، وقطع الطريق على نشر رسالتنا، من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
أولا: الوسطية والاعتدال
ترد الوسطية في اللغة بعدة معان متقاربة هي: العدل، الخيار، الفضل، النسب، النصف، البينية، التوسط بين الطرفين، وغيرها من المعاني([3])، جاء في معجم مقاييس اللغة:" الواو الطاء والسين بناء صحيح يدل على العدل، والنصف وأعدل الشيء أوسطه ووسطه"،([4]) وفي اللسَّان:" ووسط الشيء وأوسطه أعدله"([5]).
أما في الشرع فقد جاءت الوسطية بمعنى العدالة والخيرية، والتوسط بين الإفراط والتفريط، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾، البقرة: 143، وبذلك فإنها لا تخرج عن مقتضى اللغة، وقد عرفها الدكتور وهبة الزحيلي، فقال :( والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة "([6])، وهي:" مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم"([7]).
وبين حدودها الدكتور سلمان العودة حفظه الله فقال:" إنَّ الوسطية تعني -لزوماً- الاعتراف والإيمان بعدم لزوم التمامية بل عدم إمكانيتها"، وجعلها مبنية على أصلين هامين هما السداد والمقاربة، مدعمين بقاعدة البشارة([8]) مخرجا الوسطية بذلك من دائرة الفهم الضيق للأشخاص والجماعات والأحزاب التي ترى منهجها منهجا وسط دون البقية لتدخل في الحلقة المفرغة للتطرف الفكري فتسيء من حيث ترتجي الإصلاح وتضر من حيث تبغي النفع.
فالسداد والمقاربة والبشارة أسس أقرهما الحبيب المصطفى في قوله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ)([9]).
أما الاعتدال لغة فقد جاء في القاموس المحيط:" من معاني العدل والاعتدال: الحكم بالعدل والاستقامة والتقويم والتسوية والمماثلة والموازنة والتزكية والمساواة والإنصاف والتوسط([10]).
واصطلاحا هو: " التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما الإفراط والتفريط"([11]).
والوسطية بالمعنى السابق ترادف الاعتدال حيث ورد في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخذري مرفوعا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، قَالَ عَدْلًا؛﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، البقرة: 143) ([12]) .
وهي منهج تقرأ النصوص الدينية من خلاله لكيلا يصطدم الواجب بالواقع، ولا العقل بالنقل، ولا يتم إظهار نص وإخفاء آخر، أو انتصار طرف على مقابله، ([13]) هي سلوك والتزام وليست مجرد شعار وادعاء، بل هي سمة الإسلام في عقائده وشرائعه ....وسمة المسلم في حله وترحاله، في سلمه وفي حربه، في عباداته وفي عاداته، وهي تعبير عن الاعتدال والتّوازن الذي يطبع حركة الكون، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾، النساء: 123" أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه" ، ([14]) ويقول ابن عبد البر قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم: " أتدري ما السمت الصالح ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب وإنما هو لزوم طريق القوم إذا فعل ذلك قيل قد أصاب السمت وتدري ما الاقتصاد هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير ".([15])
كما أن الاعتدال في الأمور كلها مطلب شرعي يتحقق من خلاله التمكين لدين الله في أرضه، والانتفاع بما هو مفيد من العلوم والنقول ما وُجِد وما استجد منها، وقد قيل قديما:" من فقد الاعتدال فقد الانتفاع بالعلوم جميعها".([16])
لذلك كله وجب على علماء الأمة ومفكريها أن يبقوا في يقظة حية دائمة لكيلا يتحول مصطلح الوسطية إلى سلاح بيد جهالها أو أعدائها يفتك بالغلو وينسى المجون، أو أن يتم تفريغه عن معناه فلا نجني منه إلا البعد عن الأسس الراسخة، وتمزيق عرى الهوية الإسلامية الحقة([17]).
ثانيا: مظاهر الوسطية والاعتدال في الإسلام
الإسلام الوسطي هو إسلام شمولي متوازن، واضح العقائد، يحقق المقاصد الشرعية، ويستوعب المخالفين، يتحرى الوسطية في المعتقدات، والعبادات، في الأخلاق وفي التشريعات، ويتبناها منهجا في الحكم على الأشخاص والدول والعلماء وما استحدث من علوم وأراء، وهو وسط في الملموس والمحسوس فلا استغراق في الماديّات، ولا اقتصار على الروحانيّات:
1- وسطية الإسلام في الاعتقاد:
حبا الله تعالى أمة محمد بأن جعلها أمة وسط بين الأمم وجعل ملتها وسطا بين الملل، فلا هم قتلوا الأنبياء كما فعل قوم موسى عليه السلام، ولا هم ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم كما فعل قوم عيسى عليه السلام، يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾ ، النساء، 171 :" نهى الله تعالى عن الغلو، غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا؛ فالإفراط والتقصير كله سيئة،([18]) وحياة المسلمين وسط فلا رهبنة ولا تشديد مفرط، ولا استغراق في الملذات ولا تيسير غير منضبط.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " و " أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله...وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾)، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم وشرعوا دينا لم يأذن به الله فقال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾، الشورى: 21، ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك .([19])
كما أن المسلمين وسط في الأسماء والصفات، فما كانوا كاليهود الذين وصفوا الخالق بصفات المخلوق، فقالوا: يد الله مغلولة، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾، المائدة: 64، وقالوا: الله فقير ونحن الأغنياء، قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾،آل عمران: 181، وغير ذلك من الافتراءات على الله، ولا كانوا كالنصارى الذين وصفوا المخلوق بصفات الخالق، فنسبوا لعيسى عليه السلام الحياة والموت، الرزق والفقر، المغفرة والرحمة، وهي صفات خص بها الله عز وجل نفسه بها.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق من معطلة ومشبهة ومرجئة ومعتزلة، فلا يعطلون ولا يجسمون ولا يشبهون ولا يرجئون، وهم وسط في حب الصحابة رضوان الله عليهم، فلا يغالون ولا يجافون ويكفرون.
2- وسطية الإسلام في العبادات:
من مظاهر الوسطية في العبادات تعدد الطاعات وكثرة القربات فلا يلزم المسلمون بنمط معين منها إلا فيما تعلق بصلاة الفرض، وصيام الفرض، والزكاة الواجبة وحج الفرض، أما غير ذلك فهناك الصائم وهناك القائم وتعدد أوجه البر فهناك المحسن وهناك المتصدق وهناك العالم وهناك المجاهد وهناك.....، وكلها إسلام وعبادة والجنة لها ثمانية أبواب كل باب لضرب من ضروب الخير والبر.
والمسلمون وسط في العبادة، فلا هم كاليهود الذين أسرفوا في التحريم، ولا هم كالنصارى الذين أسرفوا في الإباحة، ولا هم منقطعون للعبادة، ولا منقطعون عنها وهو ما يؤكده قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [62:9] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، الجمعة:9-10، يقول القرطبي في تفسيره للآيتين:" هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى : وإذا حللتم فاصطادوا، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم،" وابتغوا من فضل الله " أي من رزقه، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين"([20]) .
ثالثا: أثر الوسطية على الأمة الإسلامية والعالم
أ- أثر الوسطية على الأمة الإسلامية:
لا تتحقق الوسطية والاعتدال البعيدين عن التطرف والإرهاب من جهة، والعلمانية والإلحاد من جهة أخرى إلا بتحقيق أمن فكري يمكنه أن يقف سدا منيعا في وجه الانحراف في التصور العقدي، والآفات التي تطوق العقل وتجعله عرضة للانزلاق في براثن الوهم والخطأ، فمتى غاب الفكر الوسطي، طغى أحد الفكرين إما الفكر التكفيري المنظر للإرهاب، والمستند على التأويل الباطل للنصوص، والقصور في الفهم الصحيح لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ومحاولة تقنينه بزعم أن مرجعيته إسلامية، وإما الفكر الإلحادي الذي يلغي الدين، ولا يؤمن إلا بالمادي والملموس من الأمور، وما ذاك إلا نتيجة لضحالة المعرفة، وتكبيل العقل بأفكار لا تتعدى المرئي والمحسوس.([21])
إن هذا العبث الفكري بنقيضيه أنتج حالة هي مزيج من الغضب والشك والهروب، وقد زاد الأمر تعقيدا افتقاد الكثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم للفهم الشرعي الصحيح للوسطية جعل كثيراً من صور العمل الإسلامي تتجه إلى الرؤى المتقابلة فصار قانون التضاد يمثل واقعاً في الأعمال الإسلامية بقدرٍ كان ينبغي ألاّ يوجد، مع أنه بحمد الله لا زال في أهل الإسلام ودعاته خير كثير واعتدال محمود([22]).
إن الوسطية ليست منتصف الطريق بل هي الطريق ذاته، وهي ليست حقا مطلقا تملكه جهة أو جماعة أو حزب وإلا انقلبت تطرفا بغيضا يزيد الأمة غمة وفرقة، إنما هي حبل النجاة للأمة ترفع رايتها عالية بين الأمم، تمنعها من أن تضرب حول نفسها طوقا من العزلة، وتحمي خصوصيتها وتميزها عن باقي الأمم، وهي حصن منيع في وجه الانزلاق بها في براثن الانحراف الفكري وتنامي الفكر المتطرف، وقبول فتاويه التكفيرية والهدامة، ذلك أن الجهل بالدين، وليس الدين، هو أس الإرهاب ومنبعه.
إن ثنائية الجهل بالدين والتطرف أخطر على الأمة بكثير من أعدائها التقليديين فخوارج عصر الرسالة قتلوا خيرة الصحابة، وقتلوا خليفتهم وإمامهم العادل علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لقد قتله من ظُنَّ فيه الصلاح والتقى، والفقه عبد الرحمن بن ملجم الذي قرأ القرآن على معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وكان من العباد المعدودين قبل خروجه، حتى يقال إن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله أن يوسع دار عبد الرحمن بن ملجم ليعلم الناس الفقه والقرآن، ثم كان من شيعة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وشهد معه صفين([23])، وفي النقيض المحمود يذكر عن خالد بن الوليد أنه أم الناس بالحيرة ثم قرأ من سور شتى ثم التفت إلى الصحابة حين انصرف فقال:" شغلنا الجهاد عن تعليم القرآن"([24]).
وخوارج العصر روعوا الآمنين وقتلوا المعصومين، وفتكوا بالوحدة وجمدوا حضارة بنيت بسواعد المخلصين على مر القرون وقد ربط الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الغلو بالهلاك فقال:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([25]).
إن الغلو والتطرف يورث حالة من عدم الاستمرارية، وينفر النفوس من الأمور المتطرفة وإن أقبلت عليها في البداية متلهفة، يقول الإمام الغزالي معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ)([26]): " أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه" .([27])
لذلك كله تبقى الوسطية سياجا مهما للرد على من يزعم أن الإسلام ينتمي إلى الماضي، ويدعو إلى القتل ويصادر الآخر ويتعارض مع العقل، ([28]) وحصنا يمنع المسلم من الردة عن دينه اسما ورسما بسبب التعنت والتطرف وتحميل النفس ما لا تطيق.
ب- أثر الوسطية على العالم:
إن الوسطية في السلوك الإنساني مطلب عالمي، وأمنية بشرية، ووسيلة مهمة لكل المجتمعات لكي تعيش في أمان واستقرار وسعادة، والمرجع الوحيد بعد الإفراط والتفريط،([29])ولقد شهد الغرب قبل العرب على وسطية الإسلام وسمو رسالته يقول هاملتون جب: أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب، وإنه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدّ من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الإسلام([30]).
إن بيان أهمية الوسطية في حياة الأمة والعالم يتجلى واضحا عند التطرق لمخاطر الانحراف الفكري الذي يجعل الأمة تعاني الأمرين، عقوق أبنائها، وتكالب أعدائها، ويمكن هنا الحديث عن أهمية الوسطية على مستويين:
1- على مستوى الرأي العام العالمي:
إن ظهور الفكر المتطرف في مناطق وإن كانت محدودة في العالم الإسلامي مقارنة بالفكر الوسطي في ظل القرية الكونية وسهولة وصول المعلومة في ظل العولمة الإعلامية، والحملات الشرسة على الإسلام، أصبح مطية لأعداء الدين حيث يزعم مناهضوه أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يحول دون إحلال السلام، وإشاعة الوئام والانسجام بين أبناء الأرض مثل المسلمين الذين يستعملون العنف والإرهاب ضد خصومهم ومخالفيهم، ومن ثمة ينبغي على شعوب الأرض أن تتخذ الأساليب والسبل لصدهم ومنعهم مسخرين لذلك الترسانة الإعلامية الضخمة لاستعطاف الرأي العالمي الغربي، وكسب تأييده بعد إرهابه وتخويفه.
2- على مستوى الدول:
الإرهاب ظاهرة عالمية مركبة ومعقدة متعددة الأسباب، وأكثر من عانى من ويلاته هي الدول الإسلامية التي غرر بشبابها المتحمس من جهة، ثم أرهبت من القوى الخارجية بدعوى الضربات الوقائية ومكافحة الإرهاب من جهة أخرى، حيث تم تشويه صورة الإسلام لدى العامة من الغرب، لإعطاء الذريعة لأعدائه لضرب البنى التحتية للأمة بدعوى الضربات الاستباقية أو الوقائية، ووضع اليد على ثرواتها بدعوى إعادة الاعمار، واستعباد أبنائها بدعوى التحرير، وتقويض الشرع بدعوى أن الدين أفيون الشعوب.
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
في ظل عولمة غربية وحالة جمود إسلامية يجد المسلم نفسه بحاجة إلى ضوء في آخر النفق يجدد له إيمانه برسالته ومهمته في الحياة، ويحصنه من الوقوع في مستنقع العنف والغلو والتطرف والإرهاب، وغير ذلك من ما يندرج تحت مسمى الانحراف الفكري([31])والذي تتعد مظاهره، وتتنوع أسبابه.
أولا: مظاهر الانحراف الفكري
1- الغلو:
الغلو في اللغة: مجازوة الحد، يقال غلا السعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلوا، إذا جاوز حده، وغلا بسهمه غلوا إذا رمى به سهما أقصى غايته([32]).
يقول الطبري في شرح قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾، النساء:171:" لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه، وأصل الغلو في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده، يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غلوا"([33]).
أما في الاصطلاح فيعرفه شيخ الإسلام بن تيمية بأنه:" مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده، أو ذمه على ما يستحقه ونحو ذلك"، ([34])ويشرح ابن قيم الجوزية المقصود من الغلو شرحا وافيا في قوله رحمه الله: "فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد"([35])، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَمْرٍ إِلا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ : فَإِمَّا إِلَى غُلُوٍّ ، وَإِمَّا إِلَى تَقْصِيرٍ فَبِأَيِّهِمَا ظَفَرَ قَنَعَ ).([36])
وقال النووي في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا)([37])، أي المتعمقون، المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"،([38]) وقال صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([39])، وجاء عن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال : " خَيْرُ النَّاسِ النَّمَطُ الأَوْسَطُ الَّذِينَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِهِ الْجَافِي"([40]).
2- التطرف:
التطرف في اللغة هو: مجاوزة حد الاعتدال والتوسط،([41]) أما في الاصطلاح فهو: " الغلو والتنطع في قضايا الشرع، والانحراف المتشدد في فهم قضايا الواقع والحياة "،([42])ويعرفه القرضاوي بأنه:" الوقوف في الطرف بعيداً عن الوسط، وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم ينتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين أو الفكر، أو السلوك، ومن لوازم التطرف أنه أقرب إلى المهلكة والخطر وأبعد عن الحماية والأمان".([43])
والتطرف أعم واشمل من الغلو لأنه يكون شاملاً للغلو والتقصير فكل غال متطرف، وليس كل متطرف غالياً،([44]) وكثيرا ما ينسب هذا المصطلح للإسلام والمسلمين، بناءا على أفعال وأقوال صدرت من بعض أبنائه الذين أقل ما يقال عنهم أنهم جاهلون لأحكام الإسلام مغرر بهم، في حين أن المتأمل لنصوص الشرع يجد الإسلام كدين بعيد كل البعد عن التطرف والانحراف، قريب كل القرب من الوسطية والاعتدال، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، (البقرة:143).
3- الإرهاب:
مصطلح الإرهاب في الاصطلاح المعاصر يختلف عن ما عرفه العرب قديما، وهو يقابل ما يعرف في اللغة الإنجليزية" terrorism"، كما يشير الكثير من الباحثين أن مصطلح الإرهاب ظهر في الساحة السياسية العالمية بعد الثورة الفرنسية حيث ارتكبت الممارسات القمعية والتصفية في حق أعداء الثورة لقطع الطريق أمام من يريد القضاء عليها([45])، وقد حاول العديد من الباحثين والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية وضع تعريف محدد للإرهاب.([46])
ثانيا: أسباب الانحراف الفكري
لعل أهم أسباب الانحراف الفكري المتمثل في الغلو التطرف والإرهاب ما يلي:
1- حالة الإحباط السياسي التي تسود العالم الإسلامي:
لقد أصبح الإحباط السياسي ظاهرةً واضحة المعالم ترصدها العين المجردة في التجمعات الشعبية وفي المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتنوع هذا الإحباط بين داخلي وخارجي:
فالإحباط الداخلي نشأ من الظروف السياسية التي تعيشها بعض الدول الإسلامية حيث الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية، ثم ترجم هذا الإحباط إلى غضب تحول إلى تصرفات عدوانية تنامت للتتحول إلى إرهاب منظم ضد أجهزة الدولة.([47])
وأما الخارجي فإن أبرز مسبباته حالة الاستعمار التي عانت منها الشعوب الإسلامية لعقود، وما زالت تعاني من تبعاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، فالاستعمار هو أس الإرهاب ومنبعه والذي لم يكتفي باحتلال الأرض بل انتهك العرض واستعبد الشعب وأرهبه، فملأه حقدا ورغبة في الانتقام، أضف إلى ذلك مجازر الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين واللبنانيين،كل ذلك يولد لدى شباب الأمة حالة من الغضب هستيرية قد تجعله يجانب الصواب في ردود أفعاله، وقد جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 1973م حول الإرهاب الدولي:" يعود نشوء الإرهاب السياسي إلى أعمال القمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل تحريرها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها واستقلالها وفي حرياتها الأساسية الأخرى"([48]).
2- الحالة التربوية:
من المؤسف أن تهتم الدول الإسلامية بالمناهج التربوية فيما يتعلق بالعلوم التجريبية على حساب العلوم الشرعية، وكنتيجة لذلك قلَّ الإقبال على هذا التخصص المبني على الحب للشريعة والرغبة في نشرها والذود عنها، وإن كانت نتائج هذا الخلل لم تظهر في حينها فقد ظهرت الآن عندما أنشأت المنظومة التربوية عن غفلة منها جيلا يعاني من الأمية الدينية، فلا الاهتمام بالعلوم التجريبية طور هذه الدول، ولا إهمال العلوم الشرعية أمنَّها من مخاطر التطرف والإرهاب، فمع قلة الاهتمام بالعلم الشرعي وغياب الضوابط الشرعية، يسهل على المتطرفين استدراج شبابنا المتحمس لنصرة دينهم.
3- الجهل بفقه الخلاف وحب الجدل:
كثيرا ما يحل العنف في المسائل الاجتهادية محل الحوار، بل ويتطور الأمر إلى حد التبديع والتفسيق ثم التكفير واستباحة الدماء المعصومة، وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:" ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"([49])، فلا يجوز لأحد أن يكفر مسلما موحدا بذنب يرتكبه ما لم يستحل ذلك، فما بالك بالأمور الخلافية.
وانظر إلى الرجل الذي سأل سيدنا علي فلما أجابه، فقال الرجل:" ليس كذا يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا"، فقال:" أصاب وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم"، قال الغزالي معلقا:" وهكذا يكون إنصاف طالب الحق!! ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده".([50])
كما نهى النبي الكريم عن الجدل؛ وذلك لمعرفته بما يجنيه هذا الأخير على أمته، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ)([51])، إذ هو من أخطر الأمراض التي تفتك بالشباب المبتلى بالفراغ الديني، فينشغل بالقضايا الجزيئية أو الأحداث التاريخية المنتهية ولا يسأم من المجادلة فيها، وينصرف عن القضايا المصيرية للأمة، في الوقت الذي طالت فيه العولمة كل مقومات الأمة من ثقافة ودين وهوية، وأصبح للعلمانيين منبرهم ولليمينين منبرهم، وحيث الحملات التنصيرية مستعرة في دول افريقية الفقيرة والمسلمة.
3- الفكر الجهادي المغلوط لدى بعض الجماعات الدينية:
من المآخذ التي تؤخذ على الكثير الجماعات البعد عن الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فكثير من الأحزاب والجماعات تأسست بناء على قراءات خاصة ومفاهيم مغلوطة عن الجهاد والإمارة والتعامل مع الحاكم حالة الفتنة، والتي تعتمد في دعوتها على الشحن العاطفي المبني على المغالطة الفكرية والدينية، وكل ذلك ناتج عن إهمال الجانب التربوي والديني لدى أفراد المجتمع في فترة الدراسة ما جعلهم عرضة للانحراف وصيدا سهلا للشعارات البراقة عن إقامة الدولة الإسلامية المنشودة التي ظاهرها الصلاح وباطنها الخراب والدمار؛ وما يطفح به العالم الالكتروني من عناوين بجواز قتل النساء والأطفال والسفراء .....وغيرهم، خير دليل على الفكر المأزوم الذي ابتليت به الأمة.
4- ضعف دور العلماء في التوعية الدينية لشباب الأمة:
يتحمل علماء الأمة ومفكروها في جميع المجالات وزرا لا يستهان به فيما يتعلق بانحراف الشباب فكريا، وذلك أن العلماء عزلوا أنفسهم بقصد وبدونه عن شريحة واسعة من شبابنا الذين التبس عليهم الحق بالباطل، فراحوا يبحثون بأنفسهم عن مخارج شرعية لحالة الإحباط السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشه الأمة دون الرجوع إلى العلماء ولا يخفى خطر ذلك على أحد، قال ابن مسعود: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" ، قال ابن قتيبة في تفسير ذلك: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه حِدة الشباب ومتعته وعجلته واستصحب التجربة في أموره فلا تدخل عليه في علمه الشبه ولا يستميله الهوى ولا يستزله الشيطان، والحَدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ".([52])
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
الحج بوصفه أعظم الشعائر الدينية، يجمع في مؤتمره السنوي ملايين الحجاج من كل البقاع محرمين ملبين لله تعالى راغبين، تتعدد انتماءاتهم السياسية، وتختلف مشاربهم الفكرية لكن توحدهم التلبية لله عز وجل في صورة فسيفسائية جميلة، وتزيد في رسوخ العقيدة الوسطية في قلوبهم وعقولهم ثقافته الراقية التي تتبنى اليسر والبر والتقوى منهجا وشعارا.
أولا: معاني الوسطية في شعائر الحج
شهر الحج وما يصاحبه من عبادات وقربات أشبه بأن يكون مركز تدريب مكثف للمسلمين روحيا وماديا ليحققوا النهضة الحضارية والخيرية الكونية التي شرفهم الإسلام بها، حيث يسطر أعظم ما في الخصال التالية:
1- الحج وعالمية الإسلام
إن أول ما افتتح الله عز وجل به كتابه العزيز قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الفاتحة: 02، حيث عرف عن نفسه لعباده بأنه رب العالمين عربا وعجما بدوا وحضرا مسلمين وكفارا، وكذا كان رسوله الكريم في دعوته للإسلام قال تعالى عن نبيه محمد: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾، الأنبياء:107، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، سبأ:28.
إن ما سبق ذكره يؤسس لعالمية الرسالة المحمدية باعتبارها آخر الرسالات وإذا كان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا إلى أقوامهم، فإن الحبيب المصطفى كان المرسل بالدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء بجميع ألوانها وأجناسها بجميع عصورها وأزمنتها، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾، الفرقان:01، وقال صلى الله عليه وسلم:( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ).([53])
إن الإسلام حق مشاع وثروة مشتركة لجميع الأمم والشعوب، والعناصر والأجناس،([54])وهو الدين الذي ارتضاه الله ورسوله للبشرية وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وختم بها حديثه مع المسلمين وغيرهم فقال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، المائدة:3، يقول صاحب التحرير معلقا على الآية: لا شك أن أمر الإسلام بدأ ضعيفا، ثم أخذ يظهر ظهور سنا الفجر، ....ثم لما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين، وغلب الإسلام على بلاد العرب، تمكن الدين وخدمته القوة، فأصبح مرهوبا بأسه، ومنع المشركين من الحج بعد عام، فحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام عشرة وليس معه غير المسلمين، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين: بمعنى سلطان الدين وتمكينه وحفظه، وذلك تبين واضحا يوم الحج الذي نزلت فيه هذه الآية .([55])
إن تعدد الأجناس والألوان في هذا المؤتمر السنوي الذي ينفرد دون غيره من المؤتمرات باشتراط الإسلام والقدرة والاستطاعة فقط لحضوره، دون الشهادات والعلاقات، لدلالة على عالمية الإسلام وتفرده الجميل بين باقي الديانات وباقي المعتقدات.
2- الوحدة والتآخي :
إن هذا المنسك السنوي المقدس يقرب بين أبناء الأمة بعضهم بعضاً، ويحقق التعارف بينهم كأفراد وجماعات، وتتجلى مظاهر الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية في كل تفاصيله، حيث تتوحد جسور التواصل بين هذه المجتمعات الإنسانية بعيداً عن توجهات حكوماتها وسياساتها التي قد تتعارض فيما بينها، وتبدي قدرة بارزة على الاتحاد والتوافق رغم المحن والعقبات، في صفوف متراصة مؤمنة وملتزمة، يجمعهم الحب لله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف حتى قيل في قوله تعالى: ﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾، الحج: 31، أي حجَّاجاً، وجعل الله بيته الحرام قياماً للناس، فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه، فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرَّت السماء على الأرض، هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس "([56]).
يقول اتيين دينيه: "إن الإسلام بلغ من تماسك بناءه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا، ففي أقل من مئة عام ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم ......أن يستولوا على أغلب بقاع العالم القديم: من الهند إلى الأندلس".([57])
إن قائد أي جيش في العالم مهما بلغ من القوة والعظمة لا يستطيع ضبط الجيش المحترف إذا بلغ من العدد مبلغا لكن إمام الحرم يستطيع ضبط ما يزيد عن مليوني حاج على اختلاف أعمارهم ومكتسباتهم العلمية ومداركهم الفقهية، فيكفي أن يقول: استووا يرحمكم الله ليستوي الحجاج في مشهد مهيب يتلوه ركوع موحد وسجود موحد وتسليم موحد...إنها الوحدة في أبهى وأرقى صورها.
3 - المساواة:
لقد انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية بتضحيات جسام قدمها المسلمون الأوائل على اختلاف أعراقهم وألوانهم جمعهم الدين الجديد أمثال خالد بن الوليد العربي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، ثم امتدت إمبراطوريته العظمى شرقا وغربا شمالا وجنوبا على يد عظماء أمثال طارق بن زياد البربري، وحفظت علوم الدين قديما على يد مسلم والبخاري ومالك والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، والطبري وتطورت على يد ابن خلدون، والخوارزمي، والبيروني، والحسن بن الهيثم، وعمر الخيام، وابن سينا، والرازي، والألباني، وغيرهم من عظماء السند والهند وشمال افريقية والسودان والشام والحجاز.
لقد جسد المسلمون الأوائل معاني خطبة الوداع للحبيب المصطفى أمام ما يزيد على مائة ألفٍ من المسلمين واعتمدوا دستورهم الجديد والقانون الذي لم يألفه العرب من قبل حيث أعلنها صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي واضحة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([58]).
4- التقوى:
التقوى في الحج تكون بتعظيم شعائره، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، الحج: 32، ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، البقرة: 158، ويقول: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾، الحج: 30، وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا- يعني الكعبة- ، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا )([59]).
وأفضل زاد يحمله الحاج معه في رحلته الروحية هو التقوى، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، البقرة: 197 ؛ كما قال ابن رجب - رحمه الله:" فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى، ولا دعي للحاج عند توديعه بأفضل من التقوى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع غلاما للحج فقال له: "زودك الله التقوى"،([60]) ذلك أن الحج على كثرة مناسكه وكثرة قربات الحاج فإن التقوى هي مقياس القبول أو الرفض للأعمال، قال تعالى: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾، الحج: 37.
5- البر:
من أسمى المعاني التي يستوجبها الحج المبرور والتي تسهم في رص صفوف المسلمون وتحابهم وتنزع الغل من قلوبهم:
أ- الرفق بالحجيج في الطواف والإفاضة وعند مزدلفة فقد سَمِع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل، فقال:( وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ )([61]).
ب- بدْل الطعام وإفشاء السلام حيث قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحَجٌّ المَبْرُورٌ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ "، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الحَجٌّ المَبْرُورٌ ؟، قَالَ : " إِطْعَامُ الطَّعَامِ , وَإِفْشَاءُ السَّلامِ) ([62]).
ج- اليسر([63]): يتجلى اليسر في محطات كثيرة من محطات الحج، في جواز التأخير في رمي الجمارات، وفي تأخير طواف الإفاضة، وفي سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، وفي اختلاف الحجاج في مغادرة مكَّة والخروج منها، فمنهم المتعجِّل، ومنهم المتأخر: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾، البقرة:203، وقبل ذلك كله في فرض الحج على المستطيع مرة في العمر.
6- العفو والصبر على الأذى:
العفو خلق كريم تحلى به رسولنا الأعظم وحث الصحابة ومن بعدهم المسلمين على التحلي به، وضرب لنا في ذلك مثلا رائعا عن العفو بعد المقدرة وهو ما لم نجده في الحروب التي يذكرها الغرب في كتب التاريخ، فالنبي عاني الأمرين من قريش، فلما كان يوم الفتح قال سعد بن عبادة:" يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا....وقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول الله ما نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشا)، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله".([64])
إن الحج عبادة بدنية قد يصاحبها مشقة في تحقيق أركانها مع كثرة الحجيج واختلاف طبائعهم والتزامهم بوقت واحد للعبادة؛ لذلك كان لزام على الحاج التحلي بالصبر والدفع بالحسنى وبذل بعض التنازل في سبيل ضمان سير الأمور دون أن يستشعر الدنية في صبره وتنازله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وما زَاد الله عَبداً بعَفو إلا عِزًّا)([65])، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، آل عمران: 146.
كما يجب على الحاج تجنب الخوض في المسائل الخلافية والجدال والرفث محتسبا فعله هذا لله عز وجل قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ﴾، البقرة: 197، وقال صلى الله عليه وسلم:(أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ).([66])
إن الرسول الأعظم ضرب لنا أمثلة واضحة في حسن الخلق والصبر على البلاء وتجنب الفحش من القول والفعل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ:( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)"([67]).
7- تعلم ثقافة الاختلاف ونبذ التعصب:
إن أهم درس يمكن للحاج تعلمه هو ثقافة الاختلاف، فالحج مهرجان يبرز تعدد الأعراق واختلاف الأزياء وتنوع العادات والتقاليد وكثرة اللهجات وتباين الطبائع، وهو فرصة ليكتشف الحجاج كلهم التنوع المحمود في الأجناس وفي المرجعيات الدينية السنية - فهذا مصري شافعي وهذا مغربي مالكي، وهذا شامي حنفي وهذا حجازي حنبلي- وفي المنطلقات الفكرية، وقد قيل قديما: الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
هذا التنوع المحمود يؤسس لرسوخ الفكر الوسطي لدى الحجاج فالتآخي والتعاون والبر الذي يصاحب هذا التنوع يورث الاحترام المتبادل، واستشعار النية الصادقة لخدمة الإسلام بين جموعهم تجعلهم على مسافات متقاربة فكرا وتدينا وحبا للخير وعملا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾، أخوة قد لا تخلو من بعض الاختلاف وسوء الفهم لذا أتبعها الله تعالى بقوله: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إصلاحا لا يخلوا من التقوى فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، الحجرات: 10.
8- حرمة دماء وأموال المعصومين:
إن أعظم قيمة إنسانية أقرها الرسول الكريم في خطبة الوداع هي حرمة دماء المعصومين حينما قال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ..... فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([68])، وقدمها على حرمة الكعبة حيث خاطبها وهو يطوف بها فقال: ( مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْء)([69]).
إن الحجاج على اختلاف أعمارهم خاصة الشباب في حاجة ماسة إلى هذه القيم الربانية التي تحصنهم من العنف والغلو والإرهاب، والحج فرصة سانحة لغرس هذه القيم بين المسلمين، فالجهل بالدين وليس الدين هو أفيون الشعوب.
9- الجمع بين الحج والتجارة:
الحج وإن كان أياما معدودات يؤدي فيها الحاج شعيرة سنوية تفرض مرة واحدة في العمر، فإن الله عز وجل رخص فيها بالاتجار، فقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾، البقرة: 198، والمراد بالفضل في الآية التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق، فدلَّت الآيةُ على جواز التجارة للحاج حالَ السفر لتأدية ما افترضه اللهُ من الحجِّ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:" كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ في مواسم الحج"([70]).
إن هذا الجمع بين العمل الديني والعمل الدنيوي في الآية الكريمة: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، الحج: 28 يدل على أن تعاليم الشرع تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، حيث يستطيع الإنسان أن يعبد ربه بينما يكون منهمكا في شئون حياته اليومية، إذ لا رهبانية في الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَلا مَنْ تَرَكَ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ, حَتَّى يَنَالَ مِنْهَا, فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَبْلَغُهُ إِلَى الأُخْرَى, وَلا تَكُنْ كَلا عَلَى النَّاسِ ).([71])
ثانيا: استثمار معاني الوسطية في الحج في نشر الفكر الوسطي
1- إشراك الحجيج في عملية التعريف بالوسطية:
إن نجاح أي مشروع مرهون بمدى تقبل الناس له ورغبتهم في استمراره، والفكر الوسطي باعتباره مشروع أمة وطريق فلاح لابد لنجاحه من إشراك جميع عناصر المجتمع المسلم في فهمه الفهم الصحيح وتمكينه من حياتهم باتخاذه منهجا وسبيلا، وإذا كنا نهدف إلى الاستفادة من الحج لإشاعة هذا الفكر فلا أحسن من إشراك الحجيج في هذا المشروع النهضوي، وبخاصة فئتي النساء والشباب.
أ- إشراك المرأة في نشر الفكر الوسطي:
إن إشراك المرأة في التعريف بوسطية الإسلام أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال العمل على فتح فضاءات حوارية على هامش الحج تجمع الداعيات والمفكرات بنساء الحجيج من كل البلاد كل حسب لغته للتعريف بدور المرأة الخطير في تربية أبنائها على الوسطية وحمايتهم من الوقوع صيدا للفكر المتطرف.
إن قدسية المكان والزمان كفيلة باستنهاض الهمم والتعريف بعظم المسئولية الملقاة على عاتق المرأة المسلمة في نشر الفكر الوسطي بين الأسرة والمجتمع، فالتربية السليمة وإن كانت تأخذ وقتها في تحقيق النتائج هي أقصر الطرق وأنجعها لحماية الإسلام من أعدائه التقليدين والمعاصرين، إننا ومن خلال هذه الفضاءات نستطيع تكوين شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في حماية الدين من الحملات المسعورة التي تتوالى تباعا على أمتنا.
ب- إشراك الشباب في نشر الفكر الوسطي:
إن أكثر ضحايا الفكر المتطرف هم الشباب ممن تقطت بهم السبل السوية، وطغت على عقولهم الأمية العقدية التي تمخضت من ضحالة المعرفة، وقصور في الفهم الصحيح للمنهج الرباني، وتشبع بالأفكار هدامة التي ولدت لديهم مفاهيم خاطئة عن الجهاد، ترجمت إلى جرائم تخرج عن نطاق التصور وتخالف الفطرة الإنسانية السليمة، والتي اتخذت من فتاوي التكفير والجهاد مرجعية لها.([72])
إن استغلال الحالة النفسية للحاج الشباب التي تساعده على قبول الحوار وتقبل ثقافة الاختلاف تمكن من تحصينه حتى لا يقع عرضة للأفكار المنحرفة والآراء الهدامة، وتغرس في نفسه رسالة هي في غاية الخطورة والأهمية مفادها أنه يتعين على المستفتين الرجوع في مسائلهم إلى العلماء الربانين المشهود لهم بالتقوى.
كما أن فتح أبواب الحوار على مصرعيه أمام الشباب وإعطائهم الفرصة لعرض أفكارهم مهما جانبت الحق إفراطا وتفريطا والرد عليها بالعقل والحكمة والنص الشرعي القاطع سيحرر عقولهم ويفتح قلوبهم ليتحولوا من معول هدم إلى وسيلة بناء، ومن طاقة سالبة مهدرة إلى طوفان ايجابي يبني الأمة ويرفع رايتها عالية بين الأمم.
2- إشراك الإعلام في التعريف بالوسطية:
الحج مؤتمر سنوي يحضره المسلمون من كل فج عميق تجمعهم التلبية للنداء والوحدة في أداء الشعائر في جو مهيب يجعل من الصورة رسالة قوية كاملة الأركان، هذه الرسالة التي يمكن لوسائل الإعلام نقلها من أرض الحدث إلى كل بقاع الأرض على المباشر؛ لتعرف العالم أجمع بالإسلام وخصوصيته وكثرة أتباعه وسهولة اعتناقه.
ونقصد هنا الإعلام بشقيه، الإعلام الغربي والإعلام التابع للدول المسلمة والذي يبث بلغات شتى، فالحج فرصة سانحة للتعريف بعالمية الإسلام وقيمه السامية، والتركيز على إبراز معاني الوسطية والاعتدال في الحج من خلال الوقوف على شعائر الحج ورصد تحركات الحجيج وما تبرزه من تنوع بشري يقل نظيره أو يكاد يستحيل في غير الحج بشهادة مفكرين وعلماء غير مسلمين كالسير طوماس أر نولد يري" في الحج عملا ساميا، نجد زنجي ساحل إفريقيا الغربي يلتقي بالصيني من أقصى المشرق، ويتعرف التركي على أخيه من جزر الملايو في عطف وحنان ويجتمعون حول الكعبة التي يولون وجوههم شطرها في كل ساعة من ساعات عباداتهم الخاصة في أوطانهم النائية، لم تستطع أي محاولة يقوم بها عباقرة أي دين أن تتصور وسيلة أحسن من هذه الوسيلة "....([73])، ثم يقول في موضع آخر يقول:" كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".([74])
كما يمكن للإعلام توظيف ما كتبه المسلمون الجدد عن الإسلام، ذلك أنهم أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، فقد ولدوا في البيئة الغربية وتربوا على الطريقة الغربية واستطاعوا بصفاء فكرهم من جهة وبفهمهم العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقوا الإسلام، كما استطاعوا في كثير من الأحيان أن يدافعوا عنه أحسن ممن ولدوا مسلمون؛ لأن لهم قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إننا بذلك نقطع الطريق على من يروج للإسلام فوبيا على أنه حتمية صنعها المسلمون بدينهم وما يحتويه من قتل وإكراه وتسلط على الحريات، وعلى من جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة الفهم الصحيح للإسلام.
3- إقامة المعارض والندوات وتوزيع المطويات:
أثبتت التجارب أن المعارض والحملات وسائل فعالة في الترويج للأفكار بين الفئات المستهدفة، فالمعارض تعمل على رفع الحس بالمسئولية عند الحاج، والحملات التوعوية تحسن أداءه والتزامه بالانضباط والأمانة والنظافة وتعرفه بالفكر الوسطي وتزداد فعاليتها عند إشراك الحجاج أنفسهم في الحملات وتوفير الوسائل المادية والقادة الميدانيون المتطوعون من شباب السعودية والدعاية لها في المواقع الالكترونية والقنوات الإعلامية.
كما أن توزيع المطويات يساهم في تسهيل القراءة على الحاج والوصول إلى المعلومة المفيدة واستغلال وقت الحج فيما هو مفيد من عبادة وعلم وخير، إضافة إلى استخدام اللوحات الاشهارية للترويج للفكر الوسطي فالصورة تكون في كثير من الأحيان أبلغ الخطابات، وأكثر وقعا ومن وقع الكلمات.
4- التنسيق مع بعثات الحج من أجل تهيئة الحاج للفكر الوسطي:
تلعب بعثات الحج دورا هاما في تسير شئون الحجاج كل حسب بلده، وتضطلع بدرو مهم في تهيئة الحاج وتدريبه على شعائر الحج وعلى الظروف المصاحبة لها من كثرة للحجيج والتزام بوقت واحد لأداء الشعائر وما يصاحب ذلك من صعوبات ومشاق قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ما لا يحمد عقباه من تدافع قد يسبب الموت.
كما يمكن التنسيق بين البعثات ووزارة الحج السعودية لضبط برنامج متكامل وشامل يكون بمثابة دورة تدربية للحاج حول كل ما يحتاجه لضمان حج مبرور، وتضمين هذا البرنامج التعريف بمعاني الوسطية في الإسلام وخطر التطرف على الأمة والعالم، من خلال دورات مكثفة تقام للحاج في بلده، ثم استكمال البرنامج في الحج وما يضفيه من جو مهيب وقدسية للمكان والزمان تجعل أهداف البرنامج تحقق وتؤتي أكلها المنشود.
كما يمكن لبعثات الحج والاستفادة من التجارب الناجحة في مجال تدريب الحجاج كالتجربة الماليزية التي أبدعت في تنظيم شئون الحجيج وإعدادهم للحج من خلال دورات تدريبية تقام لهم قبل وصولهم إلى المملكة مما يسهل على القائمين على الحج والسير الحسن له ضمان أداء الحجاح لشعائرهم في ظروف مشجعة ومرضية للطرفين.
الخاتمة:
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يستفيد المسلمون من هذا الدرس السنوي العظيم حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فيعودون إلى ديارهم حجاجا ميامين محملين بمبادئ الوحدة ومساهمين في تحقيق المساواة بينهم بعيدا عن الماديات والفتن والشهوات.... ما أحوجنا إلى الوسطية والاعتدال في حياتنا وفي حلنا وترحالنا ......ما أحوجنا لأن يحل البناء محل الهدم والعلم محل الظلم ....والتعايش محل التنافر....والتساند محل التعاند فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
التوصيات:
- أن ظاهرة التنطع والغلو في الدين من أكبر التحديات الفكرية التي يواجهها شباب الأمة الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال الديني والخلقي حيث يجب الأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، من خلال الاهتمام بهم واحتوائهم.
- إذا كانت العولمة سلاحا وظف للنيل من الهوية الإسلامية، فإنه يمكن توظيفها لخدمة الدين الإسلامي والتعريف به وبسماحته وبركنه الأعظم الحج من خلال وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية .
- ضرورة الاستفادة من خبرة المنظمات الدعوية العالمية والمحلية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعات الإسلامية وغيرها من المنظمات والهيئات والتنسيق فيها بينها لتبني مشروع غرس الفكر الوسطي بين جموع الحجيج.
- استضافة علماء وعباقرة الغرب الذين كان الإعجاز العلمي للقرآن سببا في إسلامهم، لتعريف الحجيج أن الإسلام دين عقل ونقل ومن يدعي التعارض بينهما قليل علم وورع أحق أن لا يلتفت إلى كلامه.
- إحياء السنن النبوية فيما يتعلق بفقه الخلاف ومعاملة الآخر وتعليمها للحجيج وبخاصة شباب منهم لصناعة جيل رباني يسعد في الدارين ويسعد من جاوره من الأمم بأخلاقه الربانية.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
قائمة المصادر والمراجع:
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
- الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
- أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير.
- البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية.
- البستي، أبو سليمان الخطابي ، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية، القاهرة.
- البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ؛ شعب الإيمان، تحـ: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط(1)، 1410هـ، دار الكتب العلمية بيروت.
- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد.
- الحاكم ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1407هـ، 1986م، دار الريان للتراث.
- حومد، عبد الوهاب، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان.
- الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، مختار الصحاح، تحـ: أحمد عبد الغفور عطا، ط(2)، 1979م، دار العلم للملايين، بيروت.
- الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة.
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة.
- ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما، الوسطية لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت.
- الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت.
- السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني.
- الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة – القاهرة. المكتبة
- الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة.
- الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون.
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه .
- عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.
- عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.
- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار الكتب العربية.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران.
- الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، دار الجيل.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة.
- القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت.
- القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر.
- ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
- ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجة، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.موسوعة
- محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م.
- المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة.
- مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، تحـ: : سيد كسروي ، ط(1)، 1422هـ - 2001م ، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.
- مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، دار إحياء الكتب العربية.اسلام- المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق.
- ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
- النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، سنن النسائي الكبرى، ، ط(1)، 1411هـ، 1991م، دار الكتب العلمية، بيروت.الموسوعة الشاملة
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري ، شرح النووي على مسلم، 1416هـ، 1996م، دار الخير.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت.
- يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الرسائل:
- حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ.
- البحوث:
- أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
- حمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م.
- الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية.
- عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf
- ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، من موقع: http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
- متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- المواقع الالكترونية:
- موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
- definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
ثقافة الحج ومنهج الوسطية والاعتدال
د. أم كلثوم حكوم داوود بن يحي
أستاذ مشارك/ جامعة الملك خالد
بحث مقدم إلى ندوة الحج الكبرى/ وزارة الحج السعودية1436هــ
مقدمة:
الحمد لله الذي منّ علينا فجعلنا أمة وسطاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنزل عليه قول ربه سبحانه: ﴿ وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾، الكهف:28، وصلى اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين سلكوا منهجاً وسطاً، فلا تجاوز ولا شطط، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وحث في نصرة الدين الخطى، أما بعد:
فإن الإسلام دين وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والوسطية والاعتدال سمتان بارزتان للأمة الإسلامية تميزت بهما عن أهل الإفراط من جنس اليهود ممن قتلوا الأنبياء وحرموا كثيرا من الطيبات التي أحلها الله، وعن أهل التفريط من جنس النصارى ممن ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم، وأحلوا الخبائث افتراء على الله تعالى.
وقد وعى الرعيل الأول من الصحابة الذين تربوا على يد سيد الخلق معنى الوسطية وأهمية الحفاظ عليها باعتبارها خصوصية للأمة الإسلامية بين الأمم السابقة فلا هي مُفَّرِطة في تدينها ولا هي مُفْرِطة في دينها، بل هي وسطية مسئولة شهيدة على باقي الأمم، فتبنوا الوسطية منهجا وسبيلا وعلموها للتابعين وتابعيهم، فها هو الحسن البصري يسأله أعرابي فيقول: "يا أبا سعيد، عّلمني دينا وَسُوطًا، لا ذاهِبا فَروطًا، ولا ساقطًا سقوطًا"، أي دينا متوسطًا، لا متقدما بالغلو، ولا متأخرا بالتلو، قال له الحسن: أحسنت يا أعرابي"، خير الأمور أوساطها.([1])
وإذا كان منهج الوسطية والاعتدال يتجلى في كل شعائر الإسلام، فإن الحج بوصفه من أعظمها حيث الذكر والتوبة والطاعة والتقرب إلى المولى وما تحققه من سلام داخلي للحاج، وحيث يجتمع المسلمون من كل الأقطار تلفهم خرق بيضاء غنيهم وفقيرهم عزيزهم وذليلهم لا تكاد تفرق بينهم تجمعهم الايجابية والرحمة والبساطة وما تحققه من سلام خارجي، ينشد في مناسكه وفي ثقافته إشاعة الوسطية والاعتدال بين جموع المسلمين.... يوحد كلمتهم ويجمع فرقتهم ويذكرهم بمنزلتهم بين الأمم وبواجبهم تجاه أنفسهم، وتجاه دينهم.
لقد صار لزاما على المسلمين في ظل الظروف الراهنة والتحديات المتراكمة أن يروا في شعيرة الحج وثقافته النيرة فرصتهم السانحة ليبرزوا للعالم أجمع هذه القيم وهذه الإنسانية التي تتجلى في أبهى صورها حيث الناس من كل المعمورة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولهجاتهم تجمعهم التلبية لنداء الحج بقلوب خاشعة ونفوس راضية، لا فوراق تميزهم لا مصالح تفرقهم فهم سواسية، تتلاشى العادات والموضات والطبقات إلا من أتى الله بقلب سليم، وبأنهم أمة واحدة مهما عصفت بهم الفتن ومهما تربص بهم المتربصون ....مصيرهم واحد ودينهم واحد وربهم واحد فلا مكان بينهم للغلو والتطرف ...ولا مكان بينهم لتعصب والعنصرية التي قال عنها الحبيب المصطفى:( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ )([2]).
إن السؤال الذي يطرحه هذا البحث هو: كيف يمكن لشعيرة عظيمة كشعيرة الحج أن تعمل على تفعيل قيم الوسطية بين الحجاج أولا وبين الأمة الإسلامية والعالم أجمع ثانيا، وكيف لها أن تحد من نقائضها من غلو وتطرف وإرهاب فكري ومادي.
وترتبط الإجابة عن هذا السؤال ارتباطا وثيقا ببيان معنى الوسطية وأثرها على الأمة والعالم أجمع، وبيان الانحراف الفكري وما جناه على أمتنا ووحدتنا، وقطع الطريق على نشر رسالتنا، من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
المحور الأول: الإسلام دين وسطية واعتدال
أولا: الوسطية والاعتدال
ترد الوسطية في اللغة بعدة معان متقاربة هي: العدل، الخيار، الفضل، النسب، النصف، البينية، التوسط بين الطرفين، وغيرها من المعاني([3])، جاء في معجم مقاييس اللغة:" الواو الطاء والسين بناء صحيح يدل على العدل، والنصف وأعدل الشيء أوسطه ووسطه"،([4]) وفي اللسَّان:" ووسط الشيء وأوسطه أعدله"([5]).
أما في الشرع فقد جاءت الوسطية بمعنى العدالة والخيرية، والتوسط بين الإفراط والتفريط، كما في قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾، البقرة: 143، وبذلك فإنها لا تخرج عن مقتضى اللغة، وقد عرفها الدكتور وهبة الزحيلي، فقال :( والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة "([6])، وهي:" مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم"([7]).
وبين حدودها الدكتور سلمان العودة حفظه الله فقال:" إنَّ الوسطية تعني -لزوماً- الاعتراف والإيمان بعدم لزوم التمامية بل عدم إمكانيتها"، وجعلها مبنية على أصلين هامين هما السداد والمقاربة، مدعمين بقاعدة البشارة([8]) مخرجا الوسطية بذلك من دائرة الفهم الضيق للأشخاص والجماعات والأحزاب التي ترى منهجها منهجا وسط دون البقية لتدخل في الحلقة المفرغة للتطرف الفكري فتسيء من حيث ترتجي الإصلاح وتضر من حيث تبغي النفع.
فالسداد والمقاربة والبشارة أسس أقرهما الحبيب المصطفى في قوله صلى الله عليه وسلم:( إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ)([9]).
أما الاعتدال لغة فقد جاء في القاموس المحيط:" من معاني العدل والاعتدال: الحكم بالعدل والاستقامة والتقويم والتسوية والمماثلة والموازنة والتزكية والمساواة والإنصاف والتوسط([10]).
واصطلاحا هو: " التزام المنهج العدل الأقوم، والحق الذي هو وسط بين الغلو والتنطع، وبين التفريط والتقصير، فالاعتدال والاستقامة وسط بين طرفين هما الإفراط والتفريط"([11]).
والوسطية بالمعنى السابق ترادف الاعتدال حيث ورد في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخذري مرفوعا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، قَالَ عَدْلًا؛﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، البقرة: 143) ([12]) .
وهي منهج تقرأ النصوص الدينية من خلاله لكيلا يصطدم الواجب بالواقع، ولا العقل بالنقل، ولا يتم إظهار نص وإخفاء آخر، أو انتصار طرف على مقابله، ([13]) هي سلوك والتزام وليست مجرد شعار وادعاء، بل هي سمة الإسلام في عقائده وشرائعه ....وسمة المسلم في حله وترحاله، في سلمه وفي حربه، في عباداته وفي عاداته، وهي تعبير عن الاعتدال والتّوازن الذي يطبع حركة الكون، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، ويقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا﴾، النساء: 123" أن الدين ليس بالتحلي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه" ، ([14]) ويقول ابن عبد البر قال سفيان بن حسين لعمر بن علي بن مقدم: " أتدري ما السمت الصالح ليس هو بحلق الشارب ولا تشمير الثوب وإنما هو لزوم طريق القوم إذا فعل ذلك قيل قد أصاب السمت وتدري ما الاقتصاد هو المشي الذي ليس فيه غلو ولا تقصير ".([15])
كما أن الاعتدال في الأمور كلها مطلب شرعي يتحقق من خلاله التمكين لدين الله في أرضه، والانتفاع بما هو مفيد من العلوم والنقول ما وُجِد وما استجد منها، وقد قيل قديما:" من فقد الاعتدال فقد الانتفاع بالعلوم جميعها".([16])
لذلك كله وجب على علماء الأمة ومفكريها أن يبقوا في يقظة حية دائمة لكيلا يتحول مصطلح الوسطية إلى سلاح بيد جهالها أو أعدائها يفتك بالغلو وينسى المجون، أو أن يتم تفريغه عن معناه فلا نجني منه إلا البعد عن الأسس الراسخة، وتمزيق عرى الهوية الإسلامية الحقة([17]).
ثانيا: مظاهر الوسطية والاعتدال في الإسلام
الإسلام الوسطي هو إسلام شمولي متوازن، واضح العقائد، يحقق المقاصد الشرعية، ويستوعب المخالفين، يتحرى الوسطية في المعتقدات، والعبادات، في الأخلاق وفي التشريعات، ويتبناها منهجا في الحكم على الأشخاص والدول والعلماء وما استحدث من علوم وأراء، وهو وسط في الملموس والمحسوس فلا استغراق في الماديّات، ولا اقتصار على الروحانيّات:
1- وسطية الإسلام في الاعتقاد:
حبا الله تعالى أمة محمد بأن جعلها أمة وسط بين الأمم وجعل ملتها وسطا بين الملل، فلا هم قتلوا الأنبياء كما فعل قوم موسى عليه السلام، ولا هم ألهوا أنبياءهم وعبدوا رهبانهم كما فعل قوم عيسى عليه السلام، يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً﴾ ، النساء، 171 :" نهى الله تعالى عن الغلو، غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا؛ فالإفراط والتقصير كله سيئة،([18]) وحياة المسلمين وسط فلا رهبنة ولا تشديد مفرط، ولا استغراق في الملذات ولا تيسير غير منضبط.
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: " و " أصل الدين " أن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله والدين ما شرعه الله ورسوله، ليس لأحد أن يخرج عن الصراط المستقيم الذي بعث الله به رسوله...وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطا وخط خطوطا عن يمينه وشماله ثم قال: (هذه سبيل الله وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو، ثم قرأ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾)، وقد ذكر الله تعالى في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما ما ذم به المشركين حيث حرموا ما لم يحرمه الله تعالى كالبحيرة والسائبة واستحلوا ما حرمه الله كقتل أولادهم وشرعوا دينا لم يأذن به الله فقال تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ﴾، الشورى: 21، ومنه أشياء هي محرمة جعلوها عبادات كالشرك والفواحش مثل الطواف بالبيت عراة وغير ذلك .([19])
كما أن المسلمين وسط في الأسماء والصفات، فما كانوا كاليهود الذين وصفوا الخالق بصفات المخلوق، فقالوا: يد الله مغلولة، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾، المائدة: 64، وقالوا: الله فقير ونحن الأغنياء، قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾،آل عمران: 181، وغير ذلك من الافتراءات على الله، ولا كانوا كالنصارى الذين وصفوا المخلوق بصفات الخالق، فنسبوا لعيسى عليه السلام الحياة والموت، الرزق والفقر، المغفرة والرحمة، وهي صفات خص بها الله عز وجل نفسه بها.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفرق من معطلة ومشبهة ومرجئة ومعتزلة، فلا يعطلون ولا يجسمون ولا يشبهون ولا يرجئون، وهم وسط في حب الصحابة رضوان الله عليهم، فلا يغالون ولا يجافون ويكفرون.
2- وسطية الإسلام في العبادات:
من مظاهر الوسطية في العبادات تعدد الطاعات وكثرة القربات فلا يلزم المسلمون بنمط معين منها إلا فيما تعلق بصلاة الفرض، وصيام الفرض، والزكاة الواجبة وحج الفرض، أما غير ذلك فهناك الصائم وهناك القائم وتعدد أوجه البر فهناك المحسن وهناك المتصدق وهناك العالم وهناك المجاهد وهناك.....، وكلها إسلام وعبادة والجنة لها ثمانية أبواب كل باب لضرب من ضروب الخير والبر.
والمسلمون وسط في العبادة، فلا هم كاليهود الذين أسرفوا في التحريم، ولا هم كالنصارى الذين أسرفوا في الإباحة، ولا هم منقطعون للعبادة، ولا منقطعون عنها وهو ما يؤكده قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [62:9] فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، الجمعة:9-10، يقول القرطبي في تفسيره للآيتين:" هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى : وإذا حللتم فاصطادوا، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم،" وابتغوا من فضل الله " أي من رزقه، وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين"([20]) .
ثالثا: أثر الوسطية على الأمة الإسلامية والعالم
أ- أثر الوسطية على الأمة الإسلامية:
لا تتحقق الوسطية والاعتدال البعيدين عن التطرف والإرهاب من جهة، والعلمانية والإلحاد من جهة أخرى إلا بتحقيق أمن فكري يمكنه أن يقف سدا منيعا في وجه الانحراف في التصور العقدي، والآفات التي تطوق العقل وتجعله عرضة للانزلاق في براثن الوهم والخطأ، فمتى غاب الفكر الوسطي، طغى أحد الفكرين إما الفكر التكفيري المنظر للإرهاب، والمستند على التأويل الباطل للنصوص، والقصور في الفهم الصحيح لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، ومحاولة تقنينه بزعم أن مرجعيته إسلامية، وإما الفكر الإلحادي الذي يلغي الدين، ولا يؤمن إلا بالمادي والملموس من الأمور، وما ذاك إلا نتيجة لضحالة المعرفة، وتكبيل العقل بأفكار لا تتعدى المرئي والمحسوس.([21])
إن هذا العبث الفكري بنقيضيه أنتج حالة هي مزيج من الغضب والشك والهروب، وقد زاد الأمر تعقيدا افتقاد الكثير من أصحاب العمل الإسلامي اليوم للفهم الشرعي الصحيح للوسطية جعل كثيراً من صور العمل الإسلامي تتجه إلى الرؤى المتقابلة فصار قانون التضاد يمثل واقعاً في الأعمال الإسلامية بقدرٍ كان ينبغي ألاّ يوجد، مع أنه بحمد الله لا زال في أهل الإسلام ودعاته خير كثير واعتدال محمود([22]).
إن الوسطية ليست منتصف الطريق بل هي الطريق ذاته، وهي ليست حقا مطلقا تملكه جهة أو جماعة أو حزب وإلا انقلبت تطرفا بغيضا يزيد الأمة غمة وفرقة، إنما هي حبل النجاة للأمة ترفع رايتها عالية بين الأمم، تمنعها من أن تضرب حول نفسها طوقا من العزلة، وتحمي خصوصيتها وتميزها عن باقي الأمم، وهي حصن منيع في وجه الانزلاق بها في براثن الانحراف الفكري وتنامي الفكر المتطرف، وقبول فتاويه التكفيرية والهدامة، ذلك أن الجهل بالدين، وليس الدين، هو أس الإرهاب ومنبعه.
إن ثنائية الجهل بالدين والتطرف أخطر على الأمة بكثير من أعدائها التقليديين فخوارج عصر الرسالة قتلوا خيرة الصحابة، وقتلوا خليفتهم وإمامهم العادل علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عنْهُ، لقد قتله من ظُنَّ فيه الصلاح والتقى، والفقه عبد الرحمن بن ملجم الذي قرأ القرآن على معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وكان من العباد المعدودين قبل خروجه، حتى يقال إن عمر بن الخطاب كتب إلى بعض عماله أن يوسع دار عبد الرحمن بن ملجم ليعلم الناس الفقه والقرآن، ثم كان من شيعة أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - وشهد معه صفين([23])، وفي النقيض المحمود يذكر عن خالد بن الوليد أنه أم الناس بالحيرة ثم قرأ من سور شتى ثم التفت إلى الصحابة حين انصرف فقال:" شغلنا الجهاد عن تعليم القرآن"([24]).
وخوارج العصر روعوا الآمنين وقتلوا المعصومين، وفتكوا بالوحدة وجمدوا حضارة بنيت بسواعد المخلصين على مر القرون وقد ربط الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام الغلو بالهلاك فقال:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([25]).
إن الغلو والتطرف يورث حالة من عدم الاستمرارية، وينفر النفوس من الأمور المتطرفة وإن أقبلت عليها في البداية متلهفة، يقول الإمام الغزالي معلقاً على قوله صلى الله عليه وسلم :(إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ)([26]): " أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئا فشيئا حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراع التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه فتنعكس أموره فيصير ما كان محبوبا عنده ممقوتا، وما كان مكروها عنده مشربا هنيئا لا ينفر عنه" .([27])
لذلك كله تبقى الوسطية سياجا مهما للرد على من يزعم أن الإسلام ينتمي إلى الماضي، ويدعو إلى القتل ويصادر الآخر ويتعارض مع العقل، ([28]) وحصنا يمنع المسلم من الردة عن دينه اسما ورسما بسبب التعنت والتطرف وتحميل النفس ما لا تطيق.
ب- أثر الوسطية على العالم:
إن الوسطية في السلوك الإنساني مطلب عالمي، وأمنية بشرية، ووسيلة مهمة لكل المجتمعات لكي تعيش في أمان واستقرار وسعادة، والمرجع الوحيد بعد الإفراط والتفريط،([29])ولقد شهد الغرب قبل العرب على وسطية الإسلام وسمو رسالته يقول هاملتون جب: أؤمن بأن الإسلام لا تزال له رسالة يؤديها إلى الإنسانية جمعاء حيث يقف وسطا بين الشرق والغرب، وإنه أثبت أكثر مما أثبت أي نظام سواه مقدرة على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة، فإذا لم يكن بدّ من وسيط يسوي ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الإسلام([30]).
إن بيان أهمية الوسطية في حياة الأمة والعالم يتجلى واضحا عند التطرق لمخاطر الانحراف الفكري الذي يجعل الأمة تعاني الأمرين، عقوق أبنائها، وتكالب أعدائها، ويمكن هنا الحديث عن أهمية الوسطية على مستويين:
1- على مستوى الرأي العام العالمي:
إن ظهور الفكر المتطرف في مناطق وإن كانت محدودة في العالم الإسلامي مقارنة بالفكر الوسطي في ظل القرية الكونية وسهولة وصول المعلومة في ظل العولمة الإعلامية، والحملات الشرسة على الإسلام، أصبح مطية لأعداء الدين حيث يزعم مناهضوه أنه لا يوجد على ظهر الأرض من يحول دون إحلال السلام، وإشاعة الوئام والانسجام بين أبناء الأرض مثل المسلمين الذين يستعملون العنف والإرهاب ضد خصومهم ومخالفيهم، ومن ثمة ينبغي على شعوب الأرض أن تتخذ الأساليب والسبل لصدهم ومنعهم مسخرين لذلك الترسانة الإعلامية الضخمة لاستعطاف الرأي العالمي الغربي، وكسب تأييده بعد إرهابه وتخويفه.
2- على مستوى الدول:
الإرهاب ظاهرة عالمية مركبة ومعقدة متعددة الأسباب، وأكثر من عانى من ويلاته هي الدول الإسلامية التي غرر بشبابها المتحمس من جهة، ثم أرهبت من القوى الخارجية بدعوى الضربات الوقائية ومكافحة الإرهاب من جهة أخرى، حيث تم تشويه صورة الإسلام لدى العامة من الغرب، لإعطاء الذريعة لأعدائه لضرب البنى التحتية للأمة بدعوى الضربات الاستباقية أو الوقائية، ووضع اليد على ثرواتها بدعوى إعادة الاعمار، واستعباد أبنائها بدعوى التحرير، وتقويض الشرع بدعوى أن الدين أفيون الشعوب.
المحور الثاني: الانحراف الفكري، قراءة في الأسباب والنتائج
في ظل عولمة غربية وحالة جمود إسلامية يجد المسلم نفسه بحاجة إلى ضوء في آخر النفق يجدد له إيمانه برسالته ومهمته في الحياة، ويحصنه من الوقوع في مستنقع العنف والغلو والتطرف والإرهاب، وغير ذلك من ما يندرج تحت مسمى الانحراف الفكري([31])والذي تتعد مظاهره، وتتنوع أسبابه.
أولا: مظاهر الانحراف الفكري
1- الغلو:
الغلو في اللغة: مجازوة الحد، يقال غلا السعر يغلو غلاء، وذلك ارتفاعه، وغلا الرجل في الأمر غلوا، إذا جاوز حده، وغلا بسهمه غلوا إذا رمى به سهما أقصى غايته([32]).
يقول الطبري في شرح قوله تعالى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾، النساء:171:" لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه، وأصل الغلو في كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده، يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غلوا"([33]).
أما في الاصطلاح فيعرفه شيخ الإسلام بن تيمية بأنه:" مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده، أو ذمه على ما يستحقه ونحو ذلك"، ([34])ويشرح ابن قيم الجوزية المقصود من الغلو شرحا وافيا في قوله رحمه الله: "فما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد وهذا بتجاوزه الحد"([35])، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَمْرٍ إِلا وَلِلشَّيْطَانِ فِيهِ نَزْعَتَانِ : فَإِمَّا إِلَى غُلُوٍّ ، وَإِمَّا إِلَى تَقْصِيرٍ فَبِأَيِّهِمَا ظَفَرَ قَنَعَ ).([36])
وقال النووي في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا)([37])، أي المتعمقون، المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"،([38]) وقال صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم:(وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قِبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّين)([39])، وجاء عن علي بن أبي طالب الخليفة الراشد رضي الله عنه وأرضاه، أنه قال : " خَيْرُ النَّاسِ النَّمَطُ الأَوْسَطُ الَّذِينَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْغَالِي وَيَلْحَقُ بِهِ الْجَافِي"([40]).
2- التطرف:
التطرف في اللغة هو: مجاوزة حد الاعتدال والتوسط،([41]) أما في الاصطلاح فهو: " الغلو والتنطع في قضايا الشرع، والانحراف المتشدد في فهم قضايا الواقع والحياة "،([42])ويعرفه القرضاوي بأنه:" الوقوف في الطرف بعيداً عن الوسط، وأصله في الحسيات كالتطرف في الوقوف أو الجلوس أو المشي، ثم ينتقل إلى المعنويات كالتطرف في الدين أو الفكر، أو السلوك، ومن لوازم التطرف أنه أقرب إلى المهلكة والخطر وأبعد عن الحماية والأمان".([43])
والتطرف أعم واشمل من الغلو لأنه يكون شاملاً للغلو والتقصير فكل غال متطرف، وليس كل متطرف غالياً،([44]) وكثيرا ما ينسب هذا المصطلح للإسلام والمسلمين، بناءا على أفعال وأقوال صدرت من بعض أبنائه الذين أقل ما يقال عنهم أنهم جاهلون لأحكام الإسلام مغرر بهم، في حين أن المتأمل لنصوص الشرع يجد الإسلام كدين بعيد كل البعد عن التطرف والانحراف، قريب كل القرب من الوسطية والاعتدال، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾، (البقرة:143).
3- الإرهاب:
مصطلح الإرهاب في الاصطلاح المعاصر يختلف عن ما عرفه العرب قديما، وهو يقابل ما يعرف في اللغة الإنجليزية" terrorism"، كما يشير الكثير من الباحثين أن مصطلح الإرهاب ظهر في الساحة السياسية العالمية بعد الثورة الفرنسية حيث ارتكبت الممارسات القمعية والتصفية في حق أعداء الثورة لقطع الطريق أمام من يريد القضاء عليها([45])، وقد حاول العديد من الباحثين والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية وضع تعريف محدد للإرهاب.([46])
ثانيا: أسباب الانحراف الفكري
لعل أهم أسباب الانحراف الفكري المتمثل في الغلو التطرف والإرهاب ما يلي:
1- حالة الإحباط السياسي التي تسود العالم الإسلامي:
لقد أصبح الإحباط السياسي ظاهرةً واضحة المعالم ترصدها العين المجردة في التجمعات الشعبية وفي المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويتنوع هذا الإحباط بين داخلي وخارجي:
فالإحباط الداخلي نشأ من الظروف السياسية التي تعيشها بعض الدول الإسلامية حيث الفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية، ثم ترجم هذا الإحباط إلى غضب تحول إلى تصرفات عدوانية تنامت للتتحول إلى إرهاب منظم ضد أجهزة الدولة.([47])
وأما الخارجي فإن أبرز مسبباته حالة الاستعمار التي عانت منها الشعوب الإسلامية لعقود، وما زالت تعاني من تبعاتها الاقتصادية والثقافية والسياسية، فالاستعمار هو أس الإرهاب ومنبعه والذي لم يكتفي باحتلال الأرض بل انتهك العرض واستعبد الشعب وأرهبه، فملأه حقدا ورغبة في الانتقام، أضف إلى ذلك مجازر الاحتلال الإسرائيلي في حق الفلسطينيين واللبنانيين،كل ذلك يولد لدى شباب الأمة حالة من الغضب هستيرية قد تجعله يجانب الصواب في ردود أفعاله، وقد جاء في تقرير الأمم المتحدة لسنة 1973م حول الإرهاب الدولي:" يعود نشوء الإرهاب السياسي إلى أعمال القمع التي تمارسها الأنظمة الاستعمارية والعنصرية والأجنبية ضد الشعوب التي تناضل من أجل تحريرها وحقوقها المشروعة في تقرير مصيرها واستقلالها وفي حرياتها الأساسية الأخرى"([48]).
2- الحالة التربوية:
من المؤسف أن تهتم الدول الإسلامية بالمناهج التربوية فيما يتعلق بالعلوم التجريبية على حساب العلوم الشرعية، وكنتيجة لذلك قلَّ الإقبال على هذا التخصص المبني على الحب للشريعة والرغبة في نشرها والذود عنها، وإن كانت نتائج هذا الخلل لم تظهر في حينها فقد ظهرت الآن عندما أنشأت المنظومة التربوية عن غفلة منها جيلا يعاني من الأمية الدينية، فلا الاهتمام بالعلوم التجريبية طور هذه الدول، ولا إهمال العلوم الشرعية أمنَّها من مخاطر التطرف والإرهاب، فمع قلة الاهتمام بالعلم الشرعي وغياب الضوابط الشرعية، يسهل على المتطرفين استدراج شبابنا المتحمس لنصرة دينهم.
3- الجهل بفقه الخلاف وحب الجدل:
كثيرا ما يحل العنف في المسائل الاجتهادية محل الحوار، بل ويتطور الأمر إلى حد التبديع والتفسيق ثم التكفير واستباحة الدماء المعصومة، وقد قال الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى:" ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"([49])، فلا يجوز لأحد أن يكفر مسلما موحدا بذنب يرتكبه ما لم يستحل ذلك، فما بالك بالأمور الخلافية.
وانظر إلى الرجل الذي سأل سيدنا علي فلما أجابه، فقال الرجل:" ليس كذا يا أمير المؤمنين ولكن كذا وكذا"، فقال:" أصاب وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم"، قال الغزالي معلقا:" وهكذا يكون إنصاف طالب الحق!! ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده".([50])
كما نهى النبي الكريم عن الجدل؛ وذلك لمعرفته بما يجنيه هذا الأخير على أمته، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى إِلا أُوتُوا الْجَدَلَ)([51])، إذ هو من أخطر الأمراض التي تفتك بالشباب المبتلى بالفراغ الديني، فينشغل بالقضايا الجزيئية أو الأحداث التاريخية المنتهية ولا يسأم من المجادلة فيها، وينصرف عن القضايا المصيرية للأمة، في الوقت الذي طالت فيه العولمة كل مقومات الأمة من ثقافة ودين وهوية، وأصبح للعلمانيين منبرهم ولليمينين منبرهم، وحيث الحملات التنصيرية مستعرة في دول افريقية الفقيرة والمسلمة.
3- الفكر الجهادي المغلوط لدى بعض الجماعات الدينية:
من المآخذ التي تؤخذ على الكثير الجماعات البعد عن الفهم الصحيح للشريعة الإسلامية، فكثير من الأحزاب والجماعات تأسست بناء على قراءات خاصة ومفاهيم مغلوطة عن الجهاد والإمارة والتعامل مع الحاكم حالة الفتنة، والتي تعتمد في دعوتها على الشحن العاطفي المبني على المغالطة الفكرية والدينية، وكل ذلك ناتج عن إهمال الجانب التربوي والديني لدى أفراد المجتمع في فترة الدراسة ما جعلهم عرضة للانحراف وصيدا سهلا للشعارات البراقة عن إقامة الدولة الإسلامية المنشودة التي ظاهرها الصلاح وباطنها الخراب والدمار؛ وما يطفح به العالم الالكتروني من عناوين بجواز قتل النساء والأطفال والسفراء .....وغيرهم، خير دليل على الفكر المأزوم الذي ابتليت به الأمة.
4- ضعف دور العلماء في التوعية الدينية لشباب الأمة:
يتحمل علماء الأمة ومفكروها في جميع المجالات وزرا لا يستهان به فيما يتعلق بانحراف الشباب فكريا، وذلك أن العلماء عزلوا أنفسهم بقصد وبدونه عن شريحة واسعة من شبابنا الذين التبس عليهم الحق بالباطل، فراحوا يبحثون بأنفسهم عن مخارج شرعية لحالة الإحباط السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشه الأمة دون الرجوع إلى العلماء ولا يخفى خطر ذلك على أحد، قال ابن مسعود: "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا" ، قال ابن قتيبة في تفسير ذلك: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ولم يكن علماؤهم الأحداث لأن الشيخ قد زالت عنه حِدة الشباب ومتعته وعجلته واستصحب التجربة في أموره فلا تدخل عليه في علمه الشبه ولا يستميله الهوى ولا يستزله الشيطان، والحَدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ".([52])
المحور الثالث: دور ثقافة الحج في ترسيخ مظاهر الوسطية والاعتدال
الحج بوصفه أعظم الشعائر الدينية، يجمع في مؤتمره السنوي ملايين الحجاج من كل البقاع محرمين ملبين لله تعالى راغبين، تتعدد انتماءاتهم السياسية، وتختلف مشاربهم الفكرية لكن توحدهم التلبية لله عز وجل في صورة فسيفسائية جميلة، وتزيد في رسوخ العقيدة الوسطية في قلوبهم وعقولهم ثقافته الراقية التي تتبنى اليسر والبر والتقوى منهجا وشعارا.
أولا: معاني الوسطية في شعائر الحج
شهر الحج وما يصاحبه من عبادات وقربات أشبه بأن يكون مركز تدريب مكثف للمسلمين روحيا وماديا ليحققوا النهضة الحضارية والخيرية الكونية التي شرفهم الإسلام بها، حيث يسطر أعظم ما في الخصال التالية:
1- الحج وعالمية الإسلام
إن أول ما افتتح الله عز وجل به كتابه العزيز قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، الفاتحة: 02، حيث عرف عن نفسه لعباده بأنه رب العالمين عربا وعجما بدوا وحضرا مسلمين وكفارا، وكذا كان رسوله الكريم في دعوته للإسلام قال تعالى عن نبيه محمد: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾، الأنبياء:107، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، سبأ:28.
إن ما سبق ذكره يؤسس لعالمية الرسالة المحمدية باعتبارها آخر الرسالات وإذا كان الأنبياء عليهم السلام أرسلوا إلى أقوامهم، فإن الحبيب المصطفى كان المرسل بالدين الإسلامي إلى البشرية جمعاء بجميع ألوانها وأجناسها بجميع عصورها وأزمنتها، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾، الفرقان:01، وقال صلى الله عليه وسلم:( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ).([53])
إن الإسلام حق مشاع وثروة مشتركة لجميع الأمم والشعوب، والعناصر والأجناس،([54])وهو الدين الذي ارتضاه الله ورسوله للبشرية وقد أعلنها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وختم بها حديثه مع المسلمين وغيرهم فقال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾، المائدة:3، يقول صاحب التحرير معلقا على الآية: لا شك أن أمر الإسلام بدأ ضعيفا، ثم أخذ يظهر ظهور سنا الفجر، ....ثم لما فتح الله مكة وجاءت الوفود مسلمين، وغلب الإسلام على بلاد العرب، تمكن الدين وخدمته القوة، فأصبح مرهوبا بأسه، ومنع المشركين من الحج بعد عام، فحج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام عشرة وليس معه غير المسلمين، فكان ذلك أجلى مظاهر كمال الدين: بمعنى سلطان الدين وتمكينه وحفظه، وذلك تبين واضحا يوم الحج الذي نزلت فيه هذه الآية .([55])
إن تعدد الأجناس والألوان في هذا المؤتمر السنوي الذي ينفرد دون غيره من المؤتمرات باشتراط الإسلام والقدرة والاستطاعة فقط لحضوره، دون الشهادات والعلاقات، لدلالة على عالمية الإسلام وتفرده الجميل بين باقي الديانات وباقي المعتقدات.
2- الوحدة والتآخي :
إن هذا المنسك السنوي المقدس يقرب بين أبناء الأمة بعضهم بعضاً، ويحقق التعارف بينهم كأفراد وجماعات، وتتجلى مظاهر الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية في كل تفاصيله، حيث تتوحد جسور التواصل بين هذه المجتمعات الإنسانية بعيداً عن توجهات حكوماتها وسياساتها التي قد تتعارض فيما بينها، وتبدي قدرة بارزة على الاتحاد والتوافق رغم المحن والعقبات، في صفوف متراصة مؤمنة وملتزمة، يجمعهم الحب لله ورسوله، قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الحج فشأن آخر لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجلُّ من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف حتى قيل في قوله تعالى: ﴿ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ﴾، الحج: 31، أي حجَّاجاً، وجعل الله بيته الحرام قياماً للناس، فهو عمود العالم الذي عليه بناؤه، فلو ترك الناس كلهم الحج سنة لخرَّت السماء على الأرض، هكذا قال ترجمان القرآن ابن عباس "([56]).
يقول اتيين دينيه: "إن الإسلام بلغ من تماسك بناءه، ومن حرارة إيمان أهله، ما جعله يبهر العالم بوثبته الهائلة التي لا نظن أن لها في سجلات التاريخ مثيلا، ففي أقل من مئة عام ورغم قلة عددهم، استطاع العرب الأمجاد وقد اندفعوا لأول مرة في تاريخهم، خارج حدود جزيرتهم ......أن يستولوا على أغلب بقاع العالم القديم: من الهند إلى الأندلس".([57])
إن قائد أي جيش في العالم مهما بلغ من القوة والعظمة لا يستطيع ضبط الجيش المحترف إذا بلغ من العدد مبلغا لكن إمام الحرم يستطيع ضبط ما يزيد عن مليوني حاج على اختلاف أعمارهم ومكتسباتهم العلمية ومداركهم الفقهية، فيكفي أن يقول: استووا يرحمكم الله ليستوي الحجاج في مشهد مهيب يتلوه ركوع موحد وسجود موحد وتسليم موحد...إنها الوحدة في أبهى وأرقى صورها.
3 - المساواة:
لقد انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية بتضحيات جسام قدمها المسلمون الأوائل على اختلاف أعراقهم وألوانهم جمعهم الدين الجديد أمثال خالد بن الوليد العربي، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، ثم امتدت إمبراطوريته العظمى شرقا وغربا شمالا وجنوبا على يد عظماء أمثال طارق بن زياد البربري، وحفظت علوم الدين قديما على يد مسلم والبخاري ومالك والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة، والطبري وتطورت على يد ابن خلدون، والخوارزمي، والبيروني، والحسن بن الهيثم، وعمر الخيام، وابن سينا، والرازي، والألباني، وغيرهم من عظماء السند والهند وشمال افريقية والسودان والشام والحجاز.
لقد جسد المسلمون الأوائل معاني خطبة الوداع للحبيب المصطفى أمام ما يزيد على مائة ألفٍ من المسلمين واعتمدوا دستورهم الجديد والقانون الذي لم يألفه العرب من قبل حيث أعلنها صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي واضحة: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمٌ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([58]).
4- التقوى:
التقوى في الحج تكون بتعظيم شعائره، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾، الحج: 32، ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾، البقرة: 158، ويقول: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾، الحج: 30، وقد ورد في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:( لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا- يعني الكعبة- ، فَإِذَا ضَيَّعُوا ذَلِكَ هَلَكُوا )([59]).
وأفضل زاد يحمله الحاج معه في رحلته الروحية هو التقوى، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، البقرة: 197 ؛ كما قال ابن رجب - رحمه الله:" فما تزود حاج ولا غيره أفضل من زاد التقوى، ولا دعي للحاج عند توديعه بأفضل من التقوى وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ودع غلاما للحج فقال له: "زودك الله التقوى"،([60]) ذلك أن الحج على كثرة مناسكه وكثرة قربات الحاج فإن التقوى هي مقياس القبول أو الرفض للأعمال، قال تعالى: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾، الحج: 37.
5- البر:
من أسمى المعاني التي يستوجبها الحج المبرور والتي تسهم في رص صفوف المسلمون وتحابهم وتنزع الغل من قلوبهم:
أ- الرفق بالحجيج في الطواف والإفاضة وعند مزدلفة فقد سَمِع رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - زجرًا شديدًا وضربًا وصوتًا للإبل، فقال:( وَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ )([61]).
ب- بدْل الطعام وإفشاء السلام حيث قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحَجٌّ المَبْرُورٌ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ "، قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الحَجٌّ المَبْرُورٌ ؟، قَالَ : " إِطْعَامُ الطَّعَامِ , وَإِفْشَاءُ السَّلامِ) ([62]).
ج- اليسر([63]): يتجلى اليسر في محطات كثيرة من محطات الحج، في جواز التأخير في رمي الجمارات، وفي تأخير طواف الإفاضة، وفي سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء، وفي اختلاف الحجاج في مغادرة مكَّة والخروج منها، فمنهم المتعجِّل، ومنهم المتأخر: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾، البقرة:203، وقبل ذلك كله في فرض الحج على المستطيع مرة في العمر.
6- العفو والصبر على الأذى:
العفو خلق كريم تحلى به رسولنا الأعظم وحث الصحابة ومن بعدهم المسلمين على التحلي به، وضرب لنا في ذلك مثلا رائعا عن العفو بعد المقدرة وهو ما لم نجده في الحروب التي يذكرها الغرب في كتب التاريخ، فالنبي عاني الأمرين من قريش، فلما كان يوم الفتح قال سعد بن عبادة:" يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشا....وقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان: يا رسول الله ما نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشا)، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله".([64])
إن الحج عبادة بدنية قد يصاحبها مشقة في تحقيق أركانها مع كثرة الحجيج واختلاف طبائعهم والتزامهم بوقت واحد للعبادة؛ لذلك كان لزام على الحاج التحلي بالصبر والدفع بالحسنى وبذل بعض التنازل في سبيل ضمان سير الأمور دون أن يستشعر الدنية في صبره وتنازله فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( وما زَاد الله عَبداً بعَفو إلا عِزًّا)([65])، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾، آل عمران: 146.
كما يجب على الحاج تجنب الخوض في المسائل الخلافية والجدال والرفث محتسبا فعله هذا لله عز وجل قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ﴾، البقرة: 197، وقال صلى الله عليه وسلم:(أَنَا زَعِيمُ بَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبَيْتٍ فِي أَعَلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ).([66])
إن الرسول الأعظم ضرب لنا أمثلة واضحة في حسن الخلق والصبر على البلاء وتجنب الفحش من القول والفعل فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ:( إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)"([67]).
7- تعلم ثقافة الاختلاف ونبذ التعصب:
إن أهم درس يمكن للحاج تعلمه هو ثقافة الاختلاف، فالحج مهرجان يبرز تعدد الأعراق واختلاف الأزياء وتنوع العادات والتقاليد وكثرة اللهجات وتباين الطبائع، وهو فرصة ليكتشف الحجاج كلهم التنوع المحمود في الأجناس وفي المرجعيات الدينية السنية - فهذا مصري شافعي وهذا مغربي مالكي، وهذا شامي حنفي وهذا حجازي حنبلي- وفي المنطلقات الفكرية، وقد قيل قديما: الناس بخير ما تباينوا، فإذا تساووا هلكوا.
هذا التنوع المحمود يؤسس لرسوخ الفكر الوسطي لدى الحجاج فالتآخي والتعاون والبر الذي يصاحب هذا التنوع يورث الاحترام المتبادل، واستشعار النية الصادقة لخدمة الإسلام بين جموعهم تجعلهم على مسافات متقاربة فكرا وتدينا وحبا للخير وعملا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾، أخوة قد لا تخلو من بعض الاختلاف وسوء الفهم لذا أتبعها الله تعالى بقوله: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إصلاحا لا يخلوا من التقوى فقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾، الحجرات: 10.
8- حرمة دماء وأموال المعصومين:
إن أعظم قيمة إنسانية أقرها الرسول الكريم في خطبة الوداع هي حرمة دماء المعصومين حينما قال: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ..... فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ وَلَا أَدْرِي قَالَ أَوْ أَعْرَاضَكُمْ أَمْ لَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ قَالُوا بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ...) ([68])، وقدمها على حرمة الكعبة حيث خاطبها وهو يطوف بها فقال: ( مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْء)([69]).
إن الحجاج على اختلاف أعمارهم خاصة الشباب في حاجة ماسة إلى هذه القيم الربانية التي تحصنهم من العنف والغلو والإرهاب، والحج فرصة سانحة لغرس هذه القيم بين المسلمين، فالجهل بالدين وليس الدين هو أفيون الشعوب.
9- الجمع بين الحج والتجارة:
الحج وإن كان أياما معدودات يؤدي فيها الحاج شعيرة سنوية تفرض مرة واحدة في العمر، فإن الله عز وجل رخص فيها بالاتجار، فقال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾، البقرة: 198، والمراد بالفضل في الآية التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شيء من الرزق، فدلَّت الآيةُ على جواز التجارة للحاج حالَ السفر لتأدية ما افترضه اللهُ من الحجِّ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما:" كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ في مواسم الحج"([70]).
إن هذا الجمع بين العمل الديني والعمل الدنيوي في الآية الكريمة: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾، الحج: 28 يدل على أن تعاليم الشرع تحقق امتزاجا تاما بين المثالية والواقعية، حيث يستطيع الإنسان أن يعبد ربه بينما يكون منهمكا في شئون حياته اليومية، إذ لا رهبانية في الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لَيْسَ خَيْرُكُمْ مَنْ تَرَكَ دُنْيَاهُ لآخِرَتِهِ، وَلا مَنْ تَرَكَ آخِرَتَهُ لِدُنْيَاهُ, حَتَّى يَنَالَ مِنْهَا, فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَبْلَغُهُ إِلَى الأُخْرَى, وَلا تَكُنْ كَلا عَلَى النَّاسِ ).([71])
ثانيا: استثمار معاني الوسطية في الحج في نشر الفكر الوسطي
1- إشراك الحجيج في عملية التعريف بالوسطية:
إن نجاح أي مشروع مرهون بمدى تقبل الناس له ورغبتهم في استمراره، والفكر الوسطي باعتباره مشروع أمة وطريق فلاح لابد لنجاحه من إشراك جميع عناصر المجتمع المسلم في فهمه الفهم الصحيح وتمكينه من حياتهم باتخاذه منهجا وسبيلا، وإذا كنا نهدف إلى الاستفادة من الحج لإشاعة هذا الفكر فلا أحسن من إشراك الحجيج في هذا المشروع النهضوي، وبخاصة فئتي النساء والشباب.
أ- إشراك المرأة في نشر الفكر الوسطي:
إن إشراك المرأة في التعريف بوسطية الإسلام أصبح ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال العمل على فتح فضاءات حوارية على هامش الحج تجمع الداعيات والمفكرات بنساء الحجيج من كل البلاد كل حسب لغته للتعريف بدور المرأة الخطير في تربية أبنائها على الوسطية وحمايتهم من الوقوع صيدا للفكر المتطرف.
إن قدسية المكان والزمان كفيلة باستنهاض الهمم والتعريف بعظم المسئولية الملقاة على عاتق المرأة المسلمة في نشر الفكر الوسطي بين الأسرة والمجتمع، فالتربية السليمة وإن كانت تأخذ وقتها في تحقيق النتائج هي أقصر الطرق وأنجعها لحماية الإسلام من أعدائه التقليدين والمعاصرين، إننا ومن خلال هذه الفضاءات نستطيع تكوين شريحة من النساء عارفات بدينهن، مؤديات لواجباتهن تجاه ربهن ووطنهن، مشاركات في حماية الدين من الحملات المسعورة التي تتوالى تباعا على أمتنا.
ب- إشراك الشباب في نشر الفكر الوسطي:
إن أكثر ضحايا الفكر المتطرف هم الشباب ممن تقطت بهم السبل السوية، وطغت على عقولهم الأمية العقدية التي تمخضت من ضحالة المعرفة، وقصور في الفهم الصحيح للمنهج الرباني، وتشبع بالأفكار هدامة التي ولدت لديهم مفاهيم خاطئة عن الجهاد، ترجمت إلى جرائم تخرج عن نطاق التصور وتخالف الفطرة الإنسانية السليمة، والتي اتخذت من فتاوي التكفير والجهاد مرجعية لها.([72])
إن استغلال الحالة النفسية للحاج الشباب التي تساعده على قبول الحوار وتقبل ثقافة الاختلاف تمكن من تحصينه حتى لا يقع عرضة للأفكار المنحرفة والآراء الهدامة، وتغرس في نفسه رسالة هي في غاية الخطورة والأهمية مفادها أنه يتعين على المستفتين الرجوع في مسائلهم إلى العلماء الربانين المشهود لهم بالتقوى.
كما أن فتح أبواب الحوار على مصرعيه أمام الشباب وإعطائهم الفرصة لعرض أفكارهم مهما جانبت الحق إفراطا وتفريطا والرد عليها بالعقل والحكمة والنص الشرعي القاطع سيحرر عقولهم ويفتح قلوبهم ليتحولوا من معول هدم إلى وسيلة بناء، ومن طاقة سالبة مهدرة إلى طوفان ايجابي يبني الأمة ويرفع رايتها عالية بين الأمم.
2- إشراك الإعلام في التعريف بالوسطية:
الحج مؤتمر سنوي يحضره المسلمون من كل فج عميق تجمعهم التلبية للنداء والوحدة في أداء الشعائر في جو مهيب يجعل من الصورة رسالة قوية كاملة الأركان، هذه الرسالة التي يمكن لوسائل الإعلام نقلها من أرض الحدث إلى كل بقاع الأرض على المباشر؛ لتعرف العالم أجمع بالإسلام وخصوصيته وكثرة أتباعه وسهولة اعتناقه.
ونقصد هنا الإعلام بشقيه، الإعلام الغربي والإعلام التابع للدول المسلمة والذي يبث بلغات شتى، فالحج فرصة سانحة للتعريف بعالمية الإسلام وقيمه السامية، والتركيز على إبراز معاني الوسطية والاعتدال في الحج من خلال الوقوف على شعائر الحج ورصد تحركات الحجيج وما تبرزه من تنوع بشري يقل نظيره أو يكاد يستحيل في غير الحج بشهادة مفكرين وعلماء غير مسلمين كالسير طوماس أر نولد يري" في الحج عملا ساميا، نجد زنجي ساحل إفريقيا الغربي يلتقي بالصيني من أقصى المشرق، ويتعرف التركي على أخيه من جزر الملايو في عطف وحنان ويجتمعون حول الكعبة التي يولون وجوههم شطرها في كل ساعة من ساعات عباداتهم الخاصة في أوطانهم النائية، لم تستطع أي محاولة يقوم بها عباقرة أي دين أن تتصور وسيلة أحسن من هذه الوسيلة "....([73])، ثم يقول في موضع آخر يقول:" كان المثل الأعلى الذي يهدف إلى أخوة المؤمنين كافة في الإسلام من العوامل القوية التي جذبت الناس بقوة نحو هذه العقيدة".([74])
كما يمكن للإعلام توظيف ما كتبه المسلمون الجدد عن الإسلام، ذلك أنهم أكثر الناس فهما للإسلام وإحساسا بعظمته، وبتفوقه الحضاري على الفكر الغربي، فقد ولدوا في البيئة الغربية وتربوا على الطريقة الغربية واستطاعوا بصفاء فكرهم من جهة وبفهمهم العميق للحضارة الغربية من جهة أخرى أن يعتنقوا الإسلام، كما استطاعوا في كثير من الأحيان أن يدافعوا عنه أحسن ممن ولدوا مسلمون؛ لأن لهم قدرة واضحة على مخاطبة العقل الغربي بما يفهمه.
إننا بذلك نقطع الطريق على من يروج للإسلام فوبيا على أنه حتمية صنعها المسلمون بدينهم وما يحتويه من قتل وإكراه وتسلط على الحريات، وعلى من جمدوا النصوص لجمود في عقولهم فشوهوا الإسلام ولبسوا على الناس دينهم، وحرموا الغرب نعمة الفهم الصحيح للإسلام.
3- إقامة المعارض والندوات وتوزيع المطويات:
أثبتت التجارب أن المعارض والحملات وسائل فعالة في الترويج للأفكار بين الفئات المستهدفة، فالمعارض تعمل على رفع الحس بالمسئولية عند الحاج، والحملات التوعوية تحسن أداءه والتزامه بالانضباط والأمانة والنظافة وتعرفه بالفكر الوسطي وتزداد فعاليتها عند إشراك الحجاج أنفسهم في الحملات وتوفير الوسائل المادية والقادة الميدانيون المتطوعون من شباب السعودية والدعاية لها في المواقع الالكترونية والقنوات الإعلامية.
كما أن توزيع المطويات يساهم في تسهيل القراءة على الحاج والوصول إلى المعلومة المفيدة واستغلال وقت الحج فيما هو مفيد من عبادة وعلم وخير، إضافة إلى استخدام اللوحات الاشهارية للترويج للفكر الوسطي فالصورة تكون في كثير من الأحيان أبلغ الخطابات، وأكثر وقعا ومن وقع الكلمات.
4- التنسيق مع بعثات الحج من أجل تهيئة الحاج للفكر الوسطي:
تلعب بعثات الحج دورا هاما في تسير شئون الحجاج كل حسب بلده، وتضطلع بدرو مهم في تهيئة الحاج وتدريبه على شعائر الحج وعلى الظروف المصاحبة لها من كثرة للحجيج والتزام بوقت واحد لأداء الشعائر وما يصاحب ذلك من صعوبات ومشاق قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ما لا يحمد عقباه من تدافع قد يسبب الموت.
كما يمكن التنسيق بين البعثات ووزارة الحج السعودية لضبط برنامج متكامل وشامل يكون بمثابة دورة تدربية للحاج حول كل ما يحتاجه لضمان حج مبرور، وتضمين هذا البرنامج التعريف بمعاني الوسطية في الإسلام وخطر التطرف على الأمة والعالم، من خلال دورات مكثفة تقام للحاج في بلده، ثم استكمال البرنامج في الحج وما يضفيه من جو مهيب وقدسية للمكان والزمان تجعل أهداف البرنامج تحقق وتؤتي أكلها المنشود.
كما يمكن لبعثات الحج والاستفادة من التجارب الناجحة في مجال تدريب الحجاج كالتجربة الماليزية التي أبدعت في تنظيم شئون الحجيج وإعدادهم للحج من خلال دورات تدريبية تقام لهم قبل وصولهم إلى المملكة مما يسهل على القائمين على الحج والسير الحسن له ضمان أداء الحجاح لشعائرهم في ظروف مشجعة ومرضية للطرفين.
الخاتمة:
ما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى لأن يستفيد المسلمون من هذا الدرس السنوي العظيم حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال، فيعودون إلى ديارهم حجاجا ميامين محملين بمبادئ الوحدة ومساهمين في تحقيق المساواة بينهم بعيدا عن الماديات والفتن والشهوات.... ما أحوجنا إلى الوسطية والاعتدال في حياتنا وفي حلنا وترحالنا ......ما أحوجنا لأن يحل البناء محل الهدم والعلم محل الظلم ....والتعايش محل التنافر....والتساند محل التعاند فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس.
التوصيات:
- أن ظاهرة التنطع والغلو في الدين من أكبر التحديات الفكرية التي يواجهها شباب الأمة الذين يجدون أنفسهم بين مطرقة التطرف وسندان الانحلال الديني والخلقي حيث يجب الأخذ بأيديهم إلى بر الأمان، من خلال الاهتمام بهم واحتوائهم.
- إذا كانت العولمة سلاحا وظف للنيل من الهوية الإسلامية، فإنه يمكن توظيفها لخدمة الدين الإسلامي والتعريف به وبسماحته وبركنه الأعظم الحج من خلال وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية .
- ضرورة الاستفادة من خبرة المنظمات الدعوية العالمية والمحلية كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعات الإسلامية وغيرها من المنظمات والهيئات والتنسيق فيها بينها لتبني مشروع غرس الفكر الوسطي بين جموع الحجيج.
- استضافة علماء وعباقرة الغرب الذين كان الإعجاز العلمي للقرآن سببا في إسلامهم، لتعريف الحجيج أن الإسلام دين عقل ونقل ومن يدعي التعارض بينهما قليل علم وورع أحق أن لا يلتفت إلى كلامه.
- إحياء السنن النبوية فيما يتعلق بفقه الخلاف ومعاملة الآخر وتعليمها للحجيج وبخاصة شباب منهم لصناعة جيل رباني يسعد في الدارين ويسعد من جاوره من الأمم بأخلاقه الربانية.
وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
([1]) الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت، مادة فرط.
([2]) أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، سورة المنافقين، باب قوله: يقولون: لئن رجعنا إلى المدينة الأعز منها الأذل، رقم:(4624)، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير:(4/1863).
([3]) للتفصيل ينظر: الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة، ص: 13-15.
([4]) ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران، باب الواو والسين وما يثلثهما : (6/108).
([5]) ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، فصل الواو،( باب وسط)(7/430).
([6]) الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا ، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت، ص5.
([7]) الصلابي، الوسطية في القرآن الكريم، ص: 33.
([8]) موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الدين يسر، برقم:(39): (1/23).
([10]) الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، مادة (عدل).3
([11]) ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، ص: 5، من موقع : http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
([12]) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم، برقم: (6917).
([13]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية، ص:13.
([14]) ابن كثير، اسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
([15]) ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه:(21/68).
([16]) مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، تحـ: سيد كسروي، ط(1)، 1422هـ - 2001م ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص: 170.
([17]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ص:13.
([18]) القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر:(5/380).
([19]) ابن تيمية، تقي الدين، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد:(10/388-389)
([20]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن:(5/319).
([21]) أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
([22]) موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
([23]) ينظر: الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة:(28/289)، السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني: (2/351).
([24]) ابن أبي شيبة، مصنف بن أبي شيبة، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض:(6/151).
([25]) أخرجه البيهقي في سننه برقم:(9806) ، البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند:(5/127).
([26]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:( 13074)، الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، القاهرة.
([27]) المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م: (2/690).
([28]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الحق، ص:58.
([29]) عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ص: 53.
([30]) أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة، ص: 43.
([31]) يعرف الانحراف الفكري لغة بأنه: الميل إلى الطرف، وطرف الشيء في اللغة ما يقرب من نهايته وقيل ما زاد عن النصف، فالانحراف هو الخروج بالفكر والعقل عن جادة الصواب والبعد عن الوسط المعتدل، واصطلاحا بأنه: الفكر المنحرف الذي يتخذ من الدين ستاراً لنشر هذا الفكر وترويجه مصطدماً بالأنساق الاجتماعية والدينية وكل عناصر الضبط الاجتماعي بداية من الأسرة التي يوليها الإسلام ما تستحقه من اهتمام وينظر إليها على أنها الخلية الأساسية في بناء المجتمع، ولها دور كبير في رعاية الفرد وتشكيل شخصيته من جميع جوانبها"، ينظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة حرف؛ الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض، ص: 291.
([32]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، كتاب الغين، باب الغين واللام: (4/387).
([33]) الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف:(9/416).
([34]) ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان: (1/289).
([35]) ابن القيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي:(2/466).
([36]) أبو سليمان الخطابي البستي، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية،القاهرة:(1/97).
([37]) أخرجه مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، برقم:(4823).
([38]) النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت: (16/220).
([39]) أخرجه البيهقي في سننه برقم:(9806):(5/127).
([40]) مصنف بن أبي شيبة:(8/156).
([41]) مجمع اللغة العربية،المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م، مادة طرف.
([42]) مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود،ص: 2.
([43]) القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت، ص:27.
([44]) الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية، ص:23.
([45]) ينظر: عبد الوهاب حومد، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان، ص:221.
([46]) الإرهاب في لغة العرب مأخوذ من رهِب بالكسر يرهب، رهبة أو رهبا، وهو بمعنى خاف مع تحرز واضطراب، وهو بكسر الهمزة: بمعنى الإزعاج والإخافة، ولها معنى آخر وهو قدع الإبل عن الحوض وذياذها.
وعرف الإرهاب بيان مكة الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في: 21-26/10/ 1422هـ الموافق لـ: 05-10 /01 /2002 م بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: (دينه، ودمه، وعقله، ماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفســــــــاد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، القصص:77".
كما يعرف الإرهاب في لغة قرار الأمم المتحدة في 1999 م بأنه:" كل عمل إجرامي دون سبب وجيه، حيثما تم فعله ومهما كان الفاعل فهو يستحق الشجب".
وتعرفه لجنة مجلس جامعة الدول العربية المكلفة بوضع تصور عربي مشترك لمفهوم الإرهاب عام 1989 م:"هو كل فعل منظم من أفعال العنف، أو التهديد به يسبب رعبا، أو فزعا من خلال أعمال القتل، أو الاغتيال، أو حجز الرهائن، أو اختطاف الطائرات، أو السفن، أو تفجير المفرقعات أو غيرها من الأفعال مما يخلق حالة من الرعب والفوضى، والاضطراب الذي يستهدف أهدافًا سياسية".
ينظر بالتفصيل: الفيرزو أبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة، مادة: رهب، ص:118؛ هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص:31.، وحمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م، ص:314- 320؛ عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص:14. http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
وعرف الإرهاب بيان مكة الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في: 21-26/10/ 1422هـ الموافق لـ: 05-10 /01 /2002 م بأنه: " العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغيا على الإنسان: (دينه، ودمه، وعقله، ماله، وعرضه)، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق وما يتصل بصور الحرابة وإخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفســــــــاد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، القصص:77".
كما يعرف الإرهاب في لغة قرار الأمم المتحدة في 1999 م بأنه:" كل عمل إجرامي دون سبب وجيه، حيثما تم فعله ومهما كان الفاعل فهو يستحق الشجب".
وتعرفه لجنة مجلس جامعة الدول العربية المكلفة بوضع تصور عربي مشترك لمفهوم الإرهاب عام 1989 م:"هو كل فعل منظم من أفعال العنف، أو التهديد به يسبب رعبا، أو فزعا من خلال أعمال القتل، أو الاغتيال، أو حجز الرهائن، أو اختطاف الطائرات، أو السفن، أو تفجير المفرقعات أو غيرها من الأفعال مما يخلق حالة من الرعب والفوضى، والاضطراب الذي يستهدف أهدافًا سياسية".
ينظر بالتفصيل: الفيرزو أبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة، مادة: رهب، ص:118؛ هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت، ص:31.، وحمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م، ص:314- 320؛ عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص:14. http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
([47]) انظر: يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص: 83-84.
([48]) محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت، ص:175.
([49]) الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة:(2/433).
([50]) الغزالي، أبو حامد، احياء علوم الدين، دار الكتب العربية:(1/45).
([51]) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة، كتاب التفسير، برقم:(3726).
([52]) الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية :(1/428).
([53]) أخرجه مسلم في صحيحه، المساجد ومواضع الصلاة، برقم: 523.
([54]) حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ، ص:182.
([55]) ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون: (6/106).
([56]) ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص:321.
([57]) عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.ص: 284.
([58]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(23536).
([59]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(19072):(4/347).
([60]) ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر، ص:235.
([61]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط، برقم:(157).
([62]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(14522)، (3/325).
([63]) واليسر بمعناه الاصطلاحي: عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم، المناوي، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق، ص:749.
([64]) المتقي الهندي، كنز العمال في سنن القوال والأفعال، 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت:(10/762).
([65]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو التواضع، برقم:(4695).
([66]) رواه الطبراني في المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين – القاهرة، برقم: (
4693)، (5/68).
4693)، (5/68).
([67]) مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، رقم: (2599).
([68]) أخرجه أحمد في مسنده برقم:(23536).
([69]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم:(6706)، وذكره الألباني في السلسة الصحيحة برقم:3420، وقال: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
([70]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن:(2/384).
([71]) المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة:(3/238).
([72])ينظر: متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود، ص:21.
([73]) أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت، ص: 337.
([74]) عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ص: 264.
قائمة المصادر والمراجع:
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
- الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
- أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير.
- البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية.
- البستي، أبو سليمان الخطابي ، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية، القاهرة.
- البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ؛ شعب الإيمان، تحـ: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط(1)، 1410هـ، دار الكتب العلمية بيروت.
- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد.
- الحاكم ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1407هـ، 1986م، دار الريان للتراث.
- حومد، عبد الوهاب، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان.
- الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، مختار الصحاح، تحـ: أحمد عبد الغفور عطا، ط(2)، 1979م، دار العلم للملايين، بيروت.
- الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة.
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة.
- ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما، الوسطية لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت.
- الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت.
- السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني.
- الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة – القاهرة. المكتبة
- الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة.
- الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون.
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه .
- عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.
- عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.
- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار الكتب العربية.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران.
- الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، دار الجيل.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة.
- القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت.
- القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر.
- ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
- ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجة، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.موسوعة
- محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م.
- المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة.
- المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق.
- ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
- النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، سنن النسائي الكبرى، ، ط(1)، 1411هـ، 1991م، دار الكتب العلمية، بيروت.الموسوعة الشاملة
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري ، شرح النووي على مسلم، 1416هـ، 1996م، دار الخير.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت.
- يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الرسائل:
- حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ.
- البحوث:
- أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
- حمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م.
- الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية.
- عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf
- ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، من موقع: http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
- متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- المواقع الالكترونية:
- موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
- definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001
قائمة المصادر والمراجع:
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد، المصنف في الأحاديث والآثار، ط(1)،1409هـ، مكتبة الرشد، الرياض.
- الألباني، محمد ناصر الدين، السلسلة الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض.
- أنور الجندي، آفاق جديدة للدعوة الإسلامية في عالم الغرب، ط(3)، 1987م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، أنور الجندي، عالمية الإسلام، دار المعارف، القاهرة.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، 1414هـ، 1993م، دار ابن كثير.
- البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب، الفقيه والمتفقه، تحـ: عادل بن يوسف العزازي، 1417ه، دار ابن الجوزي، السعودية.
- البستي، أبو سليمان الخطابي ، كتاب العزلة، ط(2)، المطبعة السلفية، القاهرة.
- البيهقي، أبو بكر بن أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي، ط(1)، 1344هـ، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ؛ شعب الإيمان، تحـ: محمد السعيد بسيوني زغلول، ط(1)، 1410هـ، دار الكتب العلمية بيروت.
- ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، تحـ: ناصر بن عبد الكريم العقل، ط(7)، 1419هـ، 1999م، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مجموع الفتاوي، 1416هـ، 1995م ، مجمع الملك فهد.
- الحاكم ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1418هـ، 1998م، دار المعرفة.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 1407هـ، 1986م، دار الريان للتراث.
- حومد، عبد الوهاب، الإجرام السياسي، 1963م، دار المعارف، لبنان.
- الجحني، الفهم المفروض للإرهاب المرفوض، 1421هـ، جامعة الأمير نايف العربية الأمنية، الرياض.
- الجوهري، إسماعيل بن حماد، مختار الصحاح، تحـ: أحمد عبد الغفور عطا، ط(2)، 1979م، دار العلم للملايين، بيروت.
- الدمشقي، علي بن علي بن محمد بن أبي العز، شرح العقيدة الطحاوية، 1997م، مؤسسة الرسالة.
- الذهبي، محمد بن أحمد بن عثنان، سير أعلام النبلاء، 1422هـ،2001م، مؤسسة الرسالة.
- ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، لطائف المعارف فيما، الوسطية لمواسم العام من وظائف، ط(1)، 1424هـ، 2004م، دار ابن حزم للطباعة والنشر.
- الزبيدي، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، 1994م- 1414هـ، دار الفكر، بيروت.
- الزحيلي، وهبة، الوسطية مطلباً شرعياً وحضاريا، ط(2)، 2011م، المركز العالمي للوسطية، الكويت.
- السفاريني، محمد الحنبلي، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، 1411هـ،1991م، المكتب الإسلامي، دار الخاني.
- الشيباني، أحمد بن حنبل أبو عبد الله، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة – القاهرة. المكتبة
- الصلابي، علي محمد محمد ، الوسطية في القرآن الكريم، ط(1)، 1422هـ، 2001م، مكتبة الصحابة، الشارقة، مكتبة التابعين، القاهرة.
- الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحـ: طارق بن عوض الله بن محمد ,عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، 1415هـ، دار الحرمين، القاهرة.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، دار المعارف.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون.
- ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحـ:مصطفى بن أحمد العلوى ومحمد عبد الكبير البكرى، مؤسسة القرطبه .
- عبد الله بن عبد العزيز اليحيي، الوسطية طريق إلى الغد، ط(1)، 1924هـ، 2008م، دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية.
- عماد الدين خليل، قالوا عن الإسلام، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط(1)، 1412هـ، 1992م، الرياض.
- الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، دار الكتب العربية.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد، معجم مقاييس اللغة، تحـ: عبد السلام هارون، دار الكتب العلمية، إيران.
- الفيروز أبادي، مجد الدين محمد يعقوب، القاموس المحيط، دار الجيل.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، القاموس المحيط، ط(2)، 1987م، مؤسسة الرسالة.
- القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، 1998م، مؤسسة الرسالة بيروت.
- القرطبي، محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر.
- ابن القيم الجوزية، شمس الدين محمد بن أبي بكر، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، 1996م، دار الكتاب العربي.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، مفاتيح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، الجزء الأول والثاني، 1419هـ، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير ابن كثير، 1422هـ، 2002م، دار طيبة:( 2/419).
- ابن ماجة، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجة، تحـ: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.موسوعة
- محمد السماك، الإرهاب والعنف السياسي، ط(2)، 1992م، دار النفائس، بيروت.
- مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط(1)، 2004م.
- المتقي الهندي، علاء الدين علي بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحـ: بكري حياني - صفوة السقا، ط(5)، 1401هـ/1981م، مؤسسة الرسالة.
- مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب، تحـ: : سيد كسروي ، ط(1)، 1422هـ - 2001م ، دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.
- مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، دار إحياء الكتب العربية.اسلام- المناوي، زين الدين محمد، فيض القدير شرح الجامع الصغير، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، ط(1)، 1415 ه - 1994 م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، التوقيف على مهمات التعاريف، تحـ: محمد رضوان الداية، ط(1)، 1410 هـ، دار الفكر المعاصر, دار الفكر - بيروت, دمشق.
- ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت.
- النسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، سنن النسائي الكبرى، ، ط(1)، 1411هـ، 1991م، دار الكتب العلمية، بيروت.الموسوعة الشاملة
- النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري ، شرح النووي على مسلم، 1416هـ، 1996م، دار الخير.
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، شرح النووي على صحيح مسلم ، ط(2)، 1392هـ، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية، ط(1)، 2005م، دار الكتب العلمية، بيروت.
- يوسف شرارة، مشكلات القرن الحادي والعشرين والعلاقات الدولية،1996 م، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
- الرسائل:
- حمد بن ناصر، أساليب الدعوة الإسلامية المعاصرة، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1413هـ، 1414هـ.
- البحوث:
- أم كلثوم بن يحي، الشذوذ في الفتوى وأثره على الأمن الفكري للمجتمعــات الإسلامية وغير الإسلامية، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الدولي حول إشكالية الفتوى بين الضوابط الشرعية وتحديات العولمة، في إطار تلمسان عاصمة الثقافة العربية، كلية الحضارة الإسلامية، قسم الشريعة، جامعة وهران، من 06 إلى 08 جمادى الثانية 1432هـ.
- حمدي سلمان معمر، محددات الإسلام التربوية للوقاية من الإرهاب، مجلة الجامعة الإسلامية(سلسلة الدراسات الإنسانية)، المجلد الثامن عشر، العدد الأول، يناير 2010م.
- الزهراني، إبراهيم، ظاهرة الغلو على ضوء القرآن الكريم: حقيقته، وأسبابه، وعلاجه، 2006م، مجلة البحوث الأمنية، العدد (32)، كلية الملك فهد الأمنية.
- عبد الرحمن بن المعلى اللويحق، الإرهاب والغلو دراسة في المصطلحات والمفاهيم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Terrorism_and_extremism.pdf
- ناصر بن عبد الكريم العقل، مفهوم الوسطية الاعتدال، بحوث ندوة: أثر القرآن في تحقيق الوسطية ودفع الغلو، من موقع: http://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single/ar_Research_symposium_impact_of_the_Quran_in_achieving_moderation_and_extremism_payment.pdf
- متعب بن شديد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري:" المفاهيم والتحديات"، في الفترة من 22- 25 جمادى الأولى 1430هـ، كرسي الأمیر نایف بن عبد العزیز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- مسفر بن علي بن محمد القحطاني، التطرف الفكري وأزمة الوعي الديني، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري "المفاهيم والتحديات"، كرسي الملك بن نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمن الفكري بجامعة الملك سعود.
- المواقع الالكترونية:
- موقع الدكتور سلمان العودة، بتاريخ: 06/08/2015م: http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-117.htm
- definitions.html. - terrorism www.undcp.org ODCCP2001