فقه الأولويات وأثره في ضبط مسألة عمل المرأة
د.أم كلثوم بن يحي
جامعة بشار/ الجزائر
[email protected]
جزء من بحث: الهدي النبوي في علاج الإشكالات العصرية حول الدور المجتمعي للمرأة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الأول للسيرة النبوية، تحت شعار:" تنزيل مقاصد الشرع وتعميق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، 29-30 صفر1434هـ الموافق: 11-12 يناير 2013م، الخرطوم، السودان.
لا يختلف اثنان من فقهائنا في أن عمل المرأة داخل بيتها أولى من عملها خارجه، لكن الاختلاف يظهر في كيفية تفسير هذه الأولوية، حيث يذهب البعض إلى أن المرأة راعية في بيتها مطالبة شرعا بالقيام بأموره من تربية الأولاد وخدمة الزوج ورعاية الأسرة ويرون أن ذلك لا يتحقق إذا عملت المرأة خارج البيت، وبالتالي يقصرون وظيفة المرأة في المجتمع في ما ذكر، وفي ذلك إخلال كبير بمصالح الأمة، فالمرأة في العصرين النبوي والراشدي عملت جنبا إلى جانب مع الرجل من أجل تأمين مستلزمات الحياة الكريمة، بل ثبت أنها كانت تعيله وتنفق عليه في حالات، كرائطة امرأة عبد الله بن مسعود التي كانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها، ومنعها ذلك من الصدقة، فشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة:" يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، ولقد شغلونى عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيء فهل لي من أجر فيما أنفقت ؟ قال: فقال لها رسول الله – صلي الله عليه وسلم -: "أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليه [1])).
د.أم كلثوم بن يحي
جامعة بشار/ الجزائر
[email protected]
جزء من بحث: الهدي النبوي في علاج الإشكالات العصرية حول الدور المجتمعي للمرأة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الأول للسيرة النبوية، تحت شعار:" تنزيل مقاصد الشرع وتعميق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، 29-30 صفر1434هـ الموافق: 11-12 يناير 2013م، الخرطوم، السودان.
لا يختلف اثنان من فقهائنا في أن عمل المرأة داخل بيتها أولى من عملها خارجه، لكن الاختلاف يظهر في كيفية تفسير هذه الأولوية، حيث يذهب البعض إلى أن المرأة راعية في بيتها مطالبة شرعا بالقيام بأموره من تربية الأولاد وخدمة الزوج ورعاية الأسرة ويرون أن ذلك لا يتحقق إذا عملت المرأة خارج البيت، وبالتالي يقصرون وظيفة المرأة في المجتمع في ما ذكر، وفي ذلك إخلال كبير بمصالح الأمة، فالمرأة في العصرين النبوي والراشدي عملت جنبا إلى جانب مع الرجل من أجل تأمين مستلزمات الحياة الكريمة، بل ثبت أنها كانت تعيله وتنفق عليه في حالات، كرائطة امرأة عبد الله بن مسعود التي كانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها، ومنعها ذلك من الصدقة، فشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة:" يا رسول الله، إني امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، ولقد شغلونى عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيء فهل لي من أجر فيما أنفقت ؟ قال: فقال لها رسول الله – صلي الله عليه وسلم -: "أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليه [1])).
ومن المفكرين من أطلق العنان للمرأة في تحقيق ذاتها من خلال التحلل من مسئوليتها نحو أسرتها بدعوى أنها امرأة قيادية، أو مشهورة أو ناجحة وغير ذلك من المسميات التي صارت للأسف غطاء لفشل المرأة الأسري في كثير من الأحيان، ولا يخفى على أحد خطورة ذلك على المجتمع المسلم.
وبين الرأيين يبرز اتجاه ثالث يراعي في المسألة فقه الأولويات فلا يلزمها البقاء في البيت ولا يبيح لها الخروج المطلق منه بل يراعي حاجة الأسرة التربوية والمادية على السواء، ويراعي حاجة المجتمع المسلم والمرأة خاصة لخدمات المرأة من تعليم وتطبيب وغيرها، ويراعي حاجة الدولة لكفاءات النساء في مجالات شتى من أجل النهوض بوضعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وعليه فمتى كانت المرأة ذات علم وكفاءة وقدرة على التوفيق بين العمل داخل البيت وخارجه، وقدرة على تربية أبناء صالحين دينيا ودنيويا فإن خدمتها لبلدها شرف ما بعده شرف، إما إذا كانت نوعا غير الذي ذكر فبقاءها في بيتها أولى لها وأتقى، أما إذا كانت مضطرة ماديا للخروج للعمل فهي ملزمة شرعا ببذل الجهد من أجل التوفيق بين الأمرين؛ لذلك وإضافة للضوابط التي تخص عمل المرأة تبرز ضوابط أخرى متعلقة بقدرة المرأة على التوفيق بين الأعمال:
1- القدرة الجسدية والنفسية على القيام بالعمل المنوط بها أداءه.
2- قدرة المرأة على إحداث توازن بين عملها داخل البيت وعملها خارجه باعتبار أن كلا العملين مقدس شرعا، وعليها أن لا تنسى أبدا أنها ما تقربت إلى الله بأفضل مما خلقها من أجله وجعلها راعية فيه وهو بيتها، كما عليها أن لا تنسى أن عملها خارج البيت فيه تحقيق لمصالح المسلمين فلا تهمله وتبخسه حقه بحجة انشغالاتها المنزلية، وهذا الضابط يختلف من امرأة إلى أخرى وكل واحدة فقيهة نفسها وأدرى بحالها وقدرتها.
وإضافة إلى هذه الضوابط يبرز الرجل كعنصر هام في مساعدة المرأة على الالتزام بهذه الضوابط من خلال مد يد العون لها وتفهم تعدد انشغالاتها التي فرضها العصر الذي نعيش فيه، ولنا في الرسول صلى الله عليه وسلم خير قدوة، فهو الزوج المساعد المتفهم والغير متطلب في زمن بسيط مهام المرآة فيه واضحة وبسيطة والتحديات قليلة، إضافة إلى تعدد زوجاته ما يخول له الاعتماد التام عليهن، على خلاف الوضع الحالي حيث التحديات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وحيث المرأة في حاجة ماسة إلى رجل يقتدي بالحبيب المصطفى الذي تصفه السيدة عائشة فتقول عندما سئلت عن ما كان يصنع الرسول في بيته:" كان في مهنة أهله، وإذا حضرت الصلاة قام إليها"([2])، وفي رواية الطبري:" كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع اللحم ويقم في البيت ويعين الخادم في خدمته"([3]).
([1]) ورواه الهيثمي في مجمعه، وسنده فيه نظر ولكن الهيثمي ذكر أنه قد توبع، ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي: علي بن أبي بكر، دار الريان للتراث، دار الكتاب العربي، القاهرة، بيروت، 1407هـ: ( 3 / 118 ).
([2]) الطبقات الكبرى، ابن سعد، ص:(1/127).
([3]) السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، الطبري:محب الدين، دار الحديث، القاهرة، 1989م،ص: 22.