مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/05/10 17:23
الرُّتَبُ العاليةُ مُضْنِيَةٌ!
السِّلَعُ الفخمةُ، ثمنُها غالٍ، والظفرُ بها مُضْنٍ، ومحاولةُ شرائها بقيمٍ زهيدةٍ أو تحصيلِها بجهودٍ محدودةٍ هي أشبهُ بالأماني، وعامةُ العقلاءِ يدركون بأنَّ ذلك — في الأحوالِ العاديةِ — أمرٌ غيرُ ممكنٍ.

فمثلًا، جنَّةُ اللهِ وسلعته الغالية، التي من فخامتِها وجلالِها أنَّ عرضَها السماواتُ والأرضُ، وفيها من النعيمِ ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، بل وموضعُ السوطِ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها، حتى إنها حُفَّتْ بالمكارهِ، وكان من أعمالِ أهلِها  الساعين للفوز بها:

(كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴿١٧﴾ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)،
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)،
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،
"صِلْ من قطعك، وأعطِ من حرمك، واعفُ عمَّن ظلمك."
"كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ."

ومثًلا، العلمُ لا يُنالُ براحةِ الجسدِ، بل بثنيِ الركبِ، ومزاحمةِ الطلابِ في حلقِ العلمِ، وبالخروجِ بالبُكورِ، وسهرِ الليالي، ومفارقةِ الديارِ، وجوعِ الأيامِ الطوالِ، وشدةِ الاحتمالِ، وحرمانِ النفسِ، مع ملازمة الكتب والتواضعِ للشيوخِ، والاجتهاد الواسع في حسن الفهم وتجويد الاستيعاب والحفظ. وقد كان مجاهدٌ يقول: "لا يتعلَّمُ العلمَ مُسْتَحٍ ولا مُسْتَكْبِرٌ."

ومثلًا، المالُ لا يُجنى إلا بالصبرِ والاستمرارِ، وبالتدرجِ الطويل وعِظَمِ الجهدِ والتفكيرِ وتحمل المشاق، مع حسن المعاملة وخوضِ المخاطرةِ، وتقليلِ الإنفاقِ، وكثرةِ الأسفارِ، وتأمينِ البضائعِ، وبالقراءةِ الدائمةِ لتوجُّهاتِ السوقِ وتتبعِ أخبارِه، والبحثِ عن مصادرِ السلعِ المناسبةِ له، والاستعدادِ المُضني للمواسمِ قبل مجيئِها، وقديما قيل: "من لا يدفعُ التسعينَ، لا يجني المئةَ.".
وفي أزماننا هذه، ابتُلينا بجماعاتٍ من القاعدينَ الطامحينَ، الذين يريدون الحصولَ على التبرِ بالترابِ، وجنيَ الذهبِ الوفيرِ بقليلٍ من النحاسِ، وتحصيل الأموال الوفيرة تحت أشرعة الراحة المتناهية،وتحصيلَ أعالي الرُّتبِ الدينيةِ والدنيويةِ بلا عملٍ دؤوبٍ، ولا هِمَمٍ عاليةٍ، ولا تحصيلٍ للأسبابِ وامتلاكٍ للمواهبِ، وهو ما لا يقبله شرعٌ، ولا يقرُّه عقلٌ، ولا يتوافقُ مع معطياتِ الحياةِ وطبيعةِ الأشياءِ والمسالكِ.

وهو ما أدَّى — بل وسيؤدِّي — إلى مزيدٍ من دنوِّ الهممِ، وشيوع البَطالةِ، ومزيدٍ من الإحباطِ والتواكُلِ وتَخْييبِ التوقُّعاتِ، ومزيدٍ من الضعفِ والهوانِ والقلة، ومزيدٍ من الخروجِ عن حدِّ العقلانيةِ وخطِّ السواءِ النفسي والمجتمعي، بل وسيسهمُ في شيوعِ العديدِ من الأخلاقياتِ المُدمِّرةِ، كالبغضِ، والحقدِ، والحسدِ، وخفة الصدق والأمانة، وخطير المسالك كالتعدِّي والاحتيالِ.
فهل نعي؟!، اللهم جنبنا الضعف والهوان والفتن.

والله الهادي
أضافة تعليق