د/محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
إن مدرسة الحديث الفقهية قد أدت خدمة جليلة لهذا العلم الشريف، بجمعها بين النقل والعقل، والحفظ والفقه، والرواية والدراية، والتوثيق والتحقيق، وأنا أميل إلى تلك المدرسة أكثر من ميلي إلى مدرسة الحديث الخالصة!
وحسبك بمدرسة فيها أمثال مالك والشافعي والبخاري وأبي داوود والترمذي وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي وابن عبد البر وابن حزم والنووي والسبكي والعراقي وابن حجر والسيوطي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين!
ولقد كانت الاستنباطات الفقهية ظاهرة ملحوظة عند أئمة الحديث لم تخل منها تراجم الكتب والأبواب، حتى لقد اشتهر على ألسنة العلماء قولهم:(فقه البخاري في تراجمه!).
وقد قلت في هذا المعنى:
إن البخاري أدام الله دولته
وجوزي الخير عن ماضي عزائمه
أبان عن فقهه في كل ترجمة
وأوضح الحق في شتى معالمه
وأعجب القوم حتى قال قائلهم
(فقه الإمام البخاري في تراجمه!)
والذين لا يعلمون عن مدرسة الحديث إلا جانب الرواية فقط؛ معذورون في خفاء الجانب الفقهي عليهم؛ فإنه جانب لا يدركه إلا أهل التخصص في الفنين معا، ممن يقدرون جهود العلماء بالخبرة والممارسة، ولا يهدرونها بجرة قلم، بسبب قلة الباع، وضعف الاطلاع!
ولكم تمنيت على طلبة الحديث أن يهتموا أكثر بعلوم الدراية، فهي من أولويات المحدث في هذا الزمان؛ نظرا لانتهاء عصر الرواية، وظهور ما يوجب الاعتناء بعلوم الدراية!
ولكم أسفت حين أخبرني بعض العمداء بتوقف التسجيل في قسم فقه الحديث، في إحدى الجامعات؛ نظرا لتهافت الطلاب على التسجيل في قسم علوم الحديث!
هذا: ولأخينا المحدث الدكتور سيد متولي رسالة قيمة في هذا الباب، بعنوان(عناية المحدثين بالفقه) جمع فيها فأوعى، وهي كفيلة برد دعوى من ادعى جهل المحدثين بالفقه، وحافزة لهمم المحدثين إلى اعتنائهم بالفقه، اقتداء بأسلافهم الذين مضوا من قبل!
