يقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه"يجب أن نتقبل ما نحن عليه بجميع ظروفه، و نعيش على أمل أن يحمل الجيل القادم المشعل بكل قيمه الدينية و الاجتماعية و الأخلاقية، لأن ما وصلنا إليه من تمزق في التفكير، و في المنهجية، و في الرؤى المستقبلية، لا يخفى على الأسرة المربية و ما تعانيه من ازدواجية شباب في عمر الزهور، انسلخ من قيمه، و مبادئه، و عقيدته، و انجذب إلى عالم آخر آسر بكل المقاييس، فما هو دور المربي اليوم، و أي جيل نبني...؟ نعم فليس كل من يطلق عليهم رجال هم رجال بالفعل، و ليس كل من يطلق عليهم إناثا هم نساء، فكلمة الطير تجمع بين الصقر و الدجاجة! فالأمة اليوم تحتاج رجالا في جميع المواقف و ليس ذكورا، و تحتاج إلى نساء كذلك في جميع المواقف و ليس إلى إناثا، و كما قيل يعرف الرجال بالمواقف و لا تعرف المواقف بالرجال ...فالمعادلة واضحة إذن... علينا أن نعرف أي جيل نبني اليوم، هل هو الجيل الذي تربى على الخنوع و الكسل، و الاتكال، أم على جيل ليس له من هويته سوى النطق بلسان عربي، و يا ليته كان لسانا عربيا مبينا حقا...كيف لا و هناك أخطاء و ممارسات شائعة في تربية البنين و البنات تقع أحياناً عن جهل، و أحيانا عن غفلة، و أحياناً عن عمد و إصرار، و لهذه الممارسات الخاطئة آثار سلبية على استقامة الأبناء و صلاحهم ... فكرة استصغار الطفل و إهمال تربيته في الصغر فكرة باطلة و الصواب أن تبدأ التربية و يبدأ التوجيه منذ الصغر من بداية الفطام حيث يبدأ التوجيه و الإرشاد و الأمر و النهي و الترغيب و الترهيب و التحبيب و التقبيح... كذلك من مظاهر التربية الخاطئة عند الأم و الأب، عدم السماح لولديهما بمزاولة الأعمال التي أصبح قادراً عليها، اعتقاداً منهما أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة و الرحمة على الولد، و لهذا السلوك آثار سلبية على الطفل، و على الأسرة، و على المجتمع ككل... ألا ترى اليوم أيها القارئ الكريم أننا ندفع ثمن عدم زرعنا لقيمة المسؤولية في أطفالنا؟ تلك القيمة التي كان لا بد أن يعود عليها الطفل منذ نعومة أظافره، حتى تترسخ عنده بقدر الجهد و السن، ألا ترين معي أيتها المربية الفاضلة أننا أهملنا هذا الجانب حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، نعم يوم أن سمحت الأم لنفسها أن تقوم هي بجلب حذاء ابنها من مكانه القريب حتى تضعه في رجل ابنها الذي يبلغ أربعة أعوام عوض أن تنشئه على أن يخدم نفسه بنفسه، و أنها هي التي تأتي بمحفظته حتى يذهب إلى المدرسة في السادسة من عمره، و أنها هي التي تقوم بتنظيم أدواته المدرسية بدل عنه، و أنها هي التي تذهب لشراء كيس الحليب، حتى إذا ما قام من مرقده هذا المراهق وجد ما يشربه حاضرا، و عندما تتركه نائما في الغرفة المجاورة و هي خائفة من أن توقظه، فتذهب لتجلب أطنانا من السوق...و تترك ما لم تقدر عليه ليأتي به والده و ووو و.......و عندما يتمرد و لا يريد أن يفعل شيئا، نقوم بشتمه أو ضربه، ليتفاقم المشكل و يخرج من البيت هاربا..... أليس هذا هو نتاج تفريطنا في جزء كبير من التربية الصحيحة التي تعمل على غرس روح المسؤولية لدى أبنائنا و بناتنا؟ و التي لا بد أن تلعب دورا كبيرا في مجتمعنا فهذا الطفل الذي نشأناه البارحة، على أنه غير مسؤول عن محفظته، فمن الطبيعي اليوم أن يرى نفسه غير مسؤول عن قضايانا الكبرى كقضية: "القدس الشريف" مثلا...أقولها مجلجلة مدوية إن تفريطنا في تنشئة أبنائنا تحمل مسؤولياتهم من قبل أنفسهم و ذويهم هو الذي أنتج لنا نمطا من القادة الذين لا يرون أنفسهم مسؤولين عن قضايانا ... و لقد صدق الأستاذ نزار رمضان الخبير في التربية إذ يقول: "ليست هناك جينات لتطوير الشخصية و تعزيز تقدير الذات و احترام الآخرين، فليس هناك ابن مولود بشخصية مسئولة و آخر بشخصية متسيبة. لكن أطفالنا اكتسبوا شخصياتهم و تقديرهم لذاتهم من خلال التجارب المتكررة في ماضيهم..."، موضحًا أنه لا بد أن نعلم أن السمات الشخصية - مثل سمة تحمل المسؤولية - مكتسبة، و بالتالي فالسمات الشخصية قابلة للتغيير. و إذا كانت السمات الشخصية مكتسبة، فإننا بشكل طبيعي نستطيع تعليمها و تغييرها. و بالتالي لابد أن يتيقن المربي ذلك، حتى لا يقف بينه و بين أبنائه حاجز نفسي أثناء التربية و التغيير في السمات الشخصية. فالمربون قادرون على تهيئة الظروف الملائمة لتعزيز التغيير و جعل الابن مسئولًا مقدرًا