د/محمد إبراهيم العشماوي
الأستاذ في جامعة الأزهر
لم يزل أئمة التصوف السني يناضلون من أجل إصلاحه وتجديده، ونفي البدع عنه، وكان آخرهم شيخنا الإمام محمد خليل الخطيب، وشيخنا الإمام المجاهد محمد زكي الدين إبراهيم، فقد شنا حربا ضارية على التصوف الرسمي، وكانا يدعوان إلى التصوف الحقيقي الذي هو مقام الإحسان المذكور في حديث جبريل، وقد شنع شيخنا الخطيب على مشايخ الطرق الرسميين، وكشف ألاعيبهم وأكاذيبهم، وبين ما في الموالد من مفاسد، وفضح ما فيها من منكرات، وهوجم شيخنا محمد زكي الدين إبراهيم من المنتفعين من أصحاب التصوف الرسمي، وعوقب بفصله من مشيخة الطرق الصوفية، وشهدت ساحات المحاكم قضايا ساخنة بينه وبين خصومه، من أجل الإصلاح الصوفي!
واليوم يظل التصوف الرسمي هو المتصدر للمشهد، رغم محاولات الإصلاح!
وتشهد ساحات المحاكم أيضا قضايا ساخنة، لا من أجل الإصلاح الصوفي، ولكن من أجل الأحق بوراثة منصب شيخ الطريق، الذي مبناه على الزهد في الدنيا!
حتى ولو كان الساعي إلى وراثة المشيخة فاسقا لا يصلي، أو جاهلا بدينه، أو عييا لا يكاد يبين!
بل دخل التصوف الرسمي لعبة السياسة، فاستغلت أصوات الكتل الصوفية في الانتخابات؛ لإنجاح مرشح وإفشال آخر!
إن هذا النوع من التصوف المبني على المصالح والمظاهر؛ تصوف باطل، والداعون إليه هم قطاع الطريق على عباد الله، والمنتسبون إليه هم أهل الغفلة والبطالة!
ولو كان الأمر بيدي لألغيت التصوف الرسمي، وحولت مخصصاته المالية إلى موازنة الدولة، ولمنعت إقامة الموالد، وجعلتها في المساجد، احتفالا بالصالحين، وذكرا لمآثرهم، ودعوة للاقتداء بهم، لا طبلا ولا رقصا ولا زمرا، ولألزمت مشايخ الطرق، من العوام والجهلة؛ بتعلم الفقه والتصوف؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه!
أما تصوف السلف: كأحمد بن حنبل، وبشر الحافي، والحارث بن أسد، ومعروف الكرخي، والفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وداوود الطائي وغيرهم من أهل الزهد والورع والفقه عن الله؛ فهو التصوف المعتبر الذي ينبغي إحياؤه، ودعوة الناس إليه، وتعويلهم في السلوك عليه، ولا ينبغي لعالم أن يعرى عنه، وإلا آل أمره إلى ما قاله الذهبي في (سير النبلاء)، في ترجمة ابن الأعرابي : "والعالم إذا عرى عن التصوف والتأله؛ فهو فارغ!".
نسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بالحقائق، المعرضين عن الخلائق، الداعين إليه مهما تنوعت الطرائق!