عندما تعود بنا الذاكرة إلى القصص الحق عن طريقة بزوغ فجر الإسلام و ما اتسم به أهله آن ذاك، و الدروس القيمة التي يمكن أن تعتمدها الأسرة في حياتها اليومية و الاجتماعية ككل، و الأهم ما عاناه النبي صلى الله عليه و سلم و من معه من المسلمين لتبليغنا الرسالة المحمدية الخالدة بأنجع الطرق. فهجرة الرسول صلى الله عليه و سلم كما قال الأستاذ الدكتور خالد النجار:" ... إعلانٌ تاريخيٌّ بأنَّ العقيدةَ هي أغْلَى ما تملِك هذه الأمَّةُ المحمديَّة، و هي مصدرُ عزِّها و رُشدِها، و مُنطلقُها في الأمرِ كلِّه، و التفريطُ فيها هو الذي أوقعها في فخِّ المِحن و الإحن، و التاريخُ خيرُ شاهد، و فيه عِبرةٌ لمَن يعتبر". فالهجرة تغييرٌ و تعديلٌ لأوضاعٍ خاطئةٍ، و حياةٍ راكدة، إنَّها هجرةُ المسلم بقلبِه من محبَّة غيرِ الله إلى محبَّتِه، و مِن عبودية غيرِه إلى عبوديتِه، و مِن خوفِ غيرِه و رجائِه و التوكُّلِ عليه إلى خوفِ الله و رجائِه و التوكلِ عليه، و مِن الدعاءِ لغيرِه و سؤاله و الخضوع له و الإخبات إليه، و الذلِّ و الاستكانة له، إلى دُعائِه و سؤالِه عز و جل و هذا معنى قولِه تعالى: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ))الذاريات: 50. فالعقيدةُ إذن هي أشرفُ مبتغًى، و أسْمى ما رسَّخه المصطفى -صلوات ربي و سلامه عليه-، فدونها تهون الأوطان، و الأحبابُ و الخِلاَّن، و الأموال و سائر ما تَحرِص عليه نفس الإنسان، فحاجة العباد إليها، فوق كل حاجة، و ضرورتهم إليها فوق كل ضرورةً؛ لأنَّه لا حياةَ للقلوب و لا نعيمَ و لا طُمأنينةَ إلا بأن تَعرِف ربَّها، و معبودَها، و فاطرَها بأسمائِه و صِفاته و أفعالِه، و يكون مع ذلك كلِّه أحبَّ إليها ممَّا سواه، و يكون سعيُها فيما يُقرِّبها إليه دون غيرِه مِن سائرِ خلقه. و لهذا أصبح لزاما علينا أن نفقّه أنفسنا، و من حولنا و أسرنا و أولادنا، و نتشبث بهذه السيرة العطرة، بما يجعلها سراجا منيرا لحياتنا اليومية، فعندما تكون الأم أو الأب، أو الأخ الأكبر أو الأخت الكبرى، قدوة لأولادهم أو إخوانهم، يكون من اليسير أن يتأثر بهم الأبناء و يصغون إلى الكلام و النصح الموجه لهم. إن توعية طفل اليوم أصبحت لزاما على الوالدين، لأنك إن لم تأخذه أنت إلى شاطئك، أخذه غيرك إلى الشاطئ الآخر، فلا بد لنا من التفرغ الجدي لهذه القضية، و اعتماد الحوار الهادئ معهم، حتى يكون هناك بناء جادا لجسور التواصل بينك و بين أطفالك، و حتى تشكل مضامين محاوراتك معهم المرجع الذي يعودون إليه لحسم ما يعرض لهم من مشكلات، و تقرير ما يتخذونه من مواقف. و ينبغي أن نذكر أننا فانون و لسنا بخالدين، و لن ندوم لأبنائنا، كي نقدم لهم النصح و التوجيه عند الحاجة، إذا ما حزبهم أمر، أو ألمت بهم ملمة، فمن واجبنا أن نحسن تهيئتهم و إعدادهم لذلك اليوم، و لا أصلح لذلك من تكوينهم عقائديا، و تنشئتهم على الأخلاق الفاضلة الكريمة، فإن ذلك هو الذي يضع بين أيديهم أقوى سلاح و أمضاه، لمواجهة ما قد تفاجئهم به الحياة من بعدنا، و ذلك هو الذخر الذي ينفعهم أكثر من المال المودع في البنوك، أو الفيلات الباهرة، و السيارات الفاخرة، حيث أن صلاح دينهم يحفظهم من الضلال، و حسن أخلاقهم يسخر لهم قلوب الرجال، و ذلك يضمن لهم سعادة الدارين و ذلك ما يتمناه و يرجوه كل عاقل فيما أحسب و أعتقد...