قال الله سبحانه و تعالى في محكم تنزيله: ((وَ اعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لاَ تَفَرَّقُواْ وَ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَ كُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )) (آل عمران: 103)... و تؤكد السنة النبوية الشريفة أن الاختلاف و التنوع في الشكل و الفكر و العلم، سُنَّة من سنن الله يجب احترامها و تقبُّلها في المجتمع، فقد ورد في الحديث النبوي الشريف، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: (إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَ الْأَبْيَضُ وَ الْأَسْوَدُ، وَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَ السَّهْلُ وَ الْحَزْنُ وَ الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ، وَ بَيْنَ ذَلِكَ)؛ رواه الترمذي، و أبو داود. و الآيات و الأحاديث النبوية الشريفة كثيرة التي تؤكد على اختلاف البشر و الشعوب و الأمم كذلك ...و هذه الحقيقة اقتضت العناية بالتأليف بين الأفراد في نطاق المجتمع الواحد و بين الشعوب و الأمم دفعا لأسباب التنافر و الخلاف التي تفضي إلى التحارب و الاقتتال، من هنا كان الاهتمام الرباني بهذه العروة له دلالات كثيرة و عبر كبيرة، أولها الحفاظ على سلامة المجتمع كله من الانحرافات و الأخطار التي تحدق به من حين إلى آخر ...فيكون هذا التماسك مثل بالنسبة له طوق نجاة ... و من أكثر العوامل التي تؤدي إلى زيادة تماسك المجتمع و استقراره، هو تحقيق وحدته و نسيجه الاجتماعي - هو تقبُّل كل فرد فيه للآخر المختلف معه في أي رأي كان أو في أسلوب الحياة، أو بعض الأفكار، طالما أن هذا الاختلاف محصور في إطار التنوع داخل وَحدة المجتمع ذاته؛ لأن الاختلاف هو سُنة الله في الكون و البشر، و هو اختلاف يُثري الحياة و لا يضرها؛ و لأنه يعبر كذلك عن التنوُّع في الأفكار...و بها نكتسب مجالات كثيرة متنوعة مفيدة ... و إذا عرجنا قليلا على أرض الواقع و تأملنا في تماسكنا الاجتماعي، نجد مشاهدا يتألم لها المرء ...و نجد أن ما يقال شيء و ما يجري في أرض الواقع شيء مغاير تماما .. حيث نجد فيه من يتعصب لفكرته، و يتعصب لذاته، و يتعصب لأبسط الأمور التي قد تكون تافهة تماما ... و قد أدى ذلك إلى التأزم السياسي و الصراع الاجتماعي، و انعكس ذلك على أمن الأفراد و استقرارهم، و تسبب ذلك للمجتمع في عرقلة نشاطه الاقتصادي، مما نجم عنه عرقلة التنمية الاجتماعية فأثر ذلك سلبا على نموه و ازدهاره، مما دفع بأفراده إلى الزهد فيه و السعي إلى الانتقال إلى مجتمعات أخرى تتوفر على الأمن و الاستقرار و لديها القدرة على أن تضمن لهم مستوى أفضل من الخدمات في الصحة و التعليم و النقل و ما إلى ذلك، و الحقيقة أن هذه الهجرة القسرية التي فرضت على أبناء مجتمعنا، ما كانت لتكون لو اجتهادنا في العناية بأسباب التآلف و الانسجام، و لحقق ذلك لمجتمعنا التماسك الذي يعطيه القوة على تحقيق التقدم و التطور، الذي يمكنه من تجسين مستوى خدماته، مما يجعل أبناءه يتمسكون به و لا يزهدون فيه. إن التماسك الاجتماعي لا يوفر للمجتمع القدرة على تحقيق نمو مضطرد فحسب، بل هو يكسبه المناعة ضد الأخطار الخارجية التي تتربص به، و تحين الفرص للانقضاض عليه، و إذن من الأهمية بمكان أن نعمل بكل جهد على الحفاظ على تماسكنا الاجتماعي لأن وجودنا و استمرارنا في الوجود كمجتمع مرهون به و متوقف عليه و صدق الله تعالى الذي حذرنا من الصراع و ما يفض إليه فقال: (( و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم , و اصبروا إن الله مع الصابرين )). (الأنفال 46).