تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن استقبال الدول الإسلامية و العربية بعد بضعة أيام شهر رمضان بسعادة عارمة، و ترصّيعها مساجدها و شوارعها بالزينة و الرايات المرحّبة بهذا الشهر.... و عن بعض العادات و التقاليد لهذا الشهر الفاضل، و ما توارثته الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى اعتقد البعض أنها من الشعائر الواجب المحافظة عليها، و لا تكتمل الفرحـــة و البهجة بهذا الشهر إلا بها، و دخول العديد من الأمور المستحدثة عليها، التي لم تكن معروفة في أجيال السلف الصالح... منها الإسراف في الملتزمات الشرائية، إما مواد غذائية، أو أواني منزلية، أو زينة بيتية، و ما تقوم به ربات البيوت من تنظيف ترتيب استقبالا لهذا الشهر الكريم... في هذه المرة سوف يكون حديثنا عن هذا المسلم و مدى إدراكه لفوائد الصوم في الدنيا، و النعيم الذي ينتظره في الآخرة، فإن ذلك بلا شك سيجعله يستقبل هذا الشهر بطاقة كبيرة، و حالة نفسية مطمئنة، و شوق و تلهف شديدين لهذا الشهر الكريم... و هذا يؤدي إلى رفع النظام المناعي لديه، و تحقيق الاستفادة القصوى من الجانب المعنوي و الجانب الجسماني عنده. على العكس تماما من الذي همه الأكل و النوم و الترفيه، فهو دائما يخشى أن ينقصه هذا الشهر الفضيل بعض الملذات التي تعوّد عليها، فسيشعر أنه سيقيّده و يحرمه من ملذاته التي لازمته طوال عام بأكمله، ....إن الصيام تهذيب و تربية، و علاج لأسقام النفوس و الأبدان، و ارتقاء بالنفوس العارفة بالله، من رقي إلى رقي أعلى و أسمى، لذك يعيش الصائم بصدق مع صلاته، و صدقته، و قراءة قرآنه، و كل عباداته ...و هو كذلك يعتبر من العلاجات الناجعة و المفيدة جدا للجسم، لأنه يساعده على التخلص من السموم التي باشرت هذا الجسد، طوال أحد عشرة شهرا.... فمما قدمه الباحثون في هذا المجال و على سبيل المثال لا الحصر من جامعة "غرونوبل الفرنسية" عن دور الصيام المتقطع في خفض معدل حدوث بعض الأورام الليمفاوية إلى الصفر تقريباً، بحسب تجارب أجريتعلى الثدييات. كما أظهرت دراسات أخرى أن الصوم المتقطع يرفع من معدل النجاة بين الأفراد، ممن يعانون من إصابات في نسيج الكبد، و التي تمتلك قابلية للتحول إلى أورام في المستقبل. و يضيف العلماء:" إن الصوم المنتظم مع اتباع نظام غذائي طبيعي مع التقليل من أكل الملح والوجبات السريعة، يمكن أن يجعل عمل الخلايا أكثر انتظاماً، و يمنع تحولها إلى خلايا سرطانية، و بالتالي يكافح انتشار السرطان قبل حدوثه! و في دراسة حديثة نشرت في مجلة علم النفس و الغدد الصماء، قام بها فريق من علماء جامعةكاليفورنيا، و أثبتوا أن الصيام لفترات متقطعة يؤدي إلى وقف انقسام الخلايا السرطانية، و قد كانت فعالية الصيام أكبر من الحمية. فهذه فرصة ذهبية لعلاج هذا المرض مهما كان. فأمراض الكبد و الكلى و القولون... و غير ذلك من الأمراض المستعصية، وجد العلماء علاجاً ناجعاً لها، و هو الصوم! و عندما يدرك المسلم أهمية الصيام في علاج مثل هذه الأمراض، فإنه بلا شك يصبح أكثر اشتياقاً لهذا الشهر، بل و يشعر بالسعادة و الفرح و السرور، أثناء ممارسته فريضة الصيام. أما الأثر الشفائي فقد أكده الكثير من الباحثين و خرجوا بنتائج يقينية و هي أن الصوم هو أفضل وسيلة لمعالجة السموم المتراكمة في الخلايا! فالصوم له تأثيرات مدهشة، فهو يعمل على صيانة خلايا الجسم، و يعتبر الصيام أنجع وسيلة للقضاءعلى مختلف الأمراض و الفيروسات و البكتريا، و ربما نعجب إذا علمنا أن في دول الغرب مراكز متخصصة تعالج بالصيام فقط!! و تجد في هذه المراكز كثير من الحالات التي استعصت على الطب الحديث، و لكن بمجرد أن مارست الصيام تم الشفاء خلال زمن قياسي! و لذلك أمرنا الله بالصيام فقال: (وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184] نسأل الله لنا و لكل الأمة الإسلامية جمعاء، صياما و قياما مقبولين...