معوقات الأخوة في الله
إن كان هناك حبٌّ مُقدَّس على وجه المعمورة، فهو الحب في الله، وإن كانت هناك متانة في الأخلاق، فبِالأُخوَّة في الله تكتمل؛ لأنها سِوار التحابُب والتهادي والتفاضُل فيما بين المحبِّين على ما يُحبه الله ورسوله.
نموذج سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر الصديق، مِن أجمل وأنقى النماذج التي عرَفها الإسلام.
لكن تتوالى الأزمِنة وتنجلي العصور بعضها وراء بعض، تارِكة بصمات العَلاقات فيما بين المحبِّين، لكن في عَصرِنا الحالي لا نجد نموذجًا للأخوة في الله بكثرة وَفْق ما يُريده الله - عز وجل - مِن أداء للحقوق والتزام بالواجبات، حتى إن الفِكرة - بكل ركائزها الأساسية مِن مفاهيم صحيحة تجعل المتحابِّين في الله يواكبون عصر الرسول، عليه الصلاة والسلام، بمقاييس تختلف عن تلك التي وُجدت في عصر الرسالة المحمدية - لم تُفهَم جيِّدًا، فهل لعِظَم هذه الرسالة وثِقَلها كأمانة على الأرض أرادها الله لتمكين دينِه الحنيف ظهرت الأخوة في الله فيما بين الصحابة - رضوان الله عليهم - سمعًا وطاعةً لأمر صدَع مِن السماء، ولذلك وجب التآخي كشرط أساسي لإنجاح الدعوة إلى الله؟ أم إنَّ عصرنا الحالي لا توجد فيه أوامر مِن السماء لتبليغ رسالات أخرى بنهاية الأنبياء - عليهم السلام - واختِتام الرسول الكريم لمسيرة النبوة الطاهِرة.
لا أظنُّ ذلك، لربما في هذا العصر نحن أحوجُ ما نَكون إلى أُخوَّة في الله صادِقة طاهِرة عَفيفة يرتضيها الله - عز وجل - كامتداد لتلك الأخوَّة التي عرفها السلف الصالح، صحيح أن هذا العصر يَختلِف عن عصر الصحابة باختلاف الذهنيات التي تبنَّت مشاريع التحضُّر ومُواكَبة العَولمة على مداخل أبواب التقدُّم والتكنولوجيا، لكن القرآن الكريم صالِح لكل زمان ومكان.
إذًا أين هي المُفارَقة؟ ولماذا تجد لمعوِّقات الأخوة في الله سكنًا في قلوب جافية وعقول تائهة وضمائر أشبَه ما تكون بضمائر المُندفِعين خلف مُثبِّطات لا تأتي بالخير ولو طال الزمن، لربما نَظرة الناس إلى مُتطلبات العيش خلَقت مُعوِّقات مرغوبًا فيها؛ حتى تَكتمِل الصورة الزائفة في عيون المُبتعِدين عن فانوس المفاهيم الصحيحة لمعنى الأخوَّة في الله ولو كَثُرت، لكن المبدأ واحد والهدف واحد، يَبقى جسُّ النبض لفكرة الأخوة يَختلف مِن قلب لآخَر، ولربما نشكُّ في اختلاف النبضات؛ لأنها من المفروض أن لا يوجد اختلاف حقيقي.
إذًا؛ بحسب المعطيات يبدو أن الأخوة في الله لم تكن مرهونة بميلاد دعوة إسلامية بقدْر ما هي مرهونة بحقيقة الوجود الإلهي وبحقيقة التوحيد؛ لأن في الأخوَّة في الله ترسيخًا لتوحيد الواحد الأحد، يَبقى في اختلاف المعوقات التي تُفسِد روحانية الأخوة في الله هي مِن إرادة الخَلق وليس لخلَل في سَيرورة الكواكب واستمرارية الحياة، فحين يُفسِّر العقل الأخوة في الله على أنها تكون وقت مصلحة ذاتية أو نَزوة إنسانية عابرة، فإنها حتمًا تَفقِد مصداقيَّتها في الاستِشعار بها، ولا تحظى بولاء الله - عز وجل.
إذًا؛ فالمعوِّقات مقصودة ومُفتعَلة ولن يتحقَّق في ذلك قوله تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]، ولنتأكد مِن أن الأخوة في الله كانت ناجِحة، فلنعد إلى سيرة السلف الصالح ولنا في ذلك نماذج فذَّة في إحقاق الأخوة في الله، بالعكس هناك رسالة مُطالَب بها كل واحد منا، أدائها في هذا الزمن، وهي رسالة التغيير، ولربما لن يتحقَّق التغيير إلا بتوحُّد المحبَّة وجَعلِها خالِصة لله - تعالى - وحين تتحقَّق على أُسُسِها الصحيحة تزول المعوِّقات وتَبقى امتدادًا للماضي، ولو بمنهج مُتطوِّر بطبيعة الحال على حسب متطلِّبات العصر؛ لأن لكلٍّ زمانَه، ولكلٍّ مناهِجه، فقط الفكرة واحدة والغاية واحدة وهي مرضاة الله - تعالى.