مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/28 10:26
صفعة على خد عنيد

صفعة على خد عنيد

 

هي قصة من واقع الحقيقة، لاحظت كيف أن النفْس المُراهِقة بدل أن تجد حِضنًا دافئًا للاحتواء، تجد الرفض والعنف وكل ما من شأنه أن يُبكي الأمل، هو شاب مُراهق انطلَقَ ألمًا وصدمة على أمِّه المُصابة بالسرطان إلى طريق آخر، فلانكشاف الغيم عن الحقيقة أمطار طوفانية تُفاجئ الكل بصاعقة الخبر، في أن ركيزة العائلة ودِفْئَها وحنانها هي في صراع مع المرض، وما أقساه من صراع! حكوها لي قصة وما أكثرها في الواقع! وإني أُترجم أخطاء ولاة الأمور في تكسير الساعد الأيمن بالقوة لحَبس الدموع،أوليس للرجولة الحق في أن تبكي؟!

 

فالبكاء هنا يَستحضِر نفسه، ولو رفض الشاب الوسيم كتْم دموعه حينما سمع أن والدته مريضة بمرض السرطان - عافانا الله وشفى المُبتلَين به.

 

لستُ أكتب عن سيرة المرض؛ لكني أختصر القصة إلى أساسيات أخرى في الحدث، عن تِلكم الصفعة التي تلقاها الشاب الوسيم على خدِّه بقبضة يد والده حينما شاهد ابنه صدفة يأخذ سيجارة ليتنفَّس بها زفرات صدره وحزنه على أمِّه، يبدو لهذا الشاب أن في تِلكم اللقطة بمُداعبة السيجارة يجد الكثير من تهدئة الخاطر، في أن الحدث أصبح لا حدثَ مع ضباب السيجارة الفاصلة بين رفق الوالد وحنان الأم، هل هذا هو السبيل حينما تغيب الأدوار الحقة عن احتواء الآلام والأوجاع؟ هل في تلك الصفعة درس للتربية؟ وهل في ذاك التوبيخ عقوبة للرجولة المستقبلية؟ كيف هو بناء الرجال عندنا؟ كيف هي الصداقة مع بُناة المستقبل؟ لماذا نخسَر عُملة الشباب بلقطة من عنف وقسوة، حتى لو كانت للحظة عابرة لكن بصماتها ستبقى طول العمر، أولم يسجل خدُّ الشاب آثارًا لقتل صوت الـ"آه" فيه؟

 

إي نعم، هي هكذا سرعة المنع ومُحاولة الإيقاف عن الانسياق وراء ما يُمرض ويُنهِك الصحة، لكن أيها الوالد الكريم، أنت لم تَكسِر قامة السيجارة بقدر ما كسرت خاطر ابنك، ثم لمَ لمْ ترمِ بالسيجارة أرضًا وتَحضن ابنك لتقرَّ فيه ملاذ الفرار عندك وفي كنف صداقتك؟ أم أنك تُبدي دورك في صَفعة جنونية، تحسبها هيِّنة، لكنها نقطة تفيض كأس العناد لدى ابنك المُراهِق؟

 

ثم أنت أعلم أيها الكريم أن ابنك لا يعرف طريقًا للسجائر، لكنها الصدمة ومن شدة تأثره بالخبر، فوالدته هي كل شيء في حياته، هي مَن صنعت أخلاقه وتوجُّهاته ورافقته في أحلامه، فلمَ تَهدِم ما بنتْه أمُّه بسُلوك من غضب؟

 

ابنك يؤمن إيمانًا قاطعًا أنه ابتلاء من الله، فهو يرتاد المسجد دائمًا، ومُحافظ على صلواته، وهذا الالتزام من المفروض أن يبعث في قلبك الثقة والارتياح، لولا هذا الحدث المفاجئ والذي هو قضاء وقدر من الله، فهل ظننتَ أنك برفض سلوك ابنك قد أزحت لبسًا عما قام به؟

 

بالعكس ابنك مُقتنِع بما فعل؛ لأنه وجد فراغًا عاطفيًّا كبيرًا لم تملأه بمسؤولياتك كأب، فلمَ الملام إذًا حينما صاحب السيجارة وأنت غافل عما يُكنُّه ابنك من مَكبوتات ومَخاوِفَ على مَصير أمِّه؟!

 

دعني أُترجِم موقفًا آخر، فيما لو كان المصابُ أنت، هل ستُخفي على ابنك الحقيقة أم تُقرُّ بها؟

 

حتمًا ستُحاول أن تبحث كيف تلعب دورًا ذكيًّا لتحافظ على ابنك من الانهيار، ففرق بين أن تُمسك جمرة الألم بيدك وفرق أن ترى غيرك هو مَن يُمسك بالجمرة، هل نار الحرقة هي نفسها؟

 

إذًا، ثِق أيها الكريم أن الصفعة التي تلقاها ابنك على خده لن تزيده إلا عنادًا، ما دمت لم تستدرِك المَوقِف وتعالج المشكلة في حينها، حوارك مع ابنك والاستماع إليه ومصاحبته واللباقة في شرح الموقف هي من سيُعطي للقضية بعدًا آخر، بُعدًا كله تفهُّم وتقبُّل وصبر، والتعريج نحو تعلم القيام بتحمُّل المسؤولية في هذا الجانب.

 

إذًا صحِّح هذا السلوك بالرفق واللِّين، ولا تكرر صفعة على خدٍّ - هو في نظري - كله عناد؛ لأن المتضرر هو الأم وليس شخصًا آخر، فمتى يفقه ولاة الأمور أن الشاب هَيكل بناء، ومستقبل لا بد من إعداد نفسيته إعدادًا سليمًا وصحيحًا؟! فالحياة ملأى بمُكدِّرات العيش، فاجعلوا مشاربكم - أيها الآباء - مصافَّ لارتواء الروح والعقل بخصوصيات التجاوب مع المواقِف الصعبة مع أبنائكم بدل الصراع في كل مرة، فالمفروض أن تقبِّل خدَّ ابنك وتترك فيه بصمة حب وحماية بدل الصفعة التي فيها الكثير من مُفجِّرات العناد.

 



أضافة تعليق