مشتاقة إليك يا رسول الله
كلما استحضرتك يا حبيبي يا رسول الله، أهيم شوقًا لرؤيتك، كلما صلَّيتُ وسلَّمتُ عليك يا خير الأنام، أكرِّر الصلاة عليك؛ علَّني أوفيك حقَّك من السلام، لكني في قرارة نفسي لم ولن أوفيك حقك يا مَن كنتَ سِراجًا وهاجًا.
قرأتُ بعضًا من أحاديثك، فكانت كالبلسم الشافي لعليل فقير النفس، وهي للتائه الحيران نورٌ ما بعده نور.
صدقًا يا حبيبي يا رسول الله، يا خير الخلق، يا خير قدوة ويا خير عِبرة، أصلِّي وأُسلِّم عليك بلسان الإقرار بكَرَم خُلُقك، وشمائل فضْلك على أمتك قاطبة، فبفضلك يا رسول الله استنار الناس وفَهِموا دينهم بعد أن كانوا على ضلالٍ، وراحوا يدخلون فيه أفواجًا أفواجًا، بفضلك يا أطيب الخلق تعلَّمنا عقيدة التوحيد من أنه لا إله إلا الله - عز شأنه ومُلْكه.
بفضلك يا جد الحسين طاب قلبي بذكرك والاقتداء بسنَّتك؛ تكملة لسنن خَلَتْ، فكنت الخاتم للنبوة، ورحلتَ عنا بعد أن تركتَ فينا وصية على شيئين إن تمسَّكنا بهما، لن نَضِلَّ أبدًا؛ كتاب الله وسنَّتكَ.
اليوم أستاء ويستاء غيري من المسلمين في أرجاء العالم من كل مَن يتهجَّم عليك بسوء، أتذمَّر ويتذمَّر غيري من المُحبِّين لك لمن يسيء لسيرتك عن كذِبٍ وافتراء، أتحسَّر ويتحسَّر غيري من ذوي القلوب الرحيمة لمن يبخلبالصلاة والسلام عليك، بل أتألَّم ألمًا شديدًا ممن لا يَنصُرك حينما يستهزئ بك أعداءُ الإسلام، أولئك الحمقى من ذوي العقائد البالية الرثَّة غَيرة منك ومن الإسلام والمسلمين.
فالأفعال كثيرة إحياءً لسنتك بل امتدادًا لها، وفي إماطة الأذى عن الطريق أضعف الإيمان، وفي إفشاء السلام تحابُب بين الإخوان والأخوات.
سطع نورُك من مكة إلى المدينة في هجرة إلى الله، فكانت هجرتك إلى الله برُفقة خير الأصحاب - رِضوان الله عليهم - رُحت تُجاهِد في صبرٍ لتبليغ رسالتك، وتلقَّيتَ الأذى والظلم والجفاء والنُّكران من المقرَّبين في الأهل، فكان اختيارك لأمر الله دون تراجُع، تَعرَّضتَ للألم وللجراح وللتطاول بألسنة شِداد؛ كلُّ هذا لإسكات صوتك، صوت الحق، لكنك استقمتَ لأمر ربك؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ﴾ [هود: 112، 113].
رحت - يا حبيبي يا رسول الله - تُسدي النصحَ بلزومها لمن سألك عن قول فصلٍ؛ حيث جاء في الصحيح أن سفيان بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: ((قل: آمنت بالله، ثم استقم))؛ أخرجه مسلم.
تواضعتَ وأسَّست مسجد قباء بيديك الشريفتين، وقلت عن هذا المسجد حديثك عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن خرج حتى يأتي هذا المسجد - مسجد قباء - فصلى فيه، كان له عدل عمرة))؛ صحَّحه الألباني في صحيح النسائي.
وفي غزواتك - يا حبيبي يا رسول الله - بصماتُ جهادك ببدر، أين راح لسانك يَلهَج بالدعاء قائلاً: ((اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تكذِّب رسولَك، اللهم فنصْرك الذي وعدتني، اللهم إن تَهلِك هذه العصابة اليوم، فلن تُعبَد في الأرض))؛ وسقَط رداؤك عن منكبيك، فقال لك أبو بكر: يا رسول الله، إن الله مُنجِز لك ما وعَدَك.
وفي غزوة الخندق مع بني النضير عقَد اليهود على الانتقام منك يا رسول الله، لكن المنافقين أخفقوا ونزل قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا* لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴾ [الأحزاب: 23 - 26].
والإنجازات كثيرة، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأراضي المعمورة تشهد بتغييرك يا خاتم الأنبياء.
مشتاقة إليك يا رسول الله، مشتاقة لشَربة ماء مِن حوضك، مشتاقة بل قلبي مُعلَّق على شفاعتك.
وقفتي على باب قبرك في المسجد النبوي بالمدينة، وصلاتي في الروضة - تحرِّك مشاعري، وتُدمِع عيوني، وتُرهِف قلبي، وأنا أصلي وأسلم عليك، حتى وأنا أجوب شوارع مكة في رمضان أتخيَّل أنك وصحبك يومًا ما مررتم من هنا، في عصر من العصور كنت نبيًّا، واليوم أضحى نورك يشع في كل مكان.
صحيح، من غيرِك يا رسول الله نَشعُر بالغربة، لكنَّ عزاءنا في تحيتك للغرباء حين قلت: ((طوبى للغرباء))، قيل: ومَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ((ناس صالحون قليل، في ناس سوء كثير، ومَن يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)).
فأهل الإسلام في الناس غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة - الذين يُميِّزونها من الأهواء والبدع - منهم غرباء، والداعون إلى طريق محمد -صلى الله عليه وسلم- والصابرون على أذى المخالفين هم أشدُّ غربة.
لكن هؤلاء الغرباء هم أهل الله، وأتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- فطوبى لغربة مَن أحيا نَهْج الحبيب وسط ظلامٍ دامسٍ وكوم من الفتن، اللهم صلِّ وسلم على الحبيب المصطفى ومَن تَبِعه إلى يوم الدين.