الوصف ب((أذكياء العالم)) وصف متكرر في تراجم علماء المسلمين، وهو من اختراع مؤرخي الإسلام، قبل أن توجد موسوعة((جينيس)) للأرقام القياسية، وقبل أن يعرف العالم ما يسمى بأفعل التفضيل فيما يتفاضل به البشر أو غيرهم من الكائنات في بعض أمورهم، وفق مقاييس علمية معتبرة!
وفي نظرة عجلى لاحظت أن من حظي بهذا اللقب من علماء المسلمين؛ إنما حظي به لاعتبارين:
الأول: كونه من أرباب العلوم التي تفتقر إلى إعمال العقل في البحث والنظر، وإيراد الإشكالات، والجواب عنها، وهي التي تسمى بالعلوم العقلية؛ فإنها مناط الذكاء، ولذا غلب إطلاقه على الفقهاء والأصولين والمتكلمين والنظار والمنطقيين والفلاسفة!
الثاني: كونه ممن تفنن في علوم كثيرة، وضرب بسهم وافر في كل صناعة، وسال ذهنه بالحفظ والفهم على السليقة؛ فإن هذا لا شك أمارة من أمارات الذكاء المفرط إلى الغاية!
ومنهم من جمع بين الاعتبارين، فسبحان واهب الفضل!
وقلما وجدت فيهم عالما بالنقليات - كالتفسير والحديث - إلا إذا كان موصوفا بأحد الاعتبارين المذكورين، أو وصف بالذكاء المطلق، دون كونه من أذكياء العالم!
وبحسب العد الاكتروني لهذا اللقب من خلال كتب التواريخ والتراجم؛ يظهر لنا ندرة من وصفوا به من العلماء، بحيث إن مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي ذكره في تاريخه في ثلاثة عشر موضعا، وفي السير في خمسة مواضع، وفي العبر في ستة مواضع، وفي معرفة القراء في موضع واحد، وفي معجم شيوخه في موضع واحد.
وذكره ابن كثير في تاريخه في موضع واحد، وذكره ابن شاكر في فوات الوفيات في موضع واحد، وذكره الصفدي في أعيان العصر في موضعين، وفي الوافي في ستة مواضع، وذكره السبكي في طبقاته في ثلاثة مواضع، وذكره ابن رافع في وفياته في موضع واحد، وذكره ابن قاضي شهبة في طبقاته في ستة مواضع، وذكره ابن حجر في الدرر الكامنة في أربعة مواضع، وفي لسان الميزان في موضع واحد، وذكره ابن تغرى بردي في المنهل الصافي في موضعين، وذكره السخاوي في الضوء اللامع في ثلاثة مواضع، وذكره السيوطي في بغية الوعاة في أربعة مواضع، وذكره الغزي في الكواكب السائرة في موضع واحد، وذكره ابن العماد في الشذرات في ثمانية مواضع، وذكره المحبي في خلاصة الأثر في ثلاثة مواضع، وذكره الشوكاني في البدر الطالع في موضعين!
وأكثر هذه المواضع مكرر، والآخر فيها نقل عن الأول!
ومن أشهر من أطلق عليه هذا اللقب على وجه الخصوص: محمد بن الحسن الشيباني، ومحمد بن داود الظاهري، وإمام الحرمين الجويني، وحجة الإسلام الغزالي، والسيف الآمدي، وابن الحاجب.
وقد أوشكت على الانتهاء من جمعهم في كتاب، وعمل دراسة عنهم، وسميته:((أذكياء العالم))!