مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2016/04/07 09:27
في تطويع الذات عبادة

حدى أهم عوامل الإيمان التوحيدي، طاعة الله و رسوله الأكرم صلى الله عليه و على آله و سلم. لربما ما عاينته على مر السنين، صعوبة تطويع الذات بحيث نذعن لأمر الله إذعانا، و نسلِّم بقضاء الله و قدره تسليما.

في عملية التربية؛ غرس عامل الطاعة في الطفل يعد أحد أهم روافد الإيمان، فمعرفة الله باكرا في حياة الطفل يعتبر من مرتكزات الشخصية السوية. فنحن لدينا شباب يلتزمون في عمر متقدمة، بمعنى أن الدين بالنسبة إليهم لم يعيشوه نية، أفعالا و سلوكات متوافقة مع هويتهم الدينية منذ الصغر، و هؤلاء سيعرف بعضهم إضطرابا في الشخصية و في السلوك.

 فالتعرف علي الدين في الخامسة والعشرين أو الثلاثين سنة من العمر، تأتي بعد اعتياد روح الإنسان و نفسه نمط سلوك مغاير تماما لمتطلبات اليقين. ثم أن يكبر الطفل على الطاعة و على خوف الله، يختلف تعاطيه مع الواقع و هو بالغ عن تجاوب الآخر الذي التزم متقدما في العمر، هذا لا يعني أن توبة الثاني لا فائدة منها، بلى؛ إلا أن المجَاهدة ستكون أكبر، و تعميق حالة اليقظة تصبح أولوية كبرى في حياة هذا الفرد.

 من عرف ربه و هو طفل، يكبر على أيدي والديه الكريمين و صلته بالسماء قوية، و تجذُره في التربة الطيبة صلب. أما أخيه الآخر، فأكثر ما يؤلمه هو رغبته المضطرمة في الثبات. و أهم تحدي على الإطلاق في هذا المضمار، لزوم الاستقامة الروحية و الأخلاقية، فلا نميل يمينا و لا شمالا عن الصراط المستقيم، و لا تأخذنا الأهواء في إتجاه الهلاك، و قد أُمرنا بالاستقامة توكيدا لحالة السواء. فأن نعوِّد أنفسنا على الطاعة رياضة نفسية تعبدية، و الاستمرار فيها اختبار لإرادتنا، هل نغفل؟ هل نحيد؟ هل نَمَل؟ هل نلزم الصراط انتصارا لتوحيدنا ؟

الممارسة وحدها من تجيب، فإخلاص النية نصف الطريق نحو الفلاح، و أما النصف المتبقى فلا بد من مغالبة و تغليب الفطرة فينا. زوّدنا الله عز وجل فطريا بمجموعة كبيرة من الخصال، كحبنا للخير، و ميلنا الطبيعي لكل ما هو حق. فما على الوالدين في عملية التربية إلا تكريس هذه الصفات الحميدة في ذات الطفل، هكذا نحصل على سلوك مستقيم و شخصية قوية. فأن نُعلم صغارنا التصميم في تطهير الذات و تجميلها، يعينهم و هم كبار على اعتياد تطويع النفس، و حملها على الصعب، فمثل هذا الفعل السامي يرتقي بنا إلى مرتبة الأصفياء.

إن تطلعنا إلى الصفاء ينسينا مشقة الطريق و منعرجاته الخطرة، فما نتكبده من عناء يختفي تماما أمام النتيجة الباهرة : نفس تواقة إلى مرضاة خالقها لا يهنأ لها بال ما لم تذق طعم اليقين. أحيانا نستشف ما غاب عن الملائكة عليهم السلام و هم يسألون الخالق العلي القدير في سورة البقرة الآية 30 ( و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون.) ففي رحلة اليقين، متعة نفسية و روحية تليق ببني البشر، هؤلاء المخلوقات من تراب. فقد جاءت دعوة الإسلام في سياق خاص، فما شاب الإشراك بالله من عيوب و آثام، أزاله التوحيد و استبدله بحياة جميلة و طاهرة، فماذا لو صدَقنا مع أنفسنا و مع الله عز و جل لنسير على هدى رسول الحق صلى الله عليه و على آله و سلم، فلا نسلّم إلا بما سنه من سنن حميدة، و نترك ما نهانا عنه، و نحب ما أحبه الله و رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ؟

هذه المسيرة التي نوصي بها كل شخص، برنامج حياة و مضمون رسالة محكوم علينا بتبليغها.

أضافة تعليق