مرجعية الكبرياء
كل أسطورة إسلامية تكتب وتمجد لأبطالها الفاتحين، وكل سنفونية رائعة تعزف لملحنيها الأفاضل في تمجيد كل ما للإسلام ينتمي، وكل إثراء لمسألة رد الاعتبار في كل شيء هو حق ما ضاع طالما أن وراءه مطالبًا، سيكون من أولوية الأولويات بث النشاط في التعاطي مع الحياة بكل أصنافها في التقاليد والعادات.
فحالة التكبر تدعو وتثير الإعجاب بالنفس في خيلاء مظللة، والتطاول على الغير من ضعاف القدر بالقول والفعل، والأخطر من ذلك حب امتلاك ضمائر التوحيد في ألا يسمع صوتهم بعد اليوم، ولا أن يرفع الأذان من على مآذن الشموخ، يبدو الأمر هينًا، ويبدو التجاوب مع الحدث أكثر من عادي، ولكن هناك ما يسمى بالكبرياء في قول لا، في رفض مقت هؤلاء الأكابر الأتقياء، فلو كان فيه تزاحم الشبه في الخلقة والمكونات لرحبنا بكسر الخواطر في تراجم السير، ولكن اختلاف الاعتقاد والتعاطي مع متطلبات العقيدة يجعل من الأكابر المتواضعين في عطاء مستمر.
فنصوص حقوق الإنسان على مر الأزمان تندد بالرفض لأساليب القهر والظلم والإبادة بكل أساليبها، ولعل الخريطة الحربية - والتي اعتمدتها باتفاقية فيينا لقانون المعاهدات - سردت في ديباجتها أن مبادئ حرية الإرادة، وحسن النية، وقاعدة العقد شريعة المتعاقدين معترفٌ بها عالميًّا، وأن المعاهدات المتعلقة بالمنازعات وكيفية حل المنازعات الدولية يجب أن تسوى بالطرق السلمية، ووفق مبادئ العدالة، وباسم سمو القانون الدولي على القوانين الوطنية.
أظن أن الميدان الدولي لم يشهد عدالات باسم القانون، حتى إن التَّقنينَ الجديد والتعديلات المستحدثة أفسدت، بل ضيعت الود في القضية، وأصبح مصير الموحدين والطائعين والمقبلين على انعتاق الروح من أفواه البنادق بالكاد يضمنون لقمة العيش لتكمل الحياة مسيرتها دونما انقطاع، لكن الانقطاع المستثنى من حرية الضمير موجود، وينخر مساكن المسبحين واللاجئين إلى إنصاف الله، فحين تغيب أحقية العدالة في كل شيء بعجز من القوى الفاعلة، يصبح التأهب للهدوء هو ملاذ المستضعفين في الأرض، خوفًا من نصوص لا تطفئ ظمأ العطش، ولا تعيد امتياز المصنفين في احترام القوانين أنهم الأوائل، أظن أن اختلال الموازين على الأرض سببه غياب التطبيق العقلاني والفعلي لأصناف المواد القانونية المتحفة ببريق الأمل، وكذا محتوى المعاهدات الدولية، والتي تلحن كل يوم لأمن هو كالسراب في تتبعه.
إن انكفاف المطالبين بالحقوق على الرجعية في تحقيق النجاح وبكل الطرق لم يجد ضالته بعد؛ لأنه أحدث إرباكًا للقوى الفاعلة، والتي تسعى جاهدة في إخراج البلد والشعب من حتمية التخلف بكل أشكاله، اقتصاديًّا وسياسيًّا وحضاريًّا، وإن كان الأخير يصنف بعيدًا عن متطلبات الضرورة المستعجلة.
فالإشكال ليس في سن القوانين أو المعاهدات الدولية، وإنما الإشكال في تكييف هذه القوانين مع الواقع، وضرورة التطبيق الفعلي لبنودها؛ حتى لا تبقى حبرًا على ورق، أو أنها تستعمل كبطاقة مربحة في آخر محاولات فك النزاع بالفوز، ولو على حسابات مداخلات الرغبة الإنسانية في العيش بسلام.
فالسلام ما لم يكن فيه رد الاعتبار يغدو تقييدًا لمصير شعوب تتطلع للعيش بعطاء منها هو عطاء الكبرياء؛ لأن ثروات الإمداد بنفس الحياة موجودة، والطاقات التي ستحصد مصيرها بنفس الحياة موجودة، فربما يصبح الاستغناء على التصديق على مثل هذه القوانين هو ما تتوصل إليه طاقات الطامحين والتي تبحث عن الاستقرار في كل شيء.
ويحضرني هنا حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه - عز وجل -: ((الكبرياء ردائي، والعظَمة إزاري، فمَن نازعني واحدًا منهما ألقيتُه في النار))؛ رواه مسلم وابن حبان في صحيحيهما.
الأكيد أن العطاء يأتي من الكبرياء برداء الرفعة والترفع عن كل ما ينافي ويناقض المبادئ الاسلامية، ومتى كانت الرجعية السريعة إلى هذا المنطلق، كان السباق بتفوق، وظفر بالجائزة باقتدار في العيش بسلام، والتمتع بمتطلبات الحياة الرغيدة بعيدًا عن لفائف الضَّياع واليأس والتيئيس.