في الشهرين الأخيرين تلقيت رسالتين من قاريء كريم، السيد الفاضل ع. ب من ولاية الشلف و أقدر عاليا ما جاء في محتواهما.
في الرسالة الأولي عقب علي مقالي " يقال أنه عام إنتخابات"، و أحترم رأيه. و اللهم يبارك لك كفاحك سيدي الكريم، فقد عرفت معتقلات الإستدمار الفرنسي البغيض و بفضل جهادك أنت و المخلصين غيرك، نحن اليوم نعيش أحرارا نسبيا في بلدنا العزيز. فيما يخص محتوي الرسالة الثانية و الذي سأخصص له هذه المقالة، أود أن أشكرك جزيل الشكر و جزاك الله عنا كل خير حينما نبهتني إلي إهمالي لجانب هام جدا في وضعية المرأة المسلمة المعاصرة.
أحيانا أعطي الإنطباع عبر بعض مقالاتي التي أكتب فيها عن المرأة المسلمة، أن هذه الأخيرة حائزة علي كل حقوقها و أن ظاهرة الظلم التي طالتها في عهود سابقة خاصة تلك التي ورثناها عن عادات و تقاليد لا تمت بصلة للإسلام قد زالت. في الحقيقة واهم من يعتقد ذلك، المرأة المسلمة في مجتمعنا لازالت تعاني الأمرين من هضم لحقوقها و قد زادت الأوضاع الإقتصادية للبلاد وضعيتها سوءا. فقد لحقها أنواع من الظلم الجديد الذي لم تعرفه إمرأتنا في الزمن الغابر، فقد إنتشرت في مجتمعاتنا ظاهرة إقتران الرجل بالمرأة العاملة و قلما يقبل الرجل علي الزواج من إمرأة ماكثة في البيت لا عمل لها و لا راتب سوي العمل الذي تقوم به برا بوالديها و إخوانها أو تطوعا إن كان لديها مستوي وعي عال يحثها علي البذل من وقتها و علمها لفائدة المعوزين و المرضي و فئات أخري من المجتمع.
و المرأة العاملة اليوم تهضم حقوقها مرات و مرات في اليوم الواحد، تحرم من أنوثتها لتذهب إلي سوق العمل بحثا عن الرزق و ويلها إن لم تسلم راتبها كاملا في آخر الشهر لزوجها ! و هناك من يحرمها من حق العلاج و هناك من يجرأ علي تطليقها إن مرضت و عجزت عن قيامها بواجباتها، فعوض أن تجد زوجا متفهما عطوفا معترفا لها بالجميل أيام صحتها، تلقي منه الجحود و يرميها شر رمية لأن لا قلب له و لا رحمة. و هناك من نساءنا من يبتلينا بآباء و أزواج و إخوة يرون في وجودهن عيب و عبأ يرفضون تحمله متناسين وصية رسول الله صلي الله عليه و سلم في الحديث النبوي الشريف :
"إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَ مَا تُعَلِّقُ يَدَاهَا الْخَيْطَ، فَمَا يَرْغَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى يَمُوتَا هَرَمًا". أخرجه الطبرانى (20/274 رقم 648) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 18 / 45 / 1 - 2 ) و صححه الألباني في "إرواء الغليل" ( 7 / 42 ).
و روي عن رسول الله صلي الله عليه و سلم في حسن معاملة البنت :
روى الحميدى عن ابن سعيد عن النبى (ص) انه قال :"من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهما و صبر عليهن و اتقى الله فيهن دخل الجنة."
و قال عليه الصلاة و السلام في معاملة الزوجة :
"خيركم، خيره لأهله و أنا خيركم لأهلي."
المشكلة الكبيرة التي تعتري أهل هذا الزمان نساءا و رجالا تكمن في تحكميهم الأهواء و ليس ما جاء في القرآن الكريم و في السنة النبوية الطاهرة و هذا بسبب ضعف الإيمان و نسيان الآخرة و عدم الخوف من الله عز و جل. هذا و بعض دعاتنا من النساء و الرجال سامحهم الله مقصرون في تبيان ما يحق للمرأة من حقوق و تنبيه الظالمين لها ما ينتظرهم من سوء العاقبة، فعلي الدعاة أن يخرجوا من المساجد ليتجهوا إلي كل مكان يجتمع فيه الناس، فعدد كبير من المسلمين لا يرتاد المساجد و لا يحضر الدروس التي تلقي في كنف بيوت الله.
لم أري منذ عودتي النهائية إلي أرض الوطن في 3 جويلية 1987 داعية جزائري يدعو الناس إلي تعاليم الدين الإسلامي في موقف حافلة أو في قاعة إنتظار بلدية أو في قاعة إنتظار طبيب أو في ساحة جامعة أو عند مخارج الثانويات و المقاهي. بينما أب الكنيسة، فنجده في البيوت و في كل مكان و حتي في بيوت الدعارة أكرمكم الله يدعو العصاة الزناة إلي إلتزام الوصايا العشر!
المرأة هذا الكائن الضعيف اللطيف المخلوق الذي تشرف بأنه كان أول من آمن بمحمد صلي الله عليه و سلم، تخنقني العبرة و أنا أكتب إسم سيدة نساء العالمين خديجة بنت خويلد عليها السلام فهي من آل البيت عليهم الصلاة و الصلاة جميعا. تخنقني العبرة و أنا أتذكر وقفتها مع رسول الحق عليه الصلاة و السلام، الوقفة الخالدة التي لم و لن يقفها أي رجل منذ آدم إلي اليوم الذي يطوي فيه السجل.
خديجة المرأة العظيمة التي لم تتردد لحظة واحدة في القول لرسول الهدي و الأنام عليه الأفضل الصلاة و السلام بعد عودته من غار حراء في أول ظهور لسيدنا جبريل عليه السلام له :( كلا أبشر، فو الله لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.)".
تعاني المرأة المسلمة من تسلط الرجل و المجتمع ككل، تسلط لم يجيزه الله عز و جل و لا رسوله الكريم صلي الله عليه و علي آله و سلم. فالمرأة المسلمة في حاجة إلي حماية و عطف و تفهم الرجل لها و ليس إلي إستعباده لها و تحقير عقلها و كيانها، ثم إن الجهل بالدين و الحكم علي المرأة إنطلاقا من مفاهيم بالية لا تمت بصلة بروح الإسلام شوه صورة ديننا الحنيف في أذهان الكثير من النساء التي إخترن لأنفسهن التمرد علي تسلط المجتمع، متهمات الإسلام بظلمه للمرأة و هو براء من هذا الإتهام.
كيف نوصل الفهم الصحيح لحقوق المرأة في الإسلام إلي أولئك الذين يمارسون أبشع أنواع الإضطهاد ناحيتها ؟
كيف نعلم الرجل و المرأة علي السواء أن يحترموا كيان هذا المخلوق اللطيف، و قد ذكرت المرأة لأنه معلوم لدي الجميع أن الكثير من الأمهات مشاركات في جريمة ظلم بنات جنسهن، بتربيتهن لبناتهن علي أنهن أقل شأنا من إخوانهن الذكور. و هذه الجريمة التي ترتكبها الأمهات ولدت لنا مجتمعا مريضا، و قد أصابت علاقة الرجل بالمرأة خللا خطيرا جدا.
كيف السبيل إلي الإصلاح ؟
بتفعيل دور الدعاة و علماء الإسلام و سن قوانين صارمة لحماية المرأة من جور و ظلم المجتمع.