إلتقيت من شهور بأم ملتزمة بدينها. أتذكر أن موضوع حوارنا كان تعليم الصلاة للأطفال حينما يبلغون سن السابعة. و قد عرضت عليها شهادات عدة أمهات تجدن صعوبة كبيرة في تلقين مبدأ المداومة علي الصلاة لصغارهن.
فلاحظت لي السيدة الكريمة خديجة.ع :
- لم أصطدم بهذه الصعوبة مع إبني الوحيد الذي بلغ سن السابعة منذ اكثر من ثلاثة سنوات، لأنني ببساطة قبل أن أعلمه الصلاة بمعية والده حرصنا علي إفهامه بشكل مبسط مسألة العبودية لله و كيفية توحيده عبر فعل الصلاة
.فسررت لكلامها و أردت الإستيضاح منها :
- ماهي الخطة التي إتبعتوها في ذلك؟
فأبتسمت السيدة الفاضلة قائلة : - الطفل الصغير خامة طيعة بين أصابع الكبار و لتلقينه مباديء و قيم دينه من السهل علي الوالدين أن يراهنا علي مفتاحين : المفتاح الأول هو إدراكه الفطري بأن للكون خالق واحد أحد. و المفتاح الثاني هو مدي سروره و حرصه علي إرضاء أبويه. قبل أن نقرر تعليمه الصلاة تحادثنا أنا و زوجي مطولا حول مسألتين : كيف نفهم طفلنا أن الصلاة هي عمود الدين ؟ بها يصح إيمان الفرد و كيف نجعله يدرك قيمتها و إنعكاسها الإيجابي علي حياته ؟ طبعا بإمكانك القول بأنه صغير علي إدراك هذين البعدين. و لكن شعرنا بأننا إذا ما إستعملنا لغة قريبة من مداركه سيعي إبننا ريان مدي أهمية الصلاة في حياة المؤمن المسلم. و بقينا لأيام و أسابيع نفكر في الطريقة التي سنبلغه من خلالها ما نريد. راجعنا بعض الكتب، شاورنا أحد أقرباءنا و كان يتمتع بمعرفة جيدة بدينه ثم توكلنا علي الله و أنيطت بي المهمة في أن أفاتح أنا الأولي ريان حول الصلاة و هذا في حضرة أبيه.
في عشية عاد من المدرسة فرحا بنتائجه المدرسية، فكافئته بكعكة من الشيكولاطا و جلسنا نأكلها. عندما إنتهي من إلتهام قطعته سرني أنه قرأ دعاء الحمد لله الذي أطعمنا و سقانا و جعلنا من المسليمن، فقلت له عندئذ :- بعد أشهر ستبلغ السن السابعة و ستتمكن حينها من التعبير عن حمدك لله بشكل أعمق و أصدق.
نظر إلي ريان ثم إستدار نحو أبيه :- معني ذلك أنني سأتعلم أداء الصلوات الخمسة، هل هذا صحيح بابا ؟
- نعم إن شاء الله.
ففرح إبني فرحة عظيمة و كعادة الأطفال أراد علي الفور أن ينتقل إلي مرحلة التنفيذ ! فنبهته إلي قيمة الصلاة، فقد كان يتعين عليه فهم لماذا نصلي، فجاءنا جوابه متحمسا :- طبعا نحن نصلي لنعبد الله ! فحاولت مع زوجي أن نشرح له ما يترتب عن فعل العبادة و كيف أن الصلاة هي موعد يومي مع الله عز و جل لتوحيده و شكره و حمده و طلب و إستجداء مغفرته و رحمته و الإستعانة به في جهادنا و كدنا اليومي. مرت الأيام و الأسابيع و ريان يعبر لنا من حين إلي آخر عن توقه الي تعلم الصلاة، مفصحا عن أسئلة كانت تكشف عما يدور في خلده حول أهم ركن من أركان الإيمان. في يوم وجدته يحفظ التحيات و إذا به يسألني :- هل أستطيع أن أدعو الله و أشكر له نعمه و أنا أصلي و ليس في نهاية الصلاة ؟
- نعم، تستطيع ذلك و هذا في أثناء كل سجدة و بعد ما تكون قد سبحت بربك الأعلي، بإمكانك عندئذ أن تدعو الله عز و جل و ستري أنه تعالي سيستجيب لدعائك بعد برهة من الزمن، كلما كنت صادقا في دعائك كلما كان مقبولا عند الله عز و جل.
أسبوعين قبل عيد ميلاده السابع، جلس الي أبيه يحفظ عليه سورة الليل و أغتنم الفرصة والده ليوعيه بأهمية الصلاة في وقتها، مقارنا نداء الآذان بنداء والديه:- نحن حينما نناديك، تلبي نداءنا بسرعة و هذا طاعة لنا أليس كذلك ريان؟
- نعم.
- إذن عليك أن تفهم بأن نداء المؤذن للصلاة أشد أهمية من مناداتنا لك، و عليك أن تلبي نداء الآذان قبل كل شيء، فالصلاة لا تحتمل تأخير، إنك في الصلاة بحضرة الخالق العلي القدير، هل يجوز أن نتأخر عن حضرة الرب سبحانه و تعالي؟
- لا، لا بابا طبعا لا ! فهذا سوء أدب مع الله. رد ريان بنوع من الفزع. و في الليلة التي سبقت بلوغه السن السابعة، و قبل أن يلوذ الي النوم إستفسر عن توقيت صلاة الصبح :- لا أسمع أبدا آذان الصبح لماذا ماما ؟
- لأنك تكون نائما، فآذان الفجر و الصبح متلازمان، أنت ستصلي صلاة الصبح في الصباح الباكر عند إستيقاظك للذهاب الي المدرسة و في رمضان إن شاء الله ستشهد صلاة الصبح في وقتها.
و بدأ ريان أداء الصلوات الخمسة، كان حريصا علي صلاة صلاة المغرب و العشاء رفقة أبيه، كنا نراقبه : هل سيعتاد علي الأوقات و يؤدي ما عليه من صلاة دون نسيان ؟ الجميل أنه بمجرد سماعه للآذان كان يهرع للوضوء، فحتي و إن صادف أنه يلعب مع أبناء الجيران نراه يعود مسرعا إلي البيت لتلبية نداء الصلاة. أحمد الله علي طبع ريان فقد سهل علينا كثيرا تربيته التربية الإسلامية الصحيحة، فهو إبن مطيع لأقول مثالي، قلما يبدي معارضة أو معاندة، لهذا أعد تجربتنا مع إبننا تجربة نادرة لها خصوصيتها التي لن تتكرر في حالات أخري."