مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الإسلاميون المصريون في اختبار "الوعي" بدقة اللحظة
محمود سلطان

ثَمَّة قلق حقيقي من نزعة ’’الاستئثار’’ التي مازالت مسيطرة على العقل السياسي المصري في كل مستوياته.. حكومةً ومعارضةً، وما بينها من أنشطة سياسية ترغب عادة في البقاء عند النقطة التي تتوسَّط الانقسامات السائدة.

تجربة الانتخابات التشريعية (برلمان وشورى).. مُقْلِقة فعلاً.. لأنَّ الإسلاميين- على اتساعهم وتنوعهم- شاركوا فيها بمنطق توزيع المقاعد بحسب الأوزان النسبية.. وهو المنطق الأقرب إلَى ’’استعراض القوة’’، المستقل عن الوعي بدقة اللحظة وخصوصيتها.. ولعلَّ الاضطرابات السياسية والتحرُّش بالبرلمان والمجلس العسكري والإخوان والسلفيين والإسلاميين عمومًا، يأتِي في سياق حالة السخط والغضب بين التيارات السياسية التي خرجت مهزومة من الانتخابات.. أو حصلت على نصيب ’’الهامش’’ من ’’التورتة’’ البرلمانية.. مما أوجد خريطة سياسية داخل البرلمان أقرب ما تكون في هندسته إلى أيام الرئيس السابق.

أعرف أنَّ ثَمَّة فارقًا كبيرًا وجوهريًا بين التجربتين.. تجربة تأسست على التزوير والقمع.. وتجربة ما بعد الثورة.. وهي خبرة ديمقراطية حقيقية شارك فيها الملايين من المصريين.. غير أنَّ مقولة إنَّ الديمقراطية ليست ’’صناديق اقتراع’’ وحسب.. ربما تكون صحيحة في التجربة الأخيرة.. لأنَّ القوى السياسية الكبيرة ينبغي أن تحتوي ’’الأقلية السياسية’’ وفق تسويات ’’ترضية’’ تنقل إليها الإحساس بأنَّهم فعلاً ’’شركاء’’ في الثورة.. ومن حقهم أن يكونوا أيضًا جزءًا من التركيبة السياسية الجديدة بأحاسيس ومشاعر ’’النِّدِّية’’ وليس بمنطق ’’الأقلية’’ المقموعة من قبل الأغلبية.

التجربة- إذن- كان بها بعض ’’المرارات’’.. وهي التي قد تَحْمِلنا على القلق من أن تَمْتدَّ بذات الفلسفة في تحمل مسؤولية إدارة البلاد.

أعرف أنَّ نحو 17 مليون مصري اختاروا الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة (البرلمان وحده).. هذا الرقم- غير المسبوق- يفرض على المراقب تأمل ’’التساؤلات’’ بشأن استحقاقاته، وأهمها بالتأكيد، ما إذا كانت تلك الملايين، تريد فقط ’’البرلمان’’.. أم تريد ما هو أبعد وأرفع.. أقصد مقعد ’’الرئاسة’’؟!

يأتِي هذا السؤال في سياق ’’غضب’’ البعض، ممن يحثون الإسلاميين على اقتسام السلطة مع ’’شركاء’’ الثورة.. ويُحذِّرونهم من ’’التكويش’’ على كل شيء: البرلمان والحكومة والرئاسة.

أعرف أنَّ الملايين التي منحت ثقتها في التيار الإسلامي، كانت أحلامها أكبر من ’’مقاعد’’ مجلس الشعب.. وتعتقد بأنَّ من حق ’’الأغلبية’’ المنتصرة.. أن تشكل الحكومة وتطلب أرفع منصب سياسي رسمي في البلاد.. وهو اعتقاد ’’صحيح’’.. ويظل صحيحًا طالما احتكمنا إلى الديمقراطية وإلى صناديق الاقتراع.. غير أنَّ ثمة مسافة في وعي الاحترافيين السياسيين، بين ما ترسمه نتائج الانتخابات من لوحات ’’رقيمة’’.. وبين ’’احتياجات’’ اللحظة التاريخية المتزامنة معها: وقد يقبل المنتصرون بـ’’اقتسام’’ السلطة مع ’’شركاء’’ وقد يرفضون، فيما يظلّ معيار المفاضلة هنا هو ’’الواقع الموضوعي’’ و’’الاستقواء’’ به حال فُضِّل خيار عن آخر.

عوامُّ الناس تحكمهم بالتأكيد ’’العواطف’’.. وهي مشاعر يجب احترامها، ولكن في ذات الوقت لا يجوز الاستجابة لضغوطها.. فالسياسي المحترف أكثر التصاقًا بالتفكير العقلاني.. وقلَّما ينزل عند العواطف العامة حال تصادمت مع المصالح العليا للبلاد.. وفي تقديري فإنَّ ’’الأرقام’’ التي أفرزتها صناديق الاقتراع- رغم دلالتها المهمة- لا تكفي وحدها لحرق المراحل والقفز على الواقع.. فمصر أكبر من أي فصيل سياسي.. ومشاكلها- في تلك اللحظة استثناء- أخطر من أن تتحمل إدارتها قوة سياسية ’’منفردة’’.

المشكلة .. التي من المفترض أن تظلّ حاضرة على أجندة الحسابات السياسية، هي أن مصر اليوم تمرُّ بظروف استثنائية.. ولا يصلح لها منطق استعراض القوة.. فهناك ’’شركاء’’.. لا يجوز إقصاؤهم بأي شكل من الأشكال، جاءت بهم الثورة.. وينبغي أن يكونوا شركاء في الحكم مع من جاءت بهم الانتخابات.. وهو خيار استثنائي تقتضيه احتياجات ’’الدولة الرخوة’’.. وإعادة بناء مؤسساتها بتوزيع المسؤليات بين كل من شارك في هدم النظام القديم.

نريد أن يقترب الوعي العام أو يتفهم هذا الظرف الاستثنائي.. الذي يحتاج إلى بعض ’’التنازلات’’.. إذ يظلّ ’’التشدد’’ والتمسك باستحقاقات النتائج وحدها، معوقًا أمام ’’الفائزين’’ بالانتخابات، في النهوض بدورهم.. وقد يصطدمون بمفاجآت تخصم من رصيدهم في الضمير العام.. وتحول دون حضورهم بذات الزخم في المستقبل.
*المصريون
أضافة تعليق