مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
العلمانيّة ليست حلاًّ
محمود سلطان
كلّما حلّت بدولة عربيّة كارثة، يكون الأمريكيّون أو الطائفيّون طرفًا فيها، برز أصحاب الياقات البيضاء، ومتصدرو المنصّات، رافعين شعار ’’العلمانيّة هى الحلّ’’!
بعد سقوط بغداد فى إبريل عام 2003، ومع اكتمال المشروع الطّائفى الأمريكى فى العراق، سمعنا من يقول إنّ الحلّ فى ’’الدّولة العلمانيّة’’ التى لا وجود فيها للطّائفيّة!، وبعد سيطرة حماس على غزة فى يونيو عام 2007، أُعيد إنتاج نفس المقولة: الحلّ فى ’’الدّولة العلمانيّة’’ التى تقوم بدور الجدار الفاصل بين ’’ما لله’’ و’’ما للمواطنين’’!

وبعد سقوط ’’بيروت’’ فى يد مليشيات حزب الله يوم 9 إبريل 2008، كتب الشّيوعيّون المصريّون مقالات، قالوا فيها إنّ الحلّ فى لبنان لا يتأتّى إلاّ بالدّولة العلمانيّة التى تعيد الدّين إلى ’’الله’’ وتردّ لبنان إلى ’’اللّبنانيّين’’!

ومن المفارقات اللّطيفة فى هذا الموضوع، وبالغة الدّلالة أيضًا، أنّ ’’بغداد’’ سقطت فى يد التّحالف ’’الشّيعى ـ الأمريكىّ’’ يوم 9 إبريل عام 2003، ثم سقطت ’’بيروت’’ فى يد التّحالف الشّيعىّ ’’اللّبنانى ـ الإيرانىّ’’ فى اليوم ذاته 9 إبريل عام 2008! فهل هى مصادفة؟! أم أنّها جاءت فى سياق الولع الشّيعى بالتّفسير الباطنى والإعجاز الرّقمى ودلالاته الدّينيّة؟!

ما حدث فى العراق عام 2003، وفى فلسطين عام 2007، وفى لبنان عام 2008، لا علاقة له لا بالدّولة الدّينيّة ولا الدّولة العلمانيّة، ولا بالصّراع بين التّنوير والظّلاميّة ولا بين الأصالة والمعاصرة، ولا بين التّقدميّة والرّجعيّة، ولا كلّ ’’أصابع الروج’’ التى يستخدمها اليسار العربىّ، لإخفاء ’’بثور’’ الفتن التى شغل بها الرّأى العامّ العربىّ، وتغييبه فى أتونها لعقود طويلة.

إذ ما علاقة نوع الدّولة ’’الحل’’، التى يردّدها اليسار، بـ’’العمالة’’ للخارج؟!

ما حدث فى العراق كان نتيجة ’’عمالة’’ شيعته لواشنطن ولطهران، وما حدث فى لبنان كان نتيجة ’’العمالة’’ لطهران، وما حدث فى غزة كان انقلابًا استباقيًّا ’’وطنيًّا’’ أجهض انقلابًا أمريكيًّا فى القطاع عن طريق وكلاء الإدارة الأمريكيّة داخل سلطة الرّئيس الفلسطينى محمود عباس، وهو الانقلاب الذى كشفت تفاصيله مجلة (فانتى فير) الأمريكيّة بالأسماء والأرقام، وقيمة الشّيكات، وما دُفع منها، وما نُهب، والأنظمة العربيّة التى شاركت فى التّدريب والتّمويل تحت الإشراف الأمريكى المباشر.

لا داعى للّفّ والدّوران، ولنسمِّ الأمور بأسمائها، ولا داعى لهذه الانتهازيّة الفكريّة أو السّياسيّة، التى تحاول استغلال الحدث، لتعيد إنتاج هجومها المعتاد والمملّ على التّجربة السّياسيّة الإسلاميّة، وتتحدّث عن الدّولة الدّينيّة والدّولة المدنيّة، وكأنّنا نعيش زمن الإمبراطوريّات الكنسيّة الكاثوليكيّة فى العصور الوسطى.. هذه انتهازيّة رخيصة، تضحى بدول عربيّة تسقط تباعًا فى يد الطّوائف وفى يد الأمريكيّين والإيرانيّين، لقاء تشفى غليلها وكراهيّتها لكلّ ما هو إسلامىّ.

[email protected]
المصريون
أضافة تعليق