د. محمد عمارة | 09-08-2011 02:03
على امتداد ثلاثة عشر قرنًا من عمر الحضارة الإسلامية لم يعرف الناس حديثًا عن علاقة الإسلام بالدولة والسياسة، لأن هذه العلاقة كانت قضية محسومة وموضع الإجماع.. فالإسلام عقيدة وشريعة، وسياسة وفقه وقانون، وعلى حين مثلت العقيدة والشريعة الأصول التي اجتمعت عليها الأمة، كانت السياسات والفقهيات الفروع التي تتعدد فيها الإجتهادات والتوجهات.
لكن هذا الواقع التاريخي قد تغير بعد الغزو الفكري الغربي لبلادنا في العصر الحديث، عندما جاءت العلمانية بساط البحث هذه القضية التي لم تكن معروفة ولا مطروحة قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر..
ولقد كانت المقالات التي كتبها – في صحيفة ’’ المقطم ’’ سنة 1899م – أحد المسيحيين الشوام – باسم مستعار – والتي دعا فيها إلي الفصل بين الدولة والدين.. والتي رد عليها الشيخ محمد رشيد رضا ( 1282 – 1354هـ - 1865 – 1935هـ ) أول معركة فكرية عرفتها أمتنا حول هذا الموضوع.. ثم تجدد الجدل – وتصاعد – حول علاقة الإسلام بالسياسة وحول نظام الخلافة الإسلامية، ومشروعيته الإسلامية في سنة 1925م عند صدور كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) للشيخ علي عبد الرازق ( 1305 – 1386هـ - 1887 – 1966م ) – الذي أدعى علمنه الإسلام، ونفي علاقته بالسياسة والحكومة من الأساس.. ويومئذ ثارت أكبر المعارك الفكرية التي عرفتها بلادنا في القرن العشرين حول هذا الموضوع.. واليوم – وبعد ثورة 25 يناير سنة 2011م – يثور الجدل – من جديد – حول طبيعة الدولة الحديثة – التي يجمع الكافة على مدنيتها.. لكنهم يختلفون حول معني ’’المدينة’’.. هل هي ’’ العلمانية ’’ التي تستبعد الإسلام من السياسة والدولة..مخافة تكرار الدولة الدينية التي عرفتها أوربا عندما حكمتها الكنيسة في العصور الوسطي؟ أم أن مدنية الدولة لا تنفي مرجعيتها الإسلامية، لأن الدولة والخلافة – في تاريخنا – كانت مدنية وإسلامية في ذات الوقت.. أي أن الدولة الإسلامية كانت ولا تزال وستظل نمطا متميزا عن دولة الكهانة الكنسية وعن نقيصتها العلمانية كليهما ؟؟..
ولقد يكون مفيدا – بل ومدهشا – أن نقدم للذين يتحاورون – اليوم – حول هذا الموضوع، رأي الدكتور طه حسين ( 1306 – 1393هـ - 1889 – 1973م ) الذي كتب عن نظام الحكم الإسلامي فقال: ’’ قد يظن بعض الذين تخدعهم ظواهر الأمور أن نظام الحكم الإسلامي كان نظاما ثيوقراطيا، يستمد سلطانة من الله، ومن الله وحده، ولا شأن للناس في هذا السلطان. ولا شك أن هذا الرأي هو أبعد الآراء عن الصواب، ذلك أن الإسلام لم يسلب الناس حريتهم، وإنما ترك لهم حرية في الحدود والتي رسمها لهم.. ولقد قام أمر الخلافة الإسلامية كله علي رضا الرعية، فأصبحت الخلافة عقدا بين الحكام والمحكومين، يعطي الخلفاء علي أنفسهم العهد أن يسوسوا المسلمين بالحق والعدل، وأن يسيروا فيهم سيرة النبي ما وسعهم ذلك، ويعطى المسلمون علي أنفسهم العهد أن يسمعوا ويطيعوا وأن ينصحوا ويعينوا، لذلك، فإن الرأي القائل إن نظام الخلافة إنما هو النظام الثيوقراطي الإلهي هو أبعد الآراء عن الصواب.
لم يكن نظام الحكم الإسلامي نظام حكم مطلق، ولا ديموقراطيا يونانيا، ولا قيصريا رومانيا، وإنما كان نظاما عربيا خالصا، بين الإسلام له حدوده العامة من جهة، وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخري، كان نظاما إنسانيا، لكنه تأثر بالدين إلي حد بعيد جدا، ولم يكن الخليفة يصدر عن السلطة الدينية، لكنه كان مقيدا بما أمر الله به فتغير نظام الخلافة الإسلامية عن كل نظم الحكم التي عرفتها الحضارات.. فهل نتأمل اليوم هذا الذي كتبه طه حسين منذ أكثر من ثمانين عاما؟!؟
*المصريون
على امتداد ثلاثة عشر قرنًا من عمر الحضارة الإسلامية لم يعرف الناس حديثًا عن علاقة الإسلام بالدولة والسياسة، لأن هذه العلاقة كانت قضية محسومة وموضع الإجماع.. فالإسلام عقيدة وشريعة، وسياسة وفقه وقانون، وعلى حين مثلت العقيدة والشريعة الأصول التي اجتمعت عليها الأمة، كانت السياسات والفقهيات الفروع التي تتعدد فيها الإجتهادات والتوجهات.
لكن هذا الواقع التاريخي قد تغير بعد الغزو الفكري الغربي لبلادنا في العصر الحديث، عندما جاءت العلمانية بساط البحث هذه القضية التي لم تكن معروفة ولا مطروحة قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر..
ولقد كانت المقالات التي كتبها – في صحيفة ’’ المقطم ’’ سنة 1899م – أحد المسيحيين الشوام – باسم مستعار – والتي دعا فيها إلي الفصل بين الدولة والدين.. والتي رد عليها الشيخ محمد رشيد رضا ( 1282 – 1354هـ - 1865 – 1935هـ ) أول معركة فكرية عرفتها أمتنا حول هذا الموضوع.. ثم تجدد الجدل – وتصاعد – حول علاقة الإسلام بالسياسة وحول نظام الخلافة الإسلامية، ومشروعيته الإسلامية في سنة 1925م عند صدور كتاب ( الإسلام وأصول الحكم ) للشيخ علي عبد الرازق ( 1305 – 1386هـ - 1887 – 1966م ) – الذي أدعى علمنه الإسلام، ونفي علاقته بالسياسة والحكومة من الأساس.. ويومئذ ثارت أكبر المعارك الفكرية التي عرفتها بلادنا في القرن العشرين حول هذا الموضوع.. واليوم – وبعد ثورة 25 يناير سنة 2011م – يثور الجدل – من جديد – حول طبيعة الدولة الحديثة – التي يجمع الكافة على مدنيتها.. لكنهم يختلفون حول معني ’’المدينة’’.. هل هي ’’ العلمانية ’’ التي تستبعد الإسلام من السياسة والدولة..مخافة تكرار الدولة الدينية التي عرفتها أوربا عندما حكمتها الكنيسة في العصور الوسطي؟ أم أن مدنية الدولة لا تنفي مرجعيتها الإسلامية، لأن الدولة والخلافة – في تاريخنا – كانت مدنية وإسلامية في ذات الوقت.. أي أن الدولة الإسلامية كانت ولا تزال وستظل نمطا متميزا عن دولة الكهانة الكنسية وعن نقيصتها العلمانية كليهما ؟؟..
ولقد يكون مفيدا – بل ومدهشا – أن نقدم للذين يتحاورون – اليوم – حول هذا الموضوع، رأي الدكتور طه حسين ( 1306 – 1393هـ - 1889 – 1973م ) الذي كتب عن نظام الحكم الإسلامي فقال: ’’ قد يظن بعض الذين تخدعهم ظواهر الأمور أن نظام الحكم الإسلامي كان نظاما ثيوقراطيا، يستمد سلطانة من الله، ومن الله وحده، ولا شأن للناس في هذا السلطان. ولا شك أن هذا الرأي هو أبعد الآراء عن الصواب، ذلك أن الإسلام لم يسلب الناس حريتهم، وإنما ترك لهم حرية في الحدود والتي رسمها لهم.. ولقد قام أمر الخلافة الإسلامية كله علي رضا الرعية، فأصبحت الخلافة عقدا بين الحكام والمحكومين، يعطي الخلفاء علي أنفسهم العهد أن يسوسوا المسلمين بالحق والعدل، وأن يسيروا فيهم سيرة النبي ما وسعهم ذلك، ويعطى المسلمون علي أنفسهم العهد أن يسمعوا ويطيعوا وأن ينصحوا ويعينوا، لذلك، فإن الرأي القائل إن نظام الخلافة إنما هو النظام الثيوقراطي الإلهي هو أبعد الآراء عن الصواب.
لم يكن نظام الحكم الإسلامي نظام حكم مطلق، ولا ديموقراطيا يونانيا، ولا قيصريا رومانيا، وإنما كان نظاما عربيا خالصا، بين الإسلام له حدوده العامة من جهة، وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخري، كان نظاما إنسانيا، لكنه تأثر بالدين إلي حد بعيد جدا، ولم يكن الخليفة يصدر عن السلطة الدينية، لكنه كان مقيدا بما أمر الله به فتغير نظام الخلافة الإسلامية عن كل نظم الحكم التي عرفتها الحضارات.. فهل نتأمل اليوم هذا الذي كتبه طه حسين منذ أكثر من ثمانين عاما؟!؟
*المصريون