مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
وقفة حول الهجرة النبوية
فؤاد الصوفي
مصطلح الهجرة من المصطلحات التي شاع استخدام الناس لها وهو مصطلح يحمل في جميع نفوس المسلمين على هذه البسيطة معاني ودلالات عظيمة، وذلك لارتباطه بحدث عظيم وشخصية أعظم
والشخصية هي شخصية المربي الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي رسم لنا في مثل هذا التاريخ على الهضاب والصحارى بين مكة والمدينة، تضحياتٌ ودروسٌ مهما وقفنا على شاطئها وتفيأنا ظلالها فإنه لاينصب معينها ولا يجف ينبوعها.
نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه بذل وسعا بالغ الأهمية فداء لدعوته وأمته ، إنه نموذج لزعيم مجاهد عابد يُفارق عينَه الكرى وهو يتحنث لربه ويتذلل بسكينة ووقار بين يدي مولاه سبحانه،
زعيم لم تشغله الأحداث السياسية ولا العسكرية من أن يقوم بين يدي ربه خاشعا خاضعا. لقد كان عابدا حقا في حله وترحاله وحضره وسفره وصحته وسقمه ومنشطه ومكرهه فكانت العبادة تشكل العبادة منتفساً كبيراً ومتنزهاً رائعاً الذي به يعود إلى اطمئنانه وسعادته، وبه يتناسى الآلام التي يعانيها في سبيل دعوته. فالعبادة تشكل عنده شيئا أساسيا ولذلك فقد كان يردد : أرحنا بها يا بلال..!!
زعيم شعر بالضيم والظلم فلم يقف مكبَّل اليد يشاهد كيف تهدر طاقات أمته ، رأى الظلم فلم يستكين لأن من أسس دعوته رفع الظلم عن المستضعفين والقهر عن المقهورين والاستبداد عن المستبَدِّين فلم يقف مشاهدا كالكثير من دعاة اليوم، كما لم يستسلم إلى ذلك القهر بل بدأ ثورته السرية ثم السلمية المعتمدة على التربية والتكوين حتى قوي صلب الجماعة المسلمة.
رأى الإغراء فلم يسقط أمامه، رأى صعوبة الطريق التي تنتظره فلم يزده ذلك إلا إعدادا لزاد ذلك الطريق، يدعو ويجاهد في نهاره ويتهجد في ليله حتى تتفطر قدماه من طول القيام تعرض عليه ملذات الدنيا وهو في أمس الحاجة للقمة ترطب فاه فيعرض عنها،
تُعْرَض عليه المغريات الثلاث المنصب والمال والجمال فيأبى ذلك كله بكل ارتياح ، يرى غيره من الملوك قد بسط لهم من القيم والرفاهية ماجعلهم ملوكا،فيعزف عن ذلك ويصوم نهاره اليوم واليومين والثلاث.
يدعو إلى الخير وإلى الفضيلة والبعد عن الرذيلة فيرد عليه قومه بأبشع الردود ولكنه يدعو لهم ويحرص على إيصال الخير والمصلحة إليهم، على أعتاب الحرم يؤذى وفي الطرق ينتهك وفي الطائف تسيل قدماه من الرمي، رمى الأطفال والسفهاء الذين لا يرعون في ابتكار ألوان الإساءة وأقبحها ؛ ومع ذلك يقف جبلا شامخا لايضعف ولا يستكين ثم لا يرى في هذا الإيذاء من أعدائه فحسب بل هناك مواقف أخرى للإساءة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ممن انخرط في الصف المسلم مع قصور في القهم وتقيح في الإيمان كالأعرابي الذي صاح قائلا اعطني مما أعطاك الله...، والمخالفات التي تحدث من قبل بعض الصحابة الكرام وكحادثة الإفك وحادثة حاطب رضي الله عنهم أجمعين . ومع ذلك كان يقف بصبر وتحمل، وأدرك أن هؤلاء بشر يصيبون ويخطئون، واستمر في التضحية بالصبر حتى جاء الإذن بالهجرة وقد بلَّغ رسالة ربه ووصل كلمة الحق إلى أذان المشركين، وكان الإذن بالهجرة إذنٌ بالتوجه من دار الابتلاء والمحن إلى طيبة المدينة التي كتب له أن يرسي فيها دعائم الدولة الإسلامية الأولى.
فانصرف نحو بناء الدولة مؤسسا للرؤية الإسلامية السياسية وممكنا للنموذج الإسلامي أن يسود ويخترق كل نواحي الحياة بجد ومثابرة مؤَيَّدا من السماء ومتوجا بتاج العصمة والحفظ ، ومع ذلك كله فإنه بشر وبشريته إحدى معجزاته العظام.فعليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وجزاه الله عنا خير ماجازى نبيا عن أمته ورسولا عن قومه وجمعنا الله به في دار المتقين الأبرار.
أضافة تعليق