مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
المرأة المسلمة : الواقع والبديل
عبد العزيز كحيل -خاص الوفاق
لا يستطيع منصف أن ينكر مدى الانتقاص الذي تعاني منه المرأة عند المسلمين عموما وعند كثير من الفصائل الإسلامية والمنتمين للمرجعية الإسلامية وذلك منذ أمد بعيد ، وإذا أمكن تبرير هذا الوضع إبّان عصور الانحطاط والتراجع ولو بمبررات هشّة فإنّه من المدهش أن يتمادى دعاة تحرير الإنسان من كل عبودية إلا لله تعالى في استعباد المرأة وإخضاعها للرجل بشكل من الأشكال وتأصيل ذلك شرعيا ، غير مبالين بمقاصد الإسلام وأصول الشريعة ونصوصها وحقائق الواقع ، ولا سند لهم سوى تقاليد أفرزتها أوضاع التدهور الحضاري الشامل وأضفى عليها قوم متصلّبون الشرعية بناء على نصوص غير صريحة حينا وغير صحيحة إطلاقا في الغالب الأعمّ ، فترتّبت على ذلك نتيجة آلية تتمثّل في استغناء أمّتنا عن أحد شقّيها وشلّه وتهميشه باسم الدين ، وهي تخوض معركة متعدّدة الجبهات تستهدف غايات ضخمة كالتنمية ومحاربة الغزو الفكري واستعادة الذات وترسيخ الهوية وبعث المجتمع الإسلامي والشهادة على أمم الأرض.

ويقف المتتبع لإنجازات الحركة الإسلامية المعاصرة على نتائج طيّبة حقّقتها في كثير من المجالات ما عدا مجال المرأة الذي مازال عامّة الإسلاميين – إلاّ قليلا منهم – يغلّبون فيه الضوابط على الدوافع ومساحة الممنوع على مساحة المباح ، حتى أن المرأة المسلمة الملتزمة غدت لا تتحرّك سوى في دائرة من الأحوطيّات المحرجة بل الكابحة للمبادرات والقاتلة للمواهب ، وقد زاد الطين بلّة وأغرى المسلمين بالتشدّد ما تشهده الساحة العربية من حركات نسوية مشبوهة تحادّ الله وتنخرط في دعوة سافرة إلى التمرّد على الدين والسير في مواكب الفساد والانحلال باسم التحرّر والتنوير والعلمانية،وظنّ المسلمون الطيبون أن نظرتهم القمعية للمرأة ستحمي الإسلام والمرأة نفسها من الشرّ الوافد ، ووقعوا بسبب هذا الخطأ الواضح في سلسلة من التضييقات من مثل أنّ صوت المرأة عورة ، وسفرها معصية ، وعملها الدعوي ينحصر في ارتداء الحجاب والاشتغال – في أقصى الحالات – بتطبيب النساء أو تعليم الأطفال الصغار.

إن الفجور الغربي يعتبر المرأة جسدا يجب إبراز مفاتنه ، والتزمّت الديني يعتبرها عرضا ينبغي صونه وتشديد الحراسة عليه ، وضاعت المسلمة بين التيارين الغاليين ، في حين أن الإسلام يتبنّى الموقف الوسط وهو أن المرأة شقيقة الرجل ، وهذه حقيقة ضخمة في بساطتها مازال ناس لا يستسيغونها، فتراهم يستشهدون بقول الله تعالى : ( إن كيدكنّ عظيم ) ويتناسون قوله : ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات )، يحتجّون بامرأتي نوح ولوط ويغفلون امرأة فرعون وابنة عمران ، يقرؤون شقّ الحديث النبوي ( ما تركت فتنة أشدّ على الرجال من النساء ) ولا يتمّون شقه الثاني ( وما تركت فتنة أشدّ على النساء من الرجال ) ، وقد أدّت هذه القراءة التبعيضية والانتقائية إلى إعاقة حركة المؤمنات المحصنات العفيفات ، وإلى حرمان الدعوة والمجتمع من عطائهنّ، فكان لا بدّ أن تشغل الساحة من لا تربية لهنّ ولا خلق ولا رسالة ، فأيّ تناقض نصنعه بأنفسنا حين ننشأ وضعا مأساويا ثم نشكو منه ولا نعمل شيئا للخروج منه سوى التكريس لمزيد من أسبابه ومظاهره .، ولا يعالج كثير من المسلمين هذه الظاهرة بأكثر من الترديد غير الواعي لعبارات مجترّة من مثل أن الإسلام قد أكرم المرأة وحرّرها وردّ لها إنسانيتها ، ثم يتّكئون على هذه الحقائق المبدئية والتاريخية ليصبّوا جام غضبهم على المتبرّجات والمرتجّلات والحركات التي تتبنىّ مطالبهنّ ، وهم بذلك لم يساهموا لا نظريا ولا عمليا في حلّ المشكلة المطروحة.

ونحسب أنه آن أوان احتضان المشكلة احتضانا قويّا من طرف أصحاب المشروع الإسلامي ،وتناول كلّ جوانبها في دراسة علمية تحليلية جريئة لا تتقيّد إلاّ بمحكمات الشرع وما لا يخالفه من الأعراف للانتقال بالدعاة والداعيات بالدرجة الأولى من المبادئ والقيم إلى النزول الميداني ومن مرحلة التعميمات المبدئية إلى البرامج المفصّلة ومن استبداد الرجل واستسلام المرأة إلى انخراطهما معا في العمل المتكامل الإيجابي الذي لا يقع فيه صرف لطاقة أحدهما في غير مجالها الحقيقي ولا تقصير في صرفها في مجالها ، كل ذلك في إطار خطّة تربوية تستوعب الجنسين وتستغرق العمر لتكريس معاني العفّة والاحتشام ودعم السلوك القويم ، تستصحب وسائل جديدة فعّالة لإشراك المرأة في صناعة الحياة والتمكين للمشروع الإسلامي، ووسائل أخرى ناجحة أيضا لإفشال عمل المبطلين الذين يستعملون الجنس اللطيف في محاربة الدين والأخلاق والفضيلة ولإشاعة الحيوانية مكان الإنسانية.

ويحقّ للجهات الإسلامية الواعية أن تعتزّ بمبادراتها الجريئة المتمثّلة في إفساح مجال العمل الجادّ للمرأة ،ومحاولتها كسر طوق الوصاية عليها ، ودعوتها إلى استقلالية حقيقية تثبت من خلالها قدراتها وتصرف طاقاتها المبدعة في إطار تنسيق واقعي يحقّق التكامل.

ويمكن ملاحظة أن للفروع النسويّة التابعة للجمعيات الإسلامية – في كثير من البلاد - من المبادرات الطيبة والأعمال الجليلة ما لا تقدر عليه الجمعيات النسوية العلمانية مجتمعة ، وإنما ذكرنا التجربتين لدلالاتهما على أن المرأة الواعية عندما تنصهر في الحركة الواعية تبدّد المخاوف وتتجاوز الشكوك وتقيم الحجّة على المتديّنين المتوجّسين وعلى الانحلاليين المستهزئين وعلى الواقع الصعب ، وتثبت أن باستطاعتها اقتحام ميادين البذل والعطاء للإسلام وللأمّة دون تفريط في وظيفتها كزوجة وأمّ وأخت،ودون تنازل عن التزامها وعفّتها وأخلاقها.

ومن المهمّ جدّا أن نذكّر أنّ المرأة تخضع لنفس الأحكام الشرعية التي تحكم الرجل لأنّها مكلّفة مثله، باستثناء ما يعنيها كأنثى ،إلى جانب ’’ ثوابت ’’ خاصّة بها هي من محكمات الشريعة التي يبادر كلّ مؤمن إلى الالتزام بها.

*** ثوابت المرأة المسلمة :

مهما تأثّرت المرأة المسلمة بدعوات التحرّر ومهما أرادت الانعتاق من ’’التقاليد الاجتماعية’’ التي تثقل كاهلها فإنّها - مادامت مسلمة- ملتزمة بأحكام شرعية ثابتة بالقرآن والسنة والإجماع، هي عبارة عن ثوابت دينية لا تقبل اجتهاداً أيّاً كان مبناه ودوافعه فضلاً عن التجاوز تحت أي ذريعة مصلحية أو تجديدية أو غيرها لأنّ المساس بهذه الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة ليس سوى هدم لبناء الإسلام في مجال الأحوال الشخصية ولنسيجه الاجتماعي بأكمله، وتتمثّل هذه الثوابت في:

1.الميراث: نصيب المرأة من التركة هو نصف نصيب الرجل في حالتين أساسيتين:

أولا: الأخت ’’يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين’’ – سورة النساء.

ثانيا: زوجة المتوفى ’’ولكم نصف ما ترك أزواجكم (...) ولهن الربع مما تركتم’’ – سورة النساء.

وخلافاً لما يظن منّ ليس له رسوخ في العلم بالقرآن فإن نصيب الأنثى لا يساوي شطر نصيب الذكر في جميع الأحوال، فقد يتساوى نصيبهما:

- ’’ولأبويه لكل واحد منهما السدس’’ – سورة النساء

- ’’وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكلّ واحد منهما السدس’’ – سورة النساء

بل قد تأخذ المرأة أكثر من الرجل إن كان عمّاً مثلاً : ’’فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف’’ سورة النساء، فقد تأخذ المرأة نصف التركة ويتقاسم باقي الورثة - من غير الإخوة طبعاً- النصف الآخر، ويكون نصيبها بالتالي أكبر .

ومهما يكن فإن المؤمنة –كالمؤمن- لا تجادل في أوامر الله سواءً عرفت الحكمة منها أو لم تعرف: ’’وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مبيناً’’ – سورة الأحزاب. فلا يجوز لمسلمة متعلّمة أو غير متعلّمة مهما كان اتجاهها الفكري أو السياسي أن تطالب بتعديل هذا الحكم الشرعي لأن في ذلك اتهاماً للوحي المنزّل بدعوى انحيازه للرجل، وهذا ما لا يجرأ عليه من آمن بالله ربّاً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم- نبيّاً ورسولاً.

2. الشهادة: ماذا يضير المرأة المسلمة أن تعادل شهادتها نصف شهادة الرجل إذا كان الله تعالى قد شرع ذلك في آية محكمة من كتابه؟ وبعيداً عن التفاصيل التي ذكرها الفقهاء في شهادة المرأة ومجالاتها وشروطها فإن البصيرة لا تخطئ مواطن الحكمة الربانية التي أعطت للمرأة في هذه القضية ما لم تعطِ الرجل من حقّ مراجعة الغير والتأكّد والتوثيق: ’’واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى’’ – سورة البقرة.

وسواءً في الميراث أو الشهادة لا ينبغي للمسلمين أن يلقوا بالاً لدعاوي العلمانيين الذين يزعمون أن هذه الأحكام فيها انتقاص لكرامة المرأة وحقوقها وحكم عليها بنقص الأهلية وتثبيت لهيمنة الرجل، ولسنا بصدد درء هذه الشبهات وإنما غرضنا بيان التزام المسلمة بأحكام الشرع وهي مطمئنّة إلى حكمة الله وعدله، فهو ربّ الذكر والأنثى،وهو يعلم والبشر لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء، وأين مزاعم العلمانيين من محكمات الشرع؟ ’’قل أأنتم أعلم أم الله’’ - سورة.

3. تعدّد الزوجات: هذا حكم ثابت بالقرآن الكريم ووقع عليه إجماع المسلمين وعملوا به منذ عصر الصحابة ولم ثثر الشبهة حوله إلا بعد ضعف الأمة الإسلامية واستقواء الغرب بالاستعمار والاستشراف ونشوء بطانة بين أظهرنا تتذرّع بتحرير المرأة وتهاجم الأحكام الشرعية... ’’وفيكم سمّاعون لهم’’ – سورة التوبة، فأمّا المرأة المسلمة فلا يسعها إلا الامتثال لهذه الرخصة التي أعطاها الخالق عزّ وجل للرجل، وله في ذلك حكم جليلة بسط العلماء القول فيها، وتحذر المؤمنة التقيّة الانقياد وراء ذريعة ’’ولن تعدلوا بين النّساء ولو حرصتم’’ – سورة النساء، فهذا يخصّ الجانب العاطفي الذي لا يقع تحت طائلة الحساب والمؤاخذة، وقد عدّدت أجيال وأجيال وهذه الآية قائمة لم تمنعهم من ذلك لأنهم فهموا معناها وكانوا يحرصون على العدل المادي بين النّساء أي في النفقة والمعاشرة الزوجية.

قد لا تقبل المرأة أن يتزوّج بعلها عليها، وهذا من حقّها ، لكنّ الذي لا يجوز بحال هو المطالبة بإلغاء التعدّد كما تفعل الحركات النسوية العلمانية لأن في ذلك اعتراضاً على حكم الله تعالى ومكابرةً وقحة.

4. الزواج بالكافر: مهما كان في دين المسلمة رقّة ومهما كان لها تقصير في أداء الفرائض واجتناب المعاصي فإنّها لا تقدم على الزواج بغير المسلم لأن هذا محرم بنصّ القرآن بل لعلّ بلغ درجة المعلوم من الدين بالضرورة، يقول الله تعالى :’’ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا’’ - سورة أي لا تزوجوهم بناتكم إلاّ إذا دخلوا الإسلام، ويقول : ’’فإن علمتموهنّ مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ’’ – سورة الممتحنة.

وهذا نهي صريح لا مجال للتساهل فيه أو تعدّد الآراء والاجتهادات.

5. الحجاب: فرض الله تعالى على المسلمة لباس الاحتشام صوناً لعرضها وحفظاً لكرامتها حتى لا تغدو فتنةً للناس ولا فريسةً لمن في قلوبهم مرض، فأوجب عليها ستر جسدها بلباس سابغ واسع فضفاض وتغطية شعرها وذلك في حضرة من ليسوا من محارمها، قال تعالى :’’يا أيّها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً’’ – سورة الأحزاب ، وقال ’’وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ ...’’ – سورة النور.

ولم يشكّل لباس المرأة مشكلةً منذ فرضه الله تعالى ولا دار حوله نقاش ولا تخلّت عنه المسلمات إلا بعد دخول الاستعمار البلادَ الإسلامية واستفحال التبعية للغرب واستهداف حملات التشويه لكلّ ما يلتزم به المسلمون ، وخاصة ما تعلّق بالأخلاق والعفّة والتميّز الإيماني.

ويكذب من يزعم أن الحجاب يحبس المرأة في ظلمة الجهل ويقزّم شخصيتها ويعطّلها عن العطاء العلمي والعملي، والواقع يردّ هذه التّرّهات من أساسها.

هذه أهمّ ثوابت المرأة المسلمة، وهي الهدف الدائم المستمر للمؤامرات المتستّرة بتحرير المرأة وترقيتها، فعلى المسلمة الثبات على دينها والاستعانة بربّها وإحباط المخططات المعادية بمزيد من الالتزام والفهم الصّحيح، وهذه الثوابت لا تكبح نشاطا ولا تعيق حركتها الدعوية الاجتماعية بأيّ حال وليست هي من المشكلات التي تعتري المرأة وتجعلها أقلّ شأنا من الغربيات والعلمانيات .

إنّنا يوم نحلّ مشكلة المرأة الحقيقية نكون قد وضعنا أقدامنا على عتبة التحضّر وبدأنا العدّ العكسي لاستئناف الحياة الإسلامية.
أضافة تعليق