مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2024/09/24 19:03
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم
الكلام عن الاستبدال أضحى مطروحا بقوة بين الأمة بعد طوفان الأقصى، حين رأى المسلمون إخوانهم يبادون في غزة على مرأى منهم ومسمع وهم معرضون عنهم، حيث اصطفت الأنظمة العربية الوظيفية مع الكيان الصهيوني أملا في القضاء على حماس وإخماد روح المقاومة ليخلو الجو للتطبيع مع الصهاينة، أما الجماهير فأغلبها تقودها العواطف من غير أن يغيّر ذلك في حياتهم مع اللهو والدنياويات شيئا، فكأن وقت الاستبدال قد حان، وقد يرى بعضهم أنه قد حدث فعلا، متمثلا في المجاهدين والمرابطين في غزة الذين تركوا ما عليه السياسيون من مفاوضات عبثية وتنازلات جوهرية، وما عليه العامة من انشغالات لا تمتّ بصلة إلى معالي الأمور، وسلكوا خطا بطوليا عمليا عاد بالمسلمين إلى سيرة السلف الصالح من قادة وفاتحين، لكن قضية الاستبدال ذهبت بكثير من المسلمين مذاهب بعيدة أولها أن من سينصرون الدين والأمة هم الإيرانيون والشيعة عموما، وذلك استنادا إلى الحديث النبوي: ﴿عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ''. فقالو يا رسول الله من القوم الذين إن تولينا يستبدل بنا فضرب رسول الله على ركبة سلمان الفارسي رضى الله عنه، وقال: هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس؟﴾ (رواه الترمذي بهذا اللفظ، ورواه البخاري ومسلم باختلاف يسير).

هذا الحديث يشير إلى المنظومة السننية للتغيير، وهي مجموعة من السنن مثل: سُنَّة التدافع، وسُنَّة التداول، وسُنَّة التجدد، وسُنَّة الهلاك، وسُنَّة موت الأمم، وسُنَّة التمكين، وسُنَّة العلو والانحطاط، وسُنَّة الاستبدال، وقد وَرَدَت لفظة "الاستبدال" في القرآن في موضعين: الأول ﴿إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا﴾(سورة التوبة 39)، والموضع الثاني ﴿ها أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم﴾ (سورة محمد 38).

وقد يكون الاستبدال بالهلاك المباشر للأمم التي تولت عن الهدي السماوي وأعرضت عن نصرة الدين، كما حدث لقوم عاد وثمود ولوط وغيرهم، وقد يكون بنقل العزة والغلبة و راية القيادة، من أمة إلى أمة، كما تم نقلها من الأمم الهالكة إلى بني اسرائيل ثم من هؤلاء إلى المسلمين، فمتى يذهب التمكين وتسري سنة الاستبدال؟ يحدث هذا إذا اختلت سنة التدافع وفقدت الأمة كثيرا من شروط التمكين، ومن ثم فقدت الشهود الحضاري، والإمكان الحضاري، والإرادة الحضارية... من أجل ذلك تستحق الأمة الاستبدال، واستبدالها هنا ليس بهلاكها وإنما بنقل راية العزة والرفعة  والقيادة منها إلى غيرها من الأمم، وهذا ما يبدو أنه سيحدث لأمتنا مع الأسف، وكما يشير إلى ذلك الحديث النبوي، لكن ما المقصود بالفرس، وكيف تم استبدال العرب بهم؟ في المصطلح السائد زمن النبوة لا تشير فارس إلى إيران الحالية بل إلى جميع المناطق المحيطة بها من الجهة الشرقية، مثل أفغانستان وخراسان وصولا إلى بخارى وسمرقند، وهذه بلاد سنية تماما، بما فيها إيران التي لم تتشيع إلا في وقت متأخر، فالمقصود ليس الإيرانيين ولا الشيعة، بل تم الاستبدال في الزمن الماضي حين تقاعس العرب فتولى رجال من فارس الكبيرة أزمة العلوم وبرزوا في علوم القرآن والسنة، وأحرزوا قصب السبق في علم الحديث، بل في علوم العربية ذاتها، وكلهم دون استثناء من أهل السنة، وهكذا تحققت نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم الواردة في الحديث، والقضية إذًا ليست مرتبطة بالفرس وإنما بمن يرفع الراية إذا تخلى عنها أهلها، ولا بد هنا من دفع لبس أحاط بكثير من المسلمين في زمننا هذا، زمن الضعف والتراجع هو حقيقة المشروع الإيراني، وكل من له دراية بالموضوع يعلم أن المشروع الفارسي الشيعي ليس إسلاميا بل هو طائفي مذهبي يعمل على التمدد في البلاد الإسلامية وفق أجندة مدروسة، أحد روافدها التظاهر بدعم المقاومة الفلسطينية، والحقيقة أن خيانة الأنظمة الحاكمة في البلاد السنية للقضية الفلسطينية وتخليها عن غزة أعطى الفرصة لإيران وأذرعها لتشغل الفراغ جزئيا وبالقدر الذي يخدم مشروعها، فحماس تخلى عنها أهل السنة ومن حقنا الاستعانة بأي احد، وهذا لا علاقة له بالعقيدة، بل بالمصلحة، فلا لوم عليها إن لجأت إلى بيت أبي لؤلؤة المجوسي؛ فهي لم تجد بيت الأرقم بن أبي الأرقم مفتوحا لها.

ما من مسلم محبّ لدينه مهموم بشؤون أمته إلا ويتمنى أن يلتئم شمل المسلمين على اختلاف مكوناتهم المذهبية والفكرية ليكونوا صفا متماسكا قويا أمام التحديات الضخمة التي يتحتم عليهم مواجهتها، من الاحتلال الأجنبي إلى التنمية مرورا بالعولمة وما تقتضيه من غزو ثقافي وارتهان سياسي، والمكوّن الشيعي عنصر مهمّ في الجسم الإسلامي علّقت عليه كثير من الأطراف آمالا كبيرة بعد ثورة إيران ليتحوّل –كما كنا نتمنى- إلى ركن قوي في بناء الأمة، وقد كنتُ في شبابي معجبا بجهود التقريب بين الشيعة والسنة على أمل تغليب القواسم المشتركة على جزئيات الاختلاف، وعذري أني أعيش في بيئة سنية خالصة، كنت أظنّ أن ما نقرِؤه عن مخالفات عقدية فكرية وسلوكية لدى الشيعة هو مجرد أمور تاريخية لم يعد لها وجود وأن الطرف الشيعي جادّ في رغبة التقريب مثل الطرف السني، ثمّ توالت الأحداث وتبيّنت الحقائق بعد انتصارالخميني ثم بروز حزب الله اللبناني واحتلال العراق وصولا إلى الثورة الشعبية في سورية، إذ سقطت جميع الأقنعة بعد أن أصبح للشيعة دول وحكومات ومراكز قوة، فتركوا التقية وأسفروا عن وجوههم وعن توجههم الطائفي المذهبي.
 
أضافة تعليق