’الاختراق’ الصهيوني لعقولنا !-
بقلم خالد حسن
حقق كثيرون منا هدف ما يسمونه ’’التأثير الإستراتيجي’’ أو حرب العقول والأفكار، عندما يرددون مقولة الخطر الإيراني مقدم وأشد على العرب من الخطر الصهيوني. فلننتبه إلى طبائع وأنماط تفكيرنا، فقد اخترقت بعضها الحرب الدعائية الصهيونية ولو من غير تأثيرها. ولا تلازم بين نصرة المقاومة ونصرة الحق الإيراني في التسلح، لكن على الأقل لا نشكك في الموقف المساند لإيران، إذ لم نقتبس عقيدة ولا مذهبا ولا نظاما ولا فلسفة حكم، وإنما انتصرنا لقوة الموقف والتمسك بالحق والاستقلالية في بناء القوة الإقليمية..أعجب من البعض يغض الطرف عن حاكميه، وجرمهم العابر للحدود، بينما يحمل إيران وزر جرم بعض متنفذيها..
في كل مرة نتعرض فيها لموضوع إيران، يثور الكثيرون، فإيران ’’التي ندافع عن حقها في التسلح’’، ونقر بوجود حرب وصراع مصالح بينها وبين الولايات المتحدة، لا يتحمل وجودها الكثيرون ويتمنون زوالها من خريطة العالم، وهي رغبة يشاركهم فيها بعض حكام العرب.
كتب أحدهم يقول: (وحدة الهدف الفارسية الإسرائيلية تتجاوز الخصومات إذا كان الهدف تحطيم قوة العرب)، وأضاف معلق آخر: (بدا واضحا بشكل متزايد فيما بعد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية، ففي الوقت الذي كانت تتعامل فيه إيران سرا مع الحكومة الإسرائيلية كانت تدين علنا الدولة اليهودية وتشكك في حقها في الوجود).
لم نقل في يوم ما أن الصراع بين تل أبيب وطهران ذو طابع عقدي أو أيديولوجي، وإنما هو تصادم بين طموحات إيران الإقليمية وإصرار إسرائيل على الهيمنة الإستراتيجية، بين تطلع إيران نحو بناء قوة إقليمية مستقلة وغير تابعة وتوجه صهيوني نحو تأمين ’’تفوقها’’..
ويستدرك علينا ثالث بالقول: (ثمة تلاعب كل من إيران وإسرائيل بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالرغم من أن العلاقات بين الطرفين تراوحت بين التواطؤ السري والتصادم العلني).
ويحسم رابع المسألة: (الخطر الإيراني صناعة إسرائيلية)، ويضيف خامس: (العقوبات الأمريكية الأخيرة تعزيز لقوة الجناح المتشدد في نظام الملالي وهدية لا تقدر بثمن لإحكام قبضته داخليا).
نعم، ثمة تلاعب إيراني إسرائيلي بالإيديولوجية والدين في صراع الهيمنة على المنطقة، للتغطية على نزاع إستراتيجي. وهذا لا يطعن في حق إيراني ولا يُغيب تأثيرها وإسنادها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية.
لكن الولايات المتحدة تمعن في الخطأ باستمرارها في رسم سياستها في المنطقة بالحبر الصهيوني. إسرائيل كيان هرم باكراً. قدرتها على تقديم الخدمات للغرب وأميركا محدودة. لم تعد تصلح لتبنى عليها حسابات الأمن والاستقرار. وما عادت حاملة الطائرات المرهوبة الجانب. فلم يحسب لها العرب ألف حساب؟ نتحدث عن التغلغل الإيراني، ونسينا أن التغلغل الصهيوني بلغ حدَ اختيار الحاكم (كما في مصر) والتأثير على أقلام وصحف لتسويق جرائمها أو للتستر عليها، كما في حالة قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط، الممولتين بمال سعودي.
ما العيب أن تسند إيران المقاومة ولو لخدمة طموحاتها وتوجهاتها المعلنة والخفية، المهم أن لا تتحول المقاومة إلى أداة أو مجموعة وظيفية تتحرك وفق الإيقاع الإيراني. وأن نصرة المقاومة ليس حكرا على أحد، ومواجهة الهيمنة الصهيونية ليست وقفا على مناطق دون أخرى، ثم إذا كان لإيران تأثير نافذ على حركات المقاومة، فهذا يكشف عجز العرب وضعفهم وجبنهم، وليس مكر إيران وخديعتها، وإلا لماذا لم يتحرك العرب لإسناد المقاومة بدلا من تجريمها أو مقاطعتها أو التشكيك فيها، ولماذا لا يسعوا لتوظيف قدرة إيران للإسهام في استقرار المنطقة، بدلا من معاداتها ومخاصمتها، كما تنص عليه السياسة الصهيونية والأمريكية؟ لماذا كل هذا التهويل والحساسية المفرطة من إيران؟ إيران تصنع سياستها وتوجهاتها، مصالحها وطموحاتها، أما العرب، فيتم رسم سياستهم تجاه إيران في أروقة واشنطن وتل أبيب.
إيران تريد تحجيم الكيان الصهيوني وتحشره في زاوية ضيقة، هل هذا الكلام يعني تبييض تاريخ إيران وحاضرها وإطلاق يدها في المنطقة؟ لماذا هذا التلازم الذي لم يقل به عاقل.
انتصارنا للحق الإيراني في بناء قوة مستقلة لمواجهة الهيمنة الصهيونية في المنطقة، لا يبرئ ساحتها فيما ارتكبته في العراق خلال السنوات الأخيرة، يبقى الجرم الإيراني في بغداد وغيرها (أو بالأحرى الجناح المتنفذ، والذي تمثله أجهزة الحرس الثوري) وصمة عار في تاريخ إيران الثورة، وهو يفرض قدرا من الحذر في التعامل مع سياساتها وتوجهاتها، لكن بقدر أقل من الحساسية والتوجس.
ليست المشكلة في كون النزاع بين إيران وتل أبيب إيديولوجيا أو إستراتيجيا، أو أنه ليس ثمة نزاع أصلا (وهو ما لا تصدقه التطورات الأخيرة)، وإنما في تخلي بلداننا العربية عن عمقها الإستراتيجي وعن مصالحها وقضاياها، نشكك في إيران لأنها ملأت الفراغ، فلم لا نضغط على أنظمتنا للتملص من القبضة الأمريكية على سياساتها، لم لا نطالب ونتحرك لننتزع استقلالنا الثاني، استقلال الإرادة والقرار.
ما الجرم الذي ارتكبته إيران حتى تسلط عليها هذه العقوبات أكثر من التمسك بالحقوق وانتزاع اعتراف دولي، وهل ستحيلها العقوبات ’’الأشد’’ إلى عزلة شبه تامة، وتفقدها القدرة على التحرك والمناورة، ودفعها إلى التهافت على طلب التسوية والتفاوض المهين، ليس ثمة ما يوحي بذلك.
أم أننا نتمنى لها الهلاك، لأن بعض أجنحتها ’’الثورية’’ أجرمت في العراق، وهل هناك بلد عربي لم يسجل التاريخ له قائمة جرائم في حق شعبه وربما بعض جيرانه، إلى يوم الناس هذا؟ وإذا كنا لا نثق في توجهات إيران، فهل من عقلاء الأمة من يثق في سياسات وتوجهات بلد عربي من المحيط إلى الخليج؟
لنتحلى بقليل من الجرأة والصراحة، أموالنا حارب بها الأمريكان العراق وأفغانستان، وغارت بها إسرائيل على غزة ولبنان، مولنا بها المارونية السياسية والحملات الانتخابية هنا وهناك، وحاصرنا غزة بغلق المعابر وفرض العزلة على شعوبنا، أيهما أشنع وأكثر جرما إيران (الحرس الثوري) أم أنظمتنا العربية؟
أعجب من البعض يغض الطرف عن حاكميه، وجرمهم العابر للحدود، بينما يحمل إيران وزر جرم بعض متنفذيها.
وليعذرني إخواني الناقدين على مجلة العصر لأنها عارضت العقوبات المسلطة على إيران، وساندت الحق الإيراني في بناء قوة عسكرية ذاتية تحقق بها قدرا من توازن القوى، لن نقول إلا ما نقتنع به، ربما لن نقول كل ما نفكر فيه، لكننا ـ حتما ـ سنفكر في كل ما نقوله..
وفي الأخير، حقق كثيرون منا هدف ما يسمونه ’’التأثير الإستراتيجي’’ أو حرب العقول والأفكار، عندما يرددون مقولة الخطر الإيراني مقدم وأشد على العرب من الخطر الصهيوني. فلننتبه إلى طبائع وأنماط تفكيرنا، فقد اخترقت بعضها الحرب الدعائية الصهيونية ولو من غير تأثيرها. ولا تلازم بين نصرة المقاومة ونصرة الحق الإيراني في التسلح، لكن على الأقل لا نشكك في الموقف المساند لإيران، إذ لم نقتبس عقيدة ولا مذهبا ولا نظاما ولا فلسفة حكم، وإنما انتصرنا لقوة الموقف والتمسك بالحق والاستقلالية في بناء القوة الإقليمية.
*العصر
بقلم خالد حسن
حقق كثيرون منا هدف ما يسمونه ’’التأثير الإستراتيجي’’ أو حرب العقول والأفكار، عندما يرددون مقولة الخطر الإيراني مقدم وأشد على العرب من الخطر الصهيوني. فلننتبه إلى طبائع وأنماط تفكيرنا، فقد اخترقت بعضها الحرب الدعائية الصهيونية ولو من غير تأثيرها. ولا تلازم بين نصرة المقاومة ونصرة الحق الإيراني في التسلح، لكن على الأقل لا نشكك في الموقف المساند لإيران، إذ لم نقتبس عقيدة ولا مذهبا ولا نظاما ولا فلسفة حكم، وإنما انتصرنا لقوة الموقف والتمسك بالحق والاستقلالية في بناء القوة الإقليمية..أعجب من البعض يغض الطرف عن حاكميه، وجرمهم العابر للحدود، بينما يحمل إيران وزر جرم بعض متنفذيها..
في كل مرة نتعرض فيها لموضوع إيران، يثور الكثيرون، فإيران ’’التي ندافع عن حقها في التسلح’’، ونقر بوجود حرب وصراع مصالح بينها وبين الولايات المتحدة، لا يتحمل وجودها الكثيرون ويتمنون زوالها من خريطة العالم، وهي رغبة يشاركهم فيها بعض حكام العرب.
كتب أحدهم يقول: (وحدة الهدف الفارسية الإسرائيلية تتجاوز الخصومات إذا كان الهدف تحطيم قوة العرب)، وأضاف معلق آخر: (بدا واضحا بشكل متزايد فيما بعد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية، ففي الوقت الذي كانت تتعامل فيه إيران سرا مع الحكومة الإسرائيلية كانت تدين علنا الدولة اليهودية وتشكك في حقها في الوجود).
لم نقل في يوم ما أن الصراع بين تل أبيب وطهران ذو طابع عقدي أو أيديولوجي، وإنما هو تصادم بين طموحات إيران الإقليمية وإصرار إسرائيل على الهيمنة الإستراتيجية، بين تطلع إيران نحو بناء قوة إقليمية مستقلة وغير تابعة وتوجه صهيوني نحو تأمين ’’تفوقها’’..
ويستدرك علينا ثالث بالقول: (ثمة تلاعب كل من إيران وإسرائيل بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالرغم من أن العلاقات بين الطرفين تراوحت بين التواطؤ السري والتصادم العلني).
ويحسم رابع المسألة: (الخطر الإيراني صناعة إسرائيلية)، ويضيف خامس: (العقوبات الأمريكية الأخيرة تعزيز لقوة الجناح المتشدد في نظام الملالي وهدية لا تقدر بثمن لإحكام قبضته داخليا).
نعم، ثمة تلاعب إيراني إسرائيلي بالإيديولوجية والدين في صراع الهيمنة على المنطقة، للتغطية على نزاع إستراتيجي. وهذا لا يطعن في حق إيراني ولا يُغيب تأثيرها وإسنادها للمقاومة اللبنانية والفلسطينية.
لكن الولايات المتحدة تمعن في الخطأ باستمرارها في رسم سياستها في المنطقة بالحبر الصهيوني. إسرائيل كيان هرم باكراً. قدرتها على تقديم الخدمات للغرب وأميركا محدودة. لم تعد تصلح لتبنى عليها حسابات الأمن والاستقرار. وما عادت حاملة الطائرات المرهوبة الجانب. فلم يحسب لها العرب ألف حساب؟ نتحدث عن التغلغل الإيراني، ونسينا أن التغلغل الصهيوني بلغ حدَ اختيار الحاكم (كما في مصر) والتأثير على أقلام وصحف لتسويق جرائمها أو للتستر عليها، كما في حالة قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط، الممولتين بمال سعودي.
ما العيب أن تسند إيران المقاومة ولو لخدمة طموحاتها وتوجهاتها المعلنة والخفية، المهم أن لا تتحول المقاومة إلى أداة أو مجموعة وظيفية تتحرك وفق الإيقاع الإيراني. وأن نصرة المقاومة ليس حكرا على أحد، ومواجهة الهيمنة الصهيونية ليست وقفا على مناطق دون أخرى، ثم إذا كان لإيران تأثير نافذ على حركات المقاومة، فهذا يكشف عجز العرب وضعفهم وجبنهم، وليس مكر إيران وخديعتها، وإلا لماذا لم يتحرك العرب لإسناد المقاومة بدلا من تجريمها أو مقاطعتها أو التشكيك فيها، ولماذا لا يسعوا لتوظيف قدرة إيران للإسهام في استقرار المنطقة، بدلا من معاداتها ومخاصمتها، كما تنص عليه السياسة الصهيونية والأمريكية؟ لماذا كل هذا التهويل والحساسية المفرطة من إيران؟ إيران تصنع سياستها وتوجهاتها، مصالحها وطموحاتها، أما العرب، فيتم رسم سياستهم تجاه إيران في أروقة واشنطن وتل أبيب.
إيران تريد تحجيم الكيان الصهيوني وتحشره في زاوية ضيقة، هل هذا الكلام يعني تبييض تاريخ إيران وحاضرها وإطلاق يدها في المنطقة؟ لماذا هذا التلازم الذي لم يقل به عاقل.
انتصارنا للحق الإيراني في بناء قوة مستقلة لمواجهة الهيمنة الصهيونية في المنطقة، لا يبرئ ساحتها فيما ارتكبته في العراق خلال السنوات الأخيرة، يبقى الجرم الإيراني في بغداد وغيرها (أو بالأحرى الجناح المتنفذ، والذي تمثله أجهزة الحرس الثوري) وصمة عار في تاريخ إيران الثورة، وهو يفرض قدرا من الحذر في التعامل مع سياساتها وتوجهاتها، لكن بقدر أقل من الحساسية والتوجس.
ليست المشكلة في كون النزاع بين إيران وتل أبيب إيديولوجيا أو إستراتيجيا، أو أنه ليس ثمة نزاع أصلا (وهو ما لا تصدقه التطورات الأخيرة)، وإنما في تخلي بلداننا العربية عن عمقها الإستراتيجي وعن مصالحها وقضاياها، نشكك في إيران لأنها ملأت الفراغ، فلم لا نضغط على أنظمتنا للتملص من القبضة الأمريكية على سياساتها، لم لا نطالب ونتحرك لننتزع استقلالنا الثاني، استقلال الإرادة والقرار.
ما الجرم الذي ارتكبته إيران حتى تسلط عليها هذه العقوبات أكثر من التمسك بالحقوق وانتزاع اعتراف دولي، وهل ستحيلها العقوبات ’’الأشد’’ إلى عزلة شبه تامة، وتفقدها القدرة على التحرك والمناورة، ودفعها إلى التهافت على طلب التسوية والتفاوض المهين، ليس ثمة ما يوحي بذلك.
أم أننا نتمنى لها الهلاك، لأن بعض أجنحتها ’’الثورية’’ أجرمت في العراق، وهل هناك بلد عربي لم يسجل التاريخ له قائمة جرائم في حق شعبه وربما بعض جيرانه، إلى يوم الناس هذا؟ وإذا كنا لا نثق في توجهات إيران، فهل من عقلاء الأمة من يثق في سياسات وتوجهات بلد عربي من المحيط إلى الخليج؟
لنتحلى بقليل من الجرأة والصراحة، أموالنا حارب بها الأمريكان العراق وأفغانستان، وغارت بها إسرائيل على غزة ولبنان، مولنا بها المارونية السياسية والحملات الانتخابية هنا وهناك، وحاصرنا غزة بغلق المعابر وفرض العزلة على شعوبنا، أيهما أشنع وأكثر جرما إيران (الحرس الثوري) أم أنظمتنا العربية؟
أعجب من البعض يغض الطرف عن حاكميه، وجرمهم العابر للحدود، بينما يحمل إيران وزر جرم بعض متنفذيها.
وليعذرني إخواني الناقدين على مجلة العصر لأنها عارضت العقوبات المسلطة على إيران، وساندت الحق الإيراني في بناء قوة عسكرية ذاتية تحقق بها قدرا من توازن القوى، لن نقول إلا ما نقتنع به، ربما لن نقول كل ما نفكر فيه، لكننا ـ حتما ـ سنفكر في كل ما نقوله..
وفي الأخير، حقق كثيرون منا هدف ما يسمونه ’’التأثير الإستراتيجي’’ أو حرب العقول والأفكار، عندما يرددون مقولة الخطر الإيراني مقدم وأشد على العرب من الخطر الصهيوني. فلننتبه إلى طبائع وأنماط تفكيرنا، فقد اخترقت بعضها الحرب الدعائية الصهيونية ولو من غير تأثيرها. ولا تلازم بين نصرة المقاومة ونصرة الحق الإيراني في التسلح، لكن على الأقل لا نشكك في الموقف المساند لإيران، إذ لم نقتبس عقيدة ولا مذهبا ولا نظاما ولا فلسفة حكم، وإنما انتصرنا لقوة الموقف والتمسك بالحق والاستقلالية في بناء القوة الإقليمية.
*العصر