’الفوضى الخلاقة’...الخيار الفاشل للمناوئين للسلفية؟
14-5-2010
لا يمكن لمنصف أن يضع الناقدين للمنظومة السلفية المعاصرة في سلة واحدة، فهم على تباين واضح في منطلقاتهم ودوافعهم وأهدافهم، ولكن يجمع هؤلاء ’’تصور غير صحيح’’، وهو أن الخطوة الأولى نحو بلورة مشروع إصلاحي نهضوي في هذه البلاد، يكون بالقضاء المبرم على السلفية وتهميشها.. ورهان ’’الفوضى الخلاقة’’ تجاه المنظومة السلفية في السعودية، يعد حرثاً في الماء ومضيعة للوقت لسببين رئيسين:
عندما وطئت مجنزرات الجيش الأمريكي ساحة الفردوس في بغداد، وعمدت كتائبه إلى تفكيك الدولة العراقية وتفتيتها، تمهيداً لإعادة بنائها وفق الأنموذج الغربي الذي تأمله، فيما اصطلح على تسميته بـ’’الفوضى الخلاقة’’، لقي هذا المشروع فشلاً ذريعاً آنذاك، لأنه قام على تصور غير صحيح من قبل الأمريكان وهو أن قوتهم وثقلهم العسكري والسياسي يكفي للإمساك بخيوط تلك الفوضى التي أطلقوها بعيد الاحتلال بأيام معدودة.
في الشأن المحلي السعودي، تعرضت السلفية المعاصرة بأطيافها المتنوعة، لأكبر محنة في تاريخها الحديث بُعيد 11 سبتمبر 21، وقد أسهمت عوامل عدة في تزايدها وأغرت الكثيرين من خصومها لاهتبال هذه الفرصة الاستثنائية للقضاء عليها، أو تفتيتها وتفكيكها وإعادة تركيبها لتتوافق مع مشروعاتهم الخاصة، ولعل ثمة أسباب داخلية فاقمت من هذا الوضع السيئ، بالإضافة لعدة عوامل دولية وسياسية، تكمن فيما يلي:
1 ـ رحيل الرموز السلفية الكبرى التي تلتف حولها جميع الأطياف.
2 ـ مراجعات وانقلاب في خطاب بعض رموز الصحوة.
3 ـ الانفتاح الثقافي والفكري للمجتمع عبر الفضائيات والانترنت، الذي كشف مواطن خلل في الخطاب السلفي المعاصر، و’’أعاق’’ سرعة التصحيح والتقويم، أو حتى إيجاد جو صحي، يُتاح فيه للسلفية معترك التحديث والتطوير.
فغير صحيح أن السلفية المعاصرة كانت جامدة على نسق واحد منذ توهج دعوتها خلال العقود الماضية، وإن كان تطور خطابها لم يكن بالسرعة المطلوبة، ولكن من المعلوم أن أي منظومة فكرية وثقافية تتعرض لهجمات شرسة على كل الأصعدة، ابتداء بحملات إعلامية منظمة، ومروراً بتراجعات على صعيد الرموز والقيادات، ونزيف حاد في صفوف القيادات والأتباع، فمن الطبيعي أن ينزع ’’الثابتون’’ على أدبيات السلفية المعاصرة إلى القراءة المحافظة لكل مخرجات المدرسة، ومن الطبيعي ـ أيضاً ـ أن يرتابوا تجاه الحملات النقدية لتراثهم ومسيرتهم، فالشعور بالاستهداف وإشعال الحرائق في أنحاء المنظومة، يبدد أي أجواء صحية للحوار والمراجعة والتقويم.
ومهما بعث الناقدون والمشفقون برسائل تطمينية، إلا أن ’’الأداء المجمل للناقدين’’، لا يبعث على الارتياح لدى الجماهير والقيادات..
فالسلفيون إن قبلوا الحديث النظري الجميل عن الحرية والرقي والتطور، فلن يقبلوا أن يوصف نظام عربي صاحب سجل أسود كالح في منظمات حقوق الإنسان، بأنه نظام جيد ولديه أشياء إيجابية تستحق الذكر!!
وإن قبلوا الثناء العاطر على تداول السلطة في أوربا، فلن يقبلوا الزيارات المكوكية لنظم عربية عسكرية والإسهام الفعال في حملاتها الأمنية المطعمة بالثناء على من جاء إلى سدة الحكم على ظهور الدبابات، وإن قبلوا ’’التخريجات الفقهية’’ لصور ذهنية في موضوع الاختلاط، فلن يقبلوا توظيف هذه التخريجات في حفلات ساقطة تكشف فيه المرأة ما عُلم من الدين بالضرورة، من حرمة كشفه، كالرأس والساق والصدر.
لا يمكن لمنصف أن يضع الناقدين للمنظومة السلفية المعاصرة في سلة واحدة، فهم على تباين واضح في منطلقاتهم ودوافعهم وأهدافهم، ولكن يجمع هؤلاء ’’تصور غير صحيح’’، وهو أن الخطوة الأولى نحو بلورة مشروع إصلاحي نهضوي في هذه البلاد، يكون بالقضاء المبرم على السلفية وتهميشها..
ومهما حقن الناقدون عباراتهم ومقالاتهم وبرامجهم بالكلام النظري عن الحوار واحترام الآخر، إلا أن نظرة سابرة لأدائهم تجعل من الصعوبة تصديق دعواهم وذلك بإجراء مقارنة خاطفة بين خطاب الناقدين مع سائر الطوائف الفكرية وبين المنظومة السلفية، فمع الآخرين تجد اللين والرفق ’’وتفعيل المساحات المشتركة’’، ومع السلفية تجد العبارة الحادة ولغة التعميم والضرب على الوتر المذهبي والمناطقي والإقليمي.
رهان ’’الفوضى الخلاقة’’ تجاه المنظومة السلفية في السعودية، يعد حرثاً في الماء ومضيعة للوقت لسببين رئيسين:
أولاً:’’البعد السلفي’’، مكون رئيس في منظومة هذه البلاد، والقارئ لتاريخ البلاد في أطوارها الثلاثة، يدرك هذا جيداً، ولعل تصريحات بعض القيادات الكبرى في الثناء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونفي ما يلصق بها من اتهامات، ومثيلاتها يدل على وجود رؤية متعاظمة في النسيج السياسي على الدور الجوهري للدعوة السلفية المعاصرة، أو ما يسميها خصومها بالوهابية، وهذا العامل السياسي لا يمكن مجابهته حتى على الصعيد الفكري والعلمي، لأن أدوات غالبية الناقدين الفكرية وإمكاناتهم على الأرض كالليبراليين والإصلاحيين والطائفيين لا ترقى لمقارعة السلفية المعاصرة فضلاً عن هزيمتها.
ثانياً: الرموز الدعوية المتراجعة عن الخط العام للسلفية أو الصحوة، تلقى الكثير من الترحيب من عامة الناقدين، بوصفهم ’’الحصان الأسود’’ لاقتحام القلعة بأحد جنودها ورجالاتها، ولامتلاكهم للأدوات الشرعية ’’والكاريزما’’ الشعبية التي يفتقدونها تماماً، ولكن مراهنة الناقدين من ليبراليين وإصلاحيين وطائفيين عليهم محكوم عليها بالفشل، لسبب ظاهر، وهو أن الرموز المتراجعة رفعت الراية البيضاء في عملية التغيير والإصلاح، وليس لديها أي مشروع متكامل للتغيير، فدورهم تجاه ملف الإصلاح السياسي مثلاً سيكون شبيهاً بدور المؤسسة الدينية الرسمية في التسعينات، وإن ابتعدوا شيئاً ما عن التمازج التام مع النظام، ولكنها تسير وفق هامش محدود وليس في أجندة رموزها أي نية لتوسيعه.
يجدر التنبيه إلى أن حديثي هنا ينصب على تقويم مدى نجاح رهان ’’الفوضى الخلاقة’’ لدى المناوئين للسلفية المعاصرة، وهذا لا يعني عودة الأمور كما كانت عليه سابقاً، أو الزعم بخلو أداء السلفيين من الأخطاء والثغرات، أو عدم حاجة المنظومة السلفية المعاصرة للتصحيح والمراجعة من قبل أهل العلم الشرعي والمثقفين الغيورين، وإنما هو رصد شخصي لفشل إغفال هذا المكون الرئيس في هذه البلاد، وتهميش ثقله عبر وصف أصحابه بأنهم ’’قلة متشددة’’ أو ’’متسلفة’’ أو ’’شوية شباب’’!!
14-5-2010
لا يمكن لمنصف أن يضع الناقدين للمنظومة السلفية المعاصرة في سلة واحدة، فهم على تباين واضح في منطلقاتهم ودوافعهم وأهدافهم، ولكن يجمع هؤلاء ’’تصور غير صحيح’’، وهو أن الخطوة الأولى نحو بلورة مشروع إصلاحي نهضوي في هذه البلاد، يكون بالقضاء المبرم على السلفية وتهميشها.. ورهان ’’الفوضى الخلاقة’’ تجاه المنظومة السلفية في السعودية، يعد حرثاً في الماء ومضيعة للوقت لسببين رئيسين:
عندما وطئت مجنزرات الجيش الأمريكي ساحة الفردوس في بغداد، وعمدت كتائبه إلى تفكيك الدولة العراقية وتفتيتها، تمهيداً لإعادة بنائها وفق الأنموذج الغربي الذي تأمله، فيما اصطلح على تسميته بـ’’الفوضى الخلاقة’’، لقي هذا المشروع فشلاً ذريعاً آنذاك، لأنه قام على تصور غير صحيح من قبل الأمريكان وهو أن قوتهم وثقلهم العسكري والسياسي يكفي للإمساك بخيوط تلك الفوضى التي أطلقوها بعيد الاحتلال بأيام معدودة.
في الشأن المحلي السعودي، تعرضت السلفية المعاصرة بأطيافها المتنوعة، لأكبر محنة في تاريخها الحديث بُعيد 11 سبتمبر 21، وقد أسهمت عوامل عدة في تزايدها وأغرت الكثيرين من خصومها لاهتبال هذه الفرصة الاستثنائية للقضاء عليها، أو تفتيتها وتفكيكها وإعادة تركيبها لتتوافق مع مشروعاتهم الخاصة، ولعل ثمة أسباب داخلية فاقمت من هذا الوضع السيئ، بالإضافة لعدة عوامل دولية وسياسية، تكمن فيما يلي:
1 ـ رحيل الرموز السلفية الكبرى التي تلتف حولها جميع الأطياف.
2 ـ مراجعات وانقلاب في خطاب بعض رموز الصحوة.
3 ـ الانفتاح الثقافي والفكري للمجتمع عبر الفضائيات والانترنت، الذي كشف مواطن خلل في الخطاب السلفي المعاصر، و’’أعاق’’ سرعة التصحيح والتقويم، أو حتى إيجاد جو صحي، يُتاح فيه للسلفية معترك التحديث والتطوير.
فغير صحيح أن السلفية المعاصرة كانت جامدة على نسق واحد منذ توهج دعوتها خلال العقود الماضية، وإن كان تطور خطابها لم يكن بالسرعة المطلوبة، ولكن من المعلوم أن أي منظومة فكرية وثقافية تتعرض لهجمات شرسة على كل الأصعدة، ابتداء بحملات إعلامية منظمة، ومروراً بتراجعات على صعيد الرموز والقيادات، ونزيف حاد في صفوف القيادات والأتباع، فمن الطبيعي أن ينزع ’’الثابتون’’ على أدبيات السلفية المعاصرة إلى القراءة المحافظة لكل مخرجات المدرسة، ومن الطبيعي ـ أيضاً ـ أن يرتابوا تجاه الحملات النقدية لتراثهم ومسيرتهم، فالشعور بالاستهداف وإشعال الحرائق في أنحاء المنظومة، يبدد أي أجواء صحية للحوار والمراجعة والتقويم.
ومهما بعث الناقدون والمشفقون برسائل تطمينية، إلا أن ’’الأداء المجمل للناقدين’’، لا يبعث على الارتياح لدى الجماهير والقيادات..
فالسلفيون إن قبلوا الحديث النظري الجميل عن الحرية والرقي والتطور، فلن يقبلوا أن يوصف نظام عربي صاحب سجل أسود كالح في منظمات حقوق الإنسان، بأنه نظام جيد ولديه أشياء إيجابية تستحق الذكر!!
وإن قبلوا الثناء العاطر على تداول السلطة في أوربا، فلن يقبلوا الزيارات المكوكية لنظم عربية عسكرية والإسهام الفعال في حملاتها الأمنية المطعمة بالثناء على من جاء إلى سدة الحكم على ظهور الدبابات، وإن قبلوا ’’التخريجات الفقهية’’ لصور ذهنية في موضوع الاختلاط، فلن يقبلوا توظيف هذه التخريجات في حفلات ساقطة تكشف فيه المرأة ما عُلم من الدين بالضرورة، من حرمة كشفه، كالرأس والساق والصدر.
لا يمكن لمنصف أن يضع الناقدين للمنظومة السلفية المعاصرة في سلة واحدة، فهم على تباين واضح في منطلقاتهم ودوافعهم وأهدافهم، ولكن يجمع هؤلاء ’’تصور غير صحيح’’، وهو أن الخطوة الأولى نحو بلورة مشروع إصلاحي نهضوي في هذه البلاد، يكون بالقضاء المبرم على السلفية وتهميشها..
ومهما حقن الناقدون عباراتهم ومقالاتهم وبرامجهم بالكلام النظري عن الحوار واحترام الآخر، إلا أن نظرة سابرة لأدائهم تجعل من الصعوبة تصديق دعواهم وذلك بإجراء مقارنة خاطفة بين خطاب الناقدين مع سائر الطوائف الفكرية وبين المنظومة السلفية، فمع الآخرين تجد اللين والرفق ’’وتفعيل المساحات المشتركة’’، ومع السلفية تجد العبارة الحادة ولغة التعميم والضرب على الوتر المذهبي والمناطقي والإقليمي.
رهان ’’الفوضى الخلاقة’’ تجاه المنظومة السلفية في السعودية، يعد حرثاً في الماء ومضيعة للوقت لسببين رئيسين:
أولاً:’’البعد السلفي’’، مكون رئيس في منظومة هذه البلاد، والقارئ لتاريخ البلاد في أطوارها الثلاثة، يدرك هذا جيداً، ولعل تصريحات بعض القيادات الكبرى في الثناء على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ونفي ما يلصق بها من اتهامات، ومثيلاتها يدل على وجود رؤية متعاظمة في النسيج السياسي على الدور الجوهري للدعوة السلفية المعاصرة، أو ما يسميها خصومها بالوهابية، وهذا العامل السياسي لا يمكن مجابهته حتى على الصعيد الفكري والعلمي، لأن أدوات غالبية الناقدين الفكرية وإمكاناتهم على الأرض كالليبراليين والإصلاحيين والطائفيين لا ترقى لمقارعة السلفية المعاصرة فضلاً عن هزيمتها.
ثانياً: الرموز الدعوية المتراجعة عن الخط العام للسلفية أو الصحوة، تلقى الكثير من الترحيب من عامة الناقدين، بوصفهم ’’الحصان الأسود’’ لاقتحام القلعة بأحد جنودها ورجالاتها، ولامتلاكهم للأدوات الشرعية ’’والكاريزما’’ الشعبية التي يفتقدونها تماماً، ولكن مراهنة الناقدين من ليبراليين وإصلاحيين وطائفيين عليهم محكوم عليها بالفشل، لسبب ظاهر، وهو أن الرموز المتراجعة رفعت الراية البيضاء في عملية التغيير والإصلاح، وليس لديها أي مشروع متكامل للتغيير، فدورهم تجاه ملف الإصلاح السياسي مثلاً سيكون شبيهاً بدور المؤسسة الدينية الرسمية في التسعينات، وإن ابتعدوا شيئاً ما عن التمازج التام مع النظام، ولكنها تسير وفق هامش محدود وليس في أجندة رموزها أي نية لتوسيعه.
يجدر التنبيه إلى أن حديثي هنا ينصب على تقويم مدى نجاح رهان ’’الفوضى الخلاقة’’ لدى المناوئين للسلفية المعاصرة، وهذا لا يعني عودة الأمور كما كانت عليه سابقاً، أو الزعم بخلو أداء السلفيين من الأخطاء والثغرات، أو عدم حاجة المنظومة السلفية المعاصرة للتصحيح والمراجعة من قبل أهل العلم الشرعي والمثقفين الغيورين، وإنما هو رصد شخصي لفشل إغفال هذا المكون الرئيس في هذه البلاد، وتهميش ثقله عبر وصف أصحابه بأنهم ’’قلة متشددة’’ أو ’’متسلفة’’ أو ’’شوية شباب’’!!