في كل مرة، ننصب أغلالا وقضاة يحاكمون الأفكار ويسفهونها ويجرحونها، وننسبها إلى الشرع المنزل، حتى لا يعلو صوت على صوت المتسلط بالدين أو المحتكر له، لكنه زمن سبق وعيه جيله، وما عاد للمتسلط على الحر من سبيل..
بقلم خالد حسن
اللحظة الحرجة والحاسمة والفارقة، يصنعها الأحرار، بالرفض والإباء وتعبيد الطريق الطويل للحرية، لسنا ننفس عن مكبوتات، وإنما هو زمن انتزاع حق الاختيار، سموه كما شئتم، لا انحناء لظالم بعد اليوم، ولا للإيغال في التورية والتقية السياسية، كفانا كلاما باردا أعزل لا روح فيه ولا ضمير..
أين البرنامج؟ أين الخطة؟ لماذا التثوير والتهييج؟ أليس في قاموسكم غير الاعتراض السياسي؟ لا نبيع كلاما معسولا ولا نروج لبضاعة كاسدة، ليس ثمة معركة تعلو على حق الاختيار وحق التمثيل الحر، لقد رضي لنا ربنا الإسلام دينا وهاديا، إسلام العزة والمنعة والكرامة والتحرر من قيود الأصنام البشرية، وليس فقط الحجرية، أفلا نرتضيه لأنفسنا ولمعاركنا وحياتنا كلها..
الواحد منا يعيش في قفص، مُصادر عقله وإرادته، يتكلم بلسان غير لسانه ويفكر بعقل غير عقله وينبض قلبه بفؤاد غير فؤاده، ثم تجده يردد كلاما خارج سياقه هو أشبه بقوالب يحملها معه أينما تولى، فقدت بريقها وروحها ومعانيها..
تبا للديمقراطية وتبا لدعاة الحرية وتبا للمثقف المخاصم للخطاب الشرعي (إلى الآن لم أفهم ماذا يعنون بتجاوز الخطاب الشرعي واحتياطات الشرعي، وكأن الشرع محتكر لا يخرج عن وصاية مجموعة بعينها من ’’الشرعيين’’)، لكن دلَونا على سبيل يخرجنا من هذا البؤس والتيه الذي نتخبط في أنحائه، و’’نضمن فيه الصلاح الشرعي والصلاح الدنيوي’’، كلام أشبه بهياكل جامدة منزوعة الروح والحراك، وكيف يتحقق هذا الصلاح، بل وأنى لك أن تتطالب به، من دون رقيب ولا عصي ولا مطارد، وأنت لا تقدر على مجاوزة حد مرسوم ومربع معلوم، وإذا تكلمت فبهمس، وإذا ناقشت لا تخرج الموضوعات عن قائمة جاهزة مستهلكة، تزيد وتنقص حسب هوى من يحكم؟
لا نريد للديمقراطية الغربية أن تحكم، ونريد أن يحكم شرع ربنا عز وجل، لكنه الشرع المنزل لا المبدل ولا الخاضع للأهواء، يعبث به أولو الأمر مسلوبو الإرادة ووعاظ السلاطين..
نعم خذلنا قضايانا، ولم ننتصر لكرامتنا وحقوقنا المسلوبة، وقدمنا بين يدي هذا الخذلان دعاوى ومسوغات، ثم لما قام في الأمة ـ مجددا ـ بعض أهل العلم والرأي والنظر، يحيون فيها معاني الكرامة والعزة والمساءلة والاعتراض، اتُهموا بأنهم تجاوزا ’’الخطاب الشرعي’’..
في كل مرة، ننصب أغلالا وقضاة يحاكمون الأفكار ويسفهونها ويجرحونها، وننسبها إلى الشرع المنزل، حتى لا يعلو صوت على صوت المتسلط بالدين أو المحتكر له، لكنه زمن سبق وعيه جيله، وما عاد للمتسلط على الحر من سبيل..
*العصر