مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الأسرة الغربية بين الثابت و المتغير في القوانين الوضعية
الأسرة الغربية بين الثابت و المتغير في القوانين الوضعية

بقلم عفاف عنيبة

توطئة :

إخترت هذا العنوان لسبب بسيط و هو تميز المدنيات الغربية بصفة عامة بمواكبتها للتغيرات و سعيها الحثيث علي تكييف قوانينها الوضعية بحسب المتغيرات و هذا في كل المناحي و خاصة في مجال الإجتماع. وقد قال جاك هنريبان كاتب و ديمغرافي و أستاذ متقاعد عن جامعة مونريال ’’ كل مجتمع عليه أن يقوم بدوره ألا و هو تجديد أعضاءه و هذا لن يتم إلا عبر مؤسسة العائلة.’’ و سنري إن شاء الله أن حرص الحضارة الغربية علي تحقيق أقصي حد من الحرية الفردية لمواطنها سيتحول شيئا فشيئا إلي أحد أهم الأسباب إنهيار الأسرة الغربية.

التعريف بالأسرة قانونيا:

في التعريف الأول للمعهد الوطني للإحصائيات و الدراسات الإقتصادية الفرنسي العائلة جزء من شركة متكونة من شخصين سليمين البنية كانا زوجين أو رجل و إمرأة غير متزوجان أو دون أطفال أو بشخص بالغ مع طفل أو أكثر. في العائلة الطفل يجب أن يكون عازبا. و أما التعريف القانوني الثاني فهو كما يلي : العائلة مؤسسة قانونية تجمع شخصين أو أكثر من خلال رباط الزوجية أو الدم أو وثيقة تبني .

الأسرة الغربية بين المفهوم الديني و التحولات الحضارية :

ظلت الأسرة في المجتمع الغربي من العصر الوسيط إلي النهضة و بدايات الثورة الصناعية المكان المثالي لتكوين الفرد الغربي : تصف اليهودية الأسرة بالبنيان الخالد و تؤكد المسيحية علي أن الرجل هو رب البيت و تأتمر المرأة بأوامره، قال جان مارك برتو في بحثه المعنون ب’’ دور العائلة في المسيحية’’ ’’ أن العائلة كيان إجتماعي مخلوق و ككل شيء مخلوق فهو غير قابل للتدمير من طرف الإنسان. فالعائلة المخلوقة تمثل و تختصر الجنس البشري و هي و إن كانت في أيامنا هذه معرضة للهجومات فهي موجودة للديمومة.’’ فالطلاق البائن لذي وقع بين الكنيسة في آواخر القرون الوسطي و نظام الحكم لم يحصل علي مستوي البنية الإجتماعية. فمفاهيم المسؤولية الزوجية و التناسل بقت هي هي، و ظل تأثير المعتقدات الدينية لليهود و المسيحيين كبير علي الأتباع. و التغييرات التي طرأت جيل بعد جيل كانت جراء التحولات التي عرفتها المجتمعات الغربية في شتي المجالات خاصة السياسية و الإقتصادية منها. و أنعكست هذه التحولات علي المجتمعات من حيث الرؤية الحضارية لدور الأسرة في المجتمع. و قد حدد أنطوان فورتير العائلة كما يلي في القاموس العالمي : ’’ بيت متكون من رب بيت و خدمه وهم الزوجة و الأطفال و الخدم.’’ كانت الحياة الزوجية لا تتجاوز خمسة عشر سنة و بوفاة أحد الزوجين يعيد الأرمل أو الأرملة الزواج و يلتقي تحت سقف واحد الأب مع أبناءه من زواجه الأول و الثاني. و كذلك هو الوضع مع الطلاق الذي كان نادرا ما يحصل، فالذهنية الأوروبية آنذاك كانت تقاوم الإنفصال إلا أنه عند حصوله، نري المطلقين يعيدا الزواج لنشهد توسع العائلة. و بعد حرب التحرير الأمريكية 1776- 1783 و بعد الثورة الفرنسية في 1789 و تسارع وتيرة الثورة الصناعية تصاعدت نزعات الفردية و الخيارات الحرة للزوج و مع تناقص المسؤوليات العائلية باتت ملامح الأسرة أكثر ثورية و مواكبة للتقدم الحضاري. لكن في المقابل وضعية المرأة لم تتحسن فقد كرس القرن التاسع عشر تبعيتها للرجل و الزوج علي وجه الخصوص، فالرأي السائد آنذاك كان يعتبر المرأة و الطفل كائنان ضعيفان لطيفان في حاجة إلي رعاية و حماية. و نشأت بفعل ذلك نزعة إلي التأكيد علي خصوصية العش الزوجية و حمايته من أي عدوان أو تطفل خاريجي هذا ما أعطي الأسرة البورجوازية. و في الطرف الآخر هناك العائلة العمالية، فالثورة الصناعية أخذت من هذا النموذج العائلي الوقت و المودة و سينجر عن دخول الزوجة و المرأة بصفة عامة معترك العمل مفاسد كبيرة جدا. فصارت العائلة في قلب السياسات الإجتماعية للقرنين التاسع عشر و العشرين. فشحب النموذج الديني للعائلة و غدي التعامل معها قائما علي مبدأ المنفعة. فالأنظمة و الحكومات المشغولة بوتيرة النمو أصبحت تنظر لها بعين الريبة، فالتماسك الإجتماعي المنشود إضمحل أمام مطالب نقابات العمال و قد تسبب خروج المرأة لسوق العمل في بروز ظواهر جديدة كتشرد الأطفال و إنفجار الأسرة و عدم المساواة في الأجور و الحقوق بين الرجال و النساء هذا ما سيؤدي بالمجتمعات الغربية فيما بعد إلي معرفة الجمعيات النسوية من أجل المساواة. فالأم التي كانت القلب النابض للأسرة تحولت إلي إنسانة مرهقة جسمانيا و فكريا، فوجودها خارج البيت لم يعفيها من مسؤوليات الزوجية و الأمومة، بل إزدادت مسؤولياتها في حين نري الرجل الزوج و الأب منشغلا أكثر بأنسنة ظروف العمل القاسية التي تولدت عن الثورة الصناعية و العلمية.

فالنظام الرأسمالي بلور مفهوم جديد للإستغلال، إستغلال حاجة الناس، طموحاتهم مجبرا إياهم التضحية بمكتسبات العائلة. فالطفل في العائلة البريطانية كما جاء وصفه علي لسان الكاتب الشهير جاك لندن ’’ طفل شاحب، يبدو عليه الهزال، عينيه زائغتين، يلتحق باكرا بأبيه ليمشي علي خطاه، فالمناجم في إنجلترا كانت الأولي في توظيف الطفل. هناك منهم صنف عندما يخرج في آخر النهار من المنجم لا يقوي علي فتح عينيه لشدة إعتياده ظلمة المنجم!’’ فلنتصور ما آلت إليه الأسرة في عهد الرأسمالية المتوحشة ! ذهبت أدراج الرياح معاني التكافل و التضامن و المسؤولية، كي يدفع بالمرأة و الطفل إلي سوق العمل في ظروف أقل ما يقال عنها أنها لا إنسانية و هذا وجه من وجوه هدم أركان الأسرة التي بشرت بها الديانات اليهودية و المسيحية. أنتج التطور الحضاري صراع مرير بين القيم العائلية و بين إحتياجات الزوجين للإنفاق و قد أحدث هذا الصراع نوع من القطيعة بين المثل و الواقع. إعترت مؤسسة الأسرة الأزمات و أعيد النظر في الرباط المقدس ألا و هو الزواج. و إعادة النظر هذه ستكون ضرورية بمقتضي التطورات و التغييرات الإرادية و الغير الإرادية التي طرأت علي مفهوم الزواج. و هنا يجدر القول أن إحدي حصون الدين المنيعة إنهارت أمام موجة التحرر و ذهنية الهروب من المسؤوليات. إلا أن الثورة القادمة ستجد أمامها حكومات و دول يهمها الحفاظ علي الحد الأدني من النسيج الإجتماعي الصحي. فقشرة الدين في المجتمعات الغربية العلمانية تلاشت خلف رغبة الجميع في تكريس لغة المصالح أي مفهوم المنفعة الآنية، فالمرأة الغربية من خلال مطالبتها بالمساواة رأت في النظام التقليدي للعائلة إعتداءا علي حقوقها و دورها، فهي تبذل جهودا في الداخل و الخارج و قلما يقيم هذا الدور. و صارت المرأة ممزقة بين رهانات عدة أهمها أن تعيش حريتها بعيدا عن وصاية الزوج و الرجل و النتيجة الطبيعية لكل هذا، الهروب من مسؤولية الزواج الديني و المدني و المزيد من العلاقات غير الشرعية و المزيد من الضغوطات الصارخة علي مؤسسة الزواج ! فكما كتبتا فرانسين ديكاري و كريستين كورباي في دراستهم المشتركة ’’التشريح الإجتماعي للعائلة’’ : ’’أضاعت الكنسية سلطتها الأخلاقية و السياسية لفائدة الدولة، التي بمقتضي توسعها الإقتصادي و صعود حركة إحتجاجية إجتماعية سياسية سارعت في تحرير القوانين و تشبيب المؤسسات.’’ و يتزايد تدخل الدولة في مجالات مختلفة كالتربية و التعليم و الصحة و الخدمات الإجتماعية و ما من شك أن تأثيرها سيبرز بشكل واضح للعيان في الأسرة. و في محاولة منها للحفاظ علي التماسك الأسري ستعمل الدولة العلمانية علي حماية أضعف الأطراف في المعادلة و هم الأطفال و الزوجة، ففي مقاطعة كيبيك الكندية مثلا تبنت الدولة في 1964 قانونا مدنيا أكد علي كفاءة المرأة قانونيا و ألغي عمليا قوامة الرجل عليها. و في 1977 و علي إثر تجديد قانون العائلة عوض مصطلح السلطة الأبوية بالسلطة الوالدين. و ذهب التغيير إلي درجة أن في جوان 2002 أصبح القانون الذي يقنن للزواج يجيز إرتباط شخصين من نفس الجنس و تثبيت نسب زواج الشاذين جنسيا!!! نلاحظ إذن مدي تأثر مؤسسة الزواج بالإنقلاب القيمي و المفهومي الذي عرفته في القرن العشرين، فنفوذ الدين إنحسر في المجتمعات الغربية و جاءت موجة من رجال الدين المسيحيين التي تجرأت علي إجازة زواج الشاذين و الإرتباط الحر في محاولة يائسة لإبقاء مكانة الدين في قلوب و عقول لم تعد تؤمن إلا بما هو حسي.

الأسرة الغربية بين الثابت و المتغير في القوانين الوضعية :

في العصر الوسيط كانت الكنيسة تشدد علي قداسة رباط الزوجية، فما جمعه الرب لا يفكه الإنسان. و قد أقر التصور السائد حتي عند فلاسفة النهضة بأولوية الأسرة علي أي إعتبار آخر. في عصرنا الحالي بات هم المشرعين و السياسيين و المفكرين منصبا علي تحقيق هدف كبير و هو سعادة الفرد فقد تقلصت مساحة السعادة لتقتصر علي سعادة شخص. و هذا التحول جعل القانون الغربي حريص كل الحرص علي حماية الفرد و تثبيت حقه في السعادة و الآمان. فمفاهيم المساواة بين الرجل و المرأة في كل الميادين و خاصة في الزواج جاءت معاكسة للقيم الدينية اليهودية و المسيحية التي طالما أولت إهتماما كبيرا بالخلية الإجتماعية الأولي ألا و هي الأسرة، فالرجل لم يعد يحتل تلك المكانة المميزة في السلم الإجتماعي و المرأة لم تعد تولي إهتماما كبيرا بمهمتها الأولي الزوجية و الأمومة. من هنا تبدأ مشاكل مؤسسة الزواج التي إصطدمت بإنشغالات شرائح كاملة، باحثة عن تحقيق المتعة و المنفعة الخاصة. و مثل هذا الإنشغال ترجمته مختلف القوانين التي رأت النور في الخمسين سنة الأخيرة. لم يعد ثابت الأسرة التقليدية محترما من الأجيال الصاعدة، ففي كندا في 2001 نسبة الإرتباط الحر إرتفعت إلي 33 % بين الشباب التي تتراوح أعمارهم بين الرجال من 30 إلي 34 سنة و بين النساء من 25 إلي 28 سنة. هذا و قد بلغت نسبة الولادات الغير الشرعية في 2002 58 % و في فرنسا و لأول مرة في عام 2008 فاقت نسبة الولادات الغير الشرعية تلك الشرعية. فقد صاحبت القوانين الإتجاه الغير الأخلاقي التي تميزت به المجتمعات المتطورة، و كان تشريع الطلاق الذي كان ظاهرة مذمومة في الأيام الخوالي، الثورة التي سمحت للكثيرين التحرر من علاقة شرعية مستحيلة. و رافق الطلاق ظاهرة أخري المصاحبة الحرة، فالمطلقة تحبذ أكثر علاقة حرة بموجب أنها لا تريد فرض علي أبناءها زوج يزاحم صورة الأب في مخيلتهم و من جانب آخر لا تلزمها في شيء العلاقة الحرة كما هو الحال مع عقد الزواج. فسعادة الفرد و محاربة التمييز بين الجنسين و حفظ و صيانة حقوق الطفل إكتسبت طابع الثبات عبر العقود في مقابل ثوابت الزواج و الإستقرار العائلي و التناسل. و قد أضفت المساواة بين الرجل و المرأة الكثير من المسلمات التي كان ينظر لها في العصور الماضية كمحرمات و طابوهات، فالطفل الغير الشرعي و كما جاء في إعلان ميثاق حقوق الإنسان للأمم المتحدة متساوي و الطفل الشرعي في حقوق الرعاية و المادة 25 من الميثاق تقول ما يلي:

’’ لكل فرد الحق في مستوى معيشة مناسب يؤمن صحته وسعادته هو وعائلته بما يتضمن الغذاء والملابس والمسكن والعناية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية وحق التأمين ضد البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة أو أي نقص في حيويته ناتج عن أحداث تتجاوز سيطرته.

الأمومة والطفولة تستدعيان العناية الخاصة والمساعدة الاستثنائية. وكل الأطفال حتى الذين ولدوا خارج رباط الزوجية يجب أن ينالوا نفس الحماية الاجتماعية.’’ و في قانون إضافي جديد في القانون المدني الفرنسي وقع إقرار حق الطفل الغير الشرعي في الحصول علي ميراث والديه مثله مثل أخيه الذي ولد في إطار الزواج. ففي 1996 وقع مطالبة محكمة الإستئناف الفرنسية بتكييف المادة 760 من القانون المدني و مطابقتها بالميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان و المتضمن المادة 8 التي تلزم إحترام الحياة الشخصية و العائلية و المادة 14 التي تمنع التمييز و المادة المعنية تحدد الجزء الذي يرثه طفل الزنا مقارنة بالطفل الشرعي من الأم. رفع النظام الديمقراطي في الغرب الحاجز الأخلاقي بدعوة أنه لا يجوز الحجر علي حق الفرد في التمتع بحريته و إعتقاده ما يريد. قاد هذا التحرر من الوازع الأخلاقي الكثير من جماعات الضغط إلي معارضة أي توصية مسيحية إلي الحفاظ علي القيم الدينية بحجة ’’ أن الدين شيء جميل و لكن الأجمل أن لا يقف حائلا دون تحقيق سعادة الفرد.’’ فغدت شرعية الأمر الواقع أهم و أفضل من شرعية القيم الروحية ، فمنظومة القيم الروحية التي كانت بمثابة حجر الأساس في البنيان الإجتماعي لأروبا و أمريكا لقرون متوالية عوضت شيئا فشيئا بحزمة مباديء تعلي من شأن حرية الفرد علي حساب مصير مجتمع بأكمله. عندما حرر مكتب الطفولة الأمريكي في بداية الخمسينيات من القرن الماضي كتابا قيما عن كيفية رعاية الطفولة، إنطلق في رؤيته من وجهة نظر محافظة رأت في خروج المرأة إلي العمل أمرا إضطراريا و ليس خيارا حرا واصفا التغييرات المتلاحقة في بنية المجتمع الأمريكي بالإيجابية كونها تتيح لعدد كبير من العائلات التمتع بأكبر قدر من رفاه الحضارة و وسائلها. غير أن قاريء الكتاب التوجيهي لمكتب الطفولة سيلاحظ العناية التي يوليها لوظائف البنين و البنات و كيف أن الفتاة الأمريكية ليست مطالبة بأن تحسن الحساب كما هو مطالب به الفتي الأمريكي و هذا من منطلق أن الرجل هو مؤسس العائلة و هو من تقع علي كاهله مسؤولية الإنفاق و حتي في التربية الجنسية التي تلقن المراهقين الأمريكيين في أواسط القرن الماضي أعطيت مؤسسة الزواج المكانة اللائقة بها بإعتبار أن العلاقة الجنسية حاجة طبيعية و لا تلبي إلا في إطار معترف به إجتماعيا ألا و هو الزواج. غير أن وتيرة النمو المتسارعة و تعاظم دور الجماعات النسوية و الحقوقية ضغط بشكل كبير علي الحياة الإجتماعية الغربية، فالمرأة في رغبتها الملحة في فرض نفسها في عدة مجالات وجدت نفسها تتحمل نفس أعباء و إلتزامات و مسؤوليات الرجل مما أدي بها في الكثير من الأحيان إلي تأخير زواجها أو الإنجاب. فالمساواة بين الجنسين خلقت نماذج مختلفة للأسرة، الأسرة التي تعتمد علي الأم العزباء أو المطلقة و الأسرة التي تضم أطفال متبنين و الأسرة المنفصلة فبعض أعضاءها يعيشون في مدينة و البقية في مدينة أخري بحكم عمل الأب و الأم و نراهم يلتقون في آخر الأسبوع أو في العطل. فهذا النوع من الأسر يطور باكرا فلسفة الإعتماد علي النفس لدي الأبناء، و يشجعهم علي الإستقلال بأنفسهم في قراراتهم و دراستهم. بينما في العائلة التقليدية الأهداف التي كانت تسعي إليها من حوالي قرن تبدلت بفعل التقدم و إختلاف التحديات، فاليوم يعتبر الزوجان أنهما مسؤولان بالدرجة الأولي علي صحة و سعادة أبناءهم، و هما حريصان علي توفير فرص النجاح و التميز لهؤلاء الأبناء. و التركيز علي الأطفال لا يزال الدافع لدي الكثير من الأولياء علي إنجاح زواجهم. فهم و إن تخلوا عن الشكل الذي ورثوه عن آباءهم للحياة الزوجية إلا أنهم مصرون علي إستغلال كل ما هو إيجابي و مفيد لأبناءهم. فهم الإكثار من الإنجاب تواري خلف هم آخر إحتل حيز كبير من إنشغالات الأب و الأم علي السواء و هو كيفية توفير لأطفالهم أفضل السبل للنجاح في الحياة ! ’’فأن يكون أطفالنا أعضاء صالحين و مبدعين في مجتمعهم هذا أهم تحدي لإرادتنا و خبراتنا و طموحاتنا’’ كما صرحت بذلك السيدة لورانس بيرنود المؤلفة المشهورة لكتاب : ’’كيف أربي طفلي ؟’’ و في هذا المضمار يجد الكثيرين من الآباء أنفسهم أمام خيار تفعيل ما تلقوه عن آباءهم من قيم و مباديء ليلقونها إلي أطفالهم، و كما كتبت هيلاري رودام كلينتون في كتابها ’’ نحن بحاجة إلي قرية كاملة لتربية طفل’’ : ’’ مهمة تعريف الطفل بدينه موكولة إلينا نحن الآباء و الأمهات، فكل طفل له تساؤلات حول الخلق و الكون و من المهم جدا أن نجيب عنها باكرا... قيم التضامن و الإحسان و التكافل يجب أن يعرفها الطفل في محيطه الأسري قبل أي مكان آخر.’’ هكذا تجاوبت الحضارة الغربية مع حاجة فردها إلي الدين، و علي المرء أن يطور علاقته الدينية أو أن يتحرر منها فهذا موقفه الشخصي الذي لا دخل لأحد فيه. فالنظام العلماني نظر إلي الدين من زاوية محددة، فهو لا يعدو أن يكون مسألة شخصية لا تتعدي الفرد. و عندما يضطر الزوج و الزوجة أو الصديق و الصديقة إلي الإنفصال و حينما تتعذر سبل المصالحة بين الزوج و الزوجة، يصبح الأمر واقعا صعبا و علي كل الأطراف المساهمة بشكل فعلي و عملي في تخفيف وقعه علي الأطفال. ففي هذه الأحوال ستذهب جهود المطلق و طليقته إلي ضمان أسباب الإستقرار العاطفي و المادي للأطفال، فهما هكذا يحاولان أن يمتصا صدمة الإنفصال عند الصغار. و كما جاء في بحث جوسلين فالوا ’’العائلة هي المكان الأول الذي يعبر فيه الإنسان عن ذاته. و الأمن العاطفي الذي يتعين علي العائلة العصرية إيجاده سنلمسه في العلاقات فيما بين الأفراد و في مكانة كل فرد من أفراد العائلة علي حدة.’’

فحتي في الطلاق أخذ القاضي سلطات الزوج لينظر في صحة قرار الرجل المتقدم بطلب الطلاق و أما الطفل فهو يتمتع بحماية كاملة من سلطات المقاطعة التي يعيش فيها فهو بمقدوره أن يشتكي تصرف الأب العنيف نحوه أو عنف صديق الأم لتتدخل مصالح الأمن داعية ولي أمره إلي حسن معاملته و المتابعة القضائية إذا ما تكررت الشكوي. هذا ما عزز مفهوم سلطة الدولة علي سلطة الأبوين، فالطفل في الغرب هو ملك الدولة أكثر منه ملك عائلته و مثل هذه السلطة أحيانا كثيرا ما تكون تعسفية في حق الأطفال و الوالدين علي السواء. فكم من قضية فصل الأبناء عن آباءهم نظرت فيها المحاكم الأمريكية لمجرد الإشتباه في سلوك أحد الأبوين فحتي الضرب التأديبي الخفيف يحظر ممارسته علي الأطفال. فإن كانت تبحث العائلة التقليدية عن الأمن الإقتصادي صارت العائلة العصرية مهتمة بتأمين الأمن العاطفي لأبناءها. هذا لم يمنع من تباعد المستويات المعيشية بين الطبقات الإجتماعية، فالطفل اليوم يعيش إهمالا و عنفا حتي في ظل تطبيق القوانين و الدساتير الضامنة لحقوقه. ففي العلاقة الحرة بين الشريكين ولادة طفل لا تضمن بقاء الأب إلي جنب الأم، فوجود الشريك عابر و هذا يخلق إضطرابا نفسيا كبيرا لدي الطفل الذي يشعر أنه غير مرغوب فيه و كما ذكر دافيد كوبر صاحب كتاب ’’ موت العائلة’’ :’’- أوقعنا نمط المعيشة الإستهلاكي في فخ كبير، فنحن عوض أن نوفر لأسرنا الدفيء العائلي و الآمان أفقدناهم الشعور بالإنتماء للرابطة العائلية بحثا عن المزيد من المتعة والمزيد من المال.’’ ثم إن الطفل في الأسرة الغربية يتعلم باكرا جدا ميكانيزمات الإستقلال، فنراه في سن المراهقة أي بين ستة عشر سنة و الثامنة عشر من العمر يستقل عن والديه في المسكن و النفقة، فالحياة الدراسية تمنح المراهق حرية تجعله يستثقل وصاية الوالدين. ثم إن نمط المعيشة في الدول الغربية يروج لنموذج المراهق و الشاب المستقلين عن حضن العائلة و خروج الإبن أو الإبنة من دائرة الأسرة للعيش وفق مفهومهم للتحرر و الإعتماد علي الذات و مثل هذا الإتجاه العام أضعف مكانة العائلة و أضر بصلة الرحم. فمفهوم الحرية الشخصية الذي طبع الحياة الإجتماعية و العلاقات الإنسانية في العالم الغربي أثر تأثيرا كبيرا علي رؤية الأجيال الجديدة ناحية الآباء و الأجداد، فمعاناة الوالدين في تنشأة أبناءهم و توفير لهم أفضل الفرص في مجالات مختلفة من الدراسة إلي الرياضة، و من مستوي معيشة راق إلي تحقيق الذات كثيرا ما يقابل بجفاء من الأبناء الذين وجدوا أنفسهم ضمن نسق حضاري مادي لا يولي أي إهتمام لقيم التكافل و التراحم و التعاضد. فعوامل التقدم الإقتصادي و سيطرة الفلسفة المادية التي تؤمن فقط بالأثر المادي للجهد الإنساني و تحقر من شأن الروح و تعادي دور الدين كان له تأثير كبير و كبير جدا علي البنية الإجتماعية في الغرب. و أما في مجال تجديد أعضاء المجتمع ضعف نسبة التوالد مؤشر خطير علي شيخوخة المجتمع و عقمه فقد بين جاك هنريبان في دراسته المعنونة ب ’’تآكل المؤسسة العائلية في الكيبيك ’’ أن ’’ نسبة خصوبة الغربيين لا تتجاوز 1،8 من المائة في المتوسط و هذه النسبة غير كافية لتعويض الأجيال لأن المطلوب هو 2،1 بالمائة بينما مواطني مقاطعة كيبيك فهم يكتفون بنسبة 1،6 بالمائة من الولادات و هذا يمثل 25 بالمائة أقل من النسبة الضرورية. و مثل هذا السقف سينتج عنه بعد 40 سنة تضاعف نسبة الشيوخ.’’

ثم إن الأنظمة السياسية الغربية كان لها دور في الحد من دور العائلة بجعل الطفل الذي يولد في أي من أنواع العائلات المذكورة سابقا يقع تحت مسؤولية الدولة أكثر منه مسؤولية أبويه ! و هذه السياسة ثورة حقيقية بإعتبارها تترجم رؤية لا تثق بمؤسسة العائلة كضامن لإستقرار المجتمع و سلامته! قد رأينا في المجتمع الغربي كيف تعمل الدولة علي خلق وظائف تدعم بحسبها دور الوالدين، ففي الماضي كانت تضطلع العائلة بإعطاء بالإضافة إلى الحياة لأبناءها مكتسبات أخري كالثقافة و المهنة، الدين و القناعات السياسية. إلا أن تدخل الدولة الغربية الحديثة في المهمة التربوية جعل الأسرة تتنازل عن بعض وظائفها لتوكلها إلي المدرسة، مجلس الحكماء، دار الشباب، أو جماعة النظراء. أحيانا المؤسسة السياسية الغربية تناقض نفسها عندما رأيناها مثلا في صائفة 2005 كيف أن الحكومة الفرنسية إحتجت علي أبناء عدد كبير من المسنين الذين توفوا من جراء إرتفاع كبير لدرجات الحرارة، مطالبة إياهم بالقيام بواجباتهم نحو أولياءهم بتولي عملية دفنهم و حضور جنازاتهم!!! فمن الصعب تحقيق معادلة الإستثمار في الجيل الجديد بزرع قيم الإستقلال فيه و الإبقاء علي حاسة الإنتماء العائلي فيه.

فالمتغير الكبير الذي طرأ في تحديد كنه العائلة الغربية نلمسه بشكل مباشر في علاقة الفرد بالخلية الأولي للمجتمع. لا ينظر هذا الفرد إليها علي أنها المكان الطبيعي لسعادته كما كان الحال مع الفرد الأوروبي في القرون ما قبل القرن العشرين، و لا نراه يشعر بأي نوع من المسؤولية نحوها و لا يعتبر نفسه مسؤولا عن تحقيق إستقرار و صلابة العائلة الأخلاقية. و هذا البرود الذي أصاب علاقة الفرد الغربي بأسرته من جراء تأثير تيارات فكرية و سياسية ( إيديولوجية في الأساس ) وظفت توظيف سيء قيمة الأسرة لتربطها بإعتبارات و عوامل مادية صرفة، ففارق كبير بين نظرة النخبة الفكرية و السياسية الغربية للأسرة و بين نظرة مجرم كبير مثل هتلر الذي إرتأي في كتابته لكتابه الفريد ’’كفاحي’’ بتخصيص أول فصل في مؤلفه بعنوان ’’ في بيت والداي’’ فقد أفردت العقيدة النازية مكانا عظيما لقدسية مكانة الأسرة في المجتمع الألماني الآري حتي أن إحدي أواخر الجمل التي نطقها هتلر قبل إنتحاره كانت : ’’ كم أنا سعيد و فخور بإنجازنا في الحفاظ علي نساءنا داخل بيوتنا .’’ المفارقة أن التيار النازي الراديكالي المتطرف لم يقع في المطب الذي وقع فيه الفكر السياسي الغربي اللبيرالي بشقيه المحافظ و المتحرر من تسفيه الرابط المقدس ألا و هو الزواج و هذه حقا مفارقة.

في المجتمع الغربي تقديس لمتعة الفرد و لا يهم إن تمت هذه المتعة ضمن إطار الزواج، فتحركات التحرر النسوية دافعت عما سموه بحق المرأة في التمتع بجسدها كيفما شاءت بعيدا عن أسر الدين و التقاليد المحافظة و مثل هذا التوجه خلق المجتمع الإباحي الذي أصبح فيه الرجل لا يرتوي جنسيا بعلاقة واحدة منفردة و إنما بتعديد التجارب الجنسية و الشريكات دون الأخذ بعين الإعتبار أن الإنفلات الجنسي سيضر عاجلا أم آجلا بمناعة المجتمع و بديمومته و قد قال في هذا المضمار الكاردينال لوستيجر المتوفي : ’’ الحرية الجنسية لعنة من الرب، فنحن اليوم شعوب مسيحية بلا مستقبل، فأين هو الجيل الذي سيرث حضارتنا ؟ إنه مغيب بفعل حرية الإجهاض التي حرمت أجيال كاملة من أن تري النور.’’ ضاقت المسافة بين الثوابت و المتغيرات في الأسرة في القوانين الوضعية و صارت المؤسسة السياسية الغربية في مأزق كونها تتحمل قدر كبير من المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع. فأي كانت المبررات و أي كانت المسوغات الحضارية و التاريخية، فالعائلة في الغرب المتحضر في إنحدار مستمر و بات هم السياسيين اليوم ليس إنقاذ المجتمع الغربي من الإنهيار بل محاولاتهم مستميتة في الإبقاء علي جسم و مكانة العائلة بشكل إصطناعي فالأسرة في الغرب مريضة، و من يريد أن يزورها فهو مضطر لزيارتها في المستشفي و بالتحديد في غرفة الإنعاش ؟

التحديات المطروحة علي بساط التشريع الوضعي :

في الفصل السابق نكون قد إطلعنا علي مدي عمق المأزق التي تتخبط فيه العائلة في الغرب و الآن علينا أن نستعرض بعض الإشكاليات التي تتحدي القانونيين و المشرعين و علماء الإجتماع و رجال الدين في العالم المتحضر حول مستقبل مكانة الأسرة في الحضارة الغربية.

إحدي أهم التحديات التي تواجه المجتمع الغربي تناقص الجيل الشاب مما إضطر الدول الغربية لفتح باب الهجرة إلي دولهم و إستقدام فئة الشباب المتعلم من الدول النامية و المتخلفة ليعوضوا النقص الفادح في الكوادر و مشغلي إقتصادهم. يعيش العالم الغربي حاليا إحدي أخطر الأزمات الفكرية و الأخلاقية كون الشباب المهاجر الوافد للعالم المتحضر في معظمه لا تتوفر فيه مواصفات السكان الأصليين من البشرة البيضاء و لا يعتنق الديانة السائدة فيه بمذهبيها الكاثولوكي و البروتستانتي و لا يؤمن بقيم الغرب العلمانية فالجيل المسلم البريطاني الملتزم يؤمن بقيم دينه الإسلام و مثل هذا الشباب المسلم الغربي يخيف مؤسسات سياسية غربية معروفة بعداءها للإسلام كدين، شريعة و منهاج حياة و قد تولد عن الحضور المسلم في الغرب موجة معادية غربية من السكان الأصليين للإسلام. فسميت هذه الظاهرة بالإسلامافوبيا و بات من الصعب علي المشرعين تجاهل حقوق هذه الأقلية المسلمة المعتبرة دون ذكر مخاوف علماء الإجتماع الغربيين بتحول المجتمعات الأصلية إلي مجتمعات غريبة عن موطنها وسط الجماعات الوافدة و التي سرعان في عملية إندماجها مع المجتمعات المضيفة تطالب بإحترام خصوصيتها العرقية و الدينية. في إحدي التصريحات الأخيرة لجان ماري لوبان في إطار حملته لإنتخابات الدوائر الفرنسية قال ما يلي : ’’ قريبا سيغلب علي مارسيليا سكانها المسلمون و سيكون رئيس بلديتها بن غودان، فهذه الهجرة للمسلمين هي أشبه بحركة إستعمارية...’’ إستنكر الكثيرون هذا الرأي الذي أدلي به النائب الأوروبي و رئيس حزب الجبهة الوطنية الفرنسي محتجين عليه بمعاداة الإسلام و المسلمين لكن الرجل كان صادقا و أمينا مع أبناء جلدته و دينه. فتصريحه هذا عبارة علي صرخة إحتجاج و إنشغال كبير بمستقبل المجتمع الأوروبي المسيحي العلماني في ظل تهاوي مكانة الأسرة في الحضارة الغربية. فالمهاجرين الوافدين من المسلمين رغم إنسلاخهم عن هويتهم بنسبة 70 بالمائة إلا أنهم حافظوا في المجتمعات المضيفة علي شكل محتشم من التماسك العائلي بالمقارنة مع الأسرة الغربية لهذا يبدو إنشغال الساسة ، المشرعين و علماء الإجتماع و رجال الدين الغربيين شرعيا. فالأسرة عبر تاريخ البشرية كانت دائما وراء أي نوع من أنواع النهضة و الحضارة. فهي المكان الطبيعي الذي يحضن آلام و أحلام، هواجس و آمال الفرد و الجماعة. و ما الأزمة العميقة التي تعاني منها في الغرب إلا إنعكاس صادق و مفجع لإفلاس مدرسة الفكر الغربي و فشل الديانة المسيحية بمختلف مذاهبها و كنائسها في جعل الأسرة ركيزة كل شيء طيب و جميل، خير و أصيل في المجتمع الغربي و أما التحدي الثاني فقد عزي رجل الإجتماع و الديمغرافي الفرنسي جاك هنريبان أسباب الإنهيار إلي تظافر عوامل ثلاث و هي علي التوالي عدم وضوح دور المرأة و الرجل و الزوج و الزوجة في الأسرة و إعلان قوانين المساواة بين الرجل و المرأة و ثالثا التحكم الشبة التام في عملية الإنجاب. و بحسب روسل عالم الإجتماع الفرنسي فالشباب المتزوج لم يعد يعيش الزواج كمشروع حياة بأكملها و إنما كإرتباط يحيونه يوم بيوم و يؤدي المؤقت إلي رؤية طائشة لقيمة و وزن العائلة.

و هذا الإفلاس و الفشل ألقي بظلاله علي مجتمعاتنا العربية المسلمة بإعتبار أن النظام العالمي عبر منظماته الدولية خاصة الأمم المتحدة و منظمة الإسكان و الطفولة يخضعون إلي منظومة قيم الغرب العلمانية خاصة في مجال التقنين للأسرة و قد وجدت رياح العلمنة و التحرر التي عصفت بالأسرة الغربية إمتدادها في طول و عرض العالم العربي الإسلامي الذي وجد صعوبة كبيرة و كبيرة جدا في الحفاظ علي منظومة قيمه الإسلامية الضامنة لديمومة الأسرة. فجل قوانين الأحوال الشخصية في شمال إفريقيا قد وقع تكييفها في بداية الألفية الميلادية الجديدة مع الإتجاه العلماني للمؤسسات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة. فبإسم حقوق الإنسان صارت المرأة مساوية تماما للرجل. و شيئا فشيئا بدأت تفقد هذه المرأة ملامح أنوثتها لتصبح نسخة شاحبة للرجل و بدأ أيضا في المقابل الرجل يفقد شيئا فشيئا مقومات رجولته لينطبق عليه وصف ألكسيس دي كاريل في مؤلفه الشهير ’’الإنسان هذا المجهول’’: ’’ أصبح الرجل و المرأة علي السواء من الصعب أن نحدد جنسهما و هذا لتداخل وظائفهما و بسبب مساواة لم تحترم الإختلاف الجوهري الذي أقره الرب في خلقه لكليهما.’’ و نتيجة هذه الصعوبة في تحديد جنس أحدهما لنتصور المخاطر التي تحدق جديا بكيان الأسرة في المجتمعات المسلمة. في زمن إزدهار حضارة الإسلام كان يقاس عمل المرأة بمدي نجاحها في قيامها بدور الزوجة و الأم و الأخت و المرأة المسلمة التي تعطي من وقتها و جهدها حيزا للأعمال الخيرية و الإجتماعية بدون أدني مقابل مادي بينما في العصر الحديث صار هم المرأة منصبا علي إيجاد عمل يضمن لها إستقلاليتها المادية عن الرجل كان أبا أخا أو زوجا و هذا أضر بشكل كبير بمفهوم القوامة و شكل العائلة الهيكلي و الروحي.

في الغرب أحد المشرعين علي مستوي البرلمان الأوروبي عبر عن إنشغاله العميق بوضعية العائلة قائلا ما يلي : - علينا أن نقرر سريعا ماذا نريد من العائلة و من المرأة تحديدا ؟ فنظام حياتنا و حريتنا بالغا في تقديس الفرد إلي درجة أننا اليوم أمام أبناء بلا آباء و أطفال جلهم ضحايا الهوس الجنسي للكبار و هذه كارثة بكل المقاييس.

و مثل هذا الإقرار من نائب أوروبي يأخذ بنا إلي ما نحن عليه اليوم في مجتمعاتنا : فالمساواة المفروضة علينا قانونيا أوجبت خروج المرأة المسلمة إلي سوق العمل و هذا بغض النظر عن الظروف الإقتصادية التي كان لها تأثيرها علي هذا القرار الخطير. فخروج المرأة من بيتها أوقع جميع أفراد الأسرة بما فيها هي في فخ أو لنقل في مصيدة الفراغ و التشتت. في الغرب و نتيجة النظام العلماني تقزم دور العائلة ليحتل الفرد مكانة مغتصبة و في الشرق المسلم و من جراء تخلف حضاري و إنصراف عام عن تحكيم الشرع في كل ميادين الحياة أصبحت الأسرة رهينة إعتبارات مادية أخلت بمبدأ القوامة الذي أسند في الإسلام للرجل الزوج و الأب. هذا و المنظمات الدولية كالأمم المتحدة نراها تضغط علي الحكومات العربية و الإسلامية لإرغامها علي قبول تشريعات معادية للدين كمشروع الأمم المتحدة الذي يحاول إزالة الفوارق بين الرجال و النساء عند الزواج أمام القانون، و ذلك من خلال السماح بزواج المسلمة بغير المسلم و إلغاء المهر و إلغاء ولاية الأب علي البنت البكر، و كذلك إلغاء طاعة الزوجة للزوج، و تجريم وطأ الزوجة بغير كامل رضاها و إستحداث جريمة إسمها ( الإغتصاب الزوجي) لتحطيم العلاقة بين الزوجية، و تجريم تأديب الأبناء و بالتالي رفع ولاية الأب علي الأبناء.

فمفهوم المساواة بين الجنسين حرم المرأة من العديد من المزايا التي كانت تنعم بها أيام كان الشرع نمط حياة العامة المسلمة، فقد ألزمتها أنظمة إقتصادية و ضغوط إجتماعية غير صحية علي الإنفاق علي الأسرة فهي مثلها مثل الرجل قوامة علي عائلتها و كل هذا يدخل ضمن إتفاقية السيداو التي تقوم عليها لجنة وضع المرأة التابعة للأمم المتحدة. في أوروبا خروج المرأة و إختلاطها بالرجل في كل مكان و إشتغالها بمهن لا تتوافق و بنيتها الجسمية جعل طبيعتها الأنثوية تنحرف ليطغي نموذج المرأة المسترجلة. فالمؤسسة السياسية الغربية مهما إنتهجت من سياسات تشجع فيه التوالد و رغم المنح التي تمنح للوالدين للنهوض بأعباء أبناءهم و عطلا للآباء و الأمهات ليقضوا أكبر فترة ممكنة إلي جنب أبناءهم الرضع فنسبة الإقبال علي الزواج المدني و الديني تبقي جد ضعيفة و أما الحرية التي حازت عليها المرأة فقد إختارت بمقتضاها أن تهجر دورها الأول و الطبيعي و هو دور الزوجية و الأمومة. فما توارثه الفرد الغربي ثقافة الأنانية : ’’ إبدأ بنفسك، إستمتع بكل ما هو في تناولك، لا تبكر في تحمل مسؤوليات الأبناء.’’ غذي هذا الإتجاه أجيالا كاملة، رأت في الرفاه الحضاري سبيل سهل لتلبية إحتياجها لإشباع رغبتها الجنسية دون أي إلتزام أخلاقي منها. و خلف مثل هذا السلوك اللامسؤول مجتمعات غربية هشة، تنهشها من الداخل آفات و أمراض إجتماعية و أخلاقية و صحية. فالخلية التي كانت تتكون من الأب و الأم و ثلاث أو خمسة أطفال تضاءلت فغدت محصورة في فرد واحد كان رجلا أو إمرأة لتقرأ في بعض المجلات إعترافاتهم بوحدة قاتلة لا تملأها العلاقات العابرة. فالعالم المتحضر أمام أخطر تحدي ألا و هو كيف له أن يضمن ريادته الحضارية في غياب كيان إجتماعي قوي ؟ فالمنافسة شديدة بين غرب مهيمن و متآكل إنسانيا من داخله و بين شرق آسيوي صاعد و أكثر تماسكا إنسانيا و إجتماعيا، و هذا التنافس ولد لدي سياسيي و مفكري الغرب هاجس الخطر، فسياسات تشجيع الهجرة عرضت الهوية الوجودية للمجتمعات المضيفة إلي خطر الذوبان في الهويات الوافدة و هذا جعل البعض يركب موجة التطرف اليميني الذي أتت بالكثير من الأحزاب اليمينية العنصرية إلي البرلمانات و إلي ترأس حكومات كما هو الحال في إيطاليا، فسيلفيو برلسكوني ركز في حملاته الإنتخابية علي عامل الحفاظ علي التركيبة الإجتماعية الأصلية من عدوان الهجرة الغير الشرعية. لهذه الأسباب كلها مجتمعة يبدو توجه الغرب قابل للمراحعة أما مصير العائلة في الشرق فهو مرتبط بالأساس بمدي تمسكه بمنظومة قيمه و تكيف وتيرة النمو في مجتمعاته مع حاجته في الحفاظ علي مكانة الأسرة.
*موقع الشهاب
أضافة تعليق