حتى لا تكون حماس أقل عقلا وأقسى ذراعا؟
بقلم خالد حسن
لا أدري كيف حسمت حركة حماس الموقف العسكري من جماعة ’’عبد اللطيف موسى’’، زعيم ما سُمي بـ’’أنصار جند الله’’، وقبل هذا الموقف الفكري، فخصومها أو مخالفوها، الذين أعلنوا قيام إمارة إسلامية في غزة: ’’ضلاليون تكفيريون’’، حسب قاموس متحدثي حماس..
فكرة الإعلان عن إمارة سلامية من مجموعة يغلب عليها الغلو، ظاهرة صوتية وخطوة دعائية، قد تجد من ينفخ فيها، وربما يصنع منها مجموعة وظيفية، يضرب بها هنا وهناك. لكن هل بمثل هذا المنطق الاستعدائي والأوصاف الجاهزة، تعالج الانحرافات وتواجه المجموعات المسلحة المعارضة.. والملاحظة أن منهج المحاججة والإقناع وفقه المناظرة وحرية تداول وتبادل الرأي تراجعت في ساحات حماس أمام سطوة القوة وبريق السلاح.
سلطة حماس مسؤولة عن تصرفاتها، فكما تُنصح هذه المجموعة المعترضة على حماس أو تلك بحسن الطلب، فإن المطلوب من حماس، حسن الأداء، والتعاطي بحكمة وتعقل وتروي في مثل هذه المواقف الحرجة.. ثم الأولى أن نسمع صوت العلم والعقل، لا أن نترك الأمر للمتحدثين باسم حماس، وما أكثرهم، يتلاعبون بالكلمات ويوجهون التهم...حتى ولو كان الطرف المقابل غارقا في الغلو....
وهل رأت حكومة حماس في هذه المجموعة المعزولة ما تستحل به الدماء، ولم لم تحاورهم، وتسمع منهم مطالبهم أو شبهتهم أو مقالتهم.. كما جلس الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، رضي الله عنه، مع معترضيه من أهل مصر والبصرة والكوفة، وحتى بعد أن انحرفت المجموعة المعارضة عن خطها بعد ذلك، استشار الخليفة عثمان من يثق برأيه وعلمه (عبدالله بن عمر رضي الله عنه) في كيفية التعامل معهم.
والعبرة ليست بما يتصرف به هؤلاء، لأنهم مجهولو الحال، وإنما الأصل في تعامل صاحب السلطة والشوكة.. خاصة إذا كانت المجموعة تحركها شبهة أو تأول خاطئ أو مطلب حمال أوجه، أو بدعوى (نقضي الذي علينا ولا نؤخره..).
والأصل في المعترض، ولو حمل سلاحا، أن لا يتعرض للاضطهاد ولا يصادر حقه في الرأي ولا تتم تصفيته بدعوى الحفاظ على النظام وأن القانون يعلو على الجميع.. ولا يقاتلون إلا إذا ارتكبوا ما يُستوجب ذلك.
ثم مثل هذا الحسم العسكري يستدعي حالة من الانتقام وتبادل التهم، وبهذا تفتح جبهة جديدة من الاستنزاف والصراع الداخلي، ربما تضعف حالة الالتفاف والنصرة التي حظيت بها حركة حماس في أوساط الأمة.. خاصة مع تحول بعض السلاح أو توظيفه لحسم قضايا الخلافات والانحرافات الداخلية، وهذا قتال خطأ في المعركة الخطأ..
لعل بعض المغرضين استدرجوا مجموعة ’’أنصار جندالله’’، وأغروها أو أوعزوا لها بالتحرك في هذا الوقت بالذات، إثارة للفتنة وتأليبا على الوضع القائم، أو فتح ثغرة في جدار غزة الصامد والمرابط، لكن لا نتخذ من هذا الصنيع قميص عثمان نرفعه في كل مواجهة أو حسم عسكري..
ويبقى ما حدث، يعكس تضخم أذرع حماس وعضلاتها على حساب العقل فيها..نعم يحدث في غزة ما يحدث في غيرها من أنواع المعارك والمواجهات خارج حدود الصراع، ولن تستطيع قوة سد كل منافذ تسلل الفتن واحتواء بؤر الاستنزاف الداخلي، مهما أوتيت من فهم ووعي، لكن الأصل في المقاوم النزيه والشريف الحر صاحب القضية العادلة، أن يعزز جوانب العدل والتعقل والعلم والرأي السديد والنظر في كيانه، لا أن يكون طاهرا نقيا من كل شائبة فهذا لن يكون، وليس مطالبا به، ولكن يرفع منسوب الحكمة والعلم وقوة الرأي والفكرة في جهازه القيادي..
مجلة العصر
معركة الإمارة برفح.. رسالة حماس للعرب والغرب
محمد جمال عرفة
’’إمارة إسلامية’’ و’’تمكين الشريعة الإسلامية من الحاكمية في قطاع غزة’’.. كانت هاتان العبارتان- برغم عدم تعارضهما كثيرا مع الواقع الحالي في غزة– كفيلتين بإشعال ’’حرب’’ بعد صلاة الجمعة، 14 أغسطس الجاري، بين أنصار جماعة سلفية جهادية (تدعى جماعة ’’جند أنصار الله’’ أو ’’جلجلت’’) وشرطة حماس، أسفرت عن مقتل 22 وإصابة نحو 125 شخصا، بعدما أعلن عبد اللطيف موسى- أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية- بصورة مفاجئة في خطبته للجمعة بمسجد ابن تيمية في رفح، تدشين إمارة إسلامية في غزة، داعيا أنصاره لمبايعته إلى الموت، ولم يكتف بهذا بل تحدي حكومة حماس مؤكدا أن ’’هلاكها اقترب’’.
ومع أن هناك عشرات الجماعات السلفية في غزة بعضها يعمل على طريقة الكتاب والسنة والدعوة بالحسنى، وآخرون منهم ’’عبد اللطيف موسي’’ الذي كان في الأصل نائبا لرئيس جمعية الكتاب والسنة قبل أن ينحاز للتيار الجهادي الذي يتبني الفكر القاعدي، فلم يُعرف سر هذا الإعلان المفاجئ من جانب عبد اللطيف لإمارة إسلامية في غزة وتحديه لحكومة حماس الإسلامية:
هل هو الانتقام من حكومة حماس التي اعتقلت وقتلت بعض أنصاره عقب تفجير عرس آل محمد دحلان في يوليو الماضي؟ أم هو استشعار الجماعة السلفية عموما قوة في ظل الحصار الذي أضعف حكومة حماس نسبيا؟ أم أن حكومة حماس بدأت تضيق عليها في ظل أنباء عن مطالبة القاهرة حكومة حماس بالقبض علي شخصيات قاعدية تقيم في غزة متهمة في قضايا بجماعات جهادية تعمل في سيناء؟ أم جاء تحرك حماس للرد على ما يثار خارجيا من أنها تسعي لإمارة إسلامية في غزة؟ أم أن حماس قررت القضاء على ما تبقي من هذه الجماعات السلفية الجهادية بعدما أثارت لها أزمات أمنية كثيرة؟ أم كل هذه الأسباب معا؟.
فليس سرا أن هناك انتعاشا لهذه الجماعات السلفية في غزة في ظل الحصار الخانق، خاصة وأن لدى بعض هذه الحركات الجهادية السلفية مآخذ كثيرة على حماس من قبيل اعتدالها الزائد وصِلاتها بالغرب وتركها بعض الممارسات التي تراها هذه الحركات ’’حراما’’ و’’منكرا’’ مثل نوادي الانترنت والأفراح، وعدم أسلمة المجتمع بالكامل، برغم أن حماس تسعي الفعل للتغيير الهادئ دون قوانين أو قرارات كالتي أعلنها الزعيم الجهادي عبد اللطيف موسي الذي قتل مع أتباعه خلال المصادمات الأخيرة.
وقد وقعت حوادث سابقة أكدت هذا الانتعاش للسلفية الجهادية، ففي يوم 21 يوليو الماضي، أصيب زهاء 40 فلسطينيا بانفجار وقع في حفل زفاف أحد أفراد النائب محمد دحلان القيادي في حركة فتح بمخيم خان يونس جنوب قطاع غزة. وأعلن جهاز الأمن الداخلي القبض على ثلاثة أشخاص من نفس هذه الجماعة التي تتبنى فكر تنظيم القاعدة المعروف بالسلفية الجهادية، متهما إياهم بالضلوع في تفجير الحفل. كما قادت التحقيقات إلى الكشف عن وجود مجموعة أخرى تحصنت في إحدى الشقق السكينة، تعمل تحت اسم ’’جند أنصار الله’’، هددت بتفجير أحزمة ناسفة. غير أن أحد علماء السلفية تدخل في الأمر وأقنع عناصر المجموعة بتسليم أنفسهم.
ولم تكن هذه أيضا هي المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الأحداث في غزة خصوصا منذ تولي حماس إدارة القطاع في يونيو 2007، فالجماعات السلفية الجهادية بدأت نشاطها أساسا ضد الاحتلال الصهيوني، ولكنها تحولت تدريجيا – مع تشديد الحصار والتزام حماس بالتهدئة وصعوبة إطلاق الصواريخ أو الالتحام مع العدو – إلى إصلاح المجتمع الداخلي والصدام مع حماس بسبب رعايتها للتهدئة مع العدو وتقييدها نشاط هذه الحركات –التي لا تعترف بتهدئة أبدا أو بموائمات سياسية – ومن ثم وجهت هذه الجماعات بعض أعمالها إلى المواطنين الفلسطينيين كنوع من الاحتجاج على ممارسات تراها مخالفة للشرع مثل مهاجمة نوادي الفيديو والانترنت.
ولكن الملفت أن أعمال العنف هذه زادت في الآونة الأخيرة تجاه المجتمع الداخلي لا الاحتلال، خاصة في ظل التهدئة المفروضة التي تلتزم بها حماس، ما يؤشر لتصاعد نفوذ الجماعات السلفية الجهادية، فضلا عن أن وقوعها في غزة، المفترض أنه يحكمها فصيل إسلامي ينتمي لفكر الإخوان المعتدل (هو حركة حماس)، يثير علامات استفهام حول سبب انتعاش تيارات العنف وهل الأمر متصل بظروف استمرار الحصار الصهيوني علي غزة؟.
وهناك تقارير فلسطينية وغربية (مثل تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يناير 2009) تشير إلى سعي هذه الجماعات لتنفيذ أعمال كبيرة كي تلفت النظر لأنشطتها وتضم المزيد من الأنصار، مثل شن هجمات على مؤسسات مسيحية وغربية في القطاع، واختطاف مراسل الـ’’ بي. بي. سي، ’’آلن جونستون، عام 2006، وتفجير مكتبة جمعية الشبان المسيحيين في فبراير 2008، والهجوم على مدرسة تديرها الراهبات في تل الهوى في مايو 2008.
وقد أعاد حادث تفجير العرس الخاص بأسرة محمد دحلان، لفت الأنظار ودق ناقوس الخطر بشأن بعض أعمال العنف غير المبررة التي يقوم بها شبان ربما لديهم فهم خاطئ للإسلام سواء كانوا من جماعة ’’جند أنصار الله’’ أم غيرها. وزاد الحصار هذه الجماعات والأفراد عنفا في الداخل، وتقوقعا علي أفكار تنتمي للفكر القاعدي الجهادي بالأساس. والأخطر أنهم ارتكبوا نفس الخطأ الذي وقع فيه أصحاب هذا الفكر القاعدي في عدة دول عربية من البدء بشعارات محاربة العدو الخارجي، ثم الانحراف لمحاربة المجتمع الداخلي كما جري في الحالة السعودية والمصرية واليمنية وغيرها.
صدام متوقع
ويبدو أن صدام الجمعة الأخير كان متوقعا كنتاج طبيعي لأحداث 21 يوليو الماضي، فقد انتهت هذه الأحداث بهزيمة لتيار السلفية الجهادية واعتقال عدد من قيادييهم، ما دفع جماعة ’’جند أنصار الله’’ إلى التهديد بالانتقام من حماس. وظل شيخها عبد اللطيف موسي يهاجم حماس بعنف ويقول، من فوق منبر مسجد ابن تيمية الذي شهد الأحداث الأخيرة في رفح، إن ’’مليشيات حماس تريد القضاء على كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن حماس لها عقيدة ونحن جميعا لا ننكر ذلك، ولكن هذه العقيدة عقيدة فاسدة، بنيت على باطل كعقيدة الروافض والخوارج’’.
وعلاوة على ما سبق، فقد ألقى الشيخ عبد اللطيف موسى عدة خطب جمعة يقول فيها إن (حماس حركة ضالة وعلى رأسها هنية). وفي الأسبوع الماضي خطب ’’موسى’’ يقول: ’’في خطبة الجمعة القادمة سأبين فيها حقيقة حماس وحكومة هنية’’، وهو ما دفع حكومة حماس يوم الجمعة الماضي، 14 أغسطس، إلى التضييق على أنصاره وسد بعض الطرق المؤدية للمسجد وتفتيش جميع السيارات والمارة، بناء على معلومات لديها تفيد أن أنصار موسى يحشدون أنفسهم، ويمتشقون الأحزمة الناسفة ويحملون الأسلحة الرشاشة داخل المسجد.
ومع هذا احتشد أنصار عبد الله موسي في المسجد منذ فجر الجمعة تحديا لحماس وهم مسلحون ويلبسون الأحزمة الناسفة، ووضعوا القناصين فوق المسجد، وأعلنوا أن ’’نهاية حماس قريبه على أيدي المجاهدين السلفيين أصحاب الكتاب والسنة مش المتسترين بالدين’’، وهو الأمر الذي أقلق حماس، خاصة أن بعض أنصار فتح شاركوا في التهليل لما يفعله السلفية على مواقع الانترنت ورحبوا بما يفعلونه وأيدوا إنهاء حكم حماس علي أيدي السلفيين، ما أثار تساؤلات حول دور فتح في هذا الأمر.
وجاء قول الشيخ ’’موسي’’ في الخطبة بأن غزة إمارة إسلامية، ومطالبته بـ ’’إعطائه البيعة، والجهاد في سبيل الله وتطهير المجتمع من المنكرات المتمثلة بكثير من المستخدمات الحياتية، وحمل السلاح وتجنيد الشباب في معركة نصرة الإسلام وتمكين الشريعة الإسلامية من الحاكمية في قطاع غزة’’، ليضع مزيدا من الزيت على النار المشتعلة أصلا، ما دفع حماس لحسم الأمر بالدخول في معركة تصفية لهذه الحركة على غرار ما فعلته مع جماعة ’’جيش الإسلام’’ وقائدها ’’دغمش’’ في سبتمبر 2008، الذين تعاونوا مع حماس ضد الاحتلال وأسروا معا الجندي شاليط، ثم اختلفوا بعد الهدنة والتهدئة مع العدو (إسرائيل)، وبدأ الصدام مع تحول الحركة السلفية لأعمال عنف داخلية.
جماعات مجهولة
والحقيقة أن مثل هذه الأحداث المتكررة كشفت عن وجود تنظيمات عديدة في غزة تتعارض أفكارها مع أفكار حركة حماس، وتطالب بالتطبيق الفوري والشامل للشريعة الإسلامية في غزة وتصعيد العمليات الجهادية والعسكرية ضد الصهاينة بلا توقف ولا هدنة، مثل:
- (جماعة جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس)، التي نفت علاقتها بالانفجار الأخير، وقالت إن مقاتليها ’’هم مجاهدون مطلوبون لأعداء الله اليهود’’؛
- (جماعة جيش الإسلام)، بقيادة الزعيم العشائري القوي ’’ممتاز دغمش’’؛
- ’’فتح الإسلام’’ بقيادة ’’سليمان أبو لافي’’ و’’رفيق أبو عكر’’؛
- ’’جيش الأمة’’ الذي يسيطر عليه ’’إسماعيل حامد’’؛
- وجماعات أخرى مثل ’’جيش الله’’، و’’التكفير’’، و’’عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين’’، و’’جلجلة’’ (قصف الرعد).
وقد انشق بعض قادة هذه الجماعات عن جماعات إسلامية أخرى مثل ’’حماس’’ و’’الجهاد الإسلامي الفلسطيني’’، أو جماعات سلفية دعوية، معتبرين إياها لا تتبني الفكر الجهادي والعمل العسكري المكثف ضد الاحتلال.
وبالرغم من أن هذه الجماعات لا تتلقى توجيهاتها من تنظيم ’’القاعدة’’، لكنها تتوافق معه حول الإيديولوجية السلفية-الجهادية وتخطط أساليبها وإستراتيجيتها حسب نموذج ذلك التنظيم.
وتتمثل الغاية الإيديولوجية لهذه الجماعات السلفية-الجهادية، كغيرها من الجماعات الإسلامية السنية، في ’’إحياء أمجاد الإسلام القديمة وإقامة خلافة إسلامية عالمية تطبق الشريعة الإسلامية’’. وتتبنى هذه الجماعات السلفية - الجهادية إيديولوجية ’’المقاومة الصرفة’’ التي لا مكان فيها لوقف إطلاق النار أو الإيقاف المؤقت للهجمات على العدو، لذلك لم توقف هذه الجماعات– رغم ضعفها وقلة عدد أعضاءها– عمليات العسكرية ضد الإسرائيليين رغم موافقة حماس على الهدنة.
وقد تغاضت حماس عن نشاط هذه الجماعات وتركتها تنمو، لأنها اعتبرتها ظاهرة هامشية لا تشكل تهديداً لسلطتها ومكانتها في قطاع غزة، ولأنها تشارك ’’حماس’’ العداء تجاه إسرائيل، بل إن أحد أبرز هذه الجماعات، ’’جيش الإسلام’’، كان شريكا لحماس في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. ولكن ميل هذه الجماعات للعمل بشكل مستقل يخالف إستراتيجية حماس الخاصة بالتصعيد أو التهدئة مع العدو الإسرائيلي وفقا لآليات سياسية، وخروجها على تعليمات حماس الخاصة بالتهدئة مع إسرائيل عدة مرات، أدي لحدوث مصادمات بينها وبين حماس، وخاصة بعدما أطلق بعض أعضاءها النار على شرطي من ’’حماس’’ العام الماضي.
وكان أبرز رد من حماس، عقب إطلاق النار علي الشرطي التابع لها، هو محاصرة منزل عائلة دغمش – قائد جيش الإسلام – في سبتمبر 2008، والدخول في قتال مع من بداخله، أسفر عن مقتل أحد عشر شخصاً وجرح عشرات آخرين. وأضعفت هذه المواجهات جيش الإسلام كثيرا، حيث لم يقم بعمل عسكري منذ ذلك الحين، ولكن هذا لم يمنع الجيش من مطالبة حماس بتطبيق الشريعة الإسلامية، والتهديد بالثأر لقتلاه التسعة في اشتباكات مع شرطة حماس يوم 16 سبتمبر 2008.
وبعد حادثة العرس الأخيرة في يوليو الماضي، اتجهت حماس لتوجيه ضربة قوية لجماعة (جند أنصار الله)، كما فعلت مع (جيش الإسلام) للقضاء على هذه الجماعات التي تتبني فكرا قاعديا متصاعدا يضر نفوذها المعتدل في غزة، برغم أنها كان من الممكن أن تستفيد من هذه الجماعات في تخويف الغرب وإسرائيل من انتشار الفكر القاعدي على حدود الدولة العبرية، بما يدفعهم للتعامل مع حماس (المعتدلة).
خطوط حماس الحمراء
وتثير المواجهات الأخيرة جملة من التساؤلات علي الصعيد الداخلي والخارجي، فقبل أسابيع معدودة روجت عدة وكالات أنباء أجنبية ودوريات أمريكية وأوروبية أكاذيب نقلا عن محللين إسرائيليين معروفين تزعم أن ’’حماس’’ بدأت خطة متدرجة لـ’’أسلمة غزة’’، وارتكنوا في ذلك على عدة تغيرات شهدها القطاع؛ أبرزها فرض اللباس الشرعي على المحاميات أمام القضاء بعد قرارات للمجلس التشريعي (كتلة ’’حماس’’ البرلمانية في غزة)، قيل إنها ’’للحفاظ على الصورة الجمالية لشعبنا وحماية الآداب والقيم والأخلاق وعدم الخروج عن قواعد السلوك السوي’’، بالإضافة إلى ’’فلترة’’ الانترنت من المواقع الإباحية عبر وزارة الاتصالات، وصدور تعليمات من الشرطة لأصحاب المحال بمراعاة الذوق العام (دون فرض عقوبات أو قوانين مباشرة).
وقيل وقتها إن إجراءات حكومة ’’حماس’’ تدفع بالمجتمع الغزاوي نحو ’’الأسلمة’’، وأن هذه الإجراءات لاقت تأييداً كبيراً في أوساط ’’الحمساويين’’، وحتى أنصار جماعات إسلامية صغيرة متشددة دأبت على انتقاد الحركة الإسلامية لعدم تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوضعية، مثل الجماعات السلفية الجهادية. ومع هذا ظلت هذه الجماعات السلفية تطالب بالمزيد وفرض قوانين إسلامية مباشرة وتطبيق الشريعة بالكامل، وهو ما ترفضه حماس لاعتبارات محلية وإقليمية ودولية، وإن كانت أسلمة المجتمع بالإقناع تبدو واضحة بدون فرض أو إجبار حقيقي باستثناء حالات معينة.
ويبدو أن حماس لا تفضل كثيرا البيانات العنترية أو أساليب المواجهة مع القوي الإقليمية أو الدولية، وتدرك تماما أن إعلان أي قوانين مباشرة لأسلمة المجتمع أو تطبيق الشريعة سيغضب مصر قبل أن يغضب الدولة العبرية أو الغرب، بل وسيكون سلاحا بيد نتنياهو لتوفير الغطاء الدولي لمزيد من ضرب غزة وربما إعادة احتلالها بالكامل في ظل ما يروجه من أن حماس ترعي هذه الجماعات السلفية الجهادية وترعي تنظيم القاعدة الجهادي في غزة لضرب إسرائيل وباقي الدول العربية المعتدلة ومنها مصر.
ولا تنسى هنا الهجوم الذي شنه الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري في ديسمبر 2008، على حركة حماس، حذر فيه من أن مصر لن تتحمل قيام إمارة إسلامية على حدودها الشرقية، معتبراً أن إضفاء الطابع الديني على القضية الفلسطينية يؤدي إلى تفتيتها.
بعبارة أخري تدرك حماس أن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها وأخرى ليس من الحصافة السياسية أن تدخل بسببها في معارك جانبية مع الآخرين أو تعطيهم المبرر للهجوم عليها وتوجيه الأنظار نحو قضايا هامشية بعيدا عن قضية الحصار الأساسية وضرورة رفعه، بل وتنبيه العرب والغرب معا إلى أن الحصار هو الذي يفرز هذا التطرف والعداء للغرب، وهي رسالة يبدو أنها موجهه بالأساس لحكومة الرئيس الأمريكي أوباما والحكومات العربية معا، فهل تصل الرسالة برغم أنها تكلف أبناء غزة مزيدا من القتال الداخلي ونزيف الدماء أم تستمر ’’اسطوانة’’ أن حماس إرهابية وتريد إعلان دولة إسلامية في غزة.
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت
*لجينيات
بقلم خالد حسن
لا أدري كيف حسمت حركة حماس الموقف العسكري من جماعة ’’عبد اللطيف موسى’’، زعيم ما سُمي بـ’’أنصار جند الله’’، وقبل هذا الموقف الفكري، فخصومها أو مخالفوها، الذين أعلنوا قيام إمارة إسلامية في غزة: ’’ضلاليون تكفيريون’’، حسب قاموس متحدثي حماس..
فكرة الإعلان عن إمارة سلامية من مجموعة يغلب عليها الغلو، ظاهرة صوتية وخطوة دعائية، قد تجد من ينفخ فيها، وربما يصنع منها مجموعة وظيفية، يضرب بها هنا وهناك. لكن هل بمثل هذا المنطق الاستعدائي والأوصاف الجاهزة، تعالج الانحرافات وتواجه المجموعات المسلحة المعارضة.. والملاحظة أن منهج المحاججة والإقناع وفقه المناظرة وحرية تداول وتبادل الرأي تراجعت في ساحات حماس أمام سطوة القوة وبريق السلاح.
سلطة حماس مسؤولة عن تصرفاتها، فكما تُنصح هذه المجموعة المعترضة على حماس أو تلك بحسن الطلب، فإن المطلوب من حماس، حسن الأداء، والتعاطي بحكمة وتعقل وتروي في مثل هذه المواقف الحرجة.. ثم الأولى أن نسمع صوت العلم والعقل، لا أن نترك الأمر للمتحدثين باسم حماس، وما أكثرهم، يتلاعبون بالكلمات ويوجهون التهم...حتى ولو كان الطرف المقابل غارقا في الغلو....
وهل رأت حكومة حماس في هذه المجموعة المعزولة ما تستحل به الدماء، ولم لم تحاورهم، وتسمع منهم مطالبهم أو شبهتهم أو مقالتهم.. كما جلس الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، رضي الله عنه، مع معترضيه من أهل مصر والبصرة والكوفة، وحتى بعد أن انحرفت المجموعة المعارضة عن خطها بعد ذلك، استشار الخليفة عثمان من يثق برأيه وعلمه (عبدالله بن عمر رضي الله عنه) في كيفية التعامل معهم.
والعبرة ليست بما يتصرف به هؤلاء، لأنهم مجهولو الحال، وإنما الأصل في تعامل صاحب السلطة والشوكة.. خاصة إذا كانت المجموعة تحركها شبهة أو تأول خاطئ أو مطلب حمال أوجه، أو بدعوى (نقضي الذي علينا ولا نؤخره..).
والأصل في المعترض، ولو حمل سلاحا، أن لا يتعرض للاضطهاد ولا يصادر حقه في الرأي ولا تتم تصفيته بدعوى الحفاظ على النظام وأن القانون يعلو على الجميع.. ولا يقاتلون إلا إذا ارتكبوا ما يُستوجب ذلك.
ثم مثل هذا الحسم العسكري يستدعي حالة من الانتقام وتبادل التهم، وبهذا تفتح جبهة جديدة من الاستنزاف والصراع الداخلي، ربما تضعف حالة الالتفاف والنصرة التي حظيت بها حركة حماس في أوساط الأمة.. خاصة مع تحول بعض السلاح أو توظيفه لحسم قضايا الخلافات والانحرافات الداخلية، وهذا قتال خطأ في المعركة الخطأ..
لعل بعض المغرضين استدرجوا مجموعة ’’أنصار جندالله’’، وأغروها أو أوعزوا لها بالتحرك في هذا الوقت بالذات، إثارة للفتنة وتأليبا على الوضع القائم، أو فتح ثغرة في جدار غزة الصامد والمرابط، لكن لا نتخذ من هذا الصنيع قميص عثمان نرفعه في كل مواجهة أو حسم عسكري..
ويبقى ما حدث، يعكس تضخم أذرع حماس وعضلاتها على حساب العقل فيها..نعم يحدث في غزة ما يحدث في غيرها من أنواع المعارك والمواجهات خارج حدود الصراع، ولن تستطيع قوة سد كل منافذ تسلل الفتن واحتواء بؤر الاستنزاف الداخلي، مهما أوتيت من فهم ووعي، لكن الأصل في المقاوم النزيه والشريف الحر صاحب القضية العادلة، أن يعزز جوانب العدل والتعقل والعلم والرأي السديد والنظر في كيانه، لا أن يكون طاهرا نقيا من كل شائبة فهذا لن يكون، وليس مطالبا به، ولكن يرفع منسوب الحكمة والعلم وقوة الرأي والفكرة في جهازه القيادي..
مجلة العصر
معركة الإمارة برفح.. رسالة حماس للعرب والغرب
محمد جمال عرفة
’’إمارة إسلامية’’ و’’تمكين الشريعة الإسلامية من الحاكمية في قطاع غزة’’.. كانت هاتان العبارتان- برغم عدم تعارضهما كثيرا مع الواقع الحالي في غزة– كفيلتين بإشعال ’’حرب’’ بعد صلاة الجمعة، 14 أغسطس الجاري، بين أنصار جماعة سلفية جهادية (تدعى جماعة ’’جند أنصار الله’’ أو ’’جلجلت’’) وشرطة حماس، أسفرت عن مقتل 22 وإصابة نحو 125 شخصا، بعدما أعلن عبد اللطيف موسى- أحد قيادات الحركة السلفية الجهادية- بصورة مفاجئة في خطبته للجمعة بمسجد ابن تيمية في رفح، تدشين إمارة إسلامية في غزة، داعيا أنصاره لمبايعته إلى الموت، ولم يكتف بهذا بل تحدي حكومة حماس مؤكدا أن ’’هلاكها اقترب’’.
ومع أن هناك عشرات الجماعات السلفية في غزة بعضها يعمل على طريقة الكتاب والسنة والدعوة بالحسنى، وآخرون منهم ’’عبد اللطيف موسي’’ الذي كان في الأصل نائبا لرئيس جمعية الكتاب والسنة قبل أن ينحاز للتيار الجهادي الذي يتبني الفكر القاعدي، فلم يُعرف سر هذا الإعلان المفاجئ من جانب عبد اللطيف لإمارة إسلامية في غزة وتحديه لحكومة حماس الإسلامية:
هل هو الانتقام من حكومة حماس التي اعتقلت وقتلت بعض أنصاره عقب تفجير عرس آل محمد دحلان في يوليو الماضي؟ أم هو استشعار الجماعة السلفية عموما قوة في ظل الحصار الذي أضعف حكومة حماس نسبيا؟ أم أن حكومة حماس بدأت تضيق عليها في ظل أنباء عن مطالبة القاهرة حكومة حماس بالقبض علي شخصيات قاعدية تقيم في غزة متهمة في قضايا بجماعات جهادية تعمل في سيناء؟ أم جاء تحرك حماس للرد على ما يثار خارجيا من أنها تسعي لإمارة إسلامية في غزة؟ أم أن حماس قررت القضاء على ما تبقي من هذه الجماعات السلفية الجهادية بعدما أثارت لها أزمات أمنية كثيرة؟ أم كل هذه الأسباب معا؟.
فليس سرا أن هناك انتعاشا لهذه الجماعات السلفية في غزة في ظل الحصار الخانق، خاصة وأن لدى بعض هذه الحركات الجهادية السلفية مآخذ كثيرة على حماس من قبيل اعتدالها الزائد وصِلاتها بالغرب وتركها بعض الممارسات التي تراها هذه الحركات ’’حراما’’ و’’منكرا’’ مثل نوادي الانترنت والأفراح، وعدم أسلمة المجتمع بالكامل، برغم أن حماس تسعي الفعل للتغيير الهادئ دون قوانين أو قرارات كالتي أعلنها الزعيم الجهادي عبد اللطيف موسي الذي قتل مع أتباعه خلال المصادمات الأخيرة.
وقد وقعت حوادث سابقة أكدت هذا الانتعاش للسلفية الجهادية، ففي يوم 21 يوليو الماضي، أصيب زهاء 40 فلسطينيا بانفجار وقع في حفل زفاف أحد أفراد النائب محمد دحلان القيادي في حركة فتح بمخيم خان يونس جنوب قطاع غزة. وأعلن جهاز الأمن الداخلي القبض على ثلاثة أشخاص من نفس هذه الجماعة التي تتبنى فكر تنظيم القاعدة المعروف بالسلفية الجهادية، متهما إياهم بالضلوع في تفجير الحفل. كما قادت التحقيقات إلى الكشف عن وجود مجموعة أخرى تحصنت في إحدى الشقق السكينة، تعمل تحت اسم ’’جند أنصار الله’’، هددت بتفجير أحزمة ناسفة. غير أن أحد علماء السلفية تدخل في الأمر وأقنع عناصر المجموعة بتسليم أنفسهم.
ولم تكن هذه أيضا هي المرة الأولى التي تقع فيها مثل هذه الأحداث في غزة خصوصا منذ تولي حماس إدارة القطاع في يونيو 2007، فالجماعات السلفية الجهادية بدأت نشاطها أساسا ضد الاحتلال الصهيوني، ولكنها تحولت تدريجيا – مع تشديد الحصار والتزام حماس بالتهدئة وصعوبة إطلاق الصواريخ أو الالتحام مع العدو – إلى إصلاح المجتمع الداخلي والصدام مع حماس بسبب رعايتها للتهدئة مع العدو وتقييدها نشاط هذه الحركات –التي لا تعترف بتهدئة أبدا أو بموائمات سياسية – ومن ثم وجهت هذه الجماعات بعض أعمالها إلى المواطنين الفلسطينيين كنوع من الاحتجاج على ممارسات تراها مخالفة للشرع مثل مهاجمة نوادي الفيديو والانترنت.
ولكن الملفت أن أعمال العنف هذه زادت في الآونة الأخيرة تجاه المجتمع الداخلي لا الاحتلال، خاصة في ظل التهدئة المفروضة التي تلتزم بها حماس، ما يؤشر لتصاعد نفوذ الجماعات السلفية الجهادية، فضلا عن أن وقوعها في غزة، المفترض أنه يحكمها فصيل إسلامي ينتمي لفكر الإخوان المعتدل (هو حركة حماس)، يثير علامات استفهام حول سبب انتعاش تيارات العنف وهل الأمر متصل بظروف استمرار الحصار الصهيوني علي غزة؟.
وهناك تقارير فلسطينية وغربية (مثل تقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يناير 2009) تشير إلى سعي هذه الجماعات لتنفيذ أعمال كبيرة كي تلفت النظر لأنشطتها وتضم المزيد من الأنصار، مثل شن هجمات على مؤسسات مسيحية وغربية في القطاع، واختطاف مراسل الـ’’ بي. بي. سي، ’’آلن جونستون، عام 2006، وتفجير مكتبة جمعية الشبان المسيحيين في فبراير 2008، والهجوم على مدرسة تديرها الراهبات في تل الهوى في مايو 2008.
وقد أعاد حادث تفجير العرس الخاص بأسرة محمد دحلان، لفت الأنظار ودق ناقوس الخطر بشأن بعض أعمال العنف غير المبررة التي يقوم بها شبان ربما لديهم فهم خاطئ للإسلام سواء كانوا من جماعة ’’جند أنصار الله’’ أم غيرها. وزاد الحصار هذه الجماعات والأفراد عنفا في الداخل، وتقوقعا علي أفكار تنتمي للفكر القاعدي الجهادي بالأساس. والأخطر أنهم ارتكبوا نفس الخطأ الذي وقع فيه أصحاب هذا الفكر القاعدي في عدة دول عربية من البدء بشعارات محاربة العدو الخارجي، ثم الانحراف لمحاربة المجتمع الداخلي كما جري في الحالة السعودية والمصرية واليمنية وغيرها.
صدام متوقع
ويبدو أن صدام الجمعة الأخير كان متوقعا كنتاج طبيعي لأحداث 21 يوليو الماضي، فقد انتهت هذه الأحداث بهزيمة لتيار السلفية الجهادية واعتقال عدد من قيادييهم، ما دفع جماعة ’’جند أنصار الله’’ إلى التهديد بالانتقام من حماس. وظل شيخها عبد اللطيف موسي يهاجم حماس بعنف ويقول، من فوق منبر مسجد ابن تيمية الذي شهد الأحداث الأخيرة في رفح، إن ’’مليشيات حماس تريد القضاء على كل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن حماس لها عقيدة ونحن جميعا لا ننكر ذلك، ولكن هذه العقيدة عقيدة فاسدة، بنيت على باطل كعقيدة الروافض والخوارج’’.
وعلاوة على ما سبق، فقد ألقى الشيخ عبد اللطيف موسى عدة خطب جمعة يقول فيها إن (حماس حركة ضالة وعلى رأسها هنية). وفي الأسبوع الماضي خطب ’’موسى’’ يقول: ’’في خطبة الجمعة القادمة سأبين فيها حقيقة حماس وحكومة هنية’’، وهو ما دفع حكومة حماس يوم الجمعة الماضي، 14 أغسطس، إلى التضييق على أنصاره وسد بعض الطرق المؤدية للمسجد وتفتيش جميع السيارات والمارة، بناء على معلومات لديها تفيد أن أنصار موسى يحشدون أنفسهم، ويمتشقون الأحزمة الناسفة ويحملون الأسلحة الرشاشة داخل المسجد.
ومع هذا احتشد أنصار عبد الله موسي في المسجد منذ فجر الجمعة تحديا لحماس وهم مسلحون ويلبسون الأحزمة الناسفة، ووضعوا القناصين فوق المسجد، وأعلنوا أن ’’نهاية حماس قريبه على أيدي المجاهدين السلفيين أصحاب الكتاب والسنة مش المتسترين بالدين’’، وهو الأمر الذي أقلق حماس، خاصة أن بعض أنصار فتح شاركوا في التهليل لما يفعله السلفية على مواقع الانترنت ورحبوا بما يفعلونه وأيدوا إنهاء حكم حماس علي أيدي السلفيين، ما أثار تساؤلات حول دور فتح في هذا الأمر.
وجاء قول الشيخ ’’موسي’’ في الخطبة بأن غزة إمارة إسلامية، ومطالبته بـ ’’إعطائه البيعة، والجهاد في سبيل الله وتطهير المجتمع من المنكرات المتمثلة بكثير من المستخدمات الحياتية، وحمل السلاح وتجنيد الشباب في معركة نصرة الإسلام وتمكين الشريعة الإسلامية من الحاكمية في قطاع غزة’’، ليضع مزيدا من الزيت على النار المشتعلة أصلا، ما دفع حماس لحسم الأمر بالدخول في معركة تصفية لهذه الحركة على غرار ما فعلته مع جماعة ’’جيش الإسلام’’ وقائدها ’’دغمش’’ في سبتمبر 2008، الذين تعاونوا مع حماس ضد الاحتلال وأسروا معا الجندي شاليط، ثم اختلفوا بعد الهدنة والتهدئة مع العدو (إسرائيل)، وبدأ الصدام مع تحول الحركة السلفية لأعمال عنف داخلية.
جماعات مجهولة
والحقيقة أن مثل هذه الأحداث المتكررة كشفت عن وجود تنظيمات عديدة في غزة تتعارض أفكارها مع أفكار حركة حماس، وتطالب بالتطبيق الفوري والشامل للشريعة الإسلامية في غزة وتصعيد العمليات الجهادية والعسكرية ضد الصهاينة بلا توقف ولا هدنة، مثل:
- (جماعة جند أنصار الله في أكناف بيت المقدس)، التي نفت علاقتها بالانفجار الأخير، وقالت إن مقاتليها ’’هم مجاهدون مطلوبون لأعداء الله اليهود’’؛
- (جماعة جيش الإسلام)، بقيادة الزعيم العشائري القوي ’’ممتاز دغمش’’؛
- ’’فتح الإسلام’’ بقيادة ’’سليمان أبو لافي’’ و’’رفيق أبو عكر’’؛
- ’’جيش الأمة’’ الذي يسيطر عليه ’’إسماعيل حامد’’؛
- وجماعات أخرى مثل ’’جيش الله’’، و’’التكفير’’، و’’عرين الأسد للمجاهدين المقاتلين’’، و’’جلجلة’’ (قصف الرعد).
وقد انشق بعض قادة هذه الجماعات عن جماعات إسلامية أخرى مثل ’’حماس’’ و’’الجهاد الإسلامي الفلسطيني’’، أو جماعات سلفية دعوية، معتبرين إياها لا تتبني الفكر الجهادي والعمل العسكري المكثف ضد الاحتلال.
وبالرغم من أن هذه الجماعات لا تتلقى توجيهاتها من تنظيم ’’القاعدة’’، لكنها تتوافق معه حول الإيديولوجية السلفية-الجهادية وتخطط أساليبها وإستراتيجيتها حسب نموذج ذلك التنظيم.
وتتمثل الغاية الإيديولوجية لهذه الجماعات السلفية-الجهادية، كغيرها من الجماعات الإسلامية السنية، في ’’إحياء أمجاد الإسلام القديمة وإقامة خلافة إسلامية عالمية تطبق الشريعة الإسلامية’’. وتتبنى هذه الجماعات السلفية - الجهادية إيديولوجية ’’المقاومة الصرفة’’ التي لا مكان فيها لوقف إطلاق النار أو الإيقاف المؤقت للهجمات على العدو، لذلك لم توقف هذه الجماعات– رغم ضعفها وقلة عدد أعضاءها– عمليات العسكرية ضد الإسرائيليين رغم موافقة حماس على الهدنة.
وقد تغاضت حماس عن نشاط هذه الجماعات وتركتها تنمو، لأنها اعتبرتها ظاهرة هامشية لا تشكل تهديداً لسلطتها ومكانتها في قطاع غزة، ولأنها تشارك ’’حماس’’ العداء تجاه إسرائيل، بل إن أحد أبرز هذه الجماعات، ’’جيش الإسلام’’، كان شريكا لحماس في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. ولكن ميل هذه الجماعات للعمل بشكل مستقل يخالف إستراتيجية حماس الخاصة بالتصعيد أو التهدئة مع العدو الإسرائيلي وفقا لآليات سياسية، وخروجها على تعليمات حماس الخاصة بالتهدئة مع إسرائيل عدة مرات، أدي لحدوث مصادمات بينها وبين حماس، وخاصة بعدما أطلق بعض أعضاءها النار على شرطي من ’’حماس’’ العام الماضي.
وكان أبرز رد من حماس، عقب إطلاق النار علي الشرطي التابع لها، هو محاصرة منزل عائلة دغمش – قائد جيش الإسلام – في سبتمبر 2008، والدخول في قتال مع من بداخله، أسفر عن مقتل أحد عشر شخصاً وجرح عشرات آخرين. وأضعفت هذه المواجهات جيش الإسلام كثيرا، حيث لم يقم بعمل عسكري منذ ذلك الحين، ولكن هذا لم يمنع الجيش من مطالبة حماس بتطبيق الشريعة الإسلامية، والتهديد بالثأر لقتلاه التسعة في اشتباكات مع شرطة حماس يوم 16 سبتمبر 2008.
وبعد حادثة العرس الأخيرة في يوليو الماضي، اتجهت حماس لتوجيه ضربة قوية لجماعة (جند أنصار الله)، كما فعلت مع (جيش الإسلام) للقضاء على هذه الجماعات التي تتبني فكرا قاعديا متصاعدا يضر نفوذها المعتدل في غزة، برغم أنها كان من الممكن أن تستفيد من هذه الجماعات في تخويف الغرب وإسرائيل من انتشار الفكر القاعدي على حدود الدولة العبرية، بما يدفعهم للتعامل مع حماس (المعتدلة).
خطوط حماس الحمراء
وتثير المواجهات الأخيرة جملة من التساؤلات علي الصعيد الداخلي والخارجي، فقبل أسابيع معدودة روجت عدة وكالات أنباء أجنبية ودوريات أمريكية وأوروبية أكاذيب نقلا عن محللين إسرائيليين معروفين تزعم أن ’’حماس’’ بدأت خطة متدرجة لـ’’أسلمة غزة’’، وارتكنوا في ذلك على عدة تغيرات شهدها القطاع؛ أبرزها فرض اللباس الشرعي على المحاميات أمام القضاء بعد قرارات للمجلس التشريعي (كتلة ’’حماس’’ البرلمانية في غزة)، قيل إنها ’’للحفاظ على الصورة الجمالية لشعبنا وحماية الآداب والقيم والأخلاق وعدم الخروج عن قواعد السلوك السوي’’، بالإضافة إلى ’’فلترة’’ الانترنت من المواقع الإباحية عبر وزارة الاتصالات، وصدور تعليمات من الشرطة لأصحاب المحال بمراعاة الذوق العام (دون فرض عقوبات أو قوانين مباشرة).
وقيل وقتها إن إجراءات حكومة ’’حماس’’ تدفع بالمجتمع الغزاوي نحو ’’الأسلمة’’، وأن هذه الإجراءات لاقت تأييداً كبيراً في أوساط ’’الحمساويين’’، وحتى أنصار جماعات إسلامية صغيرة متشددة دأبت على انتقاد الحركة الإسلامية لعدم تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوضعية، مثل الجماعات السلفية الجهادية. ومع هذا ظلت هذه الجماعات السلفية تطالب بالمزيد وفرض قوانين إسلامية مباشرة وتطبيق الشريعة بالكامل، وهو ما ترفضه حماس لاعتبارات محلية وإقليمية ودولية، وإن كانت أسلمة المجتمع بالإقناع تبدو واضحة بدون فرض أو إجبار حقيقي باستثناء حالات معينة.
ويبدو أن حماس لا تفضل كثيرا البيانات العنترية أو أساليب المواجهة مع القوي الإقليمية أو الدولية، وتدرك تماما أن إعلان أي قوانين مباشرة لأسلمة المجتمع أو تطبيق الشريعة سيغضب مصر قبل أن يغضب الدولة العبرية أو الغرب، بل وسيكون سلاحا بيد نتنياهو لتوفير الغطاء الدولي لمزيد من ضرب غزة وربما إعادة احتلالها بالكامل في ظل ما يروجه من أن حماس ترعي هذه الجماعات السلفية الجهادية وترعي تنظيم القاعدة الجهادي في غزة لضرب إسرائيل وباقي الدول العربية المعتدلة ومنها مصر.
ولا تنسى هنا الهجوم الذي شنه الدكتور مصطفى الفقي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري في ديسمبر 2008، على حركة حماس، حذر فيه من أن مصر لن تتحمل قيام إمارة إسلامية على حدودها الشرقية، معتبراً أن إضفاء الطابع الديني على القضية الفلسطينية يؤدي إلى تفتيتها.
بعبارة أخري تدرك حماس أن هناك خطوطا حمراء لا يجب تجاوزها وأخرى ليس من الحصافة السياسية أن تدخل بسببها في معارك جانبية مع الآخرين أو تعطيهم المبرر للهجوم عليها وتوجيه الأنظار نحو قضايا هامشية بعيدا عن قضية الحصار الأساسية وضرورة رفعه، بل وتنبيه العرب والغرب معا إلى أن الحصار هو الذي يفرز هذا التطرف والعداء للغرب، وهي رسالة يبدو أنها موجهه بالأساس لحكومة الرئيس الأمريكي أوباما والحكومات العربية معا، فهل تصل الرسالة برغم أنها تكلف أبناء غزة مزيدا من القتال الداخلي ونزيف الدماء أم تستمر ’’اسطوانة’’ أن حماس إرهابية وتريد إعلان دولة إسلامية في غزة.
المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين.نت
*لجينيات