مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
حين تصفو قلوبنا
حين تصفو قلوبنا
لا يتوقع المسلم الربط بين سلوكه العملي وما يحمل من قيم وقنا عات من جهة، ومابين هذا الكون من جهة أخرى.
فهناك ربط وعلاقة متينة بين قيم المرء وممارساته اليومية حيث أن خواطر النفس وحديثها يصيغان التوجهات السلوكية بل والانفعالية في الإنسان ، وهذه الخواطر هي نتيجة القناعات التي تربّى عليها وتلقاها عبر والديه وبيئته أو عبر منهج تعلمه.
فالمعرفة والتربية الناضجَين يصيغان قيم المرء ويحددان وجهته وحبه وبغضه وولائه وبرائه ، وهذه القناعات تصيغ الخواطر ولذلك نجد أن السلف كانوا يعتبون على أنفسهم من الخواطر ويعتبرون الخواطر التي تنافي قيمهم وقناعاتهم ضربا من المعاصي فيحاسبون أنفسهم على تلك الخواطر.
ويحضرني كلام ابن القيم رحمه الله حيث يقول :عند تعليقه على قوله تعالى :) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65). فيقول رحمه الله :أقسم سبحانه بنفسه المقدسة ، قسما مؤكدا بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يحكِّموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج وهو ضيق الصدر فتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح وتنفسح له كل الانفساح وتقبله كل القبول ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضا حتى يضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض فهنا ثلاثة أمور : التحكيم ، وانتفاء الحرج ، والتسليم...) (التبيان في إيمان القرآن /لابن القيم تحقيق/عبد الله البطاطي ص:652-653)
فتحكيم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مطلوب أن يكون على خواطرنا وحديث أنفسنا.
وحين تصفوا قلوبنا سوف تشعر بأثر تلك الخواطر على القلوب ومقدار تكديرها عليها أيضا.ولأن القلوب فيها قدر كبير من القساوة لا تشعر بأثر تلك الخواطر بل هنا ك من لا يشعر بذلك ولو اقترف خطأً – والعياذ بالله- حين يزين له يحبه ويعتاد عليه.
حين تصفو قلوبنا ستستقيم خواطرنا وتحول إلى خواطر تأمل وفكر وتفكر وستشعر حينها بواردات الطاعات وصفاء النفس.
كان سيدنا حنظلة رضي الله عنه ممن يشعر بأثر الخاطر فقد اتهم نفسه بالنفاق حين وجد ضعف سموها يخفت قليلا إذا عاد إلى أهله وذويه ،هذا وهو لم يقترف شيئا ،إنها يقظة القلب وسمو الروح معاً.
حين تصفو قلوبنا تستقيم خواطرنا و بها يستقيم سلوكنا ، سلوك العين ، سلوك كل الجوارح وبذلك تستقيم معاملتنا مع الله ومع خلقه ومع الكون فيصير حاله كماجاء في الحديث القدسي ( كنت سمعه الذي يسمع به .) (-رواه البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه.)
وباستقامة السلوك يكون النصر ولذته، فيتفاعل معنا الكون كله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة رضي الله عنه :( لو بقيتم على ما أنتم عليه لصافحتكم الملائكة) ( رواه مسلم في صحيحه في كتاب التوبة.)
فسمو روحه وصفاء قلبه رضي الله عنه أهلاه لتصافحه الملائكة فهل حرصنا على سمو أرواحنا وصفاء قلوبنا وهل آن لنا أن نعود إلى قلوبنا فنزكيها فتسلم خواطرنا وترتقي أرواحنا فنلحق درب الصالحين الأبرار،ولن يكون ذلك إلا حين تصفو قلوبنا.
فؤاد الصوفي
مدير موقع الوفاق الإنمائي
أضافة تعليق