مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
عتاب إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

عتاب إلى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

جمال سلطان

لم تُتَح لي الفرصة أن أشاهد حلقة هذا الأسبوع من برنامج فضيلة الشيخ سلمان العودة (الحياة كلمة)، غير أني قرأت التقرير الذي نشره موقع (الإسلام اليوم) عن الحلقة، وبخاصة العرض المسهب لما قاله فضيلته عن القضية الصومالية، والنصائح التي وجهها إلى الجماعات الصومالية المتحاربة ودعوتها إلى الالتفاف حول شيخ شريف أحمد الرئيس المنتخب حديثاً.

فبحسب النص المنشور عن حلقة الشيخ قال ما نصه: ’’لا بد أن يكون هناك تنادٍ لعلماء الصومال، أن يجتمعوا في هذا الوقت، ويتفقوا على رأي؛ فدعم الحكومة الجديدة مطلب، والتوافق عليها.. وأيضاً المطالب الموجودة لدى إسلاميين أو غير إسلاميين، أو قبليين، ينبغي أن تُستوعب، وينبغي أن يكون هناك إعلان لحوار جيد، وأضاف فضيلته: إن الشيخ شريف كان رئيساً للمحاكم في السابق، وهناك توافق عليه، وقبول إقليمي له، مشيراً إلى أن الصومال عاش سنوات طويلة جداً، بعد انهيار الحكم السابق، في وضع مأساوي، وأنه يجب ألاّ يستمر هذا إلى ما لا نهاية’’.

هذا كلام ـ بطبيعة الحال ـ رصين وإيجابي ومتوافق مع المستقر من أحكام الإسلام وروح نصوص الشريعة، ومنهج أهل السنة والجماعة التي تحض جميعها على الوحدة والاجتماع، والطاعة، والبعد عن الفتن، وتجنب إراقة الدماء، ولا أتصور أن يكون هناك اختلاف مع فضيلته في هذا الطرح النبيل، ولكن المشكلة أن القضية الصومالية لا يمكن احتواؤها بمثل هذه النصائح العامة، أو الخطابات العارضة في وسائل الإعلام، أو التواصل معها عن بعد، وإنما تحتاج تلك القضية إلى قرب من أهل العلم وتواصل مباشر مع أطرافها، والاستماع منهم مباشرة، والحديث إليهم مباشرة بدون وساطة إعلامية أو غير إعلامية.

أشار الدكتور العودة إلى أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ وهو من قياداته البارزة ـ عرض التوسط بين الفرقاء هناك، والسعي لإصلاح ذات البين، ولكن المشكلة ـ مرة أخرى ـ أن هذا الطرح ظل طرحاً عن بعد، ومقترحاً إعلامياً لم يُبذل فيه جهد لتحقيقه على أرض الواقع، وفي تصوري أن الحالة الصومالية الآن هي في رقاب علماء المسلمين تحديداً، ويُسألون عنها أمام الله وأمام الناس. . لماذا؟ لأن الوضع الصومالي الآن أصبح له خصوصية نادراً ما تحدث في هذه الأوقات، وتلك أن الفرقاء جميعهم تقريباً، سلطة ومعارضة، هم من المنتمين إلى المنهج الإسلامي وطلاب العلم الشرعي، ومن هنا يأتي الدور الخطير والمحوري لأهل العلم الموثوقين في إصلاح ذات البين، وإصلاح مسيرة الصومال بكامله.

هذا الشعب العربي المسلم الذي عانى سنوات طويلة من الاستباحة لدماء أهله وأعراضهم، سواء من قبل القوات الأمريكية أو الأثيوبية أو غيرها، كما أنه عانى من صراعات لا تكاد تنتهي بين محترفي سياسة ورجال أشبه برجال العصابات منهم برجال دولة، وقد آن لأهلنا في الصومال أن ينعموا بالأمن والأمان، و أن ينعموا بما جاهدوا من أجله طويلاً، وهو الاستقلال في ظل أحكام الشريعة، وهذا المطلب أصبح مرجواً الآن أكثر من أي وقت مضى.

ألحظ من خلال كتابات وتصريحات قيادات المجموعات الإسلامية الصومالية، بمن في ذلك الرئيس الجديد شيخ شريف أحمد، ضعف الخبرة السياسية، وضمور الأفق السياسي في خطاباتهم أو تحركاتهم أو حتى مشروعاتهم السياسية، وهو أمر يسهل اكتسابه مع الوقت، ولكن المشكلة أن الوقت ليس دائماً في صالح الاجتماع والوحدة، وأتصور أن هناك واجباً ملحاً على اتحاد العلماء المسلمين الآن أن يشكل ما يشبه خلية أزمة لمتابعة الموقف الصومالي، وأن تتولى هذه الخلية إقامة جسور تواصل مباشر مع قيادات السلطة والمعارضة في الصومال، وأن يتم الاستماع لآراء الجميع وهواجسهم وتخوّفاتهم وآمالهم أيضاً، ثم تتم عملية تقريب وجهات النظر، تمهيداً لعقد مؤتمر مصالحة وطني إسلامي صومالي جامع، وليكن هذا المؤتمر في مرحلته تلك تحت رعاية الخارجية السعودية مثلاً وفي رحاب مكة المكرمة، ومن المهم جداً والمطلوب والعاجل أن يقوم وفد من اتحاد العلماء المسلمين بالسفر إلى مقديشو، والاطلاع عن قرب على الأحداث ويستمع للجميع مباشرة.

كما أني أتصور أنه في تلك المرحلة يحسن أن يمسك الجميع عن الميل لطرف دون آخر، مهما حسنت النوايا، وحتى في الدعوات إلى الوحدة والاجتماع؛ لأن أحد أهم شروط نجاح مثل تلك الوساطة هو ثقة الأطراف كلها بأن الوسيط، وهم أهل العلم، على مسافة واحدة من الجميع، وأن رغبتهم ليست في تمكين طرف من طرف، وإنما جمع كلمة أهل التوحيد في الصومال لبسط الأمن والأمان في البلاد، وإعادة الأمل في مستقبل أفضل لأهله وناسه.

فهل تفعلون يا فضيلة الشيخ سلمان ويا اتحاد علماء المسلمين العالمي؟
.نوافذ
أضافة تعليق