مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
أصبح الصبح..

جمال سلطان | 25-01-2012 14:40

هى جزء من قصيدة شهيرة للشاعر السودانى الجميل محمد الفيتورى، طالما كنت أتغنى بها فى زنزانتى أيام المعتقل أو عندما تفيض مشاعرى فى سنوات الغربة حزنًا على وطن مستباح وأسير، كنت أتغنى بها كحلم أتمنى أن أراه حقيقة ـ وليس قصيدة ـ قبل الممات: أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق.. وإذا الفجر جناحان يرفان عليك.. وإذا الليل الذى كحل هاتيك المآقى.. والذى شد على الدرب وثاقا لوثاق.. فرحة غامرة من كل قلب يا بلادى.



أى حلم جميل هذا الذى نعيشه هذه الأيام، أى خيال رائع هذا الذى يظلل بلادنا وبلاد العرب أجمعين، فى عام واحد تختفى كل هذه الوجوه الكالحة للطغاة الذين طالما تعاملوا معنا كعبيد، فى عام واحد يطوف طير الحرية على بلاد العرب من مغربها إلى مشرقها ليغرد أعذب النشيد وأرق المعانى، فى عام واحد لم نعد نرى القذافى وبن على ومبارك وعلى صالح، وقريبًا بإذن الله لن نرى وجه طاغية سوريا الكئيب، الذى دشن آفة وراثة السلطة فى الجمهوريات العربية فكانت وبالا على كل من فكر فيها بعده، أى ربيع هذا الذى جاء بتلك الثورة العربية الجميلة، أى ربيع هذا الذى جعلنا نشعر للمرة الأولى منذ ولدتنا أمهاتنا بأن هذه بلادنا، وهذه أوطاننا، وهذه دولتنا.

عام مضى على ثورة 25 يناير المباركة، تحقق فيها الكثير من أشواق الشعب المصرى للإصلاح والثأر من طغاته، كسرنا الطاغية، وأسقطنا نظامه، وأدخلنا أركان حكمه جميعًا فى السجون الآن، ووضعنا وريثه المتعجرف جمال وشقيقه فى سجن طره ليصبح فى قفص الاتهام فرجة للعالمين، وألغينا برلمانه المزور بشقيه، وأسقطنا دستوره وعطلنا العمل به لحين إعداد دستور دولة حديثة ديمقراطية، وفتحنا الباب أمام تشكيل أحزاب وطنية لكل التيارات وكل القوى وأنجزنا أعظم انتخابات نيابية فى تاريخ مصر الحديث، وولد برلمان الوطن الحقيقى، وقبل كل ذلك استعاد المواطن إحساسه بالكرامة، وبالحق، وأصبح عصيًا على الاستباحة وعصيًا على الترويض.

بالمقابل ما زالت هناك طموحات ومطالب للثورة لم تتحقق حتى الآن، لعل فى مقدمتها إنجاز أحكام مبارك وأنجاله وأركان حكمه التى تتعثر حتى الآن، أيضًا إتمام محاكمة قتلة الشهداء لتشفى نفوس أصحاب الدم، والتعويض الكامل والعاجل لأسر الشهداء والمصابين، أيضًا هناك بنية اقتصادية غير عادلة حتى الآن ولا تشعر المواطن العادى بأن شيئًا فعليًا تحقق من ثمار الثورة، كما أن منظومة الاقتصاد التى تشكلت فى عصر الطاغية برموزها وشبكة مصالحها ما زالت هى المسيطرة، أيضًا لم ننجز رئيسًا مدنيًا للجمهورية حتى الآن ولم ننجز الدستور الجديد لمصر الثورة، وكل هذه الأمور ليست مجرد مطالب للثورة، وإنما هى ضمانات لقطع الطريق على المتآمرين على الثورة، وإعلان النصر النهائى للثورة وأهدافها.

ويبقى أن نذكر بأن الثورة كانت ثورة شعب بكل تياراته وقواه السياسية، وأن الجميع ـ أخلاقياً وتاريخيًا ـ شركاء فى تلك الثورة وإذا كانت العملية الديمقراطية تتجه نحو غالبية برلمانية لقوة بعينها أو قوى التيار الإسلامى تحديدًا، فإن التاريخ والأخلاق والضرورة أيضًا، تقتضى الاعتراف بحق شركاء الثورة فى كل الخطوات المقبلة لبناء الدولة، من أول صياغة دستور توافقى بمشاركة الجميع، إلى اختيار رئيس الجمهورية، ولن يقبل من أى قوة سياسية سلوك أو ممارسة يفهم منها الرغبة فى تهميش أحد أو الاستئثار بالوطن، انتهى هذا العهد
بلا رجعة.
*المصريون
أضافة تعليق