لماذا فشلت مشروعات التنوير العربي..؟!
جمال سلطان
مثّلت فكرة التقدم والتحضر هاجساً دائماً عند الإنسان العربي في العصر الحالي، وانعكس هذا الهاجس على المستفيض من كتابات المفكرين والأدباء وعلماء الدين والدعاة، وحتى الشعر ومدارسه الأدبية.
كان هناك إحساس بأن المجتمع العربي في محنة، وأنه في وضعية لا تليق به تاريخياً، ولكن اختلف التوصيف لأسباب المحنة وأسباب التخلف الحضاري بالمقارنة بأمم أخرى، وفي ظل هذه الأجواء والآمال والهواجس نشطت أفكار تتحدث عن أن المشكلة هي مشكلة أفكار، وليست مشكلة أشياء أو إمكانات، وبالتالي فإن الأمة في حاجة إلى عملية تنوير فكري جديد يعيد إليها حيويتها، ويدفع بأفكار صانعة للتفوق والتقدم والسبق الحضاري، وهي فرضية صحيحة إلى حد كبير، ولكن المشكلة أتت من عجز هذه النخبة عن صياغة أفكار مبدعة للتنوير يمكن أن تحدث تفاعلاتها مع الإنسان العربي المسلم، وعندما عجزوا استسهلوا أن ينقلوا أفكاراً تنويرية تولدت في أمم أخرى وفي سياقات تاريخية أخرى، وخاصة التجربة الأوروبية.
نظروا فيها وفي أفكارها وفي نتائجها فوجدوا أنها أثمرت هناك، وبالتالي فهي أفكار ـ في ظنهم ـ تصلح للتفاعل مع الإنسان العربي وإنقاذه، دونما نظر إلى خصوصية تلك الأفكار لمجتمعات مختلفة لها تاريخها وتراثها وتجاربها التي تختلف عن سياق المجتمع العربي وتراثه وتجاربه.
وبعد جهد ومجاهدة طويلة اكتشف هؤلاء أن المجتمع لا يستجيب لأفكارهم التنويرية، ولا يتفاعل معها فاتهموه بأنه مجتمع ظلامي، ولما رأوا المجتمع أكثر تمسكاً بقواعده الدينية وتراثه اعتبروا أن ذلك هو السبب في عدم قبوله للاستنارة، على الرغم من أن الحقيقة هي أن الأفكار التي حاولوا فرضها على المجتمع باسم الاستنارة كانت خاطئة تماماً، ويمكن وصفها هي بالظلامية عن حق؛ لأن التنوير كمشعل للنهوض لا يمكن أن يستورد مثل أي بضاعة أو آلة، وإنما التنوير لا بد وأن يكون عملاً خلاقاً وإبداعياً يتولد من سياق حضاري مرتبط بالأمة التي يريد التفاعل معها.
فإرادة الإنسان وهو محور عملية التقدم أو النهوض أو البناء الحضاري ليست زراً تضغط عليه أو تبرمجه ليعمل، وإنما هي تكوين معقد نفسياً وروحياً وعقلياً وتاريخياً أيضاً، وما لم تنجح في إيجاد المعمل الفكري أو البوتقة التي تنصهر فيها تلك المكونات مع قدرات المجتمع وإمكاناته مع الطموح الذي يتوجه إليه، فإنك ستفشل في صناعة أي تقدم أو نهوض، وتلك البوتقة هي عالم الأفكار الأصيل الذي ينجح في صياغة مزيج يستلهم دين المجتمع وتراثه الروحي وخبراته التاريخية، يمزج ذلك مع مقتضيات العصر الجديد وخبراته خاصة الإدارية والتنظيمية والتقنية؛ فبذلك تصنع التقدم وتفجر طاقات العمل والتفوق والسبق في الأمة.
لهذا كله أخفقت مشروعات التنوير العربية التي قدمت طوال القرن الماضي كله؛ لأن من قدموها استسهلوا استنساخ أو طباعة النسخة الأوروبية من التنوير لترويجها في بلادنا للتغطية على عقمهم الإبداعي وعجزهم عن التواصل مع مجتمعاتهم وتعاليهم عليها، ففشلوا، وخسرت الأمة الكثير من طاقاتها المهدرة، وأعماراً ضاعت في العبث. فهل تعلّم ’’خلفهم’’ في العالم العربي الدرس؟!
جمال سلطان
مثّلت فكرة التقدم والتحضر هاجساً دائماً عند الإنسان العربي في العصر الحالي، وانعكس هذا الهاجس على المستفيض من كتابات المفكرين والأدباء وعلماء الدين والدعاة، وحتى الشعر ومدارسه الأدبية.
كان هناك إحساس بأن المجتمع العربي في محنة، وأنه في وضعية لا تليق به تاريخياً، ولكن اختلف التوصيف لأسباب المحنة وأسباب التخلف الحضاري بالمقارنة بأمم أخرى، وفي ظل هذه الأجواء والآمال والهواجس نشطت أفكار تتحدث عن أن المشكلة هي مشكلة أفكار، وليست مشكلة أشياء أو إمكانات، وبالتالي فإن الأمة في حاجة إلى عملية تنوير فكري جديد يعيد إليها حيويتها، ويدفع بأفكار صانعة للتفوق والتقدم والسبق الحضاري، وهي فرضية صحيحة إلى حد كبير، ولكن المشكلة أتت من عجز هذه النخبة عن صياغة أفكار مبدعة للتنوير يمكن أن تحدث تفاعلاتها مع الإنسان العربي المسلم، وعندما عجزوا استسهلوا أن ينقلوا أفكاراً تنويرية تولدت في أمم أخرى وفي سياقات تاريخية أخرى، وخاصة التجربة الأوروبية.
نظروا فيها وفي أفكارها وفي نتائجها فوجدوا أنها أثمرت هناك، وبالتالي فهي أفكار ـ في ظنهم ـ تصلح للتفاعل مع الإنسان العربي وإنقاذه، دونما نظر إلى خصوصية تلك الأفكار لمجتمعات مختلفة لها تاريخها وتراثها وتجاربها التي تختلف عن سياق المجتمع العربي وتراثه وتجاربه.
وبعد جهد ومجاهدة طويلة اكتشف هؤلاء أن المجتمع لا يستجيب لأفكارهم التنويرية، ولا يتفاعل معها فاتهموه بأنه مجتمع ظلامي، ولما رأوا المجتمع أكثر تمسكاً بقواعده الدينية وتراثه اعتبروا أن ذلك هو السبب في عدم قبوله للاستنارة، على الرغم من أن الحقيقة هي أن الأفكار التي حاولوا فرضها على المجتمع باسم الاستنارة كانت خاطئة تماماً، ويمكن وصفها هي بالظلامية عن حق؛ لأن التنوير كمشعل للنهوض لا يمكن أن يستورد مثل أي بضاعة أو آلة، وإنما التنوير لا بد وأن يكون عملاً خلاقاً وإبداعياً يتولد من سياق حضاري مرتبط بالأمة التي يريد التفاعل معها.
فإرادة الإنسان وهو محور عملية التقدم أو النهوض أو البناء الحضاري ليست زراً تضغط عليه أو تبرمجه ليعمل، وإنما هي تكوين معقد نفسياً وروحياً وعقلياً وتاريخياً أيضاً، وما لم تنجح في إيجاد المعمل الفكري أو البوتقة التي تنصهر فيها تلك المكونات مع قدرات المجتمع وإمكاناته مع الطموح الذي يتوجه إليه، فإنك ستفشل في صناعة أي تقدم أو نهوض، وتلك البوتقة هي عالم الأفكار الأصيل الذي ينجح في صياغة مزيج يستلهم دين المجتمع وتراثه الروحي وخبراته التاريخية، يمزج ذلك مع مقتضيات العصر الجديد وخبراته خاصة الإدارية والتنظيمية والتقنية؛ فبذلك تصنع التقدم وتفجر طاقات العمل والتفوق والسبق في الأمة.
لهذا كله أخفقت مشروعات التنوير العربية التي قدمت طوال القرن الماضي كله؛ لأن من قدموها استسهلوا استنساخ أو طباعة النسخة الأوروبية من التنوير لترويجها في بلادنا للتغطية على عقمهم الإبداعي وعجزهم عن التواصل مع مجتمعاتهم وتعاليهم عليها، ففشلوا، وخسرت الأمة الكثير من طاقاتها المهدرة، وأعماراً ضاعت في العبث. فهل تعلّم ’’خلفهم’’ في العالم العربي الدرس؟!