العلم والتربية
د.محمد العبدة
هل نكتفي بالعلم دون تربية ودون آداب تحوطه وترعاه حتى يؤتي ثماره ويبلغ أهدافه؟ لو كان الأمر هكذا لما مدح العلماء الربانيون وهم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كبارها وهم العارفون بشؤون الأمة ومن الأدلة على ضرورة التربية مع العلم. إن قيادة الجيوش تحتاج مع العلوم العسكرية إلى التربية العسكرية، وولاية القضاء تحتاج مع علوم القضاء إلى تربية قضائية. وسياسة الأمم تحتاج مع العلوم الضرورية لهذا العمل الكبير الى تربية سياسية. وطالب العلم الشرعي يحتاج إلى آداب الطلب. قال عبد الرحمن بن مهدي: ’’كنا نأتي الرجل ما نريد علمه، ليس إلا أن نتعلم من هديه وسمته ودله. ’’ ويقول البشير الإبراهيمي متذكرا طريقة الشيخ ابن باديس: ’’ وكان رحمه الله يؤثر التربية على التعليم ويحرص على غرس الفضائل في نفوس تلامذته قبل غرس القواعد الجافة في أدمغتهم وهكذا فإنه أخرج للأمة الجزائرية في الزمن اليسير جيلا يفهم الحياة.(1) ومن هذه التربية ما أدب به الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’ ما ينبغي لعبد أن يقول : إني خير من يونس بن متى ’’ وذلك حتى لا يتعود المسلمون على التطاول على الكبار كما هو الواقع اليوم ، فبعض الناس يرون أن من الموضوعية التطاول على الصحابة رضوان الله عليهم .ولو كانت القضية في بحث علمي محدد لهان الأمر ويمكن أن يقال أخطأ فلان فالصحابة ليسوا معصومين ، ولكنه كلام في الصحابة دون سبب .
وقد كان التابعون والعلماء الصالحون يدركون أهمية هذا الموضوع فلا يعتمدون على العلم المجرد ، بل يضعون الاحتراسات حتى لا يفهم الكلام على غير ما يريد صاحبه ، فعن النعمان بن قيس قال : دعا عبيدة السلماني بكتبه عند موته فمحاها وقال : أخشى أن تضعوها على غير موضعها (2) . وحتى لا يحمل الكلام على غير موضعه قال ابن عون : ’’ لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتابا وأشهدنا عليه شهودا، ولكن قلنا : كلمة خرجت لا تحمل ’’(3) والحسن هو الحسن البصري رحمه الله ،وربما قال كلمة في موضوع القدر وابن عون يؤكد أنه رجع عنها ومع ذلك حملها الناس على غير محملها .
إن بناء الدعوة والإصلاح كبناء الكائن الحي ، يجب أن تنمو من جميع جوانبها وفي وقت واحد ، ففي الكائن الحي لا تنمو الأصابع أولا والشعر ثانيا أو ينمو الرأس ثم الرجلين ، فلا يقال : نتعلم ثم نربي ولا يقال : ندرس العقيدة ثم نبدأ بالجوانب الأخرى ، فالفرد في المرحلة المكية تلقى التوحيد والأخلاق والعمل الاجتماعي والصمود وذكرت الصلاة والجهاد وكل الأمور التي ستفصل بعدئذ في المرحلة المدنية .
1- البشير الإبراهيمي: الآثار الكاملة 5/139
2- صحيح أبو داود 3/883
سير أعلام النبلاء 4/43
د.محمد العبدة
هل نكتفي بالعلم دون تربية ودون آداب تحوطه وترعاه حتى يؤتي ثماره ويبلغ أهدافه؟ لو كان الأمر هكذا لما مدح العلماء الربانيون وهم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كبارها وهم العارفون بشؤون الأمة ومن الأدلة على ضرورة التربية مع العلم. إن قيادة الجيوش تحتاج مع العلوم العسكرية إلى التربية العسكرية، وولاية القضاء تحتاج مع علوم القضاء إلى تربية قضائية. وسياسة الأمم تحتاج مع العلوم الضرورية لهذا العمل الكبير الى تربية سياسية. وطالب العلم الشرعي يحتاج إلى آداب الطلب. قال عبد الرحمن بن مهدي: ’’كنا نأتي الرجل ما نريد علمه، ليس إلا أن نتعلم من هديه وسمته ودله. ’’ ويقول البشير الإبراهيمي متذكرا طريقة الشيخ ابن باديس: ’’ وكان رحمه الله يؤثر التربية على التعليم ويحرص على غرس الفضائل في نفوس تلامذته قبل غرس القواعد الجافة في أدمغتهم وهكذا فإنه أخرج للأمة الجزائرية في الزمن اليسير جيلا يفهم الحياة.(1) ومن هذه التربية ما أدب به الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين، فقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’ ما ينبغي لعبد أن يقول : إني خير من يونس بن متى ’’ وذلك حتى لا يتعود المسلمون على التطاول على الكبار كما هو الواقع اليوم ، فبعض الناس يرون أن من الموضوعية التطاول على الصحابة رضوان الله عليهم .ولو كانت القضية في بحث علمي محدد لهان الأمر ويمكن أن يقال أخطأ فلان فالصحابة ليسوا معصومين ، ولكنه كلام في الصحابة دون سبب .
وقد كان التابعون والعلماء الصالحون يدركون أهمية هذا الموضوع فلا يعتمدون على العلم المجرد ، بل يضعون الاحتراسات حتى لا يفهم الكلام على غير ما يريد صاحبه ، فعن النعمان بن قيس قال : دعا عبيدة السلماني بكتبه عند موته فمحاها وقال : أخشى أن تضعوها على غير موضعها (2) . وحتى لا يحمل الكلام على غير موضعه قال ابن عون : ’’ لو علمنا أن كلمة الحسن تبلغ ما بلغت لكتبنا برجوعه كتابا وأشهدنا عليه شهودا، ولكن قلنا : كلمة خرجت لا تحمل ’’(3) والحسن هو الحسن البصري رحمه الله ،وربما قال كلمة في موضوع القدر وابن عون يؤكد أنه رجع عنها ومع ذلك حملها الناس على غير محملها .
إن بناء الدعوة والإصلاح كبناء الكائن الحي ، يجب أن تنمو من جميع جوانبها وفي وقت واحد ، ففي الكائن الحي لا تنمو الأصابع أولا والشعر ثانيا أو ينمو الرأس ثم الرجلين ، فلا يقال : نتعلم ثم نربي ولا يقال : ندرس العقيدة ثم نبدأ بالجوانب الأخرى ، فالفرد في المرحلة المكية تلقى التوحيد والأخلاق والعمل الاجتماعي والصمود وذكرت الصلاة والجهاد وكل الأمور التي ستفصل بعدئذ في المرحلة المدنية .
1- البشير الإبراهيمي: الآثار الكاملة 5/139
2- صحيح أبو داود 3/883
سير أعلام النبلاء 4/43