مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
مسرحيـّات المصالحة
مسرحيـّات المصالحة
فؤاد الصوفي*
[email protected]
ما نسمعه ونشاهده في العالم هو حرص قادة الدول على الوفاء بمطالب شعوبهم ،وحرصهم على تحقيق تطلعات تلك الشعوب ، وسعيهم نحو توفير قدر من الرخاء والرفاهية لأوطانهم ومواطنيهم ، ناهيك عن توفير الاحتياجات الأساسية لتلك الشعوب ،أما شعوبنا فلم تجد من يحرص على مصلحتها ويوفر لها احتياجاتها الأساسية ،فلم يخففوا شيئا من جوعها ولم يمنحوها شيئا من أمنها.
و المتأمل في واقع الشعوب العربية سيجدها من أكثر الشعوب امتلاكا للموارد وللثروات المختلفة ،وبنفس الوقت لديــها كم هائل من الفقراء والمعوزين والعاطلين ، تناقضٌ يثبت حالا ومآلا أن هذه الشعوب كُتِب عليها العناء والشقاء وسيبقى حالها كـذلك حتـى تستعــيد نخــوتها وشجاعتها ، فمُقَدِّراتها تذهب لصالح أقلية حاكمة ،وذلك لأنها اختارت وفضلت الصمت والجبن ونسيت شجاعة سلفها الذين كان يفضل أحدهم الموت في سبيل موقفه وشجاعته، واليوم ذعنت للاستبداد حتى أذهب بريقها وحيويتها وإنسانيتها وأصبحت ذليلة خاضعة له حفاظا على بعض مصالح بعضها ، فأضحت الشعوب أسيرة للقمة العيش عاجزة عن التعبير عما تعانيه خشية ذهاب تلك اللقمة .
فاستطاع الاستبداد في وطننا العربي أن يصنع لنفسه أقزاما يسبحون بحمده ويقدسون له ، ولو كانوا من ذوي الـكـفــاءات العلمية المرتفعة ،والمناصب السياسية المرموقة فإن الجبن هوهو، بل من ترقّى إلى المناصب الرفيعة كان أكثر الناس خضوعا ودفاعا عن الاستبداد وتلميعا له وهو من أوائل من يكتوي بناره، حتى أضحى المستبدون ينعمون ويركلون رؤوس شعوبهم دون الالتفات إلى مصالح شعوبهم وآمالها ، فيتخذون المواقف المفتعلة دون أي حساب لما يجب أن يتخذ من موقع المسئولية عن الأمة وشعوبها.
ونظرا للأزمات المتتالية التي حلّت في الشعوب العربية نتيجة الاستبداد الجاثم الذي شاب رأسه وهو جاثم على رؤوسها تتابعت الأحداث الساخنة التي كانت تطلب مواقف مشرفة من هؤلاء الزعماء يرفعون بها أمتهم ويخلدون في التاريخ ذكرَهم
ولكن دون جدوى .
ففي الوقت الذي ثارت فيه الشعوب كلها و جـيشت نفسها مُطالِبة بحقوق الفلسطينيين المظلومين وبمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين ،في هذا الوقت كانت تنتظر فيه الشعوب العربية بل والإسلامية من القيادات العربية موقفا مشرفا حول أحداث غزة ؛ فجاءت قمة غزة في الدوحة ثم تفاجأت الشعوب بخذلانها وإفشال تلك القمة! ونفس الأطراف التي أفشلت قمة غزة كان لها دور في افتعال قضية المصالحة والدعوة لها وتوجيه الخطاب العاطفي الذي عصف بالحاضرين في قمة الكويت فحوِّل التأثير إلى ملف المصالحة ، وإن كانت المصالحة مطلب شعبي إلا أنها لا تكون على حساب ملفٍّ جرحه ينزف منذ عقود من الزمن ، لأن الاختلاف لم يكن لأجل الشعوب أصلا . وفعلا نجحت تلك الأطراف حيث دغدغت عواطف السامعين وعصفت بشعورهم وهيجتها نحو المصالحة لا لأجل المصالحة ولكن ليضيع ملف فلسطين ولتكون القمة مغطِّية لجرائم إسرائيل.
كما أن أعظم ما فعلته قمة الكويت هو التهديد بسحب المبادرة العربية، وظن الناس أن ذلك سيكون في أقرب وقت فلم يكن .
وفي القمة الأخيرة افتعلت مسرحية أخرى مما جعل الناس يطلقونها عليها قمة مصالحة أيضا،فقد افتعل نفس الملف وفي وقت لم يكن مناسبا لطرحه رغم إيجابيته ،فطغى ملف المصالحة أيضا على ما كان ينبغي من توحيد الصف ضد إسرائيل وضد مذكرة توقيف البشير، كل هذه الأزمات وأزمات أخرى لم تدفع القمم العربية لتخرج بموقف مشرِّف يعيد لها الاعتبار وينسجم مع تطلعات الشارع العربي وطموحاته ، وتخرج أمامه بماء الوجه كما يقال .وهكذا تضيع آمال الشعوب في تصالح وتخاصم زعاماتها.
• مدير موقع الوفاق الإنمائي Wefaqdev.net
أضافة تعليق