●الوالد العلامة الفقيه الشافعي الشيخ/حيدر سالم عبدالله حاج الجهمي المصباحي المدني يودع دنيانا الفانية-رحمة الله تغشاه-.
● أفَلَ نجم المصباح، صاحب الفضل و الفضيلة والدنا وشيخنا المبارك الفقيه الفرضي العابد الزاهد الورع شيخ الواحدة والتسعين تقريبا المجاور في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام منذ زهرة شبابه.
ولد في المصباح قرية الكُدُفْ سنة ١٣٥٠ه تقريبا، وتربى في كنف والده العابد الشيخ/ سالم عبدالله حاج الجهمي، وتوفي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمس الأحد ٢٢ شوال ١٤٤١ه، "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" .
أخبرني الآن الوالد الحاج محمد عبدالله الزيتوني المصباحي المدني أن الحاج سالم كان كريما مكرما لأهل العلم مضيافا وممن كان يكرمهم علماء زبيد حيث كان برنامجهم من محرم إلى جمادى الآخر ستة أشهر في تدريس العلم، وفي رجب وشعبان لقراءة صحيح البخاري وغيره من كتب السنة النبوية ، ورمضان لقراءة القرآن الكريم، وما بين العيدين الفطر والأضحى جولات دعوية يقوم بها شيوخ زبيد فيمن حولهم لتعليم الناس أمر دينهم ولزيارة طلابهم الدارسين في زبيد، فممن كان يستقبلهم في المصباح ويكرمهم الوالد الحاج/ سالم عبدالله، والد الشيخ حيدر، وفي مقدمة ضيوف المصباح الفقيه العلامة اللغوي/محمد بن أحمد حنفي الزبيدي، فيجتمع الناس إليه للتعلم منه واستفتائه في المسائل الشرعية، وأخبرني أن هذا كان عادة جارية في بلدنا المصباح وما جاورها، احتفاءً بالعلم وإكراما للعلماء عنده وعند غيره، وأخبرني أن أم الشيخ حيدر كانت امرأة صالحة ماتت بالبَرْق وهي تقرأ القرآن - رحمها الله تعالى- حيث ضرب البرق بيت والديه فتصدع، وهلكت بقرتان لهما.
●بيني وبين الشيخ الجليل الوالد الفقيه /حيدر سالم ، ودُّ وحبُّ ،وبينه وبين والدي صهارة، أخبرني أنه قرأ القرآن على يد عمي الفقيه/ حامد بن إسماعيل وجوَّده على يد الفقيه/ فاضل بن يحي فتيني، ودرس الفقه والنحو على يد والدي الفقيه/ محمد بن إسماعيل، وخاصة كتاب التحرير للإمام زكريا اﻷنصاري، كما درس التحرير أيضا مع عمي الفقيه/ عبدالله بن إسماعيل وابن عمي الشيخ/ عبدالرحمن حامد - شافاه الله تعالى-، أخبرني بذلك وهو مريض هذه الليلة الاثنين٢٣ شوال ١٤٤١ه في اتصال هاتفي لتعزيته في شيخه الشيخ حيدر، والاطمئنان على صحته، درسوا جميعا على الفقيه الشيخ العلامة الكبير /سالم بن أحمد القريَّه الحطامي علامة بني حطَّام،
الذي درس في زبيد عشرين سنة، لا نظير له، كما أخبرني بذلك والدي - رحمه الله-.
* سافر الشيخ حيدر لطلب العلم الشريف إلى مدينة العلم والعلماء زبيد المحروسة وتزامل مع عمي الفقيه عبدالله بن إسماعيل وعمي الفقيه أحمد بن إسماعيل، فدرس على مفتي زبيد شيخه وشيخ والدي وشيخي العلامة مفتي الجبال وتهامة /محمد بن سليمان اﻷهدل، وعلى وحيد عصره العلامة الموسوعي المتفنن الشيخ/ محمد بن أحمد السالمي، وعلى الشيخ العلامة اللغوي الأديب/ عبدالله بن زيد المعزبي، والعلامة المحقق/محمد بن أحمد حنفي الزبيدي و العلامة الفرضي /أحمد بن داود البطاح اﻷهدل رحمهم الله تعالى أجمعين.
*زوجه والده مبكرا وهو في الخامسة عشرة من عمره وكان له دكان أسفل منارة جامع المصباح يبيع ويشترى وبعد مدة لما ضاقت الأرزاق في المصباح ووصاب توجه وغيره صوب الحجاز فاغترب مهاجرا إلى مدينة رسول الله - عليه الصلاة والسلام-، وﻻزم حلق العلم، والشيوخ اﻷكابر عقودا من الزمن، فجمع محاسن المدرسة الزبيدية الشافعية، ومحاسن المدرسة المدنية الحجازية وفاق فيهما، وتوثقت علاقته بأهلها ومن وفد إليها فبينه وبين الشيخ أبي بكر الجزائري مثلا ودُّ ومصاهرة، فقد زوج ابنه عبدالغني ابنة بنت الشيخ أبي بكر الجزائري،
-رحمهما الله تعالى-،
وممن لازمهم الشيخ المقرئ عبيدالله الأفغاني نحو ثلاثين سنة أخبرني يومنا الوالد الحاج محمد عبدالله الزيتوني شيخ الثمانين وعديل الشيخ أحسن الله ختامنا وختامه.
●لقد استصغرت نفسي وأنا أرى جَلَدَه وصبره على العبادة حينما زرته مع زميلي د. فاضل المصباحي قبل خمس سنين وهو في السادسة والثمانين من عمره تقريبا، خاصة أنه خرج قبل بضعة أيام من المستشفى من العناية المركزة، فقلت له مشفقا :
شيخ حيدر:
●أﻻ تجلسون في التراويح حين يدرككم التعب؟!
فقال لي:القيام أفضل.
●صليت بجواره فأكمل العشاء وسنتها ثم التراويح مع الوتر ثلاثا وعشرين ركعة بفقه وسكينة وطمأنينة ووقار، قائما متحاملا على أوجاعه وأسقامه، لم يجلس في ركعة - قط - مع ما به
من ألم، فالصبر على طاعة الله، وعلى أقدار الله تعالى كالمرض من أنواع الصبر المحمودة مما تحلى به الشيخ (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) .
*قال لي مرة :كان والدي الحاج /سالم مشغولا بعمارة بيتنا، فطلب من والدك الفقيه محمد إسماعيل الدعاء، وقال له بالبلدي:أنا اعمُر ، "ادعي لي" يا فقيه أن الله يعيننا على بناء البيت، فقال له الوالد : "ذَكِّرني" ...ثم بعد مدة تقابلا وكرر عليه نفس الطلب:
"ادعي لي" ، فكرر
له نفس الجواب :"ذكرني"
قال وأنا الآن أذكِّرك،
فعلَّق الوالد قائلا:
طلبت منك أن تذكِّرني أي تخاطبني خطاب المذكَّر فتقول: "ادعُ لي"، لا تخاطبني خطاب المؤنث"ادعي لي" المقترن بياء المخاطبة، فتبسَّم الجميع ضاحكين -رحمهم الله تعالى-.
*ولمَّا يصلُ من غربته من المدينة المنورة في فترة الصيف إلى عزلته المصباح كنت أستأنس به وأباحثه وأتذاكر معه وأسائله عما يشكل علي من المسائل فيجيب الجواب المقنع المختصر، وكانت مكرما لضيفانه، وكانت مجالسُه غنيمة مجالسَ علم وفقه ونصح وخير وبر وأُنس وهدوء، لا صخب فيها ولا غيبة ولا نميمة، وكنت أراه نورا بين بيته وجامع المصباح، يقضي أعماله، ثم يأتي المسجد مبكرا قبل الظهر فيصلي الضحى ما شاء الله أن يصلي، ويقرأ القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) من سورة فاطر الآية(29).
●وهكذا تكون ولاية الله تعالى والطرق الموصلة إليه بلزوم الاستقامة فإنها خير كرامة - يا شباب المصباح - فلا تضيعوا أوقاتكم في القيل والقال والجدال والمراء والتعالم والنقد الجارح لإظهار حظوظ النفس ، ولنستفد من سيرة شيخنا العطرة من الهمة العالية والصمت إلا بخير، والاستباق إلى الخيرات، والنفقات، والصبر على الغربة والكربة، وعلى العبادة والقربات والنوافل :ذكرا وتلاوة وصلاة وصياما وقراءة للقرآن، وحفاظا على الأوراد و الصلوات جمعا وجماعات أول أوقاتها، ومجاورة المساجد الفاضلة، والشوق إلى لقاء الله تعالى (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
(ولمثل هذا فليعمل العاملون).
إذا كان حُبُّ الهائِمين من الورى * بليلى وسَلْمى يسلُبُ اللُّبَّ والعقْلا
فماذا عسى أن يفعل الهائِمُ الذي * سَرَى قلبُه شوقاً إلى العالمِ الأعلى
البيتان سمعتهما من شيخنا الشيخ عمر بن أحمد سيف - رحمه الله تعالى- من منقوله.
●ذاك دَيدَنُه وهِجَّيراه منذ عرفناه عبادة وورعا وعلما وصلاحا وتواضعا وهضما للنفس وتركا للمزاحمة على الدنيا وإخباتا وإنابة وتفرغا للعبادة في الروضة الشريفة والمسجد النبوي، أحسبه كذلك والله حسيبه وﻻ أزكي على الله أحدا، فالله يرحمه.
*لقد سكن المدينة وأتوقع أن يصلى عليه يومنا الاثنين ظهرا أو عصرا في مسجد سيدنا محمد رسول الله - عليه الصلاة والسلام- وسيدفن في البقيع
-بإذن الله-، وهذا غاية المنى.
*عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
"من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها" ، أخرجه البخاري ومسلم. وعند ابن ماجه: "من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل ، فإني أشهد لمن مات بها" وفي صحيح ابن حبان :"مَن استطاع منكم ألَّا يموتَ إلَّا بالمدينةِ فليمُتْ بها فإنَّه مَن يمُتْ بها تشفَع له وتشهَد له ".
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلى أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه- يستشيره فِي الْجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا ، فَقَالَ لَهُ : وَيْحَكَ ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) .
*اللهم ارزقنا جوار أحب البقاع إليك وإلى نبيك الكريم
-عليه الصلاة والسلام-.
●بمثل هذه القمم تكون القدوة والتنسك والتمسك
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) الآية(170)من سورة الأعراف.
* لم يكن الشيخ الجليل مشهورا، على عادة كثير من شيوخ اليمن في هضم النفس والذات، وإني لأرجو أن يكون عند الله وجيها مذكورا.
●عزائي لأبنائه الكرام النجباء وبناته الكريمات، وأهله وأحفاده وذريته وأنسابه وأصهاره، ولعزلة "المصباح" بشيخها وعلامتها ونورها، تذكرة السلف، وبقية الخلف الباقية، ولأهل وصاب واليمن، ولجيرانه أهل المدينة المنورة، ولكل المسلمين.
●ملحوظة: وهذه الصورة مع شيخنا الجليل من المسجد النبوي في تراويح رمضان ١٤٣٦ه - ٢٠١٥م، مع زميلي ا.د فاضل
محمد أحمد جبل المصباحي.
*اللهم إني أسألك باسمك اﻷعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن ترحم عبدك الفقير المنتقل إلى رحمتك/ حيدر سالم، المهاجر إليك وإلى رسولك، وأن ترزقه شفاعة سيدنا محمد وشهادته وأن تجعله مع المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأسأل الله بمنِّه وكرمه أن يشافي شيخنا الجليل وابن عمنا المربي الشيخ/ عبدالرحمن حامد إسماعيل الجهمي المصباحي وأن يعافيه بعافيته.
اللهم رحمتك وغفرانك وفردوس جنانك ورضوانك لشيخنا /حيدر سالم.
اللهم آجرنا وآجر أهله وذويه في مصيبتنا ومصيبتهم واخلفه في عقبه بخير .
●قولوا تكرما
معاشر الكرام: آمين.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
وكتبه محبه الفقير
إلى الله تعالى/
أحمد بن محمد بن إسماعيل الجهمي المصباحي
لطف الله بهم أجمعين
وبكل المسلمين.
● أفَلَ نجم المصباح، صاحب الفضل و الفضيلة والدنا وشيخنا المبارك الفقيه الفرضي العابد الزاهد الورع شيخ الواحدة والتسعين تقريبا المجاور في مسجد رسول الله عليه الصلاة والسلام منذ زهرة شبابه.
ولد في المصباح قرية الكُدُفْ سنة ١٣٥٠ه تقريبا، وتربى في كنف والده العابد الشيخ/ سالم عبدالله حاج الجهمي، وتوفي في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أمس الأحد ٢٢ شوال ١٤٤١ه، "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر" .
أخبرني الآن الوالد الحاج محمد عبدالله الزيتوني المصباحي المدني أن الحاج سالم كان كريما مكرما لأهل العلم مضيافا وممن كان يكرمهم علماء زبيد حيث كان برنامجهم من محرم إلى جمادى الآخر ستة أشهر في تدريس العلم، وفي رجب وشعبان لقراءة صحيح البخاري وغيره من كتب السنة النبوية ، ورمضان لقراءة القرآن الكريم، وما بين العيدين الفطر والأضحى جولات دعوية يقوم بها شيوخ زبيد فيمن حولهم لتعليم الناس أمر دينهم ولزيارة طلابهم الدارسين في زبيد، فممن كان يستقبلهم في المصباح ويكرمهم الوالد الحاج/ سالم عبدالله، والد الشيخ حيدر، وفي مقدمة ضيوف المصباح الفقيه العلامة اللغوي/محمد بن أحمد حنفي الزبيدي، فيجتمع الناس إليه للتعلم منه واستفتائه في المسائل الشرعية، وأخبرني أن هذا كان عادة جارية في بلدنا المصباح وما جاورها، احتفاءً بالعلم وإكراما للعلماء عنده وعند غيره، وأخبرني أن أم الشيخ حيدر كانت امرأة صالحة ماتت بالبَرْق وهي تقرأ القرآن - رحمها الله تعالى- حيث ضرب البرق بيت والديه فتصدع، وهلكت بقرتان لهما.
●بيني وبين الشيخ الجليل الوالد الفقيه /حيدر سالم ، ودُّ وحبُّ ،وبينه وبين والدي صهارة، أخبرني أنه قرأ القرآن على يد عمي الفقيه/ حامد بن إسماعيل وجوَّده على يد الفقيه/ فاضل بن يحي فتيني، ودرس الفقه والنحو على يد والدي الفقيه/ محمد بن إسماعيل، وخاصة كتاب التحرير للإمام زكريا اﻷنصاري، كما درس التحرير أيضا مع عمي الفقيه/ عبدالله بن إسماعيل وابن عمي الشيخ/ عبدالرحمن حامد - شافاه الله تعالى-، أخبرني بذلك وهو مريض هذه الليلة الاثنين٢٣ شوال ١٤٤١ه في اتصال هاتفي لتعزيته في شيخه الشيخ حيدر، والاطمئنان على صحته، درسوا جميعا على الفقيه الشيخ العلامة الكبير /سالم بن أحمد القريَّه الحطامي علامة بني حطَّام،
الذي درس في زبيد عشرين سنة، لا نظير له، كما أخبرني بذلك والدي - رحمه الله-.
* سافر الشيخ حيدر لطلب العلم الشريف إلى مدينة العلم والعلماء زبيد المحروسة وتزامل مع عمي الفقيه عبدالله بن إسماعيل وعمي الفقيه أحمد بن إسماعيل، فدرس على مفتي زبيد شيخه وشيخ والدي وشيخي العلامة مفتي الجبال وتهامة /محمد بن سليمان اﻷهدل، وعلى وحيد عصره العلامة الموسوعي المتفنن الشيخ/ محمد بن أحمد السالمي، وعلى الشيخ العلامة اللغوي الأديب/ عبدالله بن زيد المعزبي، والعلامة المحقق/محمد بن أحمد حنفي الزبيدي و العلامة الفرضي /أحمد بن داود البطاح اﻷهدل رحمهم الله تعالى أجمعين.
*زوجه والده مبكرا وهو في الخامسة عشرة من عمره وكان له دكان أسفل منارة جامع المصباح يبيع ويشترى وبعد مدة لما ضاقت الأرزاق في المصباح ووصاب توجه وغيره صوب الحجاز فاغترب مهاجرا إلى مدينة رسول الله - عليه الصلاة والسلام-، وﻻزم حلق العلم، والشيوخ اﻷكابر عقودا من الزمن، فجمع محاسن المدرسة الزبيدية الشافعية، ومحاسن المدرسة المدنية الحجازية وفاق فيهما، وتوثقت علاقته بأهلها ومن وفد إليها فبينه وبين الشيخ أبي بكر الجزائري مثلا ودُّ ومصاهرة، فقد زوج ابنه عبدالغني ابنة بنت الشيخ أبي بكر الجزائري،
-رحمهما الله تعالى-،
وممن لازمهم الشيخ المقرئ عبيدالله الأفغاني نحو ثلاثين سنة أخبرني يومنا الوالد الحاج محمد عبدالله الزيتوني شيخ الثمانين وعديل الشيخ أحسن الله ختامنا وختامه.
●لقد استصغرت نفسي وأنا أرى جَلَدَه وصبره على العبادة حينما زرته مع زميلي د. فاضل المصباحي قبل خمس سنين وهو في السادسة والثمانين من عمره تقريبا، خاصة أنه خرج قبل بضعة أيام من المستشفى من العناية المركزة، فقلت له مشفقا :
شيخ حيدر:
●أﻻ تجلسون في التراويح حين يدرككم التعب؟!
فقال لي:القيام أفضل.
●صليت بجواره فأكمل العشاء وسنتها ثم التراويح مع الوتر ثلاثا وعشرين ركعة بفقه وسكينة وطمأنينة ووقار، قائما متحاملا على أوجاعه وأسقامه، لم يجلس في ركعة - قط - مع ما به
من ألم، فالصبر على طاعة الله، وعلى أقدار الله تعالى كالمرض من أنواع الصبر المحمودة مما تحلى به الشيخ (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) .
*قال لي مرة :كان والدي الحاج /سالم مشغولا بعمارة بيتنا، فطلب من والدك الفقيه محمد إسماعيل الدعاء، وقال له بالبلدي:أنا اعمُر ، "ادعي لي" يا فقيه أن الله يعيننا على بناء البيت، فقال له الوالد : "ذَكِّرني" ...ثم بعد مدة تقابلا وكرر عليه نفس الطلب:
"ادعي لي" ، فكرر
له نفس الجواب :"ذكرني"
قال وأنا الآن أذكِّرك،
فعلَّق الوالد قائلا:
طلبت منك أن تذكِّرني أي تخاطبني خطاب المذكَّر فتقول: "ادعُ لي"، لا تخاطبني خطاب المؤنث"ادعي لي" المقترن بياء المخاطبة، فتبسَّم الجميع ضاحكين -رحمهم الله تعالى-.
*ولمَّا يصلُ من غربته من المدينة المنورة في فترة الصيف إلى عزلته المصباح كنت أستأنس به وأباحثه وأتذاكر معه وأسائله عما يشكل علي من المسائل فيجيب الجواب المقنع المختصر، وكانت مكرما لضيفانه، وكانت مجالسُه غنيمة مجالسَ علم وفقه ونصح وخير وبر وأُنس وهدوء، لا صخب فيها ولا غيبة ولا نميمة، وكنت أراه نورا بين بيته وجامع المصباح، يقضي أعماله، ثم يأتي المسجد مبكرا قبل الظهر فيصلي الضحى ما شاء الله أن يصلي، ويقرأ القرآن الكريم (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ) من سورة فاطر الآية(29).
●وهكذا تكون ولاية الله تعالى والطرق الموصلة إليه بلزوم الاستقامة فإنها خير كرامة - يا شباب المصباح - فلا تضيعوا أوقاتكم في القيل والقال والجدال والمراء والتعالم والنقد الجارح لإظهار حظوظ النفس ، ولنستفد من سيرة شيخنا العطرة من الهمة العالية والصمت إلا بخير، والاستباق إلى الخيرات، والنفقات، والصبر على الغربة والكربة، وعلى العبادة والقربات والنوافل :ذكرا وتلاوة وصلاة وصياما وقراءة للقرآن، وحفاظا على الأوراد و الصلوات جمعا وجماعات أول أوقاتها، ومجاورة المساجد الفاضلة، والشوق إلى لقاء الله تعالى (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
(ولمثل هذا فليعمل العاملون).
إذا كان حُبُّ الهائِمين من الورى * بليلى وسَلْمى يسلُبُ اللُّبَّ والعقْلا
فماذا عسى أن يفعل الهائِمُ الذي * سَرَى قلبُه شوقاً إلى العالمِ الأعلى
البيتان سمعتهما من شيخنا الشيخ عمر بن أحمد سيف - رحمه الله تعالى- من منقوله.
●ذاك دَيدَنُه وهِجَّيراه منذ عرفناه عبادة وورعا وعلما وصلاحا وتواضعا وهضما للنفس وتركا للمزاحمة على الدنيا وإخباتا وإنابة وتفرغا للعبادة في الروضة الشريفة والمسجد النبوي، أحسبه كذلك والله حسيبه وﻻ أزكي على الله أحدا، فالله يرحمه.
*لقد سكن المدينة وأتوقع أن يصلى عليه يومنا الاثنين ظهرا أو عصرا في مسجد سيدنا محمد رسول الله - عليه الصلاة والسلام- وسيدفن في البقيع
-بإذن الله-، وهذا غاية المنى.
*عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
"من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها" ، أخرجه البخاري ومسلم. وعند ابن ماجه: "من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل ، فإني أشهد لمن مات بها" وفي صحيح ابن حبان :"مَن استطاع منكم ألَّا يموتَ إلَّا بالمدينةِ فليمُتْ بها فإنَّه مَن يمُتْ بها تشفَع له وتشهَد له ".
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ إلى أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رضي الله عنه- يستشيره فِي الْجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا ، فَقَالَ لَهُ : وَيْحَكَ ، لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا) .
*اللهم ارزقنا جوار أحب البقاع إليك وإلى نبيك الكريم
-عليه الصلاة والسلام-.
●بمثل هذه القمم تكون القدوة والتنسك والتمسك
(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) الآية(170)من سورة الأعراف.
* لم يكن الشيخ الجليل مشهورا، على عادة كثير من شيوخ اليمن في هضم النفس والذات، وإني لأرجو أن يكون عند الله وجيها مذكورا.
●عزائي لأبنائه الكرام النجباء وبناته الكريمات، وأهله وأحفاده وذريته وأنسابه وأصهاره، ولعزلة "المصباح" بشيخها وعلامتها ونورها، تذكرة السلف، وبقية الخلف الباقية، ولأهل وصاب واليمن، ولجيرانه أهل المدينة المنورة، ولكل المسلمين.
●ملحوظة: وهذه الصورة مع شيخنا الجليل من المسجد النبوي في تراويح رمضان ١٤٣٦ه - ٢٠١٥م، مع زميلي ا.د فاضل
محمد أحمد جبل المصباحي.
*اللهم إني أسألك باسمك اﻷعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت أن ترحم عبدك الفقير المنتقل إلى رحمتك/ حيدر سالم، المهاجر إليك وإلى رسولك، وأن ترزقه شفاعة سيدنا محمد وشهادته وأن تجعله مع المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأسأل الله بمنِّه وكرمه أن يشافي شيخنا الجليل وابن عمنا المربي الشيخ/ عبدالرحمن حامد إسماعيل الجهمي المصباحي وأن يعافيه بعافيته.
اللهم رحمتك وغفرانك وفردوس جنانك ورضوانك لشيخنا /حيدر سالم.
اللهم آجرنا وآجر أهله وذويه في مصيبتنا ومصيبتهم واخلفه في عقبه بخير .
●قولوا تكرما
معاشر الكرام: آمين.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
وكتبه محبه الفقير
إلى الله تعالى/
أحمد بن محمد بن إسماعيل الجهمي المصباحي
لطف الله بهم أجمعين
وبكل المسلمين.