مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2018/02/21 10:58
قيم الإسلام عظيمة: فلماذا لم يتم التعاطي معها في مجتمعاتنا؟


كثير ما نسمع إن السبب الرئيسي وراء تراجع المسلمين هو الرجوع عن دينهم وعدم تطبيقهم له بشكل صحيح. من وجهة نظري أعدها صائبة بل أثني عليها. لكن هناك قيم وعوامل أخرى تخلى عنها المسلمون منذ عقود مضت. لم نعد نشعر بالإسلام في مجتماتنا؟ أين القيم الحميدة؟ أين الأخلاق؟ كثير منا يسمع عن أخلاق الغرب وثقافتهم السمحة في تطبيق معالم الدين الإسلامي، ومدى تأثيرها على حياة الإنسان. في هذا الصدد لسنا بحاجة لتوسيع الجرح وتعميقه بل بحاجة إلى فهم أسباب الجرح ووضع الحلول الملائمة له من أجل بناء مرحلة تتبلور فيها معاني وقيم جديدة يستشعر معها المسلمون أهمية دينهم وكينونتهم التي كانت ذات يوم عامل مهم في بناء مجتماتهم وسرً وحدتهم وتقدمهم.
لكن السؤال الهام والرئيسي من الذي أوقف تقدم القيم في مجتمعاتنا؟ من الذي عمل على تقزيمها والتقليل من أهميتها وواقعيتها بل جعل دورها لا يتعدى الدور الهامشي الاستثائي؟ علما بأن العرب قبل الإسلام كانوا يمتلكون قيما تفوق العرب الأن مع العلم لم يكن الإسلام قد دخل حجرهم ونما في عقولهم. في هذا الصدد سأتحدث عن عدة نقاط مهمة أبرزها:

  1. مفهوم القيم.

  2. مراحل القيم.

  3. عوائق تطبيق القيم داخل المجتمعات.

  4. القيم بين الماضي والحاضر.

  5. جدلية العلاقة بين مرحلة الوعي والقيم.

  6. الممارسات التطبيقية لمفهوم القيم داخل مجتمعاتنا.

  7. الإستناجات.

  8. المراجع

أولا: مفهوم القيم
قبل البدء بتعريف مفهوم القيم سأعرف مفهوم القيم حتى يتسنى للقارئ فهم الموضوع بكلتا حيثياته، والتطرق لمفهوم القيم الإسلامية.
ماذا نعني بمفهوم القيم؟
القيم كما هو متعارف عليها الشيء الثمين الغالي. كأن نقول فلان ذو جواهر قيمًة أيً نفيسه غالية، وهنا يكون المقصد من المعنى ليس المدح والثناء بل التعريف بالشخص ككقيمة بسلوكه الناتج عنه كحسن أخلاقه مع أسرته ومجتمعه ألخ....
أما القيم إصطلاحا تعني التصرفات والسلوكيات الناتجة عن الأفراد والجماعات داخل مجتمعاتهم وهنا تتفاوت وتختلف من حيث السلوك والتأثير. فقد نرى ونلمس قيما حميدة لدى مجتمعات ما قد لا نراها في مجتمعات أخرى كالصدق والوفاء والاخلاص والتعامل وغيرها، وهذا ليس مؤشرا تعريفيا عاما لتقدم القيم بل يعكس مدى الوعي الذاتي والثقافي والاجتماعي للإفراد ومدى تعاطيهم مع القيم داخل مجتمعاتهم وكذلك تواصلهم مع المجتمعات الأخرى.
في هذا الصدد لا نستطيع أن نغفل مفهوم القيم الإسلامية كمفهوم برز مع بدء الرسالة السماوية التي جاء بها أشرف الخلق محمد صل الله عليه وسلم، وهنا يكمن جوهر الرسالة بالقيمة التي حملتها على عاتقها منذ بدء رسالتها حتى وقتنا الحاضر، وإن حدث لبُس أو انتكاس فذاك مرده للشخوص وليس للدين نفسه فالقيم ثابتة في كل مجتمعات لا تتغير لكن من يتحكم في سلوكها وتصرفها هم الشخوص أنفسهم فلا يعقل أن نقول أنه في زمن النبي عليه السلام كانت هناك قيم الوفاء واليوم نعيش قيم الغدر والحرب.
إذن نستطيع القول بأن القيم ثابتة لا تتغير وواضحة لا يعتريها لبُس أو غموض فنجاحها يعتمد على مدى وعي الفرد وقدرته على ممارساته للقيم التي تناقلها الأباء والأجداد على مدار التاريخ، فعاملي الوعي والدين يعدان كمحركان رئيسيان  لبناء قيم اخلاقية متوازنة داخل أي مجتمع من المجتمعات بغض النظر عن طبيعة هذا المجتمع أو ذاك.
ثانيا: مراحل القيم
لايمكن أن نفهم القيم بمعزل عن مراحلها، فالمراحل تعد كخرائط استرشادية لفهم طبيعة كل مرحلة ومدى تأثيرها داخل المجتمع، وفي هذا الصدد سنستعرض بعض المراحل.
مرحلة الوعي الأولي
يتم الحديث عن القيمة في هذا السياق ضمن النصوص الدينية والوعظ، والسياقات الأدبية، من شعر وقصة من دون بحث معرفي عميق، ويمكن تسمية تلك المرحلة بالمرحلة الجينية.
مرحلة التحرير الفلسفي
في هذا المرحلة يتطور سقف الفرد والمجتمع فينتقل من الإطار الديني الوعظي والإدبي إلى مرحلة النقاش والتفكير، فيبدأ في طرح تساؤلات مثل ماذا؟ ولماذا؟ ويمكن أن نسمي هذه المرحلة بمرحلة التنضيج المعرفي والإنتشار.
مرحلة التبني الواعي
يستطيع الفرد أو المجتمع في هذه المرحلة بالذات أن يحول القيمة إلى مبدأ مستقر. مثال: " النظام هو أساس المجتمع"، الشورى هي نمط حياتنا". يمكن أن نسمي هذه المرحلة ببلورة القيمة إلى مبدأ.
مرحلة التحويل إلى إجراءات
تسمى هذه المرحلة بمرحلة "الربط" أي الربط بين الفكرة والواقع عبر وضع الخطوات التي تكفل وجود القيمة في المجتمع كنظام حياة سهل المعايير وقابل للتأكد من تبلور القيمة إلى واقع . تسمى هذه المرحلة بالأجرأة.
مرحلة ضمانات البقاء
تسمى هذه المرحلة بالتدقيق في الآليات. الأليات التي يمكن التحايل فيها على القيمة وتجريدها من مضمونها أو حتى إلغائها . يطلق على هذه المرحلة " ضمانات بقاء النظام".
عند النظر لهذه المراحل منذ الوهلة الأولى نرى في مجملها أنها مراحل قيمية نثرية توصيفية لطبيعة وواقع المجتمع، أي لم ترتقي إلى مرحلة البناء والتجديد وهذا يعني أننا لا نريد مراحل توصيفية بقدر ما نريد مراحل تهدف إلى إعادة البناء وتشكل القيم داخل ايَ مجتمع على أسس ومعايير تتفق مع طبيعة الواقع المعاش بعيدا عن التوصيف العام القائم على المدح والثناء.
ثالثا: عوائق تطبيق القيم داخل المجتمعات
عند البحث عن جذور تطبيق القيم داخل ايّ مجتمع من المجتمعات سنصطدم بحالتين:
الأولى:  حالة السقوط التاريخي وما يطرأ عليها من إحباطات ويأس.
الثانية: الخوف على مكانة الأشخاص ونظرة الناس إليهم.
الحالة الأولى: السقوط التاريخي وما يطرأ عليها من إحباطات ويأس.
لو نظرنا للتاريخ بشكل عام نراه مرَ بمراحل متفاوتة يتناغم بداخلها الهبوط والارتفاع، وما بين هذين الشيئين تبرز القيم التاريخية للأفراد والجماعات والمجتمعات، بل نجزم أهميتها وفاعليتها أمام مراحل الضعف والهزيمة التي يمرون بها. ومدى مقدرتهم على التعاطي معها؟ وهل الإنكشاف والإنهزام يولد نقصان في القيم وعدم ثباتها مع العلم أنني تحدثت في بداية التعريف أن القيم ثابتة ولا تتغير، لكن من يتحكم في مسارها هم الشخوص ومدى قدرتهم على بلورة قيم ذو فاعلية نشطة تستطيع البقاء والصمود أمام أيّ تغيرّ يطرأ عليها.
الحالة الثانية: الخوف على مكانة الأشخاص ونظرة الناس إليهم.
في الواقع يسعى كل إنسان للحفاظ على مكانته على حساب قيمه بل أخلاقه التي اكتسبها من بيئته والشواهد على ذلك كثيرة، بل يعدّها البعض في هذا الإطار تضحية في مقابل تحقيق عوائد ومكاسب ذاتية قد تضرّ بالأخرين. لكن السؤال المطروح هل حبّ الذات يقدم على الإضرار بالقيم المجتمعية؟ وهل تسمح لنا أنفسنا أن نكون مفرطين بالإنانية؟ الإجابة من ناحية منطقية لا. لإن الإنسان إذا سار طريق التملق والكسب الغير مشروع بلا آدنى شك سيفقد ليس مكانته بل ذاتيته أمام الأخرين، لكن الواقع المعاش يعكس الفرضية بشكلها الغير حقيقي، فعلى سبيل المثال إذا حصل إنسان ما على منصب وظيفي في بيئة ما يسخرّ جلّ مقوماته لتحقيق ذلك من وسائل مشروعة وغير مشروعة في سبيل الحصول على منصبه وتعزيزه بشتى الوسائل، بل قد يفقد قيمته المعنوية والإخلاقية في سبيل ذلك.
في هذا الأطار لا نستطيع أن نحصر العوائق في بعدين رئيسين بل توجد عوائق كثيرة ومختلفة، لكن الأهم البحث عنها واكتشافها حتى يتم تداركها قدر الإمكان، والبحث عن حلول ناجعة لإعادة بلورتها من جديد، فالقيم ليست عائقا أمام تقدم أيّ مجتمع من المجتمعات بل هي الإطار الفكري الناظم نحو بناء استراتيجية دفاعية لحماية الأفراد والجماعات من إعادة السيطرة عليهم وبلورتهم وصياغتهم في أطر قيمية جديدة تحت إطار التطور الفكري والثقافي.
 
رابعا: القيم بين الماضي والحاضر
كما أسلفت سابقا القيم ثابتة لا تتغير، فقيم الماضي هي قيم الحاضر، لكن من يتحكم بها هم الشخوص أيّ كان نوعهم سواء أفراد جماعات مجتمعات، لم أكن أسمع أن القيم في العهد النبوي مختلفة عن العهد الحالي، بل قد يطرأ عليها تغيرات مثل العادات والتقاليد وما شابه ذلك وتؤثر فيما بعد على منظومة القيم لكن هذا يخضع لطبيعة المجتمع بشكل عام.
لكن السؤال الأساسي الذي يطرأ في ذهني كيف يمكن الحفاظ على القيم والحيلولة دون اختراقها أو التلاعب بها داخل أي مجتمع من المجتمعات هو الحفاظ على هوية ذاك المجتمع. وهنا أشيرُ إلى نقطة مهمة وهي العولمة بإفرازتها الناتجة عنها وأثارها السلبية على المجتمعات بإكملها أن حاولت بل صنعت تغيرا كبيرا في القيم داخل المجتمع متجاهلة الإرث القيمي التاريخي والثقافي للمجتمعات. مما أصاب الأفراد بدهشة حقيقية جعلتهم يعتقدون بأن قيمهم تمثل أساس التخلف والرجعية داخل مجتمعاتهم.
في هذا الإطار حتى نحافظ على هوية القيم بماضيها وحاضرها يجب نشر ثقافة الوعي ليس في جانب واحد بل في كل الجوانب والأبعاد. وهنا يقع على عاتق المثقفين والادباء وصناع القرار داخل أيّ مجتمع من المجتمعات. فالانبهار بثقافة الأخر لا يعني الانسلاخ عن قيم الماضي والإنفكاك عنها بأي شكل من الإشكال.
 
خامسا: جدلية العلاقة بين مرحلة الوعي والقيم
هل توفر الوعي الكافي دليل على صياغة معاني قيمة واقعية واضحة تجعل الإفراد داخل أيّ مجتمع من المجتمعات قادرين على صياغة صورة قيمية مشبعة أقرب للتماسك والانسجام بعيدا عن ضروب الأنانية والمصلحة الفردية ذو الطابع الشخصاني.
بلا آدنى شك أن الوعي بمفردات القيم يجعل الفرد في أي مجتمع من المجتمعات قادرا على الإلمام بالقيم من كل الجوانب، والحفاظ عليها من الضياع والإختزال المفاهيمي حتى لا تتحول إلى قيمة آنية تستخدم فقط لتحقيق مصلحة يراد منها بناء منفعة ذاتية.
وعلاوة على ذلك فإن توفر الوعي بأهمية القيم لدى الإفراد بل زرعها داخل ذواتهم عبر مراحل مبكرة من خلال التنشئة المجتمعية التي يمرون بها داخل أسرهم مرورا بتعايشهم مع مجتمعاتهم وثقافاتهم لهو دليل على مدى أهمية الوعي العام لديهم بالحفاظ على مكتساباتهم الثقافية والقيمية من الضياع، والتشتت، والعمل على تطويرها وممارساتها بشتى الطرق والوسائل حتى تبقى حاضرة في عقول الإبناء وتداركا لنسيانها وطمس هويتها.
سادسا: الممارسات التطبيقية لمفهوم القيم داخل مجتمعاتنا
في ضوء ما سبق كيف نستطيع ممارسة السلوك القيمي داخل أيّ مجتمع من المجتمعات في ظل التغيرات الثقافية والفكرية التي اجتاجات الإنساق والبنى الثقافية والفكرية للعالم بأكملة على مدار عقود مضتت وحتى وقتنا الحاضر؟
إن الممارسة الفعلية لمفهوم القيم داخل أي مجتمع من المجتمعات يبدأ بالفهم العام والوعي الجمعي لإهمية القيم. لا يمكن أن نتصور مجتمع بدون قيم يعد مجتمع متحضر ذو فاعلية كبرى يستطيع أن يشارك بقوة في صياغة ملامح فعليه لمجتمعه وثقافته. وحتى إذا حاولنا أن نستثني المفهوم القيمي في إطار التحضر وبناء أنساق جديدة على حساب الأنساق القديمة لا يعني في المجمل العام أننا وصلنا لبناء منظومة قيمية ذو فاعلية كبرى لها وزنها الفعلي داخل أيّ مجتمع من المجتمعات.
بعد أن يتم ترسيخ الوعي الجمعي بين جميع أفراد المجتمع والإيمان به بشكل مطلق لابد من الإفراد له مساحة كافية للتعبير والممارسة على كافة الأصدة والميادين. فالقيم ليست مجردة بل ملموسة في كل مجالات الحياة بشتى صورها.
البعد عن التأثر المطلق بما يطلقه الغرب من ضوضاء بين الفينة والأخرى في إطار التحديث والتطور الفكري للمجتمعات، والإيمان به كأنه العامل الوحيد لإنقاذ المجتمعات من الضياع. في هذا الإطار لابد أن نفهم الأمور في سياقها العام وليس الخاص.
يجب علينا أن نفهم أن القيم ليست سلوك آني لحظي كأن نمارس فضيلة الصدق والإخلاص في موقف ما، ثم نقف نمتنع عن الممارسة بل نجعلها جزء من ذاتنا وحضارتنا. ولهذا نرى دائما التقدم القيمي للغرب في سلوكه العام وليس الخاص فنحن لا نعرف عن قيمه الخاصة أي شئ ولا نعرف المداخيل الرئيسية لتفاصيل لحياته. فكل ما نعرفه هو السلوك العام له في مأكل ومشربه وتعامله وهذه قيم عامة بناءً عليها يظهر بمنظور مختلف مقارنة بالأخرين.
فالممارسة لاتحتاج سوى الفهم الحقيقي للقيم بعيدا عن التأثر بالمؤثرات الخارجية التي من شأنها أن تفسد منظومة القيم والوعي لدى الأفراد وتحدث ارتدادت عكسية من شأنها فيما بعد أن تفقد مقومات وعناصر الثقة بالنفس لدى الأفراد ممٌا يجعلهم أكثر تنكراً لقيمهم وعوالمهم التي يعبشون بها.
سابعا: الإستناجات.
الاتفاق والاختلاف على مفهوم القيم يجب أن يكون عاملا مؤثرا يجعل منا كأفراد اكثر وعيا  للمفهوم الثقافي الذي ننحدر منه.
القيم تمثل الخريطة والنموذج الناجح الناتج عن القيم الاخلاقية للافراد داخل أي مجتمع من المجتمعات بل تتحد مع الإفراد لتشكل هوية ثقافية موحدة تجمع الكل عليه.
تحقيق المصالح الذاتية يجب إلا يكون على حساب القيم العامة للمجتمع. وهذا يستدعي فهم الواقع بشكل جيد بعيدا عن الانانية المفرطة والتملق للشخوص من اجل الحصول على مكانة اعتبارية تعيد للشخص ذاتيته واعتباريته على حساب القيم التي تربى عليها.
تلاحم القيم مع الدين يشكل نقطة انطلاق ترسم ملامحها هوية قيمية للمجتمعات يكون أساساها الصدق والانتماء والفضيلة، وبدون ذلك يصبح واقع المجتمعات اشبه بالكيانات المنفصله يترنح بداخلها الصراع والتفكك حتى لا تسطيع في النهاية إعادة بناء ذاتيتها من جديد.
ثامنا: المراجع
سلطان، جاسم. التراث وإشكالياته الكبرى نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية. ط.1. بيروت: الشبكة العربية للابحاث والنشر، 2015.

 
أضافة تعليق