د. ساسين عساف
منذ سايكس- بيكو ومخططات تفكيك الإقليم الشامي تبحث عن اللحظة التاريخية المؤاتية لترتسم واقعاً على الأرض. وجدتها في ما يسمّى خطأً "الربيع العربي" الذي تحوّل الى شتاء عاصف ومدمّر. ووجدتها تالياً في الضعف العربي المتزايد وفي التوتّرات المذهبية القائمة في العديد من الأقطار.
سوريا هي الدولة المحور في الإقليم الشامي. تفكيكها تتداعى له دول الإقليم كافة. وجميعها يعيش فوق صفيح ساخن. من يصدّق أنّ ما يجري على الحدود الأردنية/ السورية هو مجرّد تحركات عسكرية أميركية ومتعدّدة الأطراف عادية؟ ومن يصدّق انّ ما يجري على حدود السورية/ العراقية مجرّد استعداد للقضاء على داعش؟ وإن كانت بداية الأمر كذلك فنهايته بالطبع مختلفة. ومن يصدّق أنّ ما يجري في العراق بالتزامن مع محاولات تحرير الموصل هو مجرّد تعبير ظرفي عن رغبة عابرة في انفصال الإقليم؟ ومن يصدّق أن الخطاب السياسي العنفي المتبادل بين أطراف الصراع في لبنان على قانون الانتخابات هو مجرّد أمر عادي وطبيعي في نظام يدّعي لنفسه الديموقراطية؟ ومن منّا لا يخشى من أن ما يجري في فلسطين هو قتل للقضيّة وتمهيد لتثبيت الدولة اليهودية الصافية؟
هذه التساؤلات تستند الى أطاريح في فقه الوقائع التي أصبحت تعلن عن نفسها بشكل واضح ومتزايد وهي تؤشّر الى قيام كيانات هشّة تخدم المحاور الدولية والإقليمية المتصارعة.
إقليم شامي جديد بدأت ترتسم معالمه من خلال ما يجري في سوريا. ويبدو أن خارطة الطريق اليه مدعومة دولياً وإقليمياً وإلاّ لكانت الدول المعنية بالحرب على سوريا وفيها قد سارعت الى مساعدة السوريين لإيجاد التسوية المطلوبة قبل الإغراق المستفيض في لعبة التدمير الشامل.
ما لم تدمّر سوريا يستحيل إحكام السيطرة عليها وتالياً على الإقليم الشامي بأكمله. بهذا المعنى كنّا نرى إلى سوريا دولة مقاومة وممانعة. وبهذا المعنى كنّا ندعو إلى فهم ما يجري بأنّه يشكّل تهديداً لوجودنا القومي في هذا الإقليم فيشظّي هويّتنا إلى هويّات طائفية ومذهبية وإتنية متصادمة ومتآكلة.
لتفادي هذه الآثار المدمّرة لا بدّ من وقف الحرب في سوريا. والواجب القومي يفرض الحؤول دون أن يصبح الإقليم الشامي نتيجة تدمير سوريا وتفكيكها بالدم السوري امتداداً جيو- استراتيجياً للمحور الصهيوني.
وعليه نقول إنّ الإقليم الشامي بحاجة إلى سوريا الواحدة والمستقرّة والقويّة. لا يمكن عزل سوريا عن الإقليم الشامي وتفكيكها بدون سائر الإقليم فهي المحور فيه والمحور لا يعزل عن مداره.
من هنا دعوتنا الى سائر القوى في دول الإقليم ليتّبعوا سياسة أكثر وعياً وحكمة إزاء الوضع في سوريا، فبدلاً من التنافس على التحريض وإذكاء النار فيها حريّ بالحرصاء على أنفسهم قبل حرصهم على سوريا أن يسهموا في التهدئة ووقف الحرب وأن يجهدوا ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً لصدّ التآمر على وحدتها.
ليعلم هؤلاء جميعاً من يناصرون النظام باسم الممانعة ومن يناصرون المعارضة باسم الديموقراطية أنّ عواقب تدمير الدولة السورية ستكون قاسية ودامية على مجمل الإقليم الشامي بما لا يقاس. أعمال الفوضى والعنف عاجلاً أم آجلاً ستجتاح كلّ ساحاته.
لذلك نقول لهؤلاء لقد حان وقت التفكير الجدّي بمعنى تدمير الدولة السورية ونتائجه إذ اتّضحت طبيعة الحرب عليها فإخفاء العلاقة بين المشروع الصهيوني وهذه الحرب فضحته ممارسات التطهير الديني والمذهبي والعرقي. مقاتلة النظام لا تأذن بمثل هذه الممارسات. أليس كذلك؟
هذه الحقائق يجب ألاّ تغيّبها قراءات محلّية وإقليمية ودولية حتى ولو كان كشفها يصبّ في مصلحة النظام القائم لأنّ فيها درجة عالية من التأثير على مقاربة الحرب على سوريا بوصفها حلقة من حرب أشمل وأكبر بدأت على فلسطين ولبنان والعراق وقد تتّسع لتشمل ما هو أبعد من حدود الإقليم الشامي. فليتنبّه أهالي هذا الإقليم وما أبعد الى أهمية العمل على أن يكونوا هم المتحكّمين بنقاء أهدافهم في الإصلاح والتغيير وفي إنقاذ أنفسهم من شرّ المصالح الدولية وشراهة قوى إقليمية طموحة تسعى وراء زمن مفقود.