1- في عروبة الوحدة
العروبة مصطلح سياسي/ إيديولوجي تختلف مضامينه باختلاف المراحل واختلاف مستخدميه.
من هذه المضامين: الاشتراكي، القومي الإنساني، الديني، اللغوي.
العروبة الاشتراكية هي عروبة الخمسينيات والستّينيات ببعديها الناصري والعلمي الماركسي.
العروبة القومية الإنسانية هي عروبة الليبراليين.
العروبة الدينية أو الإيمانية هي عروبة المسلمين.
العروبة اللغوية أو الحضارية هي عروبة من لسانه عربي ومن حضارته أو ثقافته عربية.
العروبة هي هوية الوطن العربي وتاريخه ومستقبله. هي رابطة الشعوب العربية: وحدة قيم، وحدة مصالح، وحدة جغرافيا وتاريخ وثقافة. العروبة حالة قومية.
هذا المفهوم هو وليد تجربة فكرية وميدانية. وهي تجربة تسعف في بلورة المفاهيم وتركيزها وتثبيتها وتجعلنا دائمي التطلّع والعمل لتجديد المشروع القومي العربي النهضوي الوحدوي فالعروبة هي مشروع تحمله حركة تخوض في سبيله تجارب إن هي فشلت فذلك لا يعني أنّ العروبة كفكرة ومشروع هي فاشلة. العروبة حالة قومية وهي شيء والحركات أو الأحزاب أو الأنظمة وممارساتها شيء آخر.
العروبة السياسية هي المشروع القومي العربي القائم على:
- الحرية للمواطن والتحرّر من الاستعمار.
- الديموقراطية ببعديها المتلازمين السياسي لجهة التعدّدية والاجتماعي لجهة العدالة.
- الوحدة
- الاستقلال والسيادة القومية.
إنّها مشروع متعثّر لأسباب. منها ما هو ذاتي يتّصل بالمجتمع السياسي العربي ومنها ما هو موضوعي يتّصل بالتحدّيات الخارجية التي يواجهها هذا المجتمع.
بالرغم من تعثّره ليس لهذا المشروع أيّ بديل:
- القطرية مشروع فاشل وعاجز في التنمية والاستقلال والتحرّر والوحدة الداخلية.
- "الإسلام السياسي" على تعدّد مناهجه مشروع فتن طائفية ومذهبية وتكفيرية.
- العلمانية الإلحادية إسقاط لدور الإسلام الحضاري في تكوين الأمة ومنعتها.
- الماركسية المغامرة مشروع تمزيق النسيج الاجتماعي وصراع على السلطة.
- الرأسمالية الوحشية تبعية للخارج ونهب للداخل.
- الشرق/ أوسطية قضاء على الهوية العربية.
هذا المشروع ينبغي إخضاعه لتعديلات بغية تنقيته من شوائب اعترته في أثناء تنفيذه. من أبرزها الوحدة الاندماجية والضمّ القسري والتوسّع الإقليمي فالوحدة لا تتمّ إلاّ بالديموقراطية. الديموقراطية هي الطريق الى الوحدة التكاملية والتعامل المتكافئ. وهي تتنافى وصيغة حكم الحزب الواحد. وهي لا تنفي فكرة التنظيم القومي بشرط الإبقاء على التعددية السياسية وضمان حرية العمل السياسي. والديموقراطية تعني المشاركة والشورى. وهي تحمي الخصائص الوطنية وتعالج علمياً أوضاع الأقليات غير العربية وتمكّن الوحدات الوطنية كشرط رئيس من شروط تحقّق الوحدة العربية.
البدائل المطروحة والمرفوضة والتعديلات المقترحة والواجبة تدخلنا في مشروع متجدّد للوحدة يقوم على قواعد فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية وتنظيمية:
- على الصعيد الفكري ينبغي تظهير خط التزام واضح للعروبة والإسلام الحضاري وحرية العقيدة الدينية.
- على الصعيد السياسي ينبغي اعتراف متبادل ثابت ونهائي بين الكيانات العربية وخصائصها الوطنية.
- على الصعيدين الاقتصادي والثقافي يتعيّن اعتماد المضمون التكاملي للوحدة بقيام مؤسسات عربية مشتركة.
- على الصعيد التنظيمي يجب إيجاد هيكلية مطوّرة للجامعة العربية تنقلها من الإطار الكونفدرالي إلى الإطار الفيدرالي.
2- في مواجهة التقسيم
ماذا تواجه العروبة ومن؟
العروبة تواجه المشروع الأميركي/ الصهيوني الاحتلالي التقسيمي ما نفّذ منه وما هو قيد التنفيذ وما المنوي تنفيذه فضلاً عن مستتبعاته ومؤيّديه والمستسلمين له.
ما نفّذ من هذا المشروع الاستعماري زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي للحيلولة دون وحدته ما بين مغرب ومشرق وكلّ ما تبقّى هو من تداعيات هذا الزرع السرطاني الغريب عن جسد الأمّة. من تلك التداعيات الحروب والاعتداءات والاحتلالات التي وقعت في إثر ذلك حتى اليوم مروراً باجتياح لبنان واحتلال العراق وعدوان تموز ومحاصرة سوريا والحرب على غزّة وتهويد القدس وانفصال جنوب السودان واثارة النزاعات الأهلية في مصر والحرب على ليبيا وسوريا والعراق واليمن وما رافق ذلك من مشاريع الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير والهدف واحد: تنفيذ المشروع الإمبراطوري الأميركي في السيطرة وتسييد الكيان الصهيوني على الدول العربية بعد تحويلها إلى كيانات هشّة متناحرة تتصارع فيها هويات ما دون قومية وما دون وطنية طائفية ومذهبية وإتنية.
انّ مشروع تقسيم الوطن العربي ما زال العنوان الرئيس في المشروع الأميركي/ الصهيوني. وهو ما زال قائماً لا بل هو الثابت الوحيد في استراتيجيات الإدارة الأميركية المتصهينة حتى ولو أصابها شيء من التعثّر أو التراجع في بعض مواضع تنفيذه بفضل المقاومات القائمة في فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وبفعل التحوّلات الدولية التي بدأت تضعف من قدرة الولايات المتّحدة على قيادة العالم منفردة وبفعل التحوّلات الإقليمية التي بدأت تحدّ من قدرة الكيان الصهيوني على التمدّد سياسياً في المنطقة من دون منازع. ثمّة قوّتان إقليميتان هما إيران وتركيا قادرتان على ردع المطامع الإسرائيلية في المزيد من التوسّع في مناطق الفراغ أو الشلل العربي. وهناك العمل العربي المقاوم الذي أوصل المشروع الأميركي/ الصهيوني في الوطن العربي إلى مأزقه التاريخي حيث بدأت تطرح أسئلة في الجدل السياسي الصهيوني حول مستقبله في الوطن العربي وجواره الإقليمي. وهي أسئلة تجاوزت مستقبل هذا المشروع بكلّ مفاصله الإقليمية إلى مستقبل الكيان الصهيوني نفسه ما حدا أصحاب المشروع الأميركي/ الصهيوني على إثارة الفتن بين مكوّنات المجتمع العربي وعلى شنّ الحروب التدميرية على ليبيا وسوريا والعراق واليمن..
وعليه ما تواجهه العروبة اليوم هو الحرب على الوطن العربي من خارج حدوده والفتن داخله بين مكوّنات مجتمعه. العروبة معهما في مواجهة مصيرية..
هذه المواجهة هي استجابة فعلية لإرادة الأمّة في استنهاض المشروع القومي المرتكز على مقاومة الاحتلال والتحرير والاستقلال والوحدة والاصلاح السياسي والبناء الديموقراطي والتنمية المستقلّة والعدالة الاجتماعية والتجدّد الحضاري ما يستدعي:
- إعلان موقف واحد ورافض ومواجه لسياسات الولايات المتّحدة الأميركية في الوطن العربي.. وهي سياسات تدعم الإرهاب في فلسطين وتدّعي محاربته في العراق بعد أن مارسته كدولة محتلّة ودفعت إليه في سوريا .. وهي، بعنوان "الشرق الأوسط الكبير" تسعى إلى محو الهويّة العربية.
- وضع خطّة لمواجهة قومية شاملة محورها نصرة فلسطين وإنهاء الحروب والفتن في العراق وسوريا وليبيا واليمن
- التفاعل الإيجابي مع الحركة الشعبية العربية الوحدوية المتنامية في الأقطار العربية كافة.
القاعدة الفكرية لهذه المواجهة قناعة تامة بأنّ المشروع الأميركي/ الصهيوني هو واحد بوجوه متعدّدة في كلّ الأقطار العربية التي تمكّن من ساحاتها. وهو مشروع تآمري عدواني مقيم فعلا" في التفكير الأميركي الإستراتيجي ومعبّر عنه بوضوح بلسان المسؤولين الأميركيين ووثائقهم المنشورة .
الكيان الصهيوني هو المستفيد الأوّل والوحيد من مسلسل الحروب والفتن في الوطن العربي خطّط إسرائيل بالتدمير والابادة والتهجير في ظلّ هذا المسلسل قد يتقدّم في اتّجاه مراحله التنفيذية الأخيرة. وعبء التداعيات واقع لا محالة على الدول العربية كافة..
إنّ مستقبل العروبة كمشروع وحدوي مقاوم ومواجه يصنع في فلسطين.. فلسطين هي بداية المشروع ونهايته.
استمرار الكيان الصهيوني في التوسّع والاستيطان وحرب الابادة والتهجير
يضع الدول العربية أمام مجموعة تحدّيات مصيرية. من أجل ذلك لا بدّ من عمل عربي مشترك لإزالة التوتّرات وإقامة التفاهمات كخطوة أوّلية لإعادة بناء نظام عربي تكاملي عماده الأمن القومي العربي الكفيل، وحده، بحماية الأمّة من فصول دموية نهايتها تجزئة الوطن العربي إلى كيانات اتنية ومذهبية هزيلة تتهيّأ لها "أقلّيات" لتحقيق أحلامها الانفصالية (مسعود البرزاني في العراق نموذج لها)
بالتجزئة والتفتيت والانفصال تقترب الصهيونية من تحقيق مشروعها الأساسي التاريخي لحماية الكيان الصهيوني وضمان بقائه.
إنّ تحريك "الأقلّيات" على ايقاع الحروب الدائرة خصوصاً في سوريا والعراق يدعو الى التحسّب والقلق من ضبابية المستقبل العربي.
انّ نظاماً عربياً تكاملياً عماده الأمن القومي العربي باستراتيجية قومية موحّدة للمواجهة الشاملة يجسّد عملياً عروبة المواجهة والمقاومة للمشروع الأميركي/ الصهيوني بأشكاله كافة..
أمن الوطن العربي من مسؤولية العرب.. وهذا لن يكون في ظلّ الحروب والفتن القائمة بين أنظمة وأنظمة لا تعبّر عن إرادة شعوبها في الوحدة.