"يختلف العالم العربي تماما عن هذه الروعة وهذا الخيال الفائق كما أن عواطفه واهتماماته أكثر بساطة من ذلك فالحب والشجاعة الحربية والسيف والخيل هي الموضوعات المفضلة في الشعر عند العرب"[1]
ربما التساؤل الأول حول هذا الموضوع هو: هل بالفعل تظهر صورة الشرقيين عند الغربيين مشوهة؟
هذا الحكم غير يقيني بكل تأكيد بما أن الصورة ليست مشوهة بالمعنى الكامل وإنما هناك بعض الريبة والحيطة من حضور الشخصية العربية الإسلامية في الفضاء العمومي وخاصة تلك التي تعتز بانتمائها وتدافع على قيم حضارة اقرأ وهذا الأمر يحدث حتى عندنا في الداخل ويحوم حول العامل الذاتي وتوفر شروط الركود والتعثر ومن طرف البعض من المهزومين الذين يشاركوننا في الوطن والمصير المشترك. هناك فريق آخر مرحب به في الآخر وخاصة الكوادر والإطارات وأصحاب رؤوس الأموال وهي النخبة التي تلقت تعليما معاصرا وثقافة غربية ولا يوجد إشكالا حول التواصل معها والاستفادة منها.
من المرجح أن تكون كراهية الإسلام والعروبة من طرف البعض من الأنظمة السياسية الغربية وخاصة إيديولوجيا اليمين المحافظ هي التي أدت إلى تفجر الحروب والتباغض واستعادة بعض الدول حلم الاستعمار والسيطرة على ثروات الشرق وقد ظهر ذلك جليا في الحروب الأخيرة في المنطقة، ولقد استعملت هذه الايديولوجيا علم الاستشراق من أجل بث مفاسدها وتسهيل تمرير المشاريع الكليانية والتحريض لاختراق ما تبقى من القلاع الحصينة وتفكيك اللحمة الاجتماعية وزعزعة القيم المدنية.
كما لعبت الدعاية الاعلامية الغربية دورا كبيرا في تضخيم العصبية العقدية التي ينتجها الإسلام وتشويه صورة العربي وتجييش الرأي العام العالمي ضده باعتباره حسب رأيهم يمثل خطرا على السلم في الكون ويجب أن لا ننسى العامل الداخلي وخاصة جنوح البعض إلى تبني إيديولوجيا يمينية متشددة وتبرير ذلك بالدين والهوية والإسلام من ذلك براء وهي ردود أفعال انفعالية عقدت الوضعية وقد سببت الويلات ولم تساهم البتة في حل الإشكال. لنعود على سبيل المثال الى نظرة بعض المؤرخين الأوروبيين إلى الإسلام اذ نجد عند جان لويس تريود ما يلي: "إن هوياتنا الأوروبية وقع تأسيسها بشكل واسع جدا على رفض غير منطوق وغير مصرح به كما نعتقد للإسلام. هذا "اللاوعي الإسلامي المضاد" يضغط على تمثلنا للعالم. إن انفتاحنا على الكوكب يستهدف "الكتلة الإسلامية" (أو يفترض ذلك). هذا الرفض يجد تعبيره في ما يمكن أن نسميه تصدع التاريخ الرسمي والذي هو ظاهر للعيان إلى درجة أننا لا نراه. ان هذا التصدع ينتج نفسه في مواجهة يسحب فيها واحد من الأطراف البعد التاريخي عن الآخر. وما يختفي وراء هذا التصدع هو على ما يبدو هو أمر لا يمكن تجاوزه في النقطة التي نعتقده فيها ينتمي إلى الزمن الجيولوجي، فهو عصبية ممانعة ورفض لتقاسم الاشتراك في الأسلاف. هذه العصبية الرافضة تركت المكان لعلاقة تجارية. هناك إعادة إدماج ينبغي أن نقوم بها (أو نتابعها) لتاريخ العالم العربي الإسلامي في تاريخيتنا الخاصة، ليس بوصفه هامشا همجيا وإنما بكونه فاعلا قريبا ومساهما نتقاسم معه نفس التاريخ وليس فقط سجل المواجهة. إن مهمة المؤرخين تتمثل في المساعدة على مراجعة تأويل علاقاتنا به وعلى حكم بذكاء على تطورات المجتمعات غير المفهومة والمخيفة – على الأقل في عيون عدد كبير من الناس. في هذا السياق يمكن أن يحمل المؤرخ نفسا ناقصا مع معنى الديمومة والرجوع التعليمي لبعض النماذج. كل ما يمس الإسلام يتضمن في نقاشاتنا طابعا انفعاليا. ثمة خوف فرنسي من الإسلام. أيضا الموقف الفرنسي إزاء الإسلام يختلف عن موقف البريطانيين، فقط كقوة استعمارية كبيرة مغايرة متجذرة في العالم الإسلامي. إن مجرد استحضار هذه الفوارق يسمح لنا بأن نلاحظ الخصوصيات الفرنسية. لقد خلط البريطانيون في الشرق الأوسط (بطريقتهم ومن أجل مصلحتهم) أوراق القومية العربية والسنية (في شكل حكومات حماية للهاشميين)، بينما لعب الفرنسيون بطريقة فجة ورقة أقليات المسيحية والإسلامية غير السنية (العلوية). في إفريقيا (السودان ونيجيريا) وفي الإطار الدور غير المباشر فوض البريطانيون حائزي الشرعية الإسلامية سلطات المحاكم المحلية- وهو شيء لا مفكر فيه من الجانب الفرنسي حيث يتم محاربة هذا الإقطاع وحيث يتم رفض توليته كسلطة شرعية معترف بها. إن التاريخ الثوري واللائكية Laïcité بالمعنى الفرنسي أسهما مع أسباب أخرى في تفسير هذه الخصوصية، وهذا ما أحسن التعبير عنه جيرارد شولفي: "ينبغي أن نظل متمسكين بالتراث اللائكي. انه يدعونا إلى إسكات ما ينهض من الديني". وعندما لا يسكت الديني – وهذا هو حال البلدان الإسلامية التي احتلت واستقلت بعد ذلك فإن هذا يظهر كإصابة غير متسامحة "للتقدم".[2] ان مسألة معاداة الأجانب لأسباب بديهية متعلقة بالتنمية الذاتية وإنشاء الدولة الأمة القوية قد أفرزت إهمالا حقوقيا لمبادئ كونية وسهوا علميا عن خصوصيات الثقافات المجاورة وتقليل من رمزية البعد الديني. إن ما يهتم بتحقير الإسلام والتشهير به هو عدد قليل جدا في الغرب. لم تعد هناك سوى بعض الكتب الصغيرة التي هي أساس كل بحث حول تمثلات الإسلام الشرقي في التاريخ الأوروبي، التي قللت من الإفتتان بالشرق وجاذبيته ولم يعد لها أي تأثير في الثقافة الغربية.
"ان الإمبريالية هي الظاهرة الأكثر اشراطا للرؤية الأوروبية للشرق. والتفوق الاقتصادي، التقني، العسكري، السياسي، الثقافي لأوروبا يصير ساحقا بينما يغطس الشرق في حالة التخلف... لهذا لا يمكن إلا أن يشجع بشكل طبيعي تمركزا على الذات الأوربية مجذرا منذ القدم، ولكن يتخذ تلوينا فائق الازدراء".[3]
في هذا السياق يؤكد المؤرخ هشام جعيط بأن ادعاء أوروبا تحديد الأطر الأساسية للمستقبل الانساني هو ادعاء مبالغ فيه وكذلك ارادتها وضع العالم بأكمله تحت رقابتها والآية على ذلك أن أوروبا والإسلام هما ثقافتان لم تعرفا بعضهما البعض وغالبا ما احتقرتا ودخلتا في مواجهة وتحارب غير متكافئ وأن أوربا لم تتخلص من الصورة المشوهة التي كونتها عن الاسلام والعرب أيام الحروب الصليبية ومجدت نفسها.[4]
إن مراحل النظرة الغربية للعالم الإسلامي والكتب المحرضة على الفتنة بين أوروبا والإسلام قد هرمت بسرعة بالمقارنة مع الأعمال التاريخية العنصرية التي قدمها أرنست رينان وبرنار لويس وليفي. ثمة بعد مناهض للإسلام تكون وتتكرر في الفكر الغربي لكنه في أفول مستمر ولقد تم نقده وتفكيكه من الداخل عن طريق فلاسفة مابعد الحداثة ورواد الانسانية التقدمية ومن الخارج عن طريق مناضلي الفكر المقاوم.
"الحركات الاسلامية نتاج العولمة الرأسمالية والرأسمالية العلمية المسافية التقنية وعلاقتها بالدين المسيحي. فالعلم التقني هو سلطة هذه الرأسمالية وهذه العولمة وسلطة اللم هي سلطة الرأسمال الذي يحمله ويعينه. فما يبدو وكأنه يهدد أمن هذه الحركات هو نفسه ما يتيح لها الوجود. ومن هنا العلاقة لا تنفصل. فلولا الهيمنة الاقتصادية السياسية التقنية لغرب معين لما أتيحت لأي حركة اسلامية فرصة للوجود. وهي في معارضتها وهجومها على هذا الغرب تتمثله وتستوعب أدواته وتستعملها وتستخدمها وفوق هذا وذاك تعيد انتاج مبادئه وأولياته، فهي ردود أفعال ترتبط بالغرب الذي تنقض عليه من أعلى".[5]
إن الحل هو تجنب القراءات الايديولوجية المتعصبة وتفادي الاسقاطات اللاّتاريخية والابتعاد عن القياس المنطقي بين الأمم والاشتغال على الجانب الإعلامي والثقافي من أجل إبراز الجانب النير من ثقافتنا وانتهاج سياسة سلمية تواصلية دون الاستخفاف بالقيم الأصيلة مع العمل على نقد الاستشراق والتمركز الغربي والتعامل من دول المركز تعامل الند بالند وفك الارتباط مع الجهل واللاّتسامح والتعصب.
"ليس العلاج في اللجوء الى الماركسية العامية، الدوغمائية والايديولوجية للمؤسسات الماركسية... ان النقد الذي يأتي من هذه الجهة كثيرا ما يكون مناسبا وصحيا والتنظيرات يمكن أن تحوي عناصر صالحة. لكن الانخراط في هذا الاتجاه يقود الى أساطير ليست أقل وهما وضررأ من التي تُنقَدُ بصواب".[6]
كما يجب الرد على افتراءات الدعائية الغربية واثبات الحقوق التاريخية العربية وتفكيك المغالطات والتشويهات وتوجيه رسائل فكرية إلى دوائر البحث في العالم الغربي تبين إسهامات الثقافة العربية الإسلامية سابقا وحاضرا في هذه الثورة المعرفية وضرورة الاعتراف لها بالفضل في أصبحت عليه أوربا وشمال أمريكا من تقدم وتحضر وصلت إلى حد غزو السماوات العليا وتفجير الذرة واكتشاف الخلية الجذعية والخارطة الجينية للبشرية. فمتى يكف الغرب عن التعامل معنا بمنطق الوسائل والعقل الأداتي وينظر إلينا من زاوية الغايات والعقل التواصلي المنفتح؟ وما السبيل الذي يمكن السير فيه من أجل تعارف ثقافي بين المجتمعات والأمم المتنافسة على صعيد المعمورة وانجاز الاستئناف الحضاري الثاني؟
***
الاحالات والهوامش:
[1] هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، العالم الشرقي، ترجمة امام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، بيروت، طبعة 1984، ص 213.
[2] Jean- louis Triaud، L’islam vu par les historiens français، in Esprit، N° 246، octobre 1998، pp110- 132
[3] مكسيم روندسون، جاذبية الاسلام، ترجمة إلياس مرقص، دار التنوير، بيروت، طبعة ثانية، 2005، ص. 56.
[4] هشام جعيط، أوروبا والإسلام، صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثانية، 2001، ص. 123.
[5] جاك دريد، ماذا حدث في حدث 11 سبتمبر، ترجمة صفاء فتحي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 2006، ص 22.
[6] مكسيم روندسون، جاذبية الاسلام، مرجع مذكور، صص. 99- 100.
*****
المراجع والمصادر:
Esprit، N° 246، octobre 1998،
هشام جعيط، أوروبا والإسلام، صدام الثقافة والحداثة، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الثانية، 2001،
هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، العالم الشرقي، ترجمة امام عبد الفتاح امام، دار التنوير، بيروت، طبعة 1984.
جاك دريد، ماذا حدث في حدث 11 سبتمبر، ترجمة صفاء فتحي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، طبعة 2006،
مكسيم روندسون، جاذبية الاسلام، ترجمة إلياس مرقص، دار التنوير، بيروت، طبعة ثانية، 2005،
موقع *التجديدالعربي