مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب
2014/08/27 18:42
خالد السفياني
عندما طالب ملايين المغاربة بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومع الصهاينة، في مناسبات متعددة، وتظاهرات مختلفة ومن طرف فئات ومكونات سياسية، يسارية ويمينية وإسلامية ونقابات وهيئات وجمعيات حقوقية وغيرها، بدأنا نفكر في الاستجابة لهذا المطلب الشعبي الذي أصبح ملحا،

بل ومستعجلا نظرا للهجمة الصهيونية المتعددة الأوجه والمختلفة الوسائل بهدف تحقيق الاختراق الصهيوني للجسم المغربي ومحاولة جعل المغرب بوابة للتطبيع مع باقي الأقطار العربية والدول الإسلامية. وطبعا لم نكن حالمين، بل كنا نعرف أن قانونا مثل هذا لن تكون الطريق إلى إقراره مفروشة بالورود، لأن اللوبيات الصهيونية الحقيقية لن تترك وسيلة لعرقلته والحيلولة دون صدوره. فالأمر يتعلق بمشروع صهيو- أمريكي يكتسي أهمية قصوى بالنسبة للصهاينة، وتنفق عليه ملايير الدولارات، والتصدي له بمثل إصدار قانون لتجريم التطبيع يشكل اختراقا جوهريا وثقبا كلما اتسع كلما ضاق الخناق على الإرهاب الصهيوني.

كنا نعرف أن الأنياب والأظافر والأقلام المأجورة سوف تشرع في وجه هذا المقترح.

وسابقنا الزمن، أولا بتأسيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، الذي كان حرص كافة المكونات على أن يكون وعاء للجميع، انطلاقا من قناعتنا بأن فلسطين هي قضية كافة المغاربة، باستثناء خدام الأعتاب الصهيونية، وهم قلة قليلة جدا وسط الشعب المغربي.

وفي وقت وجيز استطاع المرصد أن يساهم بشكل كبير في الكشف عن مخططات ومبادرات وأعمال تطبيعية مع الكيان الصهيوني ومع الصهاينة، حيث اتضحت أكثر ملامح هذه المخططات وأهدافها، وأساليب إنجازها عبر قنوات متعددة ومجالات متنوعة.

وانسجاما مع إرادة غالبية أبناء الشعب المغربي، وفي إطار المسؤولية الملقاة على عاتقه منذ الاجتماع التأسيسي، قام المرصد المغربي لمناهضة التطبيع بإعداد مشروع مقترح قانون تجريم التطبيع من طرف لجنة قانونية كلفها بذلك، شرفت أن أكون أحد عضويها إلى جانب الأستاذ النقيب عبد الرحمان بنعمرو.

مشروع المقترح وضع بعناية كبيرة، وأخذ بعين الإعتبار كافة الملابسات التي تحيط بالموضوع. رغم أنه يبقى مجرد مشروع.

وبعد أن نوقش من طرف الإخوة في المرصد، نظمت لقاءات مع مختلف مكونات المجتمع من أحزاب ونقابات وجمعيات حقوقية وفرق برلمانية... الخ.

وبالتأكيد، فإننا لم نكن حالمين، ولكننا في ذات الوقت لما نفاجأ بالتجاوب الواسع الذي حظي به مقترح القانون. لم نفاجأ بالتعاطي الإيجابي من طرف أغلب الفرق البرلمانية، والتي تشكل أغلبية ساحقة داخل مجلس النواب، أغلبية ومعارضة. لأن المرصد وهو يعد مشروع المقترح، إنما كان يجسد مطلب الأحزاب والتنظيمات التي تمثلها هذه الفرق البرلمانية، وغيرها، والتي كثيرا ما اعتبرت، من خلال مشاركتها الواسعة والوازنة في المسيرات والتظاهرات التي عرفها المغرب، أن التطبيع خيانة، والتي آمنت وترسخت قناعتها بعدالة القضية الفلسطينية وبإرهابية وإجرامية وعنصرية الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني بصفة عامة. ولعل الجميع يتذكر آخر مسيرة وطنية حاشدة حول القضية الفلسطينية والتي شاركت فيها أغلب مكونات الشعب المغربي، والتي كان شعارها المركزي ’’الشعب يريد تحرير فلسطين.. الشعب يريد تجريم التطبيع’’.

كما لم نفاجأ بالتجاوب الواسع والمبدئي والمتحمس من طرف المكونات غير الممثلة في البرلمان، إسلامية ويسارية، أحزابا ونقابات وجمعيات حقوقية وغيرها.

ولم نفاجأ أيضا بموقف الرئيس السابق لفريق الأصالة والمعاصرة الرافض للمشروع خلال اللقاء الذي جرى بينه وبين وفد من قيادة المرصد.

وكان طبيعيا أن يكون موقف بعض الفرق البرلمانية والتنظيمات السياسية أن قرارها يتطلب الرجوع إلى أجهزتها التنظيمية.

وقدم مقترح القانون إلى البرلمان من طرف الفرق البرلمانية الأربعة، فريقان من الأغلبية (العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية) وفريقان من المعارضة (الاستقلال والاتحاد الاشتراكي) وهي الفرق التي تشكل أغلبية واسعة داخل البرلمان، والتي أكدت من جديد أن قضية فلسطين قضية جوهرية مشتركة، وأنها لا تخضع للخلافات السياسية، سواء تعلق الأمر بخلافات داخلية أو خارجية، من خلال التقديم المشترك لمقترح القانون.

بعد ذلك حدث ما فاجأنا. حدثت مفاجأة سارة تمثلت في تقديم فريق الأصالة والمعاصرة، ومن طرف نفس رئيسه السابق، مقترح القانون على البرلمان، كما هو، ودون أي تعديل أو تغيير،وهو الأمر الذي استقبلناه بسرور حذر.

وما إن أعلن عن تقديم مقترح قانون تجريم التطبيع حتى جن جنون الآلة الصهيونية في كل مكان، وانهالت المواقف التي جسدت الهلع الذي أصاب الصهاينة حيثما كانوا. مواقف بلغت الوقاحة ببعض أصحابها درجة التطاول على السيادة المغربية وكرامة المغاربة، بل منهم من تباكى على ’’العلاقات الوثيقة’’ بين الصهاينة وبين المغرب الرسمي.

كل ذلك لم يفاجئنا، فقد كنا، ولازلنا نتوقع أن يجن الصهاينة الذين راهنوا على أن يجعلوا من المغرب بوابة للتطبيع، فإذا به يتجه نحو أن يصبح البوابة المشرعة نحو مناهضة التطبيع.

لكن الحدث الذي فاجأنا مرة ثانية، جاء من ذات الفريق الذي فوجئنا بتبنيه لمقترح القانون وتقديمه إلى مجلس النواب بصفة منفردة، وهو فريق الأصالة والمعاصرة، حيث قام بسحب دعمه لمقترح القانون. في تجسيد لعبثية تعاطي البعض مع المؤسسات الدستورية ومع القضايا المصيرية.

وفي ذات الوقت جاءت بعض المواقف الصادرة، في جلها،عن متصهينين مرتبطين بالمشروع الصهيوني في المغرب، بينما بعضها صدر عن أشخاص يمكن أن تكون لهم وجهة نظر مختلفة، والتي تراوحت بين المطالبة بسحب المقترح وبين ضرورة إدخال بعض التعديلات عليه.

والملفت بالنسبة للمتصهينين المنبثين بيننا، أنهم لم يفعلوا أكثر من ترديد خطاب ومبررات سادتهم أصحاب المشروع الصهيوني من صهاينة العالم.

فماذا يقول الصهاينة وماذا يقول عملاؤهم في المغرب وماذا يقول الصوت النشاز في عائلة حقوق الإنسان؟:

لن أتطرق إلى كل ما قيل حول مقترح القانون من طرف هاؤلاء، لكن سأحاول أن أتطرق إلى بعض المحاور الجوهرية التي يمكن أن تكون مناقشتها كافية للرد على أصحابها:

1- بداية أود أن أؤكد أن من حق أي مواطن مغربي أن يناقش مقترح قانون تجريم التطبيع، وأن يكون له رأي في تعديل بعض بنوده. وأن هذا الأمر، الطبيعي والعادي، لا يدخل ضمن زمرة من يطالبون بسحب مقترح القانون وإقباره، تحت أي ذريعة كانت. فإذا كان هناك شبه إجماع شعبي على ضرورة تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومع الصهاينة، فإن مقترح القانون ليس قرآنا منزلا لا يمكن أن يناقش.

2- كما أود، بداية ومرة أخرى، رفع اللبس الذي يستخدمه خدام المشروع الصهيوني كلما طرح موضوع مقاومة الإرهاب الصهيوني. إذ كلما تحدثنا عن الصهيونية إلا واستل خدامها سيف معاداة السامية، أي أننا نستهدف اليهود والديانة اليهودية، وهم يعلمون أن الصهاينة ليسوا بالضرورة يهودا، وأن اليهود ليسوا بالضرورة صهاينة، ولا أدل على ذلك من أن عددا كبيرا من اليهود المغاربة أدوا ثمنا لمناهضتهم للمشروع الصهيوني عقودا من حريتهم، ولازالوا في مقدمة المناهضين لهذا المشروع العنصري الإرهابي والإجرامي. كما أن العديد من يهود العالم، بمن فيهم تنظيمات بأكملها يرفضون ويناهضون قيام ’’دولة إسرائيل’’، بل منهم من يعتبر أن قيام هذه الدولة يهدد اليهودية بالاندثار.

فالمعادون للسامية هم من يريدون أن يربطوا إرهاب وعنصرية المشروع الصهيوني بالديانة اليهودية. أما المغاربة المناهضين لهذا الإرهاب والاحتلال والعنصرية فإنهم لا يمكن أن يكونوا ضد ديانة سماوية، وبالتالي يجب أن يكون واضحا أننا لا نقاوم الديانة اليهودية ولا اليهود، وتاريخ المغاربة يشهد بذلك، وأننا نناهض الصهيونية والمتصهنيين، ولا مشكلة لنا مع يهود العالم من غير الصهاينة، وفي مقدمتهم من استباحوا أرض فلسطين ومقدساتها واستوطنوا أرض المهجرين من أبنائها.

3- لا بد من التأكيد على أن التطبيع مع الصهاينة جريمة، لأن الأمر يتعلق بإرهابيين عندما يقع احتضانهم والإشادة بهم وتسويغ وشرعنة جرائمهم، بأي شكل من الأشكال، فإن من قام بذلك يكون قد أشاد بالإرهاب وساند الإرهابيين القتلة.

4- إننا لسنا مجرد متضامنين مع فلسطين، بل نحن معنيين بها بشكل مباشر، ونتأثر بما يجري فيها سلبا أو إيجابا.

فالكيان الصهيوني إنما زرع في قلب الأمة العربية من أجل الحيلولة دون نهضتها ومن أجل تفتيت أوصالها ونهب ثرواتها والإجهاز على مقدساتها وثراتها الحضاري. وللمغرب حقوق وعلى كاهله مسؤوليات تجاه فلسطين، ففي فلسطين عدد كبير من المغاربة الذين عاشوا على أرضها، وفي القدس على الخصوص، ولازال أبناؤهم وأحفادهم يعيشون فيها، وأغلبهم هجر منها قسرا من طرف الصهاينة،أو استشهد في الدفاع عنها، وأوقاف المغاربة في القدس وعموم فلسطين شاسعة جدا، وحي المغاربة في القدس أكبر شاهد على الإرهاب الصهيوني حيث دمر، تقريبا بكامله، وسوي بالأرض، بعد أن هدم على رؤوس وجثث العديد من قاطنيه.

وملك المغرب هو رئيس لجنة القدس، وبالتالي عليه عبء العمل، رفقة أبناء الأمة الإسلامية، على تحريرها والحفاظ على كافة المقدسات بها، ودعم أهلها الصامدين على أرضها رغم كافة أشكال الإجرام والإرهاب الممارس ضدهم، والتصدي لكافة محاولات تهويدها وطمس معالمها الإسلامية والمسيحية.

وبذلك، فإننا عندما نطرح قضية فلسطين فإنما نطرح قضيتنا، وندافع عن أنفسنا وعن مقدساتنا، ونحن الذين اعتبرنا لعقود من الزمن، ولازلنا، قضية فلسطين قضية وطنية، وذلك إضافة إلى عدالة القضية وإضافة إلى كافة ما يفرض علينا القيام بواجبنا تجاهها.

وأي دعم، مباشر أو غير مباشر، مادي أو معنوي، للكيان الصهيوني وللصهاينة،هو خيانة متعددة الأوجه وهو تفريط في الحق وتأييد للإجرام والإرهاب والعنصرية.

5- أعتقد أنه آن الأوان للتوقف عن القول بأن ما تضمنه مقترح القانون، وما يقوم به الشعب المغربي ضد الكيان العنصري الإرهابي ’’يعكس موقفا سياسيا لفصيل محدد’’. إنه موقف الأغلبية الساحقة لفصائل الشعب المغربي. أفلا يكفي الدعم الذي يلقاه مقترح القانون من يساريين ويمينيين وإسلاميين وعلمانيين ومواطنين عاديين، للاقتناع بزيف مثل هذه المقولات؟.

الموقف هو موقف الشعب المغربي بقواه الحية كافة، وبمواطنيه ومواطناته، وقد عبر عن ذلك في مناسبات متعددة وبأشكال مختلفة، والموقف النشاز والذي يعبر عن قلة مكروسكوبية، حتى لو تلقت مال الدنيا، هو الموقف الداعم ضمنيا أو علانية للإرهاب الصهيوني و’’المناضل’’ ضد حقوق الشعب الفلسطيني، حتى لو قام بذلك بصفة مغلفة.

ومن نافلة القول إنه لم يعد ينطلي على أحد محاولة تمرير مواقف داعمة للمشروع الصهيوني بالإدعاء بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، لإن الأمرين لا يجتمعان.

6- هناك من حاول الاستنجاد باسم الملك، بالقول بأن التطبيع مع الصهاينة هو شأن ملكي وبأن تجريمه يدخل في ’’المجال السيادي للملك’’ معتبرا أن التطبيع مع الصهاينة يشكل ’’ جوهر العلاقات الدولية للرباط و’’معتمدا على أن الدستور يفوض للملك رسم الاستراتيجيات الكبرى لسياسة الدولة’’.

ويطرح على هؤلاء سؤال بديهي هو: ألا تستحون؟ ألا تخجلون وأنتم تصنفون التطبيع مع الصهاينة بجوهر العلاقات الدولية للمغرب؟ ألا تعلمون أن جوهر العلاقات الدولية للرباط يدخل ضمنه، انطلاقا من رئاسة ملك المغرب للجنة القدس، العمل على تحرير القدس والمقدسات من الاحتلال الإرهابي الذي تدعون إلى التطبيع معه، في وقت لا يمر يوم دون أن يضيف إلى جرائمه جرائم أخرى ضد القدس والمقدسات وضد فلسطين كافة؟ ألا تعرفون حقا أن من مكونات جوهر العلاقات الدولية للمغرب، الدفاع عن قضيته الوطنية الأولى وعن وحدة أراضيه ونصرة القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها قضية فلسطين، ثم كيف تضعون إصدار قانون يعاقب على جريمة إسمها التطبيع ضمن رسم الاستراتيجيات الكبرى لسياسة الدولة؟ وكيف تحاولون، من جهة أن تلقوا بالمسؤولية على الملك في هذا المجال، وفي نفس الوقت أن تجردوا السلطة التشريعية من حقها الدستوري في إصدار القوانين المعاقبة على أفعال جرمية، جرمها المجتمع قبل أن يجرمها المشرع؟.

نعم، عندما تطلب الأمر قطع كافة العلاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب، وتقرير إغلاق مكتب الاتصال الصهيوني، السيء الذكر، وقبل دستور 2011، أصدر الملك قرارا بإغلاقه وبوضع حد لأية علاقة مع هذا الكيان الإرهابي.

وعندما لوحظ وجود محاولات لتطبيع العلاقات مع الصهاينة بوسائل وطرق ملتوية واحتيالية، طرح الأمر على الحكومات المتعاقبة داخل البرلمان، ولم تحاول أية حكومة أن تتملص من مسؤوليتها وأن تطلب من البرلمانيين التوجه بأسئلتهم إلى الملك، بدعوى أن الموضوع يتعلق بالمجال السيادي للملك، بل كانت الحكومات المتعاقبة تؤكد دائما بأنه لا توجد أية علاقة بين المغرب والكيان الصهيوني وبأنه لا وجود لأي تطبيع معه، على أي مستوى من المستويات، وفي أي مجال من المجالات.

وبالتالي، فان هناك قرارا ملكيا بوضع حد لأية علاقة بين المغرب والكيان الإسرائيلي، وهناك موقف الحكومات المتعاقبة المؤكد على انعدام أي شكل من أشكال العلاقة معه، ولا شك أن هذه الحكومات تحرص على تجسيد ذلك على أرض الواقع، رغم كافة الوسائل الاحتيالية المستعملة في تمرير مبادرات تطبيعية من طرف المتصهينيين ومن يدور في فلكهم.

وإذا كانت الحكومة مسؤولة عن اتخاذ كافة الإجراءات للتصدي للمطبعين ومبادراتهم على أرض الواقع، فإن إصدار كافة القوانين المرتبطة بالموضوع يبقى ضمن مجال اختصاص البرلمان.

7- الوقاحة وصلت بالبعض إلى الاعتداء على حرمة المغرب وسيادته ومقدساته، وكأننا بلد محتل أو تحت وصاية لوبيات صهيونية أو غيرها.

فبماذا نفسر خرجة الصهيوني الأمريكي شيمون صمويلز الذي أعطى لنفسه الحق في أن يبعث للعاهل المغربي رسالة مفتوحة يطالبه فيها بالتدخل لإلغاء مسودة هذا القانون، مهددا في ذات الرسالة الموجهة إلى ملك المغرب بأن ’’تمرير هذا القانون ستكون له آثار وخيمة على صورة المغرب على المستوى الاقتصادي’’ وأن من شأن المصادقة على هذا القانون أن يسيء إلى آفاق الاستثمار الأجنبي بالمغرب حاليا ومستقبلا’’. وذلك بعد أن حاول الإيقاع بين الملك والنخبة السياسية بالقول في رسالته المفتوحة بأنه ’’في غيابكم صاحب الجلالة، حاولت بعض التنظيمات الإساءة إلى صورة المغرب كبلد للتسامح’’. وأن مجموعة من الأحزاب السياسية ’’حاولت من خلف ظهركم تمرير مشروع قانون معنون بتجريم التطبيع مع إسرائيل’’. معتبرا أن هذا القانون يتضمن إعلان حرب دبلوماسية على جميع الدول التي يملك مواطنوها جنسية اسرائيلية، وأنه ينتهك أحكام مناهضة التمييز.

كما ذهبت الوقاحة بالصهيوني جوين روبينفيلدا إلى حد القول بأن ’’هذه المسودة تشكل تهديدا واضحا لانفتاح المغرب على إسرائيل ولا يجب أن نسمح للتطرف بالسيطرة علنيا’’، في إشارة إلى الأحزاب والتنظيمات التي تتبنى مقترح القانون.

وعوض أن يغضب البعض من هذا التطاول الخطير على ملك البلاد وعلى أحزابها ونخبها السياسية والنقابية والحقوقية، ومن هذا المس الصريح بالسيادة المغربية وبحرمة وكرامة المغاربة، عوض ذلك ذهب هذا البعض النشاز إلى تبني هذه التهديدات وهذا التطاول،صراحة أو ضمنا، وانطلقوا في التنظير لضرورة ممارسة العبث من طرف الفرق البرلمانية التي وضعت مقترح القانون، بسحبها له، وكأن الأمر يتعلق بأطفال أو بمعتوهين أو ناقصي أهلية لم يكونوا يعرفون ما يفعلون وهم يقدمون مقترح القانون، إلى أن جاء الوحي من عتاة الصهاينة على المستوى الدولي وخدامهم على المستوى الداخلي.

وكنت أتمنى أن تأخذ هؤلاء، أو بعضهم على الأقل، نفس الحمية والحماس ضد الجرائم الصهيونية المتوالية، والتي تصنف ضمن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، من إبادة جماعية وتهجير جماعي واستخدام لكافة أنواع أسلحة الدمار والأسلحة المحظورة، بما فيها اليورانيوم المخصب والفوسفور.. الخ واحتلال متواصل للأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وتغيير لمعالم هذه الأراضي ومقدساتها.

كنت أتمنى أن يتحركوا ضد الاستيطان والاعتقال والحصار وضد قانون برافر وضد السعي إلى تحويل فلسطين المحتلة إلى دولة يهودية خالصة في أكبر محاولة لبناء كيان عنصري بامتياز. لكن الظاهر هو أن هؤلاء جميعا ’’لم ينتبهوا’’ إلى كل ما تقدم ولم يعلموا إلا أن المغاربة يريدون إيقاف التطبيع، وتطبيق مقاطعة شاملة لهؤلاء المجرمين القتلة ولهذا الكيان الإرهابي العنصري في محاولة للمساهمة في التصدي للمشروع الصهيوني وإنهاء نظام الأبرتايد في فلسطين المحتلة.

وهم يعلمون أن الذين لا يريدون مقاطعة الكيان الصهيوني هم الذين يدعمونه في حصار غزة وتجويع أهلها وحرمانهم من أبسط ضروريات الحياة، وهم الذين يدعمون منع الفلسطينيين - أصحاب الأرض- من عودتهم إلى ديارهم، بل ومن زيارة أهلهم في فلسطين، وهم الذين يدعمون كافة الأعمال الوحشية والعنصرية، ويعلمون أن الوسيلة الأساسية التي ساهمت في إنهاء نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا هي مقاطعته على الصعيد الدولي، وهي المقاطعة التي استمرت إلى أن انتهى نظام الأبارتايد بشكل كامل. كما لا يخفى عليهم أن الكيان الصهيوني يشكل نظام أبارتايد أسوء مما كان عليه نظام جنوب إفريقيا.

8- من المغالطات التي يستخدمها المطبعون ومناهضوا تجريم التطبيع، وهم يدافعون عن أنفسهم وعن أسيادهم، ما يدعونه من أن الكيان الصهيوني واللوبي الصهيوني عبر العالم يدعم قضايانا الوطنية، وخاصة قضية الصحراء والقضايا الاقتصادية، ويهددون، بشكل صريح أو مبطن،بأن المصادقة على مقترح القانون سيؤدي إلى تهديد هذه المصالح، بل هناك من ذهب إلى القول بأن الجزائر تعمل على استمالة اللوبيات الصهيونية، وأنه علينا أن نحذر من ذلك.

وأول سؤال يطرح حول هذه المزاعم، هو هل فعلا ما تتضمنه صحيح؟ ولعل أصحابها ينسون أن الكيان الصهيوني ولد من أجل تفتيت أرجاء الأمة العربية ومن أجل منع تقدمها ونهب ثرواتها، وأن المغرب ليس استثناء بالنسبة لهذا الكيان الإجرامي. وبالتالي، فلا هو ولا من استنبته على أرض فلسطين ولا من يتبثاه، يدخل في حسبانهم وحدتنا الوطنية ولا نماءنا أو تقدمنا.

وحتى لو كانت تلك المزاعم صحيحة، هل يمكن أن نرضخ للابتزاز على حساب سيادتنا وكرامتنا ورفض الوصاية علينا من أي كان؟.

وما ينساه هؤلاء هو أن ذات المزاعم وذات التهديدات ونفس محاولات الابتزاز استعملها الصهاينة وأذنابهم عندما اشتدت المطالبة باغلاق مكتب الاتصال الصهيوني، حيث قيل نفس الكلام، بل هناك من ذهب آنذك إلى القول بأننا سنموت جوعا وسيقسم بلدنا إربا إربا وسنصبح منبوذين دوليا.. إلى آخر ما قيل. ومارس المغرب سيادته، ولم يخضع للابتزاز ولم يقبل الوصاية ولا التهديد، وأغلق مكتب الاتصال، وقطع كل صلة بالكيان الصهيوني والصهاينة. ورغم ذلك لازلنا نأكل ونشرب، ولازلنا نحافظ على وحدتنا الترابية وعلى استقرارنا.

وفي الوقت الذي يهددنا داعموا التطبيع مع الصهاينة بما سنتعرض له من طرف صهاينة المغرب والعالم، وخاصة في أمريكا وأوروبا، نجد الأمريكيين والأوروبيين يتجهون نحن مقاطعة الصهاينة في مجالات متعددة نذكر منها على سبيل المثال:

أولها ملاحقة الإرهابيين الصهاينة جنائيا مما كان سيؤدي إلى اعتقال عدد من قياداتهم في دول أوروبية مختلفة.

وثانيها موجات مقاطعة الصهاينة في عدد من دول العالم في السنوات الأخيرة،نذكر منها مثالين حصلا خلال الأيام الأخيرة هما قرار شركة إدارة صندوق معاشات التقاعد بهولندا، والتي قررت سحب جميع استثماراتها من أكبر خمسة بنوك إسرائيلية لأن لدى هذه البنوك فروع في الضفة الغربية أو لأنها تشارك في تمويل البناء في المستوطنات. وذلك بعد انخراط شركات هولندية متعددة، خلال الأسابيع الماضية، في موجة من المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد الشركات الإسرائيلية، كما هو الشأن بالنسبة لشركة viteus التي علقت التعاون مع شركة المياه الوطنية الإسرائيلية.. الخ.

وثالثتها قرار ’’جمعية الدراسات الأمريكية’’ المتخذ بأغلبية 66% من أعضائها الخمسة آلاف، بتبني قرار المجلس الوطني للجمعية القاضي بمقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية احتجاجا على الطريقة التي ينتهجها الكيان الإسرائيلي في معاملته للفلسطينيين، وعلى تواطىء الجامعات الإسرائيلية في قمع الفلسطينيين. علما بأن قرارات المقاطعة الأكاديمية ومقاطعة البضائع ومقاطعة السفن الصهيونية في تصاعد في أمريكا وأوروبا.

ومن غريب الصدف، أن هذه القرارات متخذة على مستوى مجرد مؤسسات وشركات ونقابات، وليس على مستوى الدول، ورغم ذلك فهذه الشركات والمؤسسات والنقابات وغيرها لم تقبل أن يمارس عليها اللوبي الصهيوني الابتزاز او الوصاية، وقررت ممارسة قناعة أعضائها، المنطلقة من قضايا مبدئية، بغض النظر عن أية تبعات. بينما ونحن نتحدث عن المغرب، فإننا نتحدث عن دولة، وعن دولة معنية، وعن دولة تتحمل مسؤولية لجنة القدس..الخ.

أفلا يستحي دعاة التطبيع وخدام الأعتاب الصهيونية من أنهم يريدون أن تكون بلدهم أقل وفاء والتزاما من شركات ومؤسسات أمريكية وأوروبية، وأن تخاف دولة من لوبيات لا تستطيع إيقاف زحف مقاطعة وحصار ومعاقبة الكيان الصهيوني داخل بلدانها؟.

9- ومن المغالطات أيضا التي يستعملها هؤلاء طرح السؤال الثاني “هل ينسحب المغرب من كل هيئة أو مؤسسة دولية أو إقليمية ويقطع علاقاته بها لكون ’’إسرائيل’’ موجودة بها أولها علاقة بإسرائيل” مثل هذا السؤال يطرح، إما بسوء نية أو عن جهل وعدم اطلاع على مقترح القانون، لأنه تكفي قراءة بسيطة لمقترح القانون لمعرفة أنه لا يدرج مطلقا هذه الحالات ضمن حالات التجريم أو المنع، وبالتالي فلا خوف على علاقة المغرب والمغاربة بالمؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية، ولا خوف على المغاربة المنتمين إلى تلك الهيئات والمنظمات،سواء كانت دولية أو إقليمية. مع التأكيد على أن ذلك لا يعني استقبال الصهاينة على أرض المغرب تحت غطاء اجتماعات إقليمية أو دولية أو الذهاب إلى الكيان الصهيوني تحت نفس الغطاء، لسبب بسيط، هو أن المغرب دولة مستقلة وذات سيادة ومن حقها رفض استقبال إرهابيين على أرضها، كما رفض زيارة الكيان الصهيوني الإرهابي الغاصب تحت أي مبرر كان.

أما الحديث عن اليهود من أصل مغربي الذين يعيشون بالكيان الصهيوني، فتجب الإشارة أولا إلى أن بعض أكبر الإرهابيين الصهاينة أشخاص من أصل مغربي، مثل الإرهابي عميربيريتس وكثيرون غيره. ومن جهة ثانية فان هؤلاء أصبحوا عنصريين إلى النخاع، ومن جهة ثالثة فإنهم منخرطون في المشروع الصهيوني لمجرد أنهم قبلوا الحلول محل الفلسطينيين أصحاب الأرض. ولذلك فكثيرون هم اليهود الذين رفضوا الذهاب إلى فلسطين المحتلة حتى لا يأخذوا مكان المهجرين من أبناء فلسطين، وكثيرون هم اليهود الذين غادروا فلسطين المحتلة بعد أن كانوا قد استوطنوها، وسأكتفي في هذا المجال بمثال واحد من هؤلاء وهو جاكوب كوهن، اليهودي المغربي الذي انتمى لحركة صهيونية سرية في الخميسنات وساهم في ترحيل عشرات الآلاف من يهود المغرب إلى فلسطين المحتلة، والذي غادر الكيان الصهيوني بعد اقتناعه بالخديعة الكبرى إلى فرنسا حيث يعيش الآن بجنسية فرنسية، والذي أكد في تصريح صحفي وفي ندوة نظمها المرصد المغربي لمناهضة التطبيع،أنه لن تكون هناك عودة لليهود الصهاينة من أصل مغربي إلى بلدهم ’’لأن أبناءهم أصبحوا إسرائيليين وصهاينة يقومون بالخدمة العسكرية ويحتلون، وليس لديهم أدنى توبيخ ضمير، وهم يتعاملون كصهاينة حتى النخاع، وترعرعوا كصهاينة يكرهون العرب، وهم جد عنصريين يكرهون العرب ولا يتصورون يوما الرحيل للحياة في بلد عربي’’ علما بأن جاكوب كوهن أكد في هذا التصريح أن الأمر يتعلق بعائلته أيضا والتي هاجرت إلى فلسطين المحتلة. والأمثلة كثيرة جدا عن مناضلين يهود ضد المشروع الصهيوني، من أصل مغربي وغير مغربي.

إذن فالأمر لا يتعلق بصهيوني من أصل مغربي أو من أصل روسي أو أمريكي... الخ، الصهيوني صهيوني أيا كانت أصوله وجذوره.

10- ومن الأساطير المعتمدة من طرف مناصري التطبيع والمدافعين عنه باستماتة، موضوع حقوق الإنسان، والتي لا تظهر لهؤلاء إلا عندما يتعلق الأمر بمقاطعة إرهابيين وكيان عنصري محرم. وسأكتفي هنا بالتطرق لمثال واحد، جاء في مذكرة مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية حول مقترح القانون، والتي تباكى فيها المركز المذكور على خرق المادتين 26و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. وتكفي الإشارة إلى أن المذكرة إياها تضمنت النص على ما جاء في البندين المذكورين،وعلى ما قالت إنه تفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للبنذين، لكن دون أن يمتلك محرروا المذكرة الجرأة على تحديد مجالات التعارض بين كل ما ضمنوه في مذكرتهم وبين مقترح قانون تجريم التطبيع. هل يعتبرون هذا المقترح تمييزيا؟ هل يعتبرونه ’’دعوة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف’’؟.

إذا كان القانون الدولي، في نظرهم،يحظر العداء للإرهاب ويحظر العداء للعنصرية ولللأبرتايد، فإننا فعلا نعلن على الملأ هذا العداء المطلق وندعو لمحاربته وللتمييز الصارم بين العنصريين الإرهابيين المجرمين وبين غيرهم، وندعو إلى إعلان العداء لنظام الأبرتايد الصهيوني.

لكن، لا أعتقد أن لجنة حقوق الإنسان ولا واضعي القانون الدولي بأكمله يمكن أن يكون هدفهم هو هذا، لان القانون الدولي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني، ويحظر منع الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم وتعويضهم عما تعرضوا له من تهجير وتشريد، ويمنع الاستيطان وتغيير معالم الأراضي المحتلة وملأ هذه الأراضي بغير أهلها، كما يمنع الإحتلال ويمنع الحصار والتجويع ويمنع بناء الجدران العازلة وتحويل أراض إلى سجون كبيرة، ويمنع كافة الجرائم التي يرتكبها الصهاينة يوميا في حق شعب وأرض ومقدسات فلسطين.. الخ.

فأين يتم خرق القانون الدولي، ومن الذي يجب محاصرته والتصدي له باسم القانون الدولي، الفلسطينيون أم الصهاينة؟.

وإذا كان ما جاء في المذكرة صحيحا، فما قول أصحابها في المقاطعة العالمية لنظام الأبرتايد في جنوب إفريقيا لعقود من الزمن إلى أن قضي عليه وانمحى من الوجود؟ هل كانت الدول والمنظمات والهيئات والأشخاص الذي يقاطعون ذلك النظام يرتكبون بذلك مخالفة للمادتين 26 و20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية؟.

ألا يمنع القانون ويجرم التستر على مجرم أو على جريمة وإخفاء معالمها؟ ألا يجرم القانون الإشادة بالإرهاب وإيواء إرهابيين؟ هل مثل هذا التجريم، والأمثلة بالمئات، يعتبر هدرا للقانون الدولي وتحريضا على التمييز أو العدوان أو العنف؟.

يؤلمني أن تقع دبلجة هذه الأساطير وهذا التحريف الخطير والمقصود، لمعاني نبيلة أتى بها القانون الدولي لحماية الأفراد والجماعات من مثل ما تتعرض له فلسطين، كحجة ضد فلسطين، من طرف مركز ماكنت أعتقد أنه يمكن أن يوظف في تنميق ادعاءات وتزييف قانون وواقع وحقائق خدمة للمشروع الصهيوني ودفاعا عنه وعن جرائمه، مهما نمق بعد ذلك من كلام عن ’’الوقوف والتعبئة، رسميا وشعبيا، ضد سياسات إسرائيل الماسة بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني..’’ لان مثل هذا الكلام لا يبقى له من معنى عندما يأتي لصيقا بالاستماتة في الدفاع عن الصهاينة، ومحاولة وأدلجة تحويل علاقة المغاربة معهم إلى علاقات طبيعية وفسح المجال أمامهم لينجزوا الدور التاريخي الذي وجدوا من أجله، فلازالت هناك بضع أمتار من أراضي فلسطين لم يقع ملأها بالمستوطنات، ولعل ملأ هذه الأمتار أيضا يقنعكم بأنكم تساهمون في الجرم عندما تدافعون عن الكيان العنصري المحتل لأرض فلسطين.

والسؤال في الختام هو سؤال الكرامة، سؤال رفض وصاية أي كان وأية جهة كانت، سؤال الدفاع عن الوطن وعن المقدسات، سؤال الدفاع عن حقوق لا يجادل فيها إلا مغتصبيها، سؤال القبول بالتمسح بالأهداب الصهيونية، تحت أي مسمى كان.

ويبقى الجواب الواضح والجلي هو أن إحدى أهم وسائل القضاء على نظام الأبرتايد الصهيوني هو العمل على مقاطعته مقاطعة شاملة، ليس من طرف المغرب وحده، بل من طرف كل أبناء المعمور.

وذلك ما دفع بالشعب المغربي إعلان العداء لهذا الكيان الغاصب والى رفع شعار ’’الشعب يريد تحرير فلسطين.. الشعب يريد تجريم التطبيع’’.

هذا غيض من فيض.. وللحديث بقية.
أضافة تعليق
آخر مقالات