الصراع الدولي في النيجر
سبتمبر 12, 2023بهاء محمود
باحث في العلاقات الدولية – مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
أجرى الحرس الرئاسي النيجري بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني انقلابًا عسكريًّا يوم 26 يوليو من الشهر الماضي، لتُصبح النيجر رابع دولة في غرب إفريقيا تشهد انقلابًا بعد بوركينا فاسو، وغينيا، ومالي. وبعد ما يقرب من شهر من حدوث الانقلاب؛ أعلن المجلس العسكري فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، مع إطلاق حوار وطني واسع لترتيبات المرحلة القادمة.
تزامن مع ذلك انطلاق مظاهرات شعبية مؤيدة للانقلاب، ومُناهِضَة للوجود الفرنسية، ورافعة للأعلام الروسية مع النيجرية.
في المقابل فشلت الجهود الدبلوماسية مِن قِبَل منظمة إيكواس، التي تُلوِّح باستخدام الخيار العسكري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم المُؤيَّد من فرنسا والغرب.
سياق الانقلاب
لا يُعدّ ما جرى في 26 يوليو في النيجر جديدًا عليها؛ كون الدولة الواقعة في غرب إفريقيا تشهد انقلابات عدة منذ استقلالها عن فرنسا في 1960م، وكان آخرها محاولة انقلابية حدثت قبيل تولّي الرئيس -المخلوع- محمد بازوم، السلطة في مارس 2021م.
وخلال العامين ونصف التي حكم فيها بازوم حدث استقرار نِسْبي في بعض الملفات، على رأسها الوضع الأمني؛ حيث زاد بازوم من ميزانية الجيش، وانخفضت معدلات أعمال العنف والقتل الناتجة عن الإرهاب من 285 حادثة خلال النصف الثاني من عام 2022م إلى 256 خلال النصف الأول من العام الجاري 2023م، مع العلم بأن معدل الحوادث خلال الستة أشهر الأولى من عام 2022م بلغت 223 حادثة([1]).
كما شهدت البلاد انخفاضًا بنسبة 39% في معدلات العنف السياسي خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري مقارنةً بالفترة من يوليو حتى ديسمبر 2022م، وانخفاض الهجمات ضد المدنيين بنسبة 49%، والوفيات الناتجة عنها بنسبة 16%.
في المقابل كانت هناك توترات على أكثر من جانب، ما بين بازوم –ونظامه- وبين الحرس الرئاسي بقيادة تشيانى (الحليف للرئيس السابق محمدو يوسفو، والذي تولى السلطة من 2011 وحتى 2021م) على خلفية توارد أخبار برغبة بازوم في إقالة تشيانى، وتقليص ميزانية الحرس الرئاسي، وهو ما يُفسِّره البعض بأنه السبب الرئيس في حدوث الانقلاب بخلاف المعلن([2]).
السياق الآخر من التوترات في النيجر جرت بين بازوم والمواطنين والرأي العام –ولا سيما المجتمع المدني- على خلفية تنامي مشاعر العداء تجاه الوجود الفرنسي، والذي بدت بعض مظاهره في حوادث مثل حصار قافلة فرنسية في نوفمبر 2021م، قُتِلَ على أثرها ثلاثة متظاهرين، بالإضافة إلى مسيرة أخرى ضد وجود قوات برخان، والتي جرى نقلها عقب مطالبة السلطات العسكرية في مالي برحيل القوات الفرنسية من أراضيها، ومِن ثَم تمَّ ترحيلها للنيجر. بخلاف اعتقال أحد ممثلي حركات المجتمع المدني.
ماذا تعني النيجر لفرنسا والآخرين؟
تُعدّ النيجر دولة ذات أهمية إستراتيجية للعديد من القوى الدولية؛ فتاريخيًّا تأتي فرنسا -كدولة استعمرت النيجر، وتحتفظ بقاعدة عسكرية بها، قوامها 1500 جندي- في المقدمة، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي تَحتفظ أيضًا بوجود عسكري يبلغ 1100 فرد وقاعدة للطائرات –بدون طيار- منذ عام 2019م، بخلاف وجود قليل لقوات أوروبية أخرى –غير فرنسية- صغيرة. إضافة لسيطرة اقتصادية للصين، وطموح روسي يبني مشروعه على التمدد المستمر في القارة، وخاصة دول الجوار للنيجر، ومنهم مالي.
ومِن ثَم فإن تغيير النظام الحاكم في النيجر، يُؤثِّر بشكلٍ أو بآخر على علاقات النيجر بتلك الدول، وعلى خريطة النفوذ والمصالح، والتي من أبرزها ما يلي:
1- الهجرة غير الشرعية:
نظرًا لموقع النيجر بين دول غرب إفريقيا –إحدى منابع حركات الهجرة غير الشرعية- وبين ليبيا والبحر المتوسط؛ فإن أيّ تطورات سلبية في نيامي، خاصةً تلك المتعلقة بالإرهاب وحركات النزوح؛ تصبُّ مباشرةً في تعزيز موجات الهجرة غير الشرعية، والتي تجد بدورها الطريق ممهدًا من السواحل الليبية –وشمال إفريقيا عامة- إلى دول المتوسط الأوروبية (إيطاليا- إسبانيا- مالطا- اليونان).
لذا لطالما اهتم الاتحاد الأوروبي بعقد اتفاقيات تعاون مع النيجر في ملف الهجرة، كان من بينها إطلاق شراكة تشغيلية مع النيجر لمنع تهريب المهاجرين في 31 يوليو 2022م، مع الأخذ في الحسبان المخاطر التي يتعرَّض لها المهاجرون في صحراء شمال النيجر، تلك المنطقة الحدودية مع ليبيا. ما يزيد من خطورة الأوضاع في النيجر -بالنسبة للاتحاد الأوروبي- أنَّ 70% من حركات الهجرة داخل إفريقيا تتم عبر غربها([3])، وبالطبع النيجر لها دور، ففي الفترة من 2015م وحتى 2018م عقب إصدار قانون 36 لسنة 2015م في النيجر الذي يُجرِّم عمليات تهريب المهاجرين، تراجعت الأعداد من 153842 شخصًا إلى 23400 شخص وصلوا للشواطئ الايطالية، ثم ارتفعت الأرقام مرة أخرى في عام 2022م إلى 92311 شخصًا عبروا البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. ولذا رصد الاتحاد الأوروبي تمويلًا للفترة (2015-2020م) بلغ 600 مليون يورو في صورة مساعدات تنموية، و230 مليون يورو للإنفاق على 11 مشروعًا تختص بالهجرة، ثم قرر في عام 2021م رصد مبلغ 195 مليون يورو لتشمل الفترة من 2021م وحتى 2027م. ورغم أن تجربة النيجر لا تُعدّ ناجحةً تمامًا، لكنَّ الاتحاد الأوروبي كان يُعوِّل على استمرار العمل من خلالها، وهو ما يجعل تداعيات الانقلاب وخيمة على خطط مكافحة الهجرة غير الشرعية.
2- الأهمية العسكرية:
تبرز الأهمية العسكرية والإستراتيجية بالنسبة لفرنسا بجانب القاعدة العسكرية التي تضم الجنود المُرحَّلين من مالي، وبها أيضًا قاعدة جوية تخدم الطائرات الهجومية التي تعمل بدون طيار. وبسبب موقع النيجر فإن الوجود العسكري الفرنسي بها، يخدم مصالح باريس في ليبيا وتشاد –وسابقًا مالي-، بخلاف نقطة ارتكاز مهمة تعول عليها لإعادة إستراتيجيتها في غرب إفريقيا، ونفس السياق بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، مع الأخذ في الحسبان اختلاف الوجود والأهمية العسكرية للنيجر؛ كون واشنطن لا تمتلك نفس النفوذ التاريخي لباريس، ولا نفس مشاعر العداء والكراهية المتصاعدة.
3- الأهمية الاقتصادية:
تُعدّ النيجر من كبرى دول العالم إنتاجًا لليورانيوم، وهي ثاني مُورِّد للاتحاد الأوروبي في 2022م، وثاني مورد أيضًا لفرنسا بنسبة 20% من إجمالي واردات باريس لليورانيوم الخام الذي تعتمد عليه محطات الطاقة النووية. وتعتبر شركة “أورانو” الفرنسية المُنتِجة لليورانيوم، الشركة الرائدة العاملة في النيجر، لا سيما في منجم سومير، وهي تعمل من قبل حصول النيجر على استقلالها من فرنسا. في حين أن اليورانيوم يساهم فقط بـ5% من الناتج المحلي الإجمالي للنيجر.
ومما يُضيف للتنافس الدولي في النيجر بُعدًا اقتصاديًّا، هو وجود شركات (روسية- كندية– صينية- إسبانية- يابانية) تعمل في التنقيب عن اليورانيوم.
وفي إطار سعى أوروبا للبحث عن غاز بديل عن المورد الروسي، ثمة مشروعات لمد خطوط أنابيب للغاز من نيجيريا؛ إحداهما يمر بالمغرب والآخر بالجزائر، والاثنان يمران بالنيجر، ويُخْشَى الآن أن تتوقف تلك المشاريع والتي تزداد أهمية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، لا سيما أن روسيا تسعى هي الأخرى لعقد شراكات عسكرية واقتصادية مع دول غرب إفريقيا، وليس من مصلحتها أن تتم تلك المشروعات.
حتى الآن تنتج النيجر يوميًّا حوالي 20 ألف برميل نفط في حوض أغادوم جنوب شرق البلاد، ضمن مشاريع شركة البترول الوطنية الصينية (CPNC)، وتعمل الشركة على بناء خط أنابيب يربط النيجر بدولة بنين، ضمن مشروع إنتاج يتوقع أن يخرج حوالي 110 آلاف برميل يوميًّا، في ظل خطة ترصد حوالي مليار برميل نفط احتياطي خام.
وعلى نفس السياق تُخطِّط شركة سافانا انيرجي البريطانية (Savannah Energy) لبدء إنتاج واستخراج النفط التجاري من مشروع (R3East) بقدرة 1500 برميل يوميًّا، على أن تصل إلى 5000 برميل يوميًّا ضمن 163 هدفًا تنقيبيًّا للشركة. إضافةً لما سبق يأتي ترتيب النيجر رقم 29 عالميًّا ضمن مُصدِّري الذهب، حيث صدَّرت في عام 2021م ما قيمته 2,7 مليار دولار، وهو المنتج الأكثر تصديرًا في البلاد.
4- خطة ماتي:
تمتلك إيطاليا نهجًا استراتيجيًّا في إفريقيا، يربط أهدافها ووجودها في المتوسط (وليبيا) بوجودها في منطقة الساحل وغرب إفريقيا. تُروّج حكومة ميلوني لهذا النهج تحت مسمى خطة “ماتي” –مؤسس شركة إيني الإيطالية-، والتي تسعى لعقد شراكات في إفريقيا عبر مقاربات تعاونية لا سيما في مجال الطاقة.
تحتفظ ميلوني برؤية -أو مقاربة- سلبية تجاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تعود جذورها لما قبل فوزها في الانتخابات الإيطالية في شهر سبتمبر 2022م؛ حيث سبق أن هاجمته مُحمِّلة إياه وفرنسا مسؤولية تردي الأوضاع في إفريقيا، وهو ما ألمحت إليه مرة أخرى في خطابها أمام منصة “روما ميد” حول حاجة إيطاليا للترويج لخطة ماتي في إفريقيا، ونموذجه التعاوني الذي “لا يقوم على الأعمال العدوانية تجاه الدول الإفريقية”، بعكس ما تقوم به العمليات العسكرية لفرنسا في منطقة الساحل والصحراء.
وهناك مقاربات ترى أن الانقلاب في النيجر سوف يُعطِّل سعي إيطاليا وتحركاتها تجاه تنفيذ خطة ماتي، على اعتبار أن الانقلاب قد يُقرِّب النيجر من روسيا وليس الغرب، كما قد يساهم في زيادة التهديدات الأمنية في المنطقة، ومِن ثَمَّ يزيد من معدل تدفقات الهجرة، وإيطاليا في مقدمة دول المتوسط التي تعاني من تدفقات الهجرة غير الشرعية.
في مقابل هذا الطرح، ومع فرضية احتمال خروج القوات الفرنسية من النيجر؛ فإن لإيطاليا فرصة في تعزيز شراكتها مع النيجر، خاصةً مع الفراغ الفرنسي –المحتمل-، والحاجة لمكافحة الإرهاب، وإيجاد بديل دولي لا يحظى بنفس مكانة فرنسا السلبية لدى مواطني النيجر؛ كون إيطاليا ترفض التدخل العسكري في النيجر –وهو موقف سوف يُقرِّب المسافات بين روما ونيامي-، ولديها أيضًا تحفُّظ على سياسات فرنسا في إفريقيا، بالإضافة إلى أنه ثمة تقارب بين وجهتي نظر واشنطن وروما فيما يخص النيجر، ولعل زيارة ميلوني مطلع الشهر الجاري إلى واشنطن كانت بهدف إضفاء الشرعية الأمريكية على خطة ماتي في إفريقيا.
ما بعد الانقلاب
تعددت ردود الفعل الإقليمية والدولية عقب حدوث الانقلاب في النيجر، ما بين مُطالِب بالعودة للشرعية الديمقراطية عبر الأُطُر الدبلوماسية فقط، وما بين التهديد بالخيار العسكري لإعادة بازوم، بخلاف المواقف المتحفِّظة التي لا تصف ما حدث بالانقلاب العسكري، كما أنها لا تؤيده، ويمكن إبراز أهم المواقف تجاه ما حدث فيما يلي:
1- فرنسا والاتحاد الأوروبي:
بدت الاستجابة الفرنسية الأكثر تشددًا تجاه الأوضاع في النيجر؛ في البداية هدَّدت بالتدخل العسكري حال تعرُّض مواطنيها للخطر-قبل عملية إجلائهم- مِن قِبَل السلطة العسكرية، ثم دعمت خيار منظمة إيكواس، بالتدخل العسكري في النيجر وعودة الرئيس بازوم، بل وطالبت فرنسا من دول الجوار -وعلى رأسهم الجزائر- السماح باستخدام أراضيها ومطاراتها للعمليات العسكرية المحتملة؛ على الرغم أن فرنسا لم تقم بالتدخل العسكري لمواجهة انقلابات مالي وبوركينا فاسو، وغيرها من دول غرب إفريقيا المستعمرات السابقة لها.
كما علَّقت أيضًا فرنسا والاتحاد الأوروبي المساعدات الاقتصادية المالية، والتي تبلغ حوالي 554 مليون دولار، بما يمثل 25% من قيمة المساعدات التي تتلقاها النيجر سنويًّا، والمُقدَّرة بـ2 مليار دولار.
في المقابل أعلن المجلس العسكري في 3 أغسطس إلغاء عدد من الاتفاقات العسكرية مع فرنسا، مع عدم الحديث والتطرق إلى المناجم التي تُديرها شركة أورانو الفرنسية، والتي يمتد عمل بعضها لعام 2040م.
من جانبها، وبسبب اختلاف وجهة النظر الإيطالية عن نظيرتها الفرنسية؛ لم ترحّب روما بنهج التدخل العسكري الذي تدعو إليه باريس، ففي حوار لصحيفة “لاريبوبليكا” أشار وزير الخارجية الإيطالي “أنطونيو تاجاني” إلى أنه لا يوجد دليل يشير إلى وجود يد لروسيا في الاضطرابات السياسية التي تجتاح الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. وبحسب تاجاني فإن إيطاليا تحتفظ بـ350 جنديًّا في النيجر سيظلون في الثكنات العسكرية، مع الالتزام بدعم الجهود السلمية والدبلوماسية لحل الأزمة، بدلًا من التدخل العسكري.
2- الولايات المتحدة:
اتخذت الولايات المتحدة مسارات متوازية فيما يخص النيجر، بدايةً من إدانة الانقلاب، وإظهار الدعم للرئيس المخلوع -بازوم-، والمطالبة بإطلاق سراحه، ورهن استمرار المساعدات الأمريكية بالحفاظ على الديمقراطية في النيجر، ونهايةً بالعمل على التواصل الدائم مع السلطات العسكرية في النيجر، ويمكن فهم طبيعة الموقف الأمريكي كما يلي:
أ- لم يصدر عن واشنطن ما يُفيد تأييدها للحل العسكري في النيجر.
ب- تقدم الولايات المتحدة المساعدات العسكرية للنيجر منذ عام 2002م، وتقوم بتدريب ومساعدة القوات النيجرية في عمليات مكافحة الإرهاب، وبلغ إجمالي المبلغ الذي أنفقته واشنطن منذ 2012م وحتى الآن، حوالي 500 مليون دولار أمريكي، ويُمثِّل هذا الإنفاق أكبر برنامج مساعدات أمريكية في منطقة الصحراء الكبرى.
ج- إعلان واشنطن أنَّ ما حدث انقلاب عسكريّ، يعنى تلقائيًّا وقف المساعدات الأمريكية، ومِن ثَم عدم قدرة الولايات المتحدة على العمل مع السلطات الحالية في عمليات مكافحة الإرهاب([4]).
د- تحتفظ واشنطن بعلاقات قوية مع الجنرال النيجري “موسى سالو بارمو” –أحد قادة الانقلاب- منذ ما يقرب من 30 عامًا، وتفيد تقارير أمريكية بأن بارمو هو رجل الولايات المتحدة في النيجر، ويعمل حاليًّا بارمو كقناة دبلوماسية بين واشنطن والسلطات العسكرية في النيجر. في 7 أغسطس التقى بارمو في العاصمة نيامي فيكتوريا نولاند([5])-وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية- وتحدثت المسؤولة الأمريكية حول رؤى قادة الانقلاب والخيارات الدبلوماسية المتاحة، وعن الوضعية القانونية حال اعتبرت واشنطن أن ما جرى انقلاب. بخلاف ذلك تشير تقارير أن ثمة صفقة جاءت من أجلها نولاند تسمح للنيجر بالتعاون مع الغرب في الاستمرار والعودة لمحاربة التنظيمات الإرهابية، خاصةً وأن الولايات المتحدة تخشى من ترك الساحة لدخول روسيا –وتحديدًا قوات فاجنر- في النيجر لتحل محل القوات والقواعد الغربية.
ه- تقع القاعدة الأمريكية في أغاديز شمال النيجر، وبلغت تكلفة إنشائها 110 ملايين دولار، وتتكلف إدارتها وصيانة ما يتخطى الـ20 مليون دولار سنويًّا، وهي مقر العمليات الرئيسة في غرب إفريقيا.
3- روسيا والصين:
على المستوى الرسمي أدانت روسيا الانقلاب -صراحةً-، ووصفته بأنه انتهاك لدستور النيجر، مع وجود إشارات من مجموعة فاجنر بإمكانية التعاون مع السلطات الجديدة، ونفس الوقت ترفض روسيا خيار التدخل العسكري.
ومع وجود مزاعم حول تورط فاجنر-أو روسيا- في الانقلاب، وربط توقيت القمة الروسية الإفريقية بحدوث الانقلاب، وهي القمة التي لم يحضرها أيضًا الرئيس المخلوع محمد بازوم؛ فإن الولايات المتحدة أكدت عدم تورط روسيا في الانقلاب، لكن مع التحذير من احتمالية استغلال روسيا للأزمة، وذلك بحسب تصريحات رسمية للبيت الأبيض نُشِرَت([6]) عقب حدوث الانقلاب مباشرة، وتكرر تأكيدها مِن قِبَل مسؤولين عدة مرات.
أما عن الصين، والتي تُعدّ المُقْرِض الأول لعددٍ كبيرٍ من الدول الإفريقية، والشريك التجاري الأول للنيجر، وأحد العاملين في مجال النفط في البلاد، فبدت مُتحفِّظةً في سياق موقفها الرسمي تجاه ما حدث، وإن كانت لا تؤيد صراحةً الانقلاب ولا التدخل العسكري.
4- المنظمات الإقليمية:
تصدرت منظمة إيكواس المنظمات الإفريقية التي رفضت الانقلاب في النيجر، ومنذ الأيام الأولى للانقلاب طرحت إيكواس خيار التدخل العسكري لإعادة بازوم، على غرار تجاربها السابقة في دول عدة، مثل جامبيا في 2017م (إجبار الرئيس السابق يحيى جامع على الذهاب للمنفى)، ليبيريا 1990م (دعم الرئيس صمويل دو ضد المتمردين)، الحرب الأهلية في سيراليون 1998م([7]).
يترأس إيكواس -حاليًّا- الرئيس النيجيري “بولا تينوبو”، وهو أول الزعماء الأفارقة المتحمسين للتدخل العسكري في النيجر، رغم ما تمر به نيجيريا ذاتها من تحديات عسكرية داخلية متعلقة بمواجهة تنظيم “بوكو حرام”.
أمهلت إيكواس -التي تحظى بدعم فرنسي- قادة الانقلاب أسبوعًا –في بداية الأمر-، حتى يتم التراجع عن الانقلاب وعودة السلطة للرئيس بازوم، على أن يلي ذلك التدخل العسكري، وبعد مرور الوقت المحدد لم يستجب قادة الانقلاب، ولم تشرع إيكواس -حتى كتابة السطور الحالية- في الهجوم عسكريًّا.
ويمكن إيجاز صعوبات التدخل العسكري في الآتي:
أ- الانقسام الدولي: تتشابك مصالح القوى الكبرى في النيجر؛ فبينما تدعم فرنسا تدخل الإيكواس عسكريًّا في النيجر، ترفض كلّ من روسيا وإيطاليا والصين، وتتحفظ الولايات المتحدة، وتستمر في دعم الجهود الدبلوماسية. فرنسا أيضًا لم تُوضِّح طبيعة الدعم وكيفية تنسيقه في ظل توتر العلاقات مع قادة الانقلاب -ومطالبتهم مؤخرًا برحيل السفير الفرنسي-، وبقاء 1500 جندي فرنسي ضمن قاعدة عسكرية هي الأهم الآن في غرب إفريقيا.
وكذلك يُؤخَذ في الاعتبار أن قادة الانقلاب لم تطالب حتى الآن برحيل القاعدة العسكرية الفرنسية، مما يعني أن هناك مساحة للدبلوماسية، فضلًا عن الأضرار التي سوف تقع على الجنود الفرنسيين حال قامت إيكواس بشن هجوم في النيجر، حيث ربما يستدعي ذلك حالةً من الفوضى، تتقاطع مع التهديدات القادمة من قِبَل جماعات العنف، والتي من المفترض أن فرنسا قامت بعملية برخان من أجل القضاء عليها.
ب- سياق مغاير: تختلف تجارب التدخل العسكري لإيكواس في سيراليون أو جامبيا -أو غيرهما- عن حالة النيجر، أولاً لتمدد فاجنر والتي بالطبع سوف تستعد للتدخل لمساندة قادة الانقلاب حال طلب منها ذلك. ثانيًا أن هناك رفضًا أيضًا من دول إفريقية، خاصة دول الجوار (مالي- بوركينا فاسو- الجزائر…).
ثالثًا أن التدخل العسكري في النيجر غالبًا ما سوف يقود إلى حرب إقليمية ودولية، ما بين دول غرب إفريقيا وبعضها، وما بين القوى الدولية خاصة فرنسا وروسيا، مع عدم وضوح موقف الولايات المتحدة حال اندلعت الحرب، وبالتالي ليس من مصلحة الغرب (الولايات المتحدة – فرنسا) على المدى الطويل خسارة قواعدهم في النيجر، والسماح بتدخل عسكري غير محمود عقباه، ومن الصعب التنبؤ بنتائجه.
ج- الرفض الشعبي: ما بين قمتي إيكواس الأولى والثانية، زادت وتيرة الرفض الشعبي للتدخل العسكري في النيجر، ففي نيجيريا –التي تقود إيكواس والتدخل معًا- رفض البرلمان بأغلبيته هذا المطلب، ويمنع دستور نيجيريا التدخل عسكريًّا خارج البلاد بدون موافقة البرلمان، ونفس السياق مع وجود تظاهرات في السنغال ضد ماكي سال –رئيس البلاد- رفضًا للمشاركة العسكرية في النيجر، فضلاً عن أن الجيش النيجيري ذاته لا يمتلك رفاهية الدخول في حرب مباشرة في النيجر، وهو ما يزال يعاني من أجل مواجهة بوكو حرام، وأي خسائر يتعرض لها الجيش -حال تورطه في النيجر- سوف تجلب العديد من الأزمات، في مقدمتها زيادة تهديدات الجماعات المسلحة, وثانيًا احتمال حدوث اضطرابات شعبية ضد الرئيس الجديد “بولا تينوبو” الذي لم يكمل عامه الأول، فضلاً عن أن المناخ العام في دول غرب إفريقيا لا يصبّ لا في دعم التدخل العسكري ولا دعم بقاء القوات الفرنسية في القارة أجمع.
مقاربات محتملة
مع ثبات موقف قادة الانقلاب وعدم وجود نية للتنازل عن السلطة، وعدم طلب خروج القوات الفرنسية أو الأمريكية -الغربية عمومًا- من النيجر؛ فإنه حتى الآن لا يبدو أن الانقلاب جاء بالفعل ضد القوات الفرنسية أو الأوضاع الأمنية بقدر ما هو صراع على السلطة, لا سيما أن القادة في النيجر عيّنوا رئيسًا للوزراء –مدنيًّا- وحدّدوا فترة انتقالية قدرها 3 سنوات. ومع وجود صعوبات كثيرة للتدخل العسكري -وتداعيات سلبية- فإنه تبدو المقاربات المحتملة للأوضاع في النيجر ليست كثيرة أبرزها:
1- صفقة أمريكية:
يشير اختلاف الموقف الأمريكي عن نظيره الفرنسي حيال الانقلاب، ووجود اتصالات مكثفة -دبلوماسية- بين واشنطن وقادة الانقلاب، إلى أنه ربما تقبل الولايات المتحدة بوجود السلطة الحالية في النيجر شريطة ثلاثة متطلبات؛ الأول: عدم دخول قوات فاجنر النيجر. ثانيًا: استمرار التنسيق بين القوات الأمريكية –وقواعدها العسكرية- وبين السلطات في النيجر؛ لمواجهة التهديدات الأمنية. ثالثا: ربما تحديد خريطة زمنية واضحة لانتقال السلطة للمدنيين، والحفاظ على سلامة بازوم.
2- سيناريو التدخل العسكري:
مع استمرار التوتر بين فرنسا والمجلس العسكري، لا سيما مع تبنّي باريس دعم التدخل العسكري في النيجر، ودعم توجُّه إيكواس في هذا الاتجاه، وغلق القنوات الدبلوماسية، خاصةً مع رفض باريس سَحْب سفيرها من نيامي بحجة أن حكومة بازوم فقط هي الشرعية والمخولة وحدها بالموافقة على بقاء أو مغادرة السفراء الأجانب، ومِن ثَم قد يحدث سيناريو التدخل العسكري وما يترتب عليه من اندلاع الحرب في النيجر، وما يتبعه من فوضى كبيرة تضر الجميع، وفي مقدمتهم فرنسا ومصالحها.
إجمالاً يمكن القول: إن ما حدث في 26 يوليو هو استمرار لمسلسل الانقلابات العسكرية والصراعات على السلطة في دول لا تمتلك ديمقراطية حقيقية، بل هشة من السهل كسرها وتغييرها، مع توفير غطاء شعبي. في المقابل تبدو المقاربة الفرنسية في غرب إفريقيا غير مناسبة لتطور الأوضاع، في الوقت الذي تنشط قوى دولية بإيجاد شراكات متباينة، وعلى أسس مختلفة تمامًا عن تلك الفرنسية، وتبرز الصفقة الأمريكية هي الأفضل لكلٍّ من واشنطن ونيامي، مع الأخذ في الحسبان احتمالية وجود دور مستقبلي لإيطاليا في النيجر، كبديل أوروبي محتمل عن فرنسا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] -Beatriz Leon Cobo ,TheNigerien Coup that should not have surprised the world: https://rusi.org/explore-our-research/publications/commentary/nigerien-coup-should-not-have-surprised-world
[2] -Vanda Felbab, How the Niger coup unfolded: https://www.brookings.edu/articles/how-the-niger-coup-unfolded/
[3] – مارتينا شيفكوفسكى، دور إفريقيا في إدارة الهجرة في الاتحاد الأوروبي: https://www.dw.com/en/deportations-africas-role-in-eu-migration-management/a-65577595
[4] – أحمد أمل، مسارات أزمة النيجر بين التدخل العسكري والخيار البراغماتى: https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/8498
[5] – تقرير لموقع cnn حول زيارة فيكتوريا نولاند للنيجر في 7 أغسطس ، متاح على الرابط التالي: https://arabic.cnn.com/world/article/2023/08/08/acting-us-deputy-secretary-of-state-meets-with-military-junta-leader-in-niger
[6] – تصريحات البيت الأبيض على موقع الحرة، متاحة على الرابط التالي: https://cutt.us/CEWqH
[7] – أماني الطويل، ما هي خيارات دول غرب إفريقيا في النيجر؟ : https://acpss.ahram.org.eg/News/20968.aspx
المصدر: قراءات إفريقية