مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
تصحيح المفاهيم الإسلامية
تصحيح المفاهيم الإسلامية
الأستاذ أنور الجندي
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
’’لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو عروة حجر ضب لدخلتموه’’.
ويقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: ’’إنما ستنقض عرى الإسلام عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية’’.
إن أخطر الأخطار التي تواجه المسلمين اليوم: خطر التغريب.
والتغريب هو حمل المسلمين والعرب على قبول ذهنية الاستسلام والاحتواء والتحرك من داخل دائرة الفكر الوافد (وليس من داخل عقلية الغرب نفسه) ودائرة الفكر الوافد تختلف في إنها تحشد الشيء وضده، وتسوق المذاهب المتعارضة كلها في خضم جارف (وجودية وماركسية وليبرالية وهيبية ولا معقولية) حتى تسقط النفس الإسلامية ويسقط العقل الإسلامي صريع الخلاف والاضطراب ويتشكل بالسلبية المطلقة والعدمية.
والهدف من حملة التغريب هو إخراج المسلمين من دائرة فكرهم بما يخلق شعوراً بالنقص في نفوسهم وذلك بالتأثير في النفس والمزاج والروح الإسلامي لإخراجها جميعاً من مفاهيمها ومواريثها وفرض أعراف جديدة عليها مخالفة لها في الأصل مباينة لها في الجذور.
وفي مواجهة هذا علينا أن نعرف بأن هناك عالمين منفصلين: قد يؤثر أحدهما في الآخر ولكنهما لا يمتزجان أبداً ولا يخضع أحدهما للآخر، ولا يستوعب أحدهما الآخر ولا يحتويه، هما عالم الإسلام المتميز بطوابعه ومفاهيمه وقيمه وعالم الغرب.
والفكر الإسلامي له من جذوره العميقة وأصوله العريقة ما يجعله قادراً دوماً على التماس التجدد دون أن يفقد الأصالة.
والخطر كله يتمثل في بعض المفكرين من العرب الذين يفكرون من داخل دائرة الفكر الغربي ويتحركون خارج إطار الفكر الإسلامي ومن هنا تأتي أخطاؤهم ويأتي عجز نظرتهم عن أن ترى الأفق الواسع الممتد.
إن هناك منهجاً: لا هو غربي ولا هو إسلامي، وإنما هو منهج زائف صنعته اليهودية التلمودية الصهيونية وكشف عنه بروتوكولات صهيون قد أعد خصيصاً لإدخال العرب والمسلمين فيه، فإذا دخلوا أحكم عليهم كالسجن فلا يصلون إلى شيء لا إلى معطيات الفكر الغربي ولا إلى أصولهم الأصيلة وإنما يذوبون هكذا في غير ما أفق ويدورون في غير ما سماء.
إن مناهج العلوم والنفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد التي يقدمها لنا الغرب تنقصها إضافات، الأولى: طابع التكامل والجمع بين العقل والقلب والمادة والروح والدنيا والآخرة.
والثانية: الدور الطليعي الذي قام به المسلمون في بناء هذه المناهج يوم أن كانت موجهة إلى الحق وإلى الحق وحده وقبل أن يلتهمها الإلحاد ثم تستقطبها الصهيونية العالمية.
إن هناك محاولات جادة لتقديم ثلاثة مناهج للفكر الإسلامي تحتاج إلى يقظة ومواجهة:
1- ما يسمى علم مقارنات الأديان الذي يقوم بأحكام مسبقة إلى تفضيل الأسبق والأول وهذا يستهدف الانتقاص من الدين الجامع الخاتم وهو الإسلام.
2- ما يسمى علم الأنتروبولوجيا: وهو خاص بدراسة الشعوب البدائية وهدفه استخراج مفاهيم وقيم تعارض الكتب السماوية وإلعاء شأن الأساطير والسحر والتنجيم القديم وإعلاء شأن العنصرية والدماء.
3- ما يسمى العلوم الاجتماعية بالإضافة إلى نظرية فرويد وتستهدف إلغاء طابع الفطرة الأصيل في الأسرة ورد دوافع الإنسان إلى الجنس وإلى الطعام.
وتسيطر الصهيونية اليوم على هذه العلوم والدراسات بغية تحقيق أهدافها التي أوردتها بروتوكولات صهيون.
وتستهدف محاولات التغريب اليوم أهدافاً متعددة:
أولاً: محاولات إسقاط أسس وقيم وفرائض أساسية كالجهاد مثلا.
ثانياً: محاولات تحريف التاريخ والنصوص الإسلامية كإسقاط رحلة سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى الجزيرة العربية.
ثالثاً: محاولة إضافة أشياء ليست أصيلة كالإسرائيليات.
رابعاً: محاولة الفصل بين الأدب والفكر، واللغة والدين، والدين والمجتمع.
خامساً: محاولة تمويه القيم بإعلاء القانون الوضعي على الشريعة.
سادساً: إثارة النعرات الإقليمية والعنصرية بالدعوة إلى القوميات والتجزئة.
سابعاً: محاولة التمويه بخلط الأخلاق الإسلامية المصدر بالعادات والتقاليد التي هي من صنع المجتمع.
ثامناً: محاولة تألية العقل أو تقديس العلم أو الدعوة إلى عبادة البطولة.
إن الهدف هو الحيلولة دون استئناف المسلمين حياتهم الاجتماعية على أساس الإسلام وذلك عن طريق تركيز التاريخ والتراث الإسلامي في سبيل تأكيد التبعية وفقدان الذاتية.
وقد آن للعرب والمسلمين أن يتحرروا من هذا المخطط الرهيب بالفهم والعمل.
إن الطريقة المثلى للتحرر من الزيف والخطأ من التفسيرات المدخولة: ومن التحريفات والأساطير واخطاء التهاويل هو شيء واحد: هو التماس المصدر الأصيل: وهو القرآن.
هذا المصدر الثابت الموثق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو السور المتين والحائط الصامد الذي يعتصم به المسلمون في كل أزمة وكل جولة ومن كل غزو فكري أو تحد سياسي أو استهداف اجتماعي.
ومنهج الإسلام في القرآن هو أعلى نموذج للمنهج العلمي الأصيل، فهو يدعو إلى إنكار الظن وتحقيق الغرض ونفي الأسطورة والخرافة وإبعاد الوهم والهوى والمطالبة بالبرهان والدليل.
إن قواعد الفكر الإسلامي الأساسية قد بدأت ونمت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مستمدة من القرآن وأن هذه القواعد لم تتغير من بعد ولم تجر إضافة شيء إليها فظلت قيمها الأساسية كما جاء وحي السماء (القرآن) وسنن النبي في تفسيرها وتطبيقها وإنما جرت حركة العمل من داخل الإطار الذي رسمه القرآن، ولقد كان اتصال المسلمين بالفلسفات اليونانية والفارسية والهندية تجربة قاسية انتهت بانتصار الإسلام وهزيمة محاولات سيطرة الفكر الوافد أو الغزو الفكري كما نسميه بلغة العصر.
وبقيت الحقائق الأساسية قائمة:
إن الإسلام ليس ديناً كسائر الأديان ولكنه حركة اجتماعية واسعة تشمل الاعتقاد والمجتمع والدولة ومختلف نظم الاقتصاد والسياسة والأخلاق وأن ميزة الإسلام: إن نظرته كلية شاملة وأنه لم يجرئ الحياة بل نظر إليها نظرة جامعة متكاملة كما نظر إلى الإنسان نفسه كوحدة نفسية وجسمية لا تنفصل.
ثانياً: القرآن كتاب الله ومصدر المنهج الإسلامي، يرسم صورة شاملة للقيم الأساسية وأصول مناهج المعرفة والعلوم وسنن الحياة والكون والحضارات والمجتمعات حيث يربط البشرية والكون جميعاً بخالقها وبعثها وجزائها.
ثالثاً: الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم (كان ولا يزال وسيظل) النموذج الأسمى والمثل الكامل والقائم أمام كل المجاهدين والمصلحين والنوابغ قدوة حسنة وأسوة صادقة، من نقطة حب الرسول إلى المتابعة له على طريق الحق.
وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم آثار تستهدف تحرير البحث العلمي من كل الزيوف.
’’ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان:
1- من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل.
2- ومن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق.
3- ومن إذا قدر لم يتناول ما ليس له’’.
إن الطريقة المثلى للتحرر من الزيف والخطأ ومن التفسيرات المدخولة: من التحريفات والأساطير وأخطاء التأويل هي شيء واحد، هي: التماس المصدر الأصيل موثقاً ثابتاً لا يأتيه الباطل من بين يدىه ولا من خلفه فهو بحق: السور المتين والحائط العالي الذي يعتصم به المسلمون في كل أزمة وكل جولة غزو فكري أو سياسي أو اجتماعي وقد رسم الإسلام في القرآن قاعدة المنهج العلمي فهو يدعو إلى إنكار الظن وتحقيق الغرض ونفي الأسطورة والخرافة وإبعاد الوهم والهوى والمطالبة بالبرهان والدليل.
وبهذا المنهج الأصيل نقول أنه قد آن للعرب والمسلمين أن يتحرروا من التبعية للنظريات الغربية أو المفاهيم الوافدة وعليهم أن يفكروا بلغتهم وأن يتحركوا من داخل فكرهم وأن يتجاوزوا سارتر وفرويد وماركس ودور كايم.
وعلى المسلمين أن ينتقلوا من الإسلام إلى الإيمان ولابد أن ينكسر قيد التبعية ويتحطم قيد التقليد ويتحرر الفكر الإسلامي من الدائرة المغلقة التي فرضها عليه نفوذ المنهج الغربي الوافد ولابد أن يرتبط مفهوم ’’التقدم’’ بمفهوم الأصالة ويتحرك من داخله، التقدم بمفهومه الجامع: تقدماً مادياً ومعنوياً استمداداً من المنبع الأصيل، وإن من أخطر الأخطار أن يدخل العرب والمسلمون في مواجهة مع عدوهم بمفاهيم وافدة وقيم مضللة واعتقادات وثنية ولابد أن تفتح اللغة العربية أبوابها لاستقبال العلو والتكنولوجيا بمختلف فروعها وأنواعها وهذا شرط أساسي لقيام نهضة حقيقية، فلابد أن تنصهر هذه العلوم في بوتقة اللغة التي هي فكر الأمة ووعاء ذوقها وثقافتها، ولن تستطيع أمة أن تخطو في مجال العلوم خطوة واحدة إلا إذا كانت مفاهيم العلوم داخل إطار لغتها.
ولقد دعا الإسلام معتنقيه إلى معارضة التقليد الأجنبي، وحذر من التشبه بالآخرين وحرص على أن تظل شخصية المسلم وفكره وحضارته ومجتمعه متميزة، وأعلن لذلك حرباً لا هوادة فيها على التقليد وعلى التبعية وحكم على من تشبه بقوم بأنه قد انفصل عن أهله وأصبح من أهل القوم الآخرين. ودعا إلى إعلان التمييز بين الأمم من حيث العادات والأخلاق. وكشف الإسلام عن مدى أثر التقليد في فقدان الشخصية وأثر التبعية في عبودية الفكر والعقل. وقد أكد المؤرخون بأن التقليد في مراحل الضعف إنما يكون في جوانب الهدم والانحلال ويتركز دائماً على الانهماك في اللذات فضلاً عن أن القوى الكبرى لا تعطي للضعفاء أسرار علومها، وإنما تلهيهم بفتات الأهواء وبريق الرغبات التي من شأنها أن تحطم المقومات وتدمر النفس البشرية وتجعلها غير قادرة دائماً على معارضة هذه القوى الكبرى.
لذلك فإن الطريق الوحيد للأمم التي تحوطها الأخطار أن تظل دائماً على تعبئة ومرابطة ومن هنا فإن الذين قالوا لنا: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لم يكونوا صادقين في النصح والتوجيه.
وحين عمل الإسلام على تحرير أتباعه من التأثير الأجنبي بكل أنواعه، دعا إلى الحذر من الحرب النفسية التي يشنها أعداء الإسلام والتي تهدف إلى تغيير المعالم الأصيلة لعقيدتنا وفكرنا وثقافتنا ومزاجنا النفسي.
ومن مفاهيم التبعية ’’إيجاد البديل في مواجهة الأصيل’’ والأمم العريقة التي تكامل فكرها لا تكون عادة في حاجة إلى مفاهيم وافدة، فإذا نظرت فيها فمن أجل أن تعرف أسلوبها وأهدافها، مع تقدير الفارق البعيد بين منهج جزئي انشطاري ومنهج متكامل جامع، بين منهج رباني يستقطب النفس الإنسانية من جميع أبعادها ومنهج بشري عاجز عن الاستمرار والدوام، ولقد رأينا كيف أن النظريات التي قدمها الغرب سرعان ما تصدعت وبان فسادها بمرور الزمن واحتاجت إلى إجراء تعديلات بعد تعديلات وهي في أغلبها تعديلات جوهرية، ذلك أن تحول الزمن واختلاف البيئات يفسد النظريات ويصيبها بالعطب والاضطراب ويكشف عن الفارق البعيد بينها وبين المناهج الربانية الثابتة ثبوت الفطرة وقد رأينا ذلك في الماركسية والفرويدية والوجودية.
ومن أخطر الأخطار أن تتخذ أمة الأسلوب الوافد أسلوباً أساسياً لها مع اختلاف المفاهيم والمضامين التي شكلت هذا المنهج في أساسه.
ولقد احتاجت بعض المجتمعات إلى وضع مناهج للحياة (أيديولوجيات) لأنها لم تجد مناهج في عقائدها، أما المسلمون بأنهم ليسوا في حاجة إلى بناء مناهج بشرية وعندهم منهج محكم من صنع العلي الخبير، الخبير بالنفس الإنسانية ’’ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير’’ ولقد كان من أثر انطلاقة الإنسان ليضع لنفسه منهجاً أن فسر الحياة تفسيراً مادياً، وفسر علاقات الإنسان تفسيراً حيوانياً وأباح الربا وأطلق الغريزة وفلسف ذلك كله وأرضى به النفوس الصغيرة حين خالف به فطرة البشرية وحكم الله.
إن أخطر المحاولات التي تحتاج إلى الانتباه الوافر: هي محاولة وضع الإنسان في موضع تبرير القيم الغربية باسم سماحة الإسلام وانفتاحه وقابليته للجديد ومسايرته لظروف الأمم والحضارات، ولاريب أن للإسلام قواعد كلية لا سبيل إلى النزول عنها وخاصة في مسائل الربا والحدودة
أضافة تعليق