أنورالجندي
يجب أن يستجيب الكاتب المسلم في هذه الآونة لهذه الدعوة الملحة الموجهة من الشباب تحت عنوان (ماذا نقرأ) حتى تكون في مأمن من ذلك الإعصار الخطير الذي يتمثل في عشرات من المؤلفات ذات مظهر براق وعناوين لامعة وتخفي في أطوائها السموم.
يجب أن لا تخدعنا الأسماء ذات الدوى ولا الأثواب البراقة ولا أرقام التوزيع أو براعة الإعلان وأن نكون قادرين على الحكم على الكتابات المطروحة من خلال قيمتها الحقيقية ومن خلال معرفتنا لمدى إيمان كتابها بأمتهم وفكرهم، ذلك أن هذه الدعوة: هي بمثابة خطوة أساسية وثابتة على الطريق الصحيح. ذلك أننا أنما أوتينا من قبل الكتب اللامعة والأسماء البراقة.
وأن أول علامات الصحة في حكمنا على الأمور أن نحاكم الفكر نفسه بإخلاص والإيمان وأن يكون الكتاب المقرون لدينا الأثيرون عندنا، نأخذ منهم ونتلقى عنهم، هو أولئك الذين عرفوا بنصاعة الصفحة وصدق الإيمان وسلامة الماضي ونقاء الوجهة والتحرر من التبعية والولاء لغير هذه الأمة وفكرها. وهناك عشرات من الأسماء ذات الأصالة يستطيع الكاتب أن يقرأ لها وهو على ثقة بأنه في الطريق الصحيح:
وهناك كتب ضرورية وأساسية:
1- الغارة على العالم الإسلامي:
تأليف شاتليه وترجمة محب الدين الخطيب.
2- محاضرات في النصرانية:
محمد أبو زهرة.
3- الإسلام على مفترق الطريق:
محمدان (ليوبولبر فابس).
4- بين الدين والعلم:
الدكتور محمد أحمد الغمراوي.
5- الخطر المحيط بالإسلام:
الجنرال جواد رفعت.
6- منهج التربية الإسلامية:
محمد قطب.
7- قادة الفتح الإسلامي:
محمود شعيب خطاب.
8- التبشير الاستعمار:
دكتور عمر فروخ.
9- في وكر الهدامين:
محمد محمد حسين.
10- مؤامرات ضد الأسرة المسلمة:
محمد عطية خميس.
11- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين:
أبو الحسن الندوي.
12- أحجار على رقعة الشطرنج:
الأميرال ويام جاي كار.
13- الخطر اليهودي (بروتوكولات صهيون):
ترجمة محمد خليفة التونسي.
14- جذور البلاء:
عبد الله التل.
وليكن دليلنا دائماً: أن نقرأ الكاتب قبل كتابه، فإذا طبقنا علم الجرح والتعديل استطعنا أن نعرف مدى إيمان الكاتب وصدق انتمائه إلى أمته وفكرها، وهذا هو ما نتقبل منه عطاءه أما غيره فلنكن منه على حذر فإذا قدم شيئاً نافعاً فلنقبله إيماناً بأن الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها ولنكن على إيمان كامل بأن الكاتب الصادق يستمد قوته من الحق ويستمد مظهره من تراث الأنبياء والأبرار ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقاً للآية الكريمة: ’’تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً’’ – القصص آية 83 – فهو لا ينكر العلم ولا يكتمه، وهو في نفس الوقت لا يشتري بالحق ثمناً قليلاً.
ولا يكون أبداً أداة لتزييف الحق أو تضليل الناس أو إعلاء شأن الأهواء وخداع الناس بها تحت عناوين الفكر الحر أو الانطلاق أو غيرها.
###مسئولية القارئ
إن الكاتب الذي يطمع في أن يكتب ثقة الشباب المسلم المثقف يجب أن يكون قادراً على تحمل أمانة الكلمة مقدراً للأبعاد المختلفة لهذه الأمة وفكرها والتحديات التي تواجهها.
وأن يكون من كرامة الشخصية بحيث لا يغش ولا يموه ولا يزدري مقدرات هذا الفكر. وليعلم أنه سوف لا يمر وقت طويل حتى تكشف الحقائق أمره ودوره ونحلته ومن ثم يسقط سقوطاً لا سبيل معه إلى استعادة الثقة.
ذلك أن القارئ المثقف في هذا العصر على الرغم من وجوده على حافة الدائرة وليس في قلبها فإنه قد آمن بأن أمته تواجه اليوم تحديات خطيرة عن طريق الغزو الثقافي والتغريب وأن الثقة لم تعد في المستطاع الحصول عليها إلا لعدد قليل ممن برهن تاريخهم وكشفت وقائع حياتهم عن الصدق والإخلاص.
إن في الساحة كتاباً كثيرين، وهناك من قد يستطيعون عن طريق البراعة والذكاء وإحسان العبارة وإخفاء الهوى أن يصلوا إلى بعض العقول والنفوس نتيجة لمرحلة القصور الذاتي الموجودة بين الشباب الذي لم يتعلم من أصول فكره الإسلامي العربي إلا شذرات قليلة، بينما اتخم بفنون مختلفة من فكر الغرب. إن الكتب البراقة والصحف اللامعة والأسماء الشهيرة قد كانت على مدى هذا العصر الحديث تخطت الأبصار ولكنها كانت عاجزة عن أن تمتلك القلوب والنفوس. أن عشرات من هذه الأسماء التي لمعت لم تلبث أن سقطت وانكشفت زيفها، وأن عشرات من هذه الكتب التي أحدثت ضجة لم تلبث أن انطوت وظهرت عشرات الكتب والأبحاث في كشف زيفها والرد عليها.
إن هناك نظريات كثيرة سادت بسلطان التغريب زمناً ثم سقطت. فعلى الكتاب الذين يتصدرون اليوم أن يعرفوا هذه الحقيقة. إنهم سوف لا يستطيعون الصمود فوق المسرح وتحت الأضواء إلا زمناً قليلاً ثم ينكشف زيفهم.
أما الكتاب الصادقون فإنهم مهما عجزوا عن تسنم المنابر الضخمة والصحف الكبرى، فإنهم معروفون بأعيانهم أن وجودهم في الظل هو علامة على قدرتهم على التمسك بالحق وصمودهم بعيداً عن مغريات الأضواء.
إن الكاتب الذي يصطفيه الشباب المسلم هو القادر على أن يقول الحق، وأن ينصح للأمة، وأن يدل على الطريق الصحيح.
وأن أخطر أخطاء الكتاب هو التعصب الخفي المستور وراء مظاهر المنهج العلمي، بينما تبدو الأحقاد واضحة ليست في حاجة إلى من يكشف عنها.
وأن أكبر أخطاء الكتاب العجز عن النظرة الكلية والكلمة المنصفة.
إن الكاتب القادر على الإنصاف من النفس هو القادر على أن يكسب ثقة القارئ، ليس من شأن الكاتب أن يجعل نظرته الذاتية قانوناً شاملاً. وليس من شأن الكاتب أن يتطرف إلى جانب أو يقف عند النظرة الجزئية.
ليكن الكاتب منتمياً إلى أمته وفكرها وعقائدها.
وليكن صادقاً في هداية قومه إلى الحق.
ذلك أن الباطل مهما أسبغ عليه من صور العلمية أو بريق العبارة، فإنه سوف ينكشف ويتعرى، والشيء المصادم لطبائع الأشياء لا يدوم.
إن كل دعوى إلى نظرية لا تندمج في العقيدة الأساسية للأمة سوف يرفضها هذا الفكر مهما حشد لها من قوى وأقلام كما يرفض الجسم الحي أي جسم أجنبي غريب.
إن الكاتب الذي هو معقد المسئولية والأمانة: من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق.
وهو الذي يتعصب للحق وحده، وينكر ذاته وينكر التبعية عن أي صورة من صورها. ولا قيمة للكاتب الذي يفصل بين القيم فيعجز عن معرفة الصورة الكاملة، ويجهل أبعاد القضايا.
لا قيمة لكاتب بلا عقيدة كاملة، تستطيع أن تضع كل شيء موضعه، وتقف من كل الأمور موقفاً حاسماً.
إن الكاتب بلا عقيدة كالربان الذي فقد اتجاه الريح، وعلامات السماء، لقد استطاع الفكر الوافد أن يخلق طبقة تقول أنني مشتغل بالأدب فلا أعرف في العقائد أو المناهج، بينما كل ما يعرض عليها في الفكر الغربي من وجودية أو علمانية أو مادية أو لا معقول له ارتباط كامل بكل قيم الإنسان. والمجتمع مؤثر فيها، هادف إلى أحداث آثار بعيدة المدى بالقيم والعقائد.
على الكاتب الذي يحمل أمانة هذه الأمة أن يكون قادراً على التحرر من التبعية الفكرية وأن يكافح من أجل تحرير فكره وأمته منها وأن يعرف أن المعرفة الإنسانية عامة وأنة العلم عالمي وأن العقائد والثقافات خاصة بكل أمة.
وأن يؤمن بأن هذه الأمة لها رسالة مستمرة ما زالت تؤديها للبشرية.
وأنه ليس من عمل الكاتب المسلم تبرير الواقع بل عليه أن يضع المعالجات لإصلاحه وأن يدعو إلى تغييره إذا تطلب التغيير. وأن يرد كل تغيير وإصلاح إلى الإطار الأصيل الذي يتحرك فيه الفكر الإسلامي العربي.
وليؤمن الكاتب الذي يريد أن يكسب ثقة الشباب المثقف أن انبعاث الأمم إنما يستمد قوته من فكرها ومقوماتها وأن انبعاث المسلمين والعرب لن يكون من خارج مقومات فكرهم وعقائدهم.
وأن الكاتب ليس بهلواناً جاء لإضحاك الناس وإرضاء غرائزهم وهدهدة أهوائهم، ولكنه جاء ليصحح الأخطاء ويكشف الزيف ويضيء الطريق إلى الحق.
وليؤمن الكاتب بأمته وفكرها والدور الذي قامت به في التاريخ والفكر البشري، ليؤمن بأن الفكر الإسلامي رفض المنطق الأرسطي وأقام منهجاً جديداً هو المنهج التجريبي وليؤمن بأن أصول مختلف العلوم التي تدرس الآن في الجامعات كالطب والآداب والاجتماع والتاريخ والقانون والفلك والتربية بدأت من نقطة الإسلام وحضارة القرآن.
وليؤمن بأن كل ما يقال عن النضال أو الصراع بين العلم والدين أنما يقصد به تاريخ الغرب وليؤمن بأن ضعف المسلمين أنما يرجع إلى إغفالهم تعاليم الإسلام وليس إلى منهج الإسلام نفسه وأن الإنسان ليس حيواناً كما تقول النظريات المادية ولا آثم بحكم ولادته ولا مجبور التناسخ، وإنما هو مستخلف في الأرض.
وأن أزمة القلق التي يعانيها الشباب اليوم قد صدرت عن الفصل بين الدين والمجتمعات وبين الأخلاق والتربية.
وأنه ما من علم أو فن يتحدث عنه الناس في أدب من الآداب إلا له ضريب في اللغة العربية.
وأن أهم ما في الفكر الإسلامي المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وأن على الكاتب المسلم أن يفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية من ناحية وأن يفرق بين المفاهيم الأصلية والمفاهيم الزائفة الوافدة.
وأنه لا خطأ في الإسلام وإنما الخطأ في طريقة إسلامنا وأن فترة ضعف الإسلام لا تمثل حقيقة جوهره، وإن من أكبر الأخطار التي تواجه الكاتب المسلم هي تلك النظرة الخاطئة التي تحاول أن تعطي الأدب مكاناً أكبر من حجمه الحقيقي في عالم الفكر، ومن ثم كان تجاوزه الخطير لمهمته ومفهومه.
وإن لا تناقض في الفكر الإسلامي بين العلم والأدب، ولا بين العقل والقلب، ولا بين الروح والمادة، بل هناك تكامل وترابط.
وإن الإسلام لا يعلى الجنس أو الشهوة وإن كان يعترف بالرغبات البشرية ويفتح الطريق لها عن طريق طبيعي مع وضع الضوابط والحدود التي تحول دون التحلل والسقوط.
وإن على كتاب الإسلام أن يغربلوا ذلك الركام الضخم ويكشفوا عن الأصيل والزائف والأساسي والدخيل.
وعلى الكاتب المسلم أن يكون مقاوماً، داعياً إلى الله وليس مستسلماً أو موالياً للباطل وليس لفهم الفكر الإسلامي سبيل إلا النظرة الكلية الجامعة.
وليؤمن كاتب الإسلام أن الإسلام منذ انتشر لم يتغلب عليه متغلب، وإن تغلبت على أممه الشدائد ومنذ ظهر الإسلام وكل حدث في العالم مرتبط به وأن العمل على الالتقاء بين روح العصر وروح الأمة لا يكون على حساب القيم الأساسية بل في ضوئها وعلى هداها. وأن الإسلام قد رفض مبدأ التبعية ولم يستسلم في تاريخه الطويل لأي نظرية وافدة.
وأن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس تعاون الماضي والحاضر.
إن بريق الأسماء لا يغني شيئاً عن الحقائق.
إن محاولة رفع أسماء بعينها سوف تكشف زيف الأيام.
إن كل صيحة علت بغير الحق لم تلبث أن تحطمت.
إن الضجيج والبريق ليسا شيئاً إلا في الأمد القصير.
’’أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض’’. صدق الله العظيم.
###في سبيل بناء مشروع إطار للقراءة
هذه محاولة لاقتراح مشروع إطار للقراءة يقوم على أساس تحديد النظرة، بحيث لا تضطرب أمام الكثير المطروح في السوق، مع اتساع الآفاق لمعرفة ما وراء هذه الألوان والأنواع المختلفة المتضاربة.
وأساس النظرة وقمتها هو القرآن الكريم: هو المختبر الأصيل الذي يبقى دائماً موضع الثبات والصدارة والقدوة، وعلى ضوئه يختبر كل فكر وكل كتاب فما التقى معه ينظر فيه ويقبل، وما يتعارض معه لا بأس من النظر فيه مع الاحتفاظ والتحفظ.
والمسلمون أساساً ليسوا في حاجة إلى مذاهب من خارج فكرهم فقد كفاهم غنى، إذ قدم لهم ثلاثة مناهج أساسية هي:
أولاً: ’’منهج الغيب’’: أو ’’ما وراء المادة’’ وقد كشف القرآن للمسلمين صورة كاملة لهذا الجانب المتصل بعالم الشهادة المرتبط به وبذلك كفاهم أمر البحث فيه، حيث أن العقل البشري في ذاته قاصر عن أن يدرك هذا العالم بنفسه أو يصل إليه بالبحث التجريبي أو المناهج المجردة.
ثانياً: منهج المعرفة: وقد أعطي القرآن المسلمين منهجاً كاملاً قائماً على العقل والقلب، وتجربة التاريخ وعبرة الكون القائم أمام أعين الناس وبذلك أعطاهم أوسع منهج للمعرفة وأكمله وأكثره إيجابية وسماحة.
ثالثاً: منهج العلم التجريبي: فقد دفع القرآن المسلمين إلى النظر في السماوات والأرض، والتماس التجربة، والبحث عن البرهان والدليل فاستطاعوا إنشاء المنهج العلمي التجريبي الذي هو مصدر النتاج العلمي الحديث كله (وليس في هذا مبالغة بل هي شهادة علماء العلم أنفسهم وفي مقدمتهم: بريفولت ودرابر وجوستاف لوبون ودكتورة هونكة).
ثم قدم الإسلام للمسلمين: منهج المجتمع ونظام الحياة وهي شريعة الإسلام الخالدة التي اعتمدت قيم ثلاث أساسية:
أولاً: المسئولية الفردية للإنسان وإرادته الحرة في عمله.
ثانياً: القانون الأخلاقي.
ثالثاً: الجزاء الأخروي.
وقد قامت هذه المناهج كلها على قاعدة أساسية هي ’’التوحيد’’.
ولقد التقى القرآن إلى المسلمين حصيلة ضخمة وافرة من معطيات الاجتماع والسياسة والأخلاق والاقتصاد والتربية والقانون، كان أبرز ما فيها: أنها ليست موقوفة على عصر ما أو بيئة ما، بل هي خالدة باقية مرتبطة بالإنسان نفسه من حيث هو كيان متكامل: (روح ومادة).
وهي بذلك لم تتشكل في هيئة قانون له مواد، بل قدمت على هيئة إطار واسه من قابل من داخله للتغيير والحركة والتطور بما يناسب العصور والبيئات، ولذلك جاءت أساساً على هيئة قيم كبرى فيها طابع الثبات وقادرة في أطرافها على الحركة.
وهي في ضوابطها وحدودها عمدت إلى حماية الفرد نفسه من الانحراف إلى أحد القطبين:الجمود أو الانحلال، ولذلك فقد أبعدته عن الزهادة والترف معاً وإقامته في توسط يحفظ له كيانه العقلي والجسدي من العطب ويجعله قادراً دائماً على ممارسة دوره في الحياة وأداء رسالته.
ومن هنا فإن السؤال القائم في هذا الموقف هو هل المسلمون في حاجة إلى إيديولوجية أو مذاهب أو دعوات تطرح عليهم إذا كان منهجهم كاملاً، وقد طبق فعلاً فأحدث تقدماً عظيماً وسيطر على البشرية عطاء وعدلاً أكثر من ألف عام؟
والإجابة: أن لا. وهنا يجيء السؤال الآخر: إذن لماذا تخلف المسلمون؟ والإجابة هي أنهم تركوا المنهج الذي صيغت عليه حياتهم، وشكل وفقه مزاجهم النفسي والاجتماعي، وتخلفوا عنه ضعفاً وجموداً، أو انطلاقاً وانحرافاً. ومن هنا فإن أمة تشكلت على منهج مدى أربعة عشر عاماً من العسير أن يصلح لها منهج آخر وافد، خاصة إذا كانت هذه الأمة قد كانت على حذر دائم وعلى طبيعة أساسية ترفض الدخيل ولا تقبل لا ما يزيدها قوة وما ينصهر داخل كيانها ومفهومها في هذا الضوء يمكن أن يقرأ الشباب المسلم وينظر في هذا الحشد الهائل الضخم الذي تطرحه عليه المطابع هو يعرف مقدماً أن ليس كل من كتب له إنما يريد به الخير، أو يقول له الحق. وأن هناك ملابسات كثيرة وأساليب دقيقة وبريق خاطف وكلمات براقة يراد بها إخراج الأمة عن الأصالة وعن الذاتية.
إن هذه الأمة ما تزال تواجه التحدي وستظل تواجهه وقتاً طويلاً:
تحدى الاستعمار والصهيونية والقوى الغازية والمتربصة والطامعة. ولذلك فإن ما يطرح في سوق القراءة خاضع لهذه التيارات.
وإذا كان القارئ المسلم يستطيع أن يقرأ لكتاب يعرف صدقهم، فإنه في المرحلة التالية مطالب بأن يقرأ كل شيء يعرف الزيف من الصحيح وليكشف هذا الزيف، ويصحح الأخطاء، ويحرر المفاهيم على الضوء الكاشف الذي تعرض عليه كل شيء وهو (القرآن).
ونحن نعرف أن حركات التبشير والاستشراق والغزو الثقافي مما نطلق عليه اسم ’’التغريب’’ قد غيرت جلدها فلم تعد تهاجم في صراحة ولا تنتقد في جرأة، وإنما اتخذت أسلوباً جديداً: هو أن تدخل إلى البحث في رقة وأن تتكلف من كلمات المدح والإنصاف صفحات حتى تكسب ثقة القارئ، ثم لا تلبث أن توجه إليه شكوكاً قليلة، وتعود مرة أخرى إلى الإنصاف والمجاملة، إلى أن تصل في النهاية إلى شيء يثير الصدر، ويفسد الحقيقة الأصلية، دون إزعاج أو إثارة عواطف.
فلننتبه إلى هذا الاتجاه الجديد ولنجعل رائدنا أساساً: أن تكون حقائق الإسلام الأساسية هي المصادر والدعامات التي لا تتخلف ولا نقبل أن نفرط فيها.
هناك محاولات الآن للقول بالتطوير: تطوير الإسلام أو تطوير الشريعة الإسلامية، والتطور لا يدخل إلا على الأشياء التي أنشأها الإنسان لأنها تعجز عن أن تستمر مع تغير الأزمان ولذلك فقد تعرضت عقائد ومذاهب وإيديولوجيات كثيرة للتطور إما بالنسبة للدين الحق، الذي صاغه خالق الإنسان وفق علمه الواسع بطبيعة الإنسان، وتحولات المجتمعات فإنه لا يخضع للتطور. وهناك أسسه القائمة الثابتة التي لا سبيل إلى الاجتهاد حولها، ولكن الإسلام مع ذلك يعتبر الاجتهاد قاعدة أصلية في المتغيرات وفي الفروع، أما محاولة البعض في تبرير الحضارة والمجتمعات الغربية القائمة فإن ذلك مما لا يقره الإسلام، كذلك محاولة استخدام الإسلام لإقرار مذهب معين من الديمقراطية أو الاشتراكية، فإنه مما يتعارض مع ذاتية الإسلام التي تتمثل في منهج متكامل له أبعاده واستقلاليته.
وما أكثر محاولات التشكيك والاحتواء! وما أكثر اختلاف المناهج وتفسيرات القيم! وكل منهج مرتبط بثقافته وعقائده وتحدياته التاريخية. ومن المستحيل أن ينقل مجال المعركة أو التحدي من أمة إلى أخرى أو من ثقافة إلى أخرى.
والفكر الإسلامي لا يعرف العنصرية ولا يعرف التفرقة بين الدين والمجتمع، ولا يعرف عزلة الإنسان عن المجتمع باسم العبادة. وهو يربط الفرد بالمجتمع والمجتمع بالفرد، ويؤمن بالله، والتدين جزء من الطبيعة البشرية، وأن الإنسان جامع بين العقل والروح، وأنه ليس روحاً خالصة، ولا عقلاً خالصاً وأن له رغباته المادية وتطلعاته الروحية في إطار ضوابط قصد بها حماية الإنسان نفسه من الانهيار.
والحرية في مفهوم الإسلام هي التحرر من قيد الوثنية والجهل والخرافة والتقليد ومن أهم ما دعا إليه الإسلام المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وينكر الإسلام عبادة الجسد وتقديس الشهوة، وتأليه الأبطال والعظماء، وقد فرق الإسلام بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية.
وأن أبرز مفاهيم الإسلام الذي انتصر بها هو أن قيمة وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفتيتها، أو الأخذ بنوع منها دون الآخر أو إعلاء عنصر منها على مختلف العناصر فكل يؤثر في الآخر ويتأثر به، ولقد عمل الإسلام على تحرير أتباعه من التأثير الأجنبي بكل أنواعه ودعا إلى اليقظة إزاء الحرب النفسية والشبهات والمحاولات التي تهدف إلى تغيير المعالم الأصلية. وقد ربط الإسلام بين العقيدة والتطبيق، وقرن العلم بالعمل، ورفض مبدأ العلم لذاته، وقرر أن العلم إنما يطلب من أجل العمل به والاستفادة منع في تحسين الحياة الإنسانية وتقدمها.
ومن أبرز مفاهيم الإسلام: الوضوح الصادق حيث لا تأويل ولا كناية ولا غمغمة، وحيث لا يحمل اللفظ أكثر مما يطيق، أو يؤدي أكثر من معنى وحيث الحق والباطل باطل.
وقد ألغى الإسلام الفكرة التي تقول بأن هناك صراعاً بين الروح والجسم، وأعلن أن الروح والجسم متكاملان، ودعا إلى الاهتمام بهما معاً.
وأن من أبرز مفاهيم الإسلام التي تميزه تميزاً واضحاً في مجال الفكر البشري كله أن الإسلام فصل بين الله والعالم، وفصل بين الألوهية والنبوة، وفصل بين الألوهية والبشرية، وألغى الوساطة بين الإنسان وربه، وأمكر سقوط التكاليف الشرعية عن أي إنسان مهما بلغ قدره من الإيمان. وبذلك أسقط الإسلام نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وحرر الفكر من الأساطير.
وقد أسقط الإسلام نظريتين باطلتين: الأولى أن الناس كانوا وثنيين في الأصل ثم عرفوا التوحيد، وأن الدين ينشر بالظروف المادية والعوامل الاقتصادية.
والإسلام في حقيقته منهج وليس نظرية: منهج متكامل يستهدف تحقيق إقامة المجتمع الإنساني الرباني المصدر وما يزال ارتباط الإسلام بمنابعه الأصلية من القرآن والسنة. ونصه الموثق هو العامل الأول والأكبر الذي يحول دون سقوطه في هوة الانحراف، والذي يعطيه القدرة على استعادة تشكيل نفسه بعد الأزمات وفي مواجهة التحديات. وأن وضع الإسلام تحت ضوء أي منهج من المناهج المستمدة من الفكر المادي تعجز عن استيعاب حقيقته وأبعاده. وأن علم الأديان المقارن لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الأديان دون اعتبار أن هذا الدين هو دين الله، وأنه ليس من صنع البشر، وأنه فوق أهواء المذاهب والنظريات والفلسفات والمناهج البشرية، وهو يستمد أصالته من مصدره الرباني أولاً، ويتجاوب في نفس الوقت مع الفطرة والعقل والعلم، ولا يتعارض مع الطبيعة البشرية أو يضادها.
في ضوء هذا الإطار يستطيع الشباب المسلم أن يجد الضوء الكاشف لمعرفة الفكر الصحيح من الفكر الزائف، فيما يطرح الآن في السوق من كتابات وآراء ونظريات.
ويبقى أن يعرف شبابنا المسلم: ما هو الدور الذي أداه أجداده وتاريخه للبشرية في مجال الحضارة الإنسانية والتمدن البشري وموعدنا به في بحث قادم.
يجب أن يستجيب الكاتب المسلم في هذه الآونة لهذه الدعوة الملحة الموجهة من الشباب تحت عنوان (ماذا نقرأ) حتى تكون في مأمن من ذلك الإعصار الخطير الذي يتمثل في عشرات من المؤلفات ذات مظهر براق وعناوين لامعة وتخفي في أطوائها السموم.
يجب أن لا تخدعنا الأسماء ذات الدوى ولا الأثواب البراقة ولا أرقام التوزيع أو براعة الإعلان وأن نكون قادرين على الحكم على الكتابات المطروحة من خلال قيمتها الحقيقية ومن خلال معرفتنا لمدى إيمان كتابها بأمتهم وفكرهم، ذلك أن هذه الدعوة: هي بمثابة خطوة أساسية وثابتة على الطريق الصحيح. ذلك أننا أنما أوتينا من قبل الكتب اللامعة والأسماء البراقة.
وأن أول علامات الصحة في حكمنا على الأمور أن نحاكم الفكر نفسه بإخلاص والإيمان وأن يكون الكتاب المقرون لدينا الأثيرون عندنا، نأخذ منهم ونتلقى عنهم، هو أولئك الذين عرفوا بنصاعة الصفحة وصدق الإيمان وسلامة الماضي ونقاء الوجهة والتحرر من التبعية والولاء لغير هذه الأمة وفكرها. وهناك عشرات من الأسماء ذات الأصالة يستطيع الكاتب أن يقرأ لها وهو على ثقة بأنه في الطريق الصحيح:
وهناك كتب ضرورية وأساسية:
1- الغارة على العالم الإسلامي:
تأليف شاتليه وترجمة محب الدين الخطيب.
2- محاضرات في النصرانية:
محمد أبو زهرة.
3- الإسلام على مفترق الطريق:
محمدان (ليوبولبر فابس).
4- بين الدين والعلم:
الدكتور محمد أحمد الغمراوي.
5- الخطر المحيط بالإسلام:
الجنرال جواد رفعت.
6- منهج التربية الإسلامية:
محمد قطب.
7- قادة الفتح الإسلامي:
محمود شعيب خطاب.
8- التبشير الاستعمار:
دكتور عمر فروخ.
9- في وكر الهدامين:
محمد محمد حسين.
10- مؤامرات ضد الأسرة المسلمة:
محمد عطية خميس.
11- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين:
أبو الحسن الندوي.
12- أحجار على رقعة الشطرنج:
الأميرال ويام جاي كار.
13- الخطر اليهودي (بروتوكولات صهيون):
ترجمة محمد خليفة التونسي.
14- جذور البلاء:
عبد الله التل.
وليكن دليلنا دائماً: أن نقرأ الكاتب قبل كتابه، فإذا طبقنا علم الجرح والتعديل استطعنا أن نعرف مدى إيمان الكاتب وصدق انتمائه إلى أمته وفكرها، وهذا هو ما نتقبل منه عطاءه أما غيره فلنكن منه على حذر فإذا قدم شيئاً نافعاً فلنقبله إيماناً بأن الحكمة ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق الناس بها ولنكن على إيمان كامل بأن الكاتب الصادق يستمد قوته من الحق ويستمد مظهره من تراث الأنبياء والأبرار ويكون في دعوته وهدفه وكتاباته مطابقاً للآية الكريمة: ’’تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً’’ – القصص آية 83 – فهو لا ينكر العلم ولا يكتمه، وهو في نفس الوقت لا يشتري بالحق ثمناً قليلاً.
ولا يكون أبداً أداة لتزييف الحق أو تضليل الناس أو إعلاء شأن الأهواء وخداع الناس بها تحت عناوين الفكر الحر أو الانطلاق أو غيرها.
###مسئولية القارئ
إن الكاتب الذي يطمع في أن يكتب ثقة الشباب المسلم المثقف يجب أن يكون قادراً على تحمل أمانة الكلمة مقدراً للأبعاد المختلفة لهذه الأمة وفكرها والتحديات التي تواجهها.
وأن يكون من كرامة الشخصية بحيث لا يغش ولا يموه ولا يزدري مقدرات هذا الفكر. وليعلم أنه سوف لا يمر وقت طويل حتى تكشف الحقائق أمره ودوره ونحلته ومن ثم يسقط سقوطاً لا سبيل معه إلى استعادة الثقة.
ذلك أن القارئ المثقف في هذا العصر على الرغم من وجوده على حافة الدائرة وليس في قلبها فإنه قد آمن بأن أمته تواجه اليوم تحديات خطيرة عن طريق الغزو الثقافي والتغريب وأن الثقة لم تعد في المستطاع الحصول عليها إلا لعدد قليل ممن برهن تاريخهم وكشفت وقائع حياتهم عن الصدق والإخلاص.
إن في الساحة كتاباً كثيرين، وهناك من قد يستطيعون عن طريق البراعة والذكاء وإحسان العبارة وإخفاء الهوى أن يصلوا إلى بعض العقول والنفوس نتيجة لمرحلة القصور الذاتي الموجودة بين الشباب الذي لم يتعلم من أصول فكره الإسلامي العربي إلا شذرات قليلة، بينما اتخم بفنون مختلفة من فكر الغرب. إن الكتب البراقة والصحف اللامعة والأسماء الشهيرة قد كانت على مدى هذا العصر الحديث تخطت الأبصار ولكنها كانت عاجزة عن أن تمتلك القلوب والنفوس. أن عشرات من هذه الأسماء التي لمعت لم تلبث أن سقطت وانكشفت زيفها، وأن عشرات من هذه الكتب التي أحدثت ضجة لم تلبث أن انطوت وظهرت عشرات الكتب والأبحاث في كشف زيفها والرد عليها.
إن هناك نظريات كثيرة سادت بسلطان التغريب زمناً ثم سقطت. فعلى الكتاب الذين يتصدرون اليوم أن يعرفوا هذه الحقيقة. إنهم سوف لا يستطيعون الصمود فوق المسرح وتحت الأضواء إلا زمناً قليلاً ثم ينكشف زيفهم.
أما الكتاب الصادقون فإنهم مهما عجزوا عن تسنم المنابر الضخمة والصحف الكبرى، فإنهم معروفون بأعيانهم أن وجودهم في الظل هو علامة على قدرتهم على التمسك بالحق وصمودهم بعيداً عن مغريات الأضواء.
إن الكاتب الذي يصطفيه الشباب المسلم هو القادر على أن يقول الحق، وأن ينصح للأمة، وأن يدل على الطريق الصحيح.
وأن أخطر أخطاء الكتاب هو التعصب الخفي المستور وراء مظاهر المنهج العلمي، بينما تبدو الأحقاد واضحة ليست في حاجة إلى من يكشف عنها.
وأن أكبر أخطاء الكتاب العجز عن النظرة الكلية والكلمة المنصفة.
إن الكاتب القادر على الإنصاف من النفس هو القادر على أن يكسب ثقة القارئ، ليس من شأن الكاتب أن يجعل نظرته الذاتية قانوناً شاملاً. وليس من شأن الكاتب أن يتطرف إلى جانب أو يقف عند النظرة الجزئية.
ليكن الكاتب منتمياً إلى أمته وفكرها وعقائدها.
وليكن صادقاً في هداية قومه إلى الحق.
ذلك أن الباطل مهما أسبغ عليه من صور العلمية أو بريق العبارة، فإنه سوف ينكشف ويتعرى، والشيء المصادم لطبائع الأشياء لا يدوم.
إن كل دعوى إلى نظرية لا تندمج في العقيدة الأساسية للأمة سوف يرفضها هذا الفكر مهما حشد لها من قوى وأقلام كما يرفض الجسم الحي أي جسم أجنبي غريب.
إن الكاتب الذي هو معقد المسئولية والأمانة: من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق.
وهو الذي يتعصب للحق وحده، وينكر ذاته وينكر التبعية عن أي صورة من صورها. ولا قيمة للكاتب الذي يفصل بين القيم فيعجز عن معرفة الصورة الكاملة، ويجهل أبعاد القضايا.
لا قيمة لكاتب بلا عقيدة كاملة، تستطيع أن تضع كل شيء موضعه، وتقف من كل الأمور موقفاً حاسماً.
إن الكاتب بلا عقيدة كالربان الذي فقد اتجاه الريح، وعلامات السماء، لقد استطاع الفكر الوافد أن يخلق طبقة تقول أنني مشتغل بالأدب فلا أعرف في العقائد أو المناهج، بينما كل ما يعرض عليها في الفكر الغربي من وجودية أو علمانية أو مادية أو لا معقول له ارتباط كامل بكل قيم الإنسان. والمجتمع مؤثر فيها، هادف إلى أحداث آثار بعيدة المدى بالقيم والعقائد.
على الكاتب الذي يحمل أمانة هذه الأمة أن يكون قادراً على التحرر من التبعية الفكرية وأن يكافح من أجل تحرير فكره وأمته منها وأن يعرف أن المعرفة الإنسانية عامة وأنة العلم عالمي وأن العقائد والثقافات خاصة بكل أمة.
وأن يؤمن بأن هذه الأمة لها رسالة مستمرة ما زالت تؤديها للبشرية.
وأنه ليس من عمل الكاتب المسلم تبرير الواقع بل عليه أن يضع المعالجات لإصلاحه وأن يدعو إلى تغييره إذا تطلب التغيير. وأن يرد كل تغيير وإصلاح إلى الإطار الأصيل الذي يتحرك فيه الفكر الإسلامي العربي.
وليؤمن الكاتب الذي يريد أن يكسب ثقة الشباب المثقف أن انبعاث الأمم إنما يستمد قوته من فكرها ومقوماتها وأن انبعاث المسلمين والعرب لن يكون من خارج مقومات فكرهم وعقائدهم.
وأن الكاتب ليس بهلواناً جاء لإضحاك الناس وإرضاء غرائزهم وهدهدة أهوائهم، ولكنه جاء ليصحح الأخطاء ويكشف الزيف ويضيء الطريق إلى الحق.
وليؤمن الكاتب بأمته وفكرها والدور الذي قامت به في التاريخ والفكر البشري، ليؤمن بأن الفكر الإسلامي رفض المنطق الأرسطي وأقام منهجاً جديداً هو المنهج التجريبي وليؤمن بأن أصول مختلف العلوم التي تدرس الآن في الجامعات كالطب والآداب والاجتماع والتاريخ والقانون والفلك والتربية بدأت من نقطة الإسلام وحضارة القرآن.
وليؤمن بأن كل ما يقال عن النضال أو الصراع بين العلم والدين أنما يقصد به تاريخ الغرب وليؤمن بأن ضعف المسلمين أنما يرجع إلى إغفالهم تعاليم الإسلام وليس إلى منهج الإسلام نفسه وأن الإنسان ليس حيواناً كما تقول النظريات المادية ولا آثم بحكم ولادته ولا مجبور التناسخ، وإنما هو مستخلف في الأرض.
وأن أزمة القلق التي يعانيها الشباب اليوم قد صدرت عن الفصل بين الدين والمجتمعات وبين الأخلاق والتربية.
وأنه ما من علم أو فن يتحدث عنه الناس في أدب من الآداب إلا له ضريب في اللغة العربية.
وأن أهم ما في الفكر الإسلامي المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وأن على الكاتب المسلم أن يفرق بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية من ناحية وأن يفرق بين المفاهيم الأصلية والمفاهيم الزائفة الوافدة.
وأنه لا خطأ في الإسلام وإنما الخطأ في طريقة إسلامنا وأن فترة ضعف الإسلام لا تمثل حقيقة جوهره، وإن من أكبر الأخطار التي تواجه الكاتب المسلم هي تلك النظرة الخاطئة التي تحاول أن تعطي الأدب مكاناً أكبر من حجمه الحقيقي في عالم الفكر، ومن ثم كان تجاوزه الخطير لمهمته ومفهومه.
وإن لا تناقض في الفكر الإسلامي بين العلم والأدب، ولا بين العقل والقلب، ولا بين الروح والمادة، بل هناك تكامل وترابط.
وإن الإسلام لا يعلى الجنس أو الشهوة وإن كان يعترف بالرغبات البشرية ويفتح الطريق لها عن طريق طبيعي مع وضع الضوابط والحدود التي تحول دون التحلل والسقوط.
وإن على كتاب الإسلام أن يغربلوا ذلك الركام الضخم ويكشفوا عن الأصيل والزائف والأساسي والدخيل.
وعلى الكاتب المسلم أن يكون مقاوماً، داعياً إلى الله وليس مستسلماً أو موالياً للباطل وليس لفهم الفكر الإسلامي سبيل إلا النظرة الكلية الجامعة.
وليؤمن كاتب الإسلام أن الإسلام منذ انتشر لم يتغلب عليه متغلب، وإن تغلبت على أممه الشدائد ومنذ ظهر الإسلام وكل حدث في العالم مرتبط به وأن العمل على الالتقاء بين روح العصر وروح الأمة لا يكون على حساب القيم الأساسية بل في ضوئها وعلى هداها. وأن الإسلام قد رفض مبدأ التبعية ولم يستسلم في تاريخه الطويل لأي نظرية وافدة.
وأن التجديد في الأدب كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم إلا على أساس تعاون الماضي والحاضر.
إن بريق الأسماء لا يغني شيئاً عن الحقائق.
إن محاولة رفع أسماء بعينها سوف تكشف زيف الأيام.
إن كل صيحة علت بغير الحق لم تلبث أن تحطمت.
إن الضجيج والبريق ليسا شيئاً إلا في الأمد القصير.
’’أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض’’. صدق الله العظيم.
###في سبيل بناء مشروع إطار للقراءة
هذه محاولة لاقتراح مشروع إطار للقراءة يقوم على أساس تحديد النظرة، بحيث لا تضطرب أمام الكثير المطروح في السوق، مع اتساع الآفاق لمعرفة ما وراء هذه الألوان والأنواع المختلفة المتضاربة.
وأساس النظرة وقمتها هو القرآن الكريم: هو المختبر الأصيل الذي يبقى دائماً موضع الثبات والصدارة والقدوة، وعلى ضوئه يختبر كل فكر وكل كتاب فما التقى معه ينظر فيه ويقبل، وما يتعارض معه لا بأس من النظر فيه مع الاحتفاظ والتحفظ.
والمسلمون أساساً ليسوا في حاجة إلى مذاهب من خارج فكرهم فقد كفاهم غنى، إذ قدم لهم ثلاثة مناهج أساسية هي:
أولاً: ’’منهج الغيب’’: أو ’’ما وراء المادة’’ وقد كشف القرآن للمسلمين صورة كاملة لهذا الجانب المتصل بعالم الشهادة المرتبط به وبذلك كفاهم أمر البحث فيه، حيث أن العقل البشري في ذاته قاصر عن أن يدرك هذا العالم بنفسه أو يصل إليه بالبحث التجريبي أو المناهج المجردة.
ثانياً: منهج المعرفة: وقد أعطي القرآن المسلمين منهجاً كاملاً قائماً على العقل والقلب، وتجربة التاريخ وعبرة الكون القائم أمام أعين الناس وبذلك أعطاهم أوسع منهج للمعرفة وأكمله وأكثره إيجابية وسماحة.
ثالثاً: منهج العلم التجريبي: فقد دفع القرآن المسلمين إلى النظر في السماوات والأرض، والتماس التجربة، والبحث عن البرهان والدليل فاستطاعوا إنشاء المنهج العلمي التجريبي الذي هو مصدر النتاج العلمي الحديث كله (وليس في هذا مبالغة بل هي شهادة علماء العلم أنفسهم وفي مقدمتهم: بريفولت ودرابر وجوستاف لوبون ودكتورة هونكة).
ثم قدم الإسلام للمسلمين: منهج المجتمع ونظام الحياة وهي شريعة الإسلام الخالدة التي اعتمدت قيم ثلاث أساسية:
أولاً: المسئولية الفردية للإنسان وإرادته الحرة في عمله.
ثانياً: القانون الأخلاقي.
ثالثاً: الجزاء الأخروي.
وقد قامت هذه المناهج كلها على قاعدة أساسية هي ’’التوحيد’’.
ولقد التقى القرآن إلى المسلمين حصيلة ضخمة وافرة من معطيات الاجتماع والسياسة والأخلاق والاقتصاد والتربية والقانون، كان أبرز ما فيها: أنها ليست موقوفة على عصر ما أو بيئة ما، بل هي خالدة باقية مرتبطة بالإنسان نفسه من حيث هو كيان متكامل: (روح ومادة).
وهي بذلك لم تتشكل في هيئة قانون له مواد، بل قدمت على هيئة إطار واسه من قابل من داخله للتغيير والحركة والتطور بما يناسب العصور والبيئات، ولذلك جاءت أساساً على هيئة قيم كبرى فيها طابع الثبات وقادرة في أطرافها على الحركة.
وهي في ضوابطها وحدودها عمدت إلى حماية الفرد نفسه من الانحراف إلى أحد القطبين:الجمود أو الانحلال، ولذلك فقد أبعدته عن الزهادة والترف معاً وإقامته في توسط يحفظ له كيانه العقلي والجسدي من العطب ويجعله قادراً دائماً على ممارسة دوره في الحياة وأداء رسالته.
ومن هنا فإن السؤال القائم في هذا الموقف هو هل المسلمون في حاجة إلى إيديولوجية أو مذاهب أو دعوات تطرح عليهم إذا كان منهجهم كاملاً، وقد طبق فعلاً فأحدث تقدماً عظيماً وسيطر على البشرية عطاء وعدلاً أكثر من ألف عام؟
والإجابة: أن لا. وهنا يجيء السؤال الآخر: إذن لماذا تخلف المسلمون؟ والإجابة هي أنهم تركوا المنهج الذي صيغت عليه حياتهم، وشكل وفقه مزاجهم النفسي والاجتماعي، وتخلفوا عنه ضعفاً وجموداً، أو انطلاقاً وانحرافاً. ومن هنا فإن أمة تشكلت على منهج مدى أربعة عشر عاماً من العسير أن يصلح لها منهج آخر وافد، خاصة إذا كانت هذه الأمة قد كانت على حذر دائم وعلى طبيعة أساسية ترفض الدخيل ولا تقبل لا ما يزيدها قوة وما ينصهر داخل كيانها ومفهومها في هذا الضوء يمكن أن يقرأ الشباب المسلم وينظر في هذا الحشد الهائل الضخم الذي تطرحه عليه المطابع هو يعرف مقدماً أن ليس كل من كتب له إنما يريد به الخير، أو يقول له الحق. وأن هناك ملابسات كثيرة وأساليب دقيقة وبريق خاطف وكلمات براقة يراد بها إخراج الأمة عن الأصالة وعن الذاتية.
إن هذه الأمة ما تزال تواجه التحدي وستظل تواجهه وقتاً طويلاً:
تحدى الاستعمار والصهيونية والقوى الغازية والمتربصة والطامعة. ولذلك فإن ما يطرح في سوق القراءة خاضع لهذه التيارات.
وإذا كان القارئ المسلم يستطيع أن يقرأ لكتاب يعرف صدقهم، فإنه في المرحلة التالية مطالب بأن يقرأ كل شيء يعرف الزيف من الصحيح وليكشف هذا الزيف، ويصحح الأخطاء، ويحرر المفاهيم على الضوء الكاشف الذي تعرض عليه كل شيء وهو (القرآن).
ونحن نعرف أن حركات التبشير والاستشراق والغزو الثقافي مما نطلق عليه اسم ’’التغريب’’ قد غيرت جلدها فلم تعد تهاجم في صراحة ولا تنتقد في جرأة، وإنما اتخذت أسلوباً جديداً: هو أن تدخل إلى البحث في رقة وأن تتكلف من كلمات المدح والإنصاف صفحات حتى تكسب ثقة القارئ، ثم لا تلبث أن توجه إليه شكوكاً قليلة، وتعود مرة أخرى إلى الإنصاف والمجاملة، إلى أن تصل في النهاية إلى شيء يثير الصدر، ويفسد الحقيقة الأصلية، دون إزعاج أو إثارة عواطف.
فلننتبه إلى هذا الاتجاه الجديد ولنجعل رائدنا أساساً: أن تكون حقائق الإسلام الأساسية هي المصادر والدعامات التي لا تتخلف ولا نقبل أن نفرط فيها.
هناك محاولات الآن للقول بالتطوير: تطوير الإسلام أو تطوير الشريعة الإسلامية، والتطور لا يدخل إلا على الأشياء التي أنشأها الإنسان لأنها تعجز عن أن تستمر مع تغير الأزمان ولذلك فقد تعرضت عقائد ومذاهب وإيديولوجيات كثيرة للتطور إما بالنسبة للدين الحق، الذي صاغه خالق الإنسان وفق علمه الواسع بطبيعة الإنسان، وتحولات المجتمعات فإنه لا يخضع للتطور. وهناك أسسه القائمة الثابتة التي لا سبيل إلى الاجتهاد حولها، ولكن الإسلام مع ذلك يعتبر الاجتهاد قاعدة أصلية في المتغيرات وفي الفروع، أما محاولة البعض في تبرير الحضارة والمجتمعات الغربية القائمة فإن ذلك مما لا يقره الإسلام، كذلك محاولة استخدام الإسلام لإقرار مذهب معين من الديمقراطية أو الاشتراكية، فإنه مما يتعارض مع ذاتية الإسلام التي تتمثل في منهج متكامل له أبعاده واستقلاليته.
وما أكثر محاولات التشكيك والاحتواء! وما أكثر اختلاف المناهج وتفسيرات القيم! وكل منهج مرتبط بثقافته وعقائده وتحدياته التاريخية. ومن المستحيل أن ينقل مجال المعركة أو التحدي من أمة إلى أخرى أو من ثقافة إلى أخرى.
والفكر الإسلامي لا يعرف العنصرية ولا يعرف التفرقة بين الدين والمجتمع، ولا يعرف عزلة الإنسان عن المجتمع باسم العبادة. وهو يربط الفرد بالمجتمع والمجتمع بالفرد، ويؤمن بالله، والتدين جزء من الطبيعة البشرية، وأن الإنسان جامع بين العقل والروح، وأنه ليس روحاً خالصة، ولا عقلاً خالصاً وأن له رغباته المادية وتطلعاته الروحية في إطار ضوابط قصد بها حماية الإنسان نفسه من الانهيار.
والحرية في مفهوم الإسلام هي التحرر من قيد الوثنية والجهل والخرافة والتقليد ومن أهم ما دعا إليه الإسلام المطابقة بين الكلمة والسلوك.
وينكر الإسلام عبادة الجسد وتقديس الشهوة، وتأليه الأبطال والعظماء، وقد فرق الإسلام بين المعارف الجوهرية والمعارف غير الجوهرية.
وأن أبرز مفاهيم الإسلام الذي انتصر بها هو أن قيمة وحدة متكاملة لا يصح تجزئتها أو تفتيتها، أو الأخذ بنوع منها دون الآخر أو إعلاء عنصر منها على مختلف العناصر فكل يؤثر في الآخر ويتأثر به، ولقد عمل الإسلام على تحرير أتباعه من التأثير الأجنبي بكل أنواعه ودعا إلى اليقظة إزاء الحرب النفسية والشبهات والمحاولات التي تهدف إلى تغيير المعالم الأصلية. وقد ربط الإسلام بين العقيدة والتطبيق، وقرن العلم بالعمل، ورفض مبدأ العلم لذاته، وقرر أن العلم إنما يطلب من أجل العمل به والاستفادة منع في تحسين الحياة الإنسانية وتقدمها.
ومن أبرز مفاهيم الإسلام: الوضوح الصادق حيث لا تأويل ولا كناية ولا غمغمة، وحيث لا يحمل اللفظ أكثر مما يطيق، أو يؤدي أكثر من معنى وحيث الحق والباطل باطل.
وقد ألغى الإسلام الفكرة التي تقول بأن هناك صراعاً بين الروح والجسم، وأعلن أن الروح والجسم متكاملان، ودعا إلى الاهتمام بهما معاً.
وأن من أبرز مفاهيم الإسلام التي تميزه تميزاً واضحاً في مجال الفكر البشري كله أن الإسلام فصل بين الله والعالم، وفصل بين الألوهية والنبوة، وفصل بين الألوهية والبشرية، وألغى الوساطة بين الإنسان وربه، وأمكر سقوط التكاليف الشرعية عن أي إنسان مهما بلغ قدره من الإيمان. وبذلك أسقط الإسلام نظريات وحدة الوجود والحلول والاتحاد، وحرر الفكر من الأساطير.
وقد أسقط الإسلام نظريتين باطلتين: الأولى أن الناس كانوا وثنيين في الأصل ثم عرفوا التوحيد، وأن الدين ينشر بالظروف المادية والعوامل الاقتصادية.
والإسلام في حقيقته منهج وليس نظرية: منهج متكامل يستهدف تحقيق إقامة المجتمع الإنساني الرباني المصدر وما يزال ارتباط الإسلام بمنابعه الأصلية من القرآن والسنة. ونصه الموثق هو العامل الأول والأكبر الذي يحول دون سقوطه في هوة الانحراف، والذي يعطيه القدرة على استعادة تشكيل نفسه بعد الأزمات وفي مواجهة التحديات. وأن وضع الإسلام تحت ضوء أي منهج من المناهج المستمدة من الفكر المادي تعجز عن استيعاب حقيقته وأبعاده. وأن علم الأديان المقارن لا يستطيع أن يعالج الإسلام كبقية الأديان دون اعتبار أن هذا الدين هو دين الله، وأنه ليس من صنع البشر، وأنه فوق أهواء المذاهب والنظريات والفلسفات والمناهج البشرية، وهو يستمد أصالته من مصدره الرباني أولاً، ويتجاوب في نفس الوقت مع الفطرة والعقل والعلم، ولا يتعارض مع الطبيعة البشرية أو يضادها.
في ضوء هذا الإطار يستطيع الشباب المسلم أن يجد الضوء الكاشف لمعرفة الفكر الصحيح من الفكر الزائف، فيما يطرح الآن في السوق من كتابات وآراء ونظريات.
ويبقى أن يعرف شبابنا المسلم: ما هو الدور الذي أداه أجداده وتاريخه للبشرية في مجال الحضارة الإنسانية والتمدن البشري وموعدنا به في بحث قادم.