لن نقبل بمفهوم الغرب للفن والحضارة
[قال لينين: إن المسارح بديل الكنائس، وقد تحول هذا المعنى عند المستعمرين فحاولوا أن يجعلوا المسرح بديلا للمسجد].
لقد أصبح من الضروري – اليوم – أن نواجه هذه القضية مواجهة صريحة صادقة، فنحن من خلال مفهوم الإسلام لا يمكن أن نقبل مفهوم الغرب للفن والحضارة والجنس والمرأة والكشف وعلاقات الأسر وتبادل الزوجات وصديق العائلة وما إلى ذلك من مفاهيم أقام الغرب عليها مفهومه للفن والحضارة.
فللمسلمين مفهوم واضح للعفة والعرض يستمدونه من مقررات العقيدة التي تجعل الأخلاق جزءًا منها وتقيمها على أساس الثوابت وتقرر بها مجتمعًا يقوم أساسًا على حماية وجوده الذاتي ويحفظ علاقاته العامة.
ونحن نعلم أن هناك محاولات دائبة ومؤامرت واسعة لفتح ###4### الأبواب بالإغراء والخداع أمام أبنائنا وبناتنا للانخراط في سلك هذه المؤامرة الواسعة التي تتركز الآن حول الجماعة التي تحمل لواء المسرح والرقص والغناء، والتي تعمل على إغراء الأجيال الجديدة على اقتحام أبواب الفساد والإباحة عن طريق الإعلانات المغرية والرحلات التي تعبر البحر إلى الشاطئ الآخر بهدف أن تسقط هذه العناصر الغضة من الفتيات والفتية بالإغراء ووسائل الشهرة في أيدي رجال الفن والمسرح بالعرى والجرأة وبذاءة القول والاهتزاز حتى يكونوا نجومًا جددًا، وكم تكشفت من قصص هؤلاء من مفارقات وتجاوزات وتفريط في كثير من القيم في سبيل النجاح والقبول.
ونحن نعرف أن من وراء هذه المؤامرة كلها قوى عاتية تعمل على هدم مقومات الخلق والدين والعرض في الأمم وكسب أكبر قدر من الشباب المفرغ الطلعة الطامح إلى مظاهر الحرية وبريق المادة وإغراء الشهرة من مجموعة الشباب الذي فشل في مجال الدرس والعلم والكد الصحيح للحصول على الدرجة العلمية، فإذا بهؤلاء يسبقون الأصلاء وتلمع أسمائهم ويحصلون على الشهرة والغنى والظهور، فتنهدم بذلك المقاييس الصحيحة وترجح كفة أهل الهوى والأهواء حتى انقلبت الموازين فأصبح هذا المسرب أكثر عطاء ماديًا من ميادين العلم والجد.
ولقد كانت هناك كلمات تقال خداعًا وتضليلا وكذبًا وبهتانًا، ###5### وما تزال تتردد حتى صدقها الناس، تلك هي كلمات الفن وقداسة الفن وكرامة الفن، وما كانت هذه الألاعيب في الحقيقة فنًا بمفهوم العلم الصحيح ولكن كل هذا الذي يجري لا يزيد عن أن (عملية إضحاك وخيانة تافهة، تستخدم فيها كل وسائل العبث والانحلال مع العبارات الرديئة والحركات المخزية، في سبيل إضحاك الناس على نحو ليست له ضوابط أو قيم أو أوضاع محددة، وهي بذلك تتعارض مع أصول (فن الترويح) الحقيقي الذي يقوم أساسًا على السماحة والبراءة والنقاء والذي يدخل السرور بحق على القلوب دون أن يفسد أي قيمة من قيم المجتمع، أو يهدم أي ركن من أركان الأخلاق.
والذي نعرفه أن هذه الوسائل من الإضحاك قد بلغت حدًا بالغ الإسفاف والسفه والإفساد من حيث عرض إيماءات لا يقبل الرجل الشريف أن يسمعها أو يراها أهله أو بناته ويخشى منها على الخلق الصحيح، وأن الكلمات التي تتردد والحوار الذي يقدم في هذه المسلسلات قد وصل إلى أدنى ما يمكن أن يتداوله الصعاليك والسفلة في بعض الحواري، فإذا أضفنا إلى هذا ما عرف وكشف من سير هؤلاء الذين يقدمون هذا العبث وما يجري في حياتهم الخاصة وهو أمر معروف ومكشوف وجدنا إننا نضع أبنائنا وبناتنا في جو رديء تمامًا ونجد أن وضع هؤلاء الراقصين والمغنين والممثلين – كما تجادل الصحافة – في مكان النماذج العليا والمثل الرفيعة جناية كبرى، وأخطر من ذلك أن تبدد كلماتهم وإجاباتهم بمثابة الحكمة البالغة والمثل الذي ###6### يتردد مما يضعف أمام بعض الشباب المفرغ من مفاهيم القيم الإسلامية وقليلي التجربة والعابثين والفاشلين، فإذا عرفنا هذا كله عرفنا إلى أي حد بلغ مدى الخطر الذي يتهدد الأجيال الجديدة في هذه الأمة التي حذرها دينها من الوقوع في الشباك كالفراش المتهافت على النار.
وأقل ما توحي به الصورة أن هذا العبث في العلاقات بين الرجل والمرأة وهذا الأسلوب النازل في الحوار هو من الأمور المشروعة التي يمكن أن ترددها كل الألسنة، فضلا عن أن عملية الترويح والإضحاك الذي تقوم بها هذه القوى هي عملية إضحاك كاذبة وخادعة ومفتعلة، لأنه أشبه بمخدر يستغرق فيه المرء ساعة أو بعض ساعة ثم لا يلبث أن يعود إلى واقعه.
أما مفهوم الترويح الإسلامي وليس الترفيه – فإنه يستمد مقوماته من عملية قبول ورضى بالواقع واستشراف الفرح في المستقبل وأن الغمرات تأتي ثم ينجلين وأن الفرح بعد الشدة، وتلك مفاهيم تدخل السرور والتفاؤل الحقيقي على النفوس.
والعجيب أن هذه الدائرة المظلمة تحاول أن تحاصر المجتمع كله فلا يقتصر على المسرح أو التلفاز، وإنما يمتد إلى الصحافة والقصة والترجمة ويقدم في هذا المجال ما يسمى بالروايات العالمية الحافلة بالسموم والمرتبطة بالجنس والجريمة، في وقت واحد على نحو تحس ###7### معه أن هناك مؤامرة مبيتة حيث توصف الأعضاء التناسلية في جرأة بالغة – ويستعلن في مكر ما يدور في غرف النوم مما يسمى بأدب الفراش، وليس هذا بغريب على الأمم الأوروبية التي قد تجده في حواشي بعض الكتب المقدسة ولكنه غريب علينا نحن المسلمين وتتقزز له نفوسنا، وقد سجل القرآن الكريم ظهور الفساد في الأرض (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) وكيف أن هناك قادة لهذا التيار يدعون الناس إليه وهم موجودون في كل عصر (ويريد الذين يبتغون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيمًا).
إن هناك مفارقة واضحة بين طابع الأمم الغربية التي ورثت هذا التراث المشحون بالإثم والفاحشة والكشف وقصص الجنس والجرعة والاندفاع نحو اللذات والشهوات، ليس فقط في أساطير الإغريق المقترعة بل بما حفلت به الكتب المقدسة في سفري إستير وحزقيال بما حوت من الحديث عن اللواط والإباحة في الأرض والفن وزنا المحرم على حد تعبير المبشر الإسلامي ديدات حين كشف ذلك في محاورته المشهورة.
إننا نحن المسلمون لا نقر مفهوم الحضارة الغربية في الفن الإباحي الفاجر الماحق الذي تختلط فيه الرقص بالغناء بالخمر بالاختلاط الفاحش غير المهذب، وحين نقول هذا بكل صراحة نختلف مع الغرب ومفاهيمه وقيمه التي يريدون أن يفرضونها علينا، فالحضارة ###8### لدينا لها مفهوم سمح كريم راق عفيف بعيد عن كل البعد عن الفسق والفاحشة، قائم على الخلق والكرامة وحماية العرض.
إن مفهوم الترويح يجب أن يرتفع فوق الفسق والفجور والدعارة التي تفرضها هذه المؤسسات القائمة على استباحة الحرمات والمقدسات ولابد أن يكون واضحًا أمامنا أن الإسلام قد وضع حدودًا وضوابط وحجب صنائع، وحرم على المسلم العمل بها أو قبولها في مجتمعه، ووصف الذين يعملون فيها بأنهم يقبلون الدنية عن دينهم وأن بعضهم يمكن أن يوصف بأنه (ديوث) ويجب أن نبدأ ذلك من المدرسة فلا يفرض الرقص والغناء والتعري على طالبات المدارس وهن غير راغبات ولا توجه المسابقات الغربية لما يسمى الوجود الجديد لخطب الفتيات البرئيات من الأسر الآمنة الغافلة لتسليمها للعتاة والظلمة الذي يفرضون على كل من يعمل أن تسلم جسدها ونفسها كاملة لسيدها وقديسها المدرب والمخرج.
ولقد كشفت الأحداث ثغرة في جدار هذا المعقل المشيد، ومهما تكن عند امرئ من خلفية وإن خالها تخفى على الناس تعلم، وهذا سر انزعاجهم وثرثرتهم حول ما يسمونه الفن والحضارة، إنهم يريدون حماية هذا المورد بكل ما يملكون لأنهم يعلمون أنه المنطلق الوحيد لتحقيق آمالهم في هدم مقومات هذه الأمة وتدمير قيمها، إن هذا المجال الذي يسمى بالفن هو المرفأ الأول والأخير لتحقيق ###9### غايات الماسونية وبروتوكولات صهيون وعمليات التغريب والغزو الثقافي والسيطرة على العقل المسلم والوجدان المسلم واحتوائها وتفريقها من الدين والإيمان واليقين والخلق وملئهما بالشكوك والإباحة والرجس والفسق، هذا هو سر فزعهم الشديد وحملتهم الضارية، وتكاتفهم في الدفاع عما سموه زورًا وبطلانًا (قدسية الفن) وهي قدسية الإباحة والفساد في الحقيقة.
وهناك في مجال الصحافة من يحمي هذا التيار ويدافع عنه إيمانًا بأن هذه الأمة لن تغرب إلا من هذا الطريق، ولكن كل الدلائل تثبت أن هذا الصرح على وشك أن ينهار لأنه قام على باطل:
(أفمن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم).