مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
الخنجر المسموم الذي طُعِن به المسلمون

الخنجر المسموم الذي طُعِن به المسلمون

ما هو الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون ؟!
ذلك هو السؤال الذي تلح الأحداث المتوالية في العالم الإسلامي على إلقائه وتطلب الإجابة عليه، وهو تساؤل مقدم اليوم على كل سؤال، لقد تحدث المصلحون عن مقاتل متعددة أصيب المسلمون بها في كيانهم وذكروها وأولوها اهتمامهم وبحثوا أمرها، ولكنهم لم يركزوا كثيراً على ’’الخنجر’’ الذي طعنوا به في هذه المقاتل، وأولى لهم أن ينتزعوه من جسمهم أولاً قبل أن يعالجوا مكانه النازف بالدم، ذلك لأنهم إذا لم ينتزعوه فسوف يظل ينزف وسوف لا يكون جدوى لشيء ما من إصلاح أو تصحيح أو تحرير أو علاج، إذ لابد أن يبدأ العمل من نقطة أولية:
هي نقطة الخنجر، ذلك الخنجر في تقديري وفيا وصل إليه اعتقادي واعتقاد الكثيرين من العاملين نفي دراسات التغريب والغزو الثقافي هو ’’التعليم’’ وما يتصل به من شأن التربية والثقافة، هذا هو الخنجر المغروس في الجسد الإسلامي، ومازال ينزف دماً، ولقد كان المستعمرون غاية في الدهاء عندما بدأوا معركتهم مع المسلمين والعرب من المدرسة وعن طريق برامج التعليم ومن خلال الإرساليات والسيطرة على أجهزة المعارف والتخلص من المناهج والمقررات والكتب التي كانت تدرس في مختلف أنحاء العالم الإسلامي والبلاد العربية الأزهر والزيتونة والقرويين ومعاهد الحديث ورجالها والعاملين بها وإحلال مناهج جديدة ومقررات جديدة وإذا كان يرمز إلى هذا بدنلوب في مصر فإن البلاد الإسلامية قد عرفت عشرات من أمثاله وأنداده.
وإذا كان المسلمون قد طعنوا في شريعتهم فأقصيت عن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ومجتمعنا فإنما مرد ذلك كله إلى هذا الخنجر المدفون في أعماق الجسم الإسلامي.
وإذا كان المسلمون قط طعنوا في شريعتهم فأقصيت عن مجال التطبيق في مجتمعاتهم وحل محلها القانون الوضعي فإنما مرد ذلك إلى التعليم الذي خرج أجيالاً تحتقر الشريعة وتؤمن بعظمة قانون نابليون.
وإذا كان المسلمون قد طعنوا في لغتهم وبرزت دعوى العاميات في مختلف أنحاء الوطن العربي وغيرت الأبجديات في بعض الأقطار الإسلامية فإنما مرد ذلك إلى مناهج التعليم التي خدعت العرب والمسلمين بدعوى عظمة اللغات الأجنبية ودخول اللغة اللاتينية إلى المتحف فلماذا تبقى العربية العجوز. وإذا كان المسلمون قد طعنوا في مفهومهم الإسلامي للاقتصاد فإنما يرجع ذلك إلى أن المسلمين والعرب درسوا في مدارس الإرساليات وفي المدارس الوطنية الموجودة في العالم أن الربا هو القاسم المشترك الأعظم على كل الأنظمة والمشروعات.
وإذا كان المسلمون قد طعنوا في مفهومهم السياسي الإسلامي فإنما يرجع ذلك إلى تلك الصور الزاهية التي قدمت لهم في مدارسهم وجامعاتهم عن الديمقراطية والليبرالية والجماعية وغيرها من أنظمة الغرب فخدعهم.
وإذا كان المسلمون قط طعنوا في مفهومهم للعلم فإنما يرجع ذلك إلى تلك المقررات المدرسية والجامعية التي ترد العلوم الحديثة من كيمياء وفيزياء وفلك وطبيعة وتكنولوجيا إلى علماء الغرب وحدهم متجاهلة ذلك الدور الخطير الذي قام به المسلمون والعرب في بناء الطابق الأساسي من منشئة العلم وأنهم هم الذين قدموا المنهج العلمي التجريبي إلى البشرية كلها.
وإذا كان المسلمون قد طعنوا في مفاهيمهم الاجتماعية فإنما مراد ذلك إلى مناهج التعليم الذي يدرس المجتمعات الغربية ومنهج مدرسة العلوم الاجتماعية الذي يقوم على إنكار فطرية الأسرة وأصالة الدين وثبات الأخلاق ويدعو إلى التطور المطلق وإلى الجيرية الاجتماعية، كل ذلك بدراسة أبناء المسلمين في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم على أنه حقائق مقررة، لا على أنه نظريات مؤقتة مرتبطة ببيئاتها وعصورها، قابلة للخطأ والصواب لأنها من نتاج عقليات بشرية تخطئ وتصيب.
هذا هو الخطر الواضح من وراء الخنجر الذي طعن به المسلمون ومفهوم هذا الخطر أن النفس الإسلامية في العالم الإسلامي كله من حيث أنها قد انحسرت في بيوتها مفاهيم الثقافة الإسلامية القائمة على القرآن والسنة، وضعفت القدرة التي تبني الشباب، فإنها تسلم إلى المدرسة شباباً غضاً، يحس بالفراغ في مجال وجدانه وعاطفته وفكره، فلا يجد إلى مفاهيم الإسلام سبيلاً، ثم إذا به يلتقي بتلك المفاهيم التي تصور له فكر الغرب على صورة العقيدة، وتملأ نفسه بحب تاريخ الغير، وترفع في نظره شأن لغة الغريب وتقدم له العلم والاقتصاد والقانون والاجتماع من نتائج مجتمعات أخرى على أنه هو الفكر الإنساني والثقافة البشرية.
وأين الفكر الإسلامي في ذلك كله والمسلمون لهم منهج حياة كامل وله مفهوم جامع للحياة والمجتمع والسياسة والاقتصاد والتربية.
هذا كله مما لا يزال ضائعاً ولا يزال ناقصاً ولا يزال مهملاً.
ومن هنا فإن النفس المسلمة التي عجزت عن أن تملأ فراغها الروحي والفكري بمقدراتها وقيمتها لا تلبث أن تملأه بأي شئ، وبما يقدم إليها زاهياً براقاً في كتب ملونة مزخرفة، بينما هي تعجز عن أن تجد من فكرها ما يرد عنها الخطر أو يصحح لها الخطأ أو يزيح عن نفسها الشبهات.
تلك هي القضية الأولى أيها السادة في التحدي الخطير الذي يواجهه المسلمون اليوم في كل مكان، ومن هذه النقطة نصل إلى كل قضية وكل أزمة، وكل موقف ومن خلال الطريق الطويل استطاعت قوى الصهيونية والاستعمار والشيوعية أن تحقق ما وصلت إليه لأنها استطاعت أن تبث فكرها في النفس الإسلامية وأن تحتويها وأن تنقلها من دائرة الإسلام المرنة الجامعة المتكاملة الوسيطة إلى دائرة الغرب المغلقة القاتلة.
ومن هذه النقطة نصل إلى كل ما تطمعون فيه من وحدة وتقدم وقيام أمة الإسلام في أرضها بدورها الرباني الإنساني العالمي الذي هو مفروض عليها والذي هو حق في أعناقنا جميعاً والذي يجب أن نلقى (الله) عليه صادقين وإلا فنحن آثمون مقصرون مأخوذون بجريرة الذنب.
لكي نفهم هذه القضية الكبرى أعمق فهم لابد أن نبحث عن أبعادها إلى أقصى مدى ولا نقع في الأخطاء التي فرضها علينا نفوذ الدائرة المغلقة بأن نقصر البحث على ما هو أمامنا من واقع لأن كل واقع أمامنا لابد أن يكون متصلاً بأبعاد أخرى غير منظورة في المكان أو التاريخ ونحن في الإسلام نؤمن بالتكامل والنظرة الجامعة ونرى كل العناصر مؤدية إلى بناء عمل واحد فلا نفرق بين التربية أو الأخلاق أو الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة أو الفن.
كذلك فنحن في واقعنا القائم يجب أن تكون نظرتنا ممتدة إلى يوم أن بعث الله رسوله بهذه الرسالة من ناحية وإلى اليوم الآخر الذي يقع فيه الجزاء حتماً وأن نعرف أن روابطنا بالأمم ليست حديثة وإنما هي قديمة جداً، وليست اقتصادية أ وسياسية أو دينية وإنما هي كل هذا.
ولنعرف الحقيقة الكبرى التي رسمها القرآن وهي أن عالم الإسلام تكون من قلب عالم أهل الكتاب وهو منذ وجد في صراع معه وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
هذا هو التحدي القائم الذي يجب أن يظاهر حياة المسلمين وحضارتهم ولا يغيب عنهم لحظة، ذلك أن الأمم لا تموت إلا إذا فقدت عنصر التحدي أو الطموح، ولقد كانت أزمة المسلمين في مرحلة ضعفهم وتخلفهم هي فقدان عنصر الطموح والاستنامة إلى ما وصلوا إليه، هنالك اندفع العدو الذي يرقبهم وينتظر منهم لحظة غفلة فأدال منهم.
(ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة)، فليأخذ المسلمون بالحذر ليجعلوا التحدي نصب أعينهم، هذا التحدي الذي هو صورة مغايرة لهدف محدد يتكرر تحت أسماء مختلفة في التاريخ من حروب صليبية في المشرق إلى حروب الفرنجة في المغرب إلى حروب التتار إلى الاستعمار الحديث إلى الصهيونية العالمية إلى الدعوات الهدامة من شيوعية وإباحية والحادية ووثنية ومادية.
ونحن نعرف أن معركة حاسمة دارت بين الإسلام والغرب هي معركة الحروب الصليبية، وقد عاشها المسلمون بالمقاومة والجهاد مائتي عام وانتهوا منها بالنصر، ولكن هل كان هذا هو نهاية الشوط بالنسبة للغرب، وهل توقف طموحه للسيطرة على أرض الإسلام وبلاد الإسلام، أن شيئاً من ذلك كله لم يحدث، لقد استمرت المؤامرة واضطردت وتبلورت في مفهوم جديد.
كان ذلك المفهوم يتصور أن المسلمين قد غلبوا الغرب وهزموه لأنهم متقدمون حضارياً وعسكرياً فلابد من هزيمتهم حضارياً وعسكرياً، فانقض الغرب على ميراث المسلمين ونقل منهج العلم التجريبي وانطلق وسبق به المسلمين حتى كانت معارك الدولة العثمانية مع الغرب في أخرها تمنى دائماً بهزيمة المسلمين لأمر واحد هو أن الغرب استحدث أساليباً في الصناعة والحرب عجز عنها المسلمون.
غير أن الغرب لم يقف عند هذا في صراعه ومؤامراته ولكنه وصل إلى مقطع الأمر كله وذلك عندما قرر أن تكون الحرب الموجهة إلى عالم الإسلام هي حرب فكر، ذلك أن المسلمين مهما تخلفوا في ميادين الصناعة والعلم فسوف تبقى لهم عقيدتهم الراسخة التي تحمل طابع الجهاد والتي تدفع بألوفهم إلى ساحات الاستشهاد في سبيل الدفاع عن الحق، وعن الأرض، وعن العرض، إذن فالمعركة يجب أن تبدأ أولاً من هذه النقطة الخطيرة ولابد من تزييف هذه العقيدة وامتصاص ما فيها من قوة وجهاد وإيمان حتى يفقد المسلمون هذا السر الخطير الكامن في نفوسهم، وقد تصور الغرب أنهم عندئذٍ يصبحون قطيعاً من السائمة التي تنطوي وتقهر، ومن هنا بدأت المعركة أطلق عليها أسماء كثيرة:
(التبشير، الاستشراق، التغريب، الغزو الثقافي، الاحتواء).

الوثيقة الأولى:
لقد وضعت الخطة منذ وقت مبكر وإن لم تستكشف إلا بعد سنوات طويلة وكانت أولى علاماتها المستكشفة في وصية لويس التاسع بعد هزيمته في المنصورة بما يمكننا من القول بأن نهاية الحروب الصليبية كانت بداية المخطط الجديد للغزو الثقافي والفكري ودحر الإسلام كفكر بعد العجز عن دحر أمته.
وتعد وصية لويس التاسع أخطر وثيقة في هذا الاتجاه فهي التي فتحت الباب واسعاً أمام عملية التبشير والاستشراق.
وعلى أثرها مباشرة بدأت حركة أوربا المعروفة إلى ترجمة القرآن والتعرف على الإسلام، وبدأت نواة التبشير والاستشراق في المعاهد الأوربية: دراسة للغة العربية والإسلام والقرآن بمفهوم الرد عليه وإنقاصه وإثارة الشبهات حوله.
وقد ظاهر هذه الحركة عملية ’’سرقة’’ التراث العربي الإسلامي من البلاد العربية والإسلامية بواسطة القناصل والتجار وأستميحكم العذر في أن أقول ’’سرقة’’ لأن عملية الاستيلاء على الفكر الإسلامي في الأندلس أيضاً كانت ’’سرقة’’ بالرغم من أن المسلمين كانوا يؤمنون بأن العلم للجميع حتى العلم التجريبي الذي هو الآن من أسرار الأمم الحديثة والتي عجز المسلمون والعرب خلال قرن ونصف قرن في الحصول عن أصوله ومعادلاته.
أما المسلمون فكانوا يعملونه في جامعات الأندلس وجزيرة صقلية في حرية تامة، غير أن الغرب في تناهي حقده لم يقف عند هذا الحد، بل إنه عزل الموقع الإسلامي كله وصادره بما في وأخرج من المسلمين إخراجاً، وكذلك فعل في الأندلس حيث أحرزت أوربا كل ثمرات النتاج الإسلامي العلمي والفكري بأرضه ومعامله ومعاهده وحوائطه، ولم تبق للمسلمين حتى مجرد القدرة على استئناف تجاربهم وهم في أرض أخرى هاجروا إليها.
لقد عكف لويس التاسع بعد هزيمته في المنصورة خلال محبسه في دار ابن لقمان يفكر ويستعرض هذه الحملات الصليبية المتوالية على بيت المقدس ودمشق ومصر وكيف هزمت هزيمة منكرة وكيف هزمت حملته في قلب دلتا النيل، وسبق إلى الاعتقال، وكيف كان المصريون والعرب المسلمون يقاتلون ببسالة عجيبة في الدفاع عن بلادهم خلال سبع حملات متوالية ووصل إلى نتيجة حاسمة: هي أن المسلمين لا يهزمون ما دام فكرهم باقياً وما دامت عقيدتهم قائمة، ذلك لأنهم تدفعهم في قوة إلى الاستشهاد في سبيل حماية الزمار ومقاومة الغاصب وتطهير الأرض من دنس الغزاة، والإسلام يجعل القتال في سبيل تحرير الأرض من دنس الغزاة، والإسلام يجعل القتال في سبيل تحرير الأرض ديناً وعقيدة ولذلك فإن سبيل الغرب إلى الانتصار على المسلمين والسيطرة على أرضهم يجب أن تبدأ أولاً من حرب الكلمة ولابد من أن تقوم في الغرب قوى من الباحثين والدارسين يترجمون القرآن ويدرسون العربية ويعملون على القضاء على تلك المفاهيم القوية التي تتصل بالجهاد في سبيل الله، فإذا استطاع الغرب أن يفعل ذلك فقد استطاع أن يقضي على القوة الروحية والنفسية القائمة وراء تلك المقاومة الجبارة وعندئذٍ يمكن للغرب السيطرة على العالم الإسلامي ومن هذه النقطة بدأت حرب الكلمة بالتبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافي والسيطرة على التعليم والتربية والثقافة والفكر والصحافة، وقد استطاعت هذه الخطة أن تحقق للغرب انتصاراته التي يمكن أن يطلق عليها الاستعمار الغربي الحديث، ولا ريب أن وثيقة لويس التاسع تنصح بهذا الاتجاه الخطير وتدعو إليه.
ولقد بلغ لويس درجة القداسة في نظر الغرب؛ لأنه حمل الصليب وحارب به في مصر، ثم كانت حملته التاسعة المشهورة على تونس.
وإذا كانت الحملات الصليبية ثم توقفت منذ استعاد المسلمون عكا بقيادة الأشرف خليل عام 690 هجرية/ 1291 ميلادية، وعلى أثر ذلك قامت الدولة الإسلامية العثمانية الكبرى بعد تسع سنوات لا غير من سقوط الحروب الصليبية وهزيمة أوربا، هذه الدولة التي استمرت حتى عام 1337 هجرية الموازية لعام 1918 الميلادي أي أنها استمرت تحمل لواء الإسلام خمسة قرون ونصف القرن.
نقول إذا كانت الحملات الصليبية قد توقفت منذ عام 690 هجرية فإن أوربا لم تتوقف فقد استأنفت حركتها مرة أخرى بعد وقت قصير حين تدافعت بعد سقوط الأندلس على الطريق الأفريقي من ناحية الغرب دون توقف: الأسبان والبرتغال ومن ورائهم الإنجليز والفرنسيين والهولنديين.
أما في أفق البلاد العربية فإن عام 830 كان علامة الخطر حين بدأت فرنسا في غزو الجزائر وامتدت المعركة إلى تونس فمصر والسودان. منذ ذل كاليوم بدأت طلائع التبشير تعمل وأخذت حركة الاستشراق تزدهر وكانت بؤرة العمل هي ساحل البحر الأبيض الشرقي: في مواجهة الشام من الشرق وإستانبول من الشمال ومصر من الجنوب.
وانتقلت المطابع وبدأت المدارس وتصارعت قوى البروتستانتية الأمريكية والكاثوليكية الفرنسية على تقديم مناهجها.
ثم جاءت حكومات الاستعمار في كل البلاد العربية فأخذت مناهج مدارس الإرساليات ونفذتها تواً.
وفي عديد من مصادر تاريخ اللقاء بين الشرق والغرب نجد إشارة إلى وصية لويس التاسع الذي كان أول من أشار إلى تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام ووقف انتشاره ثم القضاء عليه معنوياً واعتبار هؤلاء المبشرين في تلك المعركة جنوداً للغرب.
وإذا كانت الحروب الصليبية منذ بدأت 1299م وانتهت 1499 فإن انسحاب المسلمين من الأندلس انتهى 1493 وكان ذلك بعد انم استولى محمد الفاتح على القسطنطينية عام 1354 (857 هجرية) في ظل ذلك كله بدأ العمل تواً على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق العربي يتخذها نقطة ارتكاز له ومعقلاً لمعركته العقائدية الفكرية التي تستهدف حصار الإسلام والوثوب عليه.
وقد اختيرت هذه الأراضي على شاطئ البحر الأبيض الشرقي مسرحاً لهذا العمل منذ ذل كالوقت وتحرك العمل بين بيروت والقاهرة والقسطنطينية. وفي نفس الوقت الذي كان عمل مماثل يتحرك في تونس والجزائر ومراكش، وأعمال أخرى في المناطق الإسلامية في الهند وفي جاوة وأندونيسيا والفيليبين.

الوثيقة الثانية:
أما الوثيقة الثانية فهي تقرير من أحد معاهد الإرساليات بقلم الأستاذ نبيه أمين فارس يكشف فيه إبعاد الخطة كلها وهي في نظرنا وثيقة تطبيقية لمخطط لويس التاسع يقول: ’’بينما كان الشرق الأدنى مطمحاً لأفكاره بناء الإمبراطوريات كان أيضاً مطمح إنظار جماعة أخرى من الناس تنشد أن تنجز عن طريق ’’الكلمة’’ ما عجز أجدادها الصليبيون عن تحقيقه عن طريق السيف. وبعبارة أخرى تنشد احتلال مهد المسيحية وإخضاع العالم كله للمسيح. إن هذا الحلم المسيحي قديم-قدم المسيحية ذاتها وهو يستمد وحيه الدائم من الوصية العظمى كما سجلها أبو المبشرين، القديس بولس.
ولعل سبب سيطرة هذه الوصية كرة أخرى على عقول المسيحيين يعود إلى اليقظة الدينية التي عمت إنكلترا في أواخر القرن الثامن عشر، واليقظة الدينية المقابلة لها في الولايات المتحدة التي تمثلت فيما سمى بروح إنكلترا الجديدة، وعلى ذلك فقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر والسنوات الأولى من القرن التاسع عشر ظهور كثير من الجمعيات التبشيرية التي كرست نفسها لحمل الإنجيل إلى جميع البشر، ويمكن أن يضاف إلى هذين العاملين عامل آخر هو ازدياد المطامع السياسية والاقتصادية في ممتلكات رجل أوربا المريض (يقصد الدولة العثمانية الإسلامية) ومن المحتمل أن يكون لهذا العامل الأخير علاقة باختيار الشرق الأدنى ميداناً مفضلاً للنشاط التبشيري.
ومن أهم هذه الجمعيات التبشيرية التي ظهرت في هذه الفترة: الجمعية التبشيرية الكنسية التي أسست في لندن 1799 والمجلس الأمريكي لمندوبي البعثات التبشيرية. وقد أرسل المجلس الأمريكي بعد تسع سنين من تأسيسه أول مبشرة إلى الشرق الأدنى، ولما كانت المشكلة الأولى التي واجهت أولئك المبشرين هي اختيار مركز ملائم لهم. وقدم سوريا 1823 مبشراً آخرين وانتقلوا إلى بيروت وكان غرض البروتستانت أن يتمكنوا بالاشتراك مع كنائس الشرق الناهض من كسب الكفار إلى دين المسيح غير أنهم سرعان ما وجدوا أن الإسلام لم يكن قد فقد سيطرته على قلوب المؤمنين وصمم المبشرين منذ البداءة على استعمال الكلمة حيث فشل استعمال السيف، وفي سبيل هذه الغاية أسسوا المطبعة الأمريكية أولاً في مالطة 1822 ثم في بيروت 1834، وأخذوا يفتحون مدارس للبنين والبنات بصورة منتظمة حتى بلغ عدد هذه المدارس ثلاثاً وثلاثين في أقل من هذا العدد من السنين وعكفوا على إنجاز تلك المهمة العظيمة: مهمة إعداد ترجمة عربية صالحة مقروءة للتوراة.
وعدوا فوق ذلك حمل لواء الحرية الدينية بصورة خاصة والمطلقة بصورة عامة( ).

الوثيقة الثالثة:
ومن الجزائر تقدم تقم هذه الوثيقة: من قلم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي نشرها في الفتح عام 1931.
’’إن هؤلاء الأوروبيين الفاتحين المبعدين للأحرار المحربين للديار مازالوا يحرمون عبيدهم من كلمة الجهاد ويعدون ذكراه فضلاً عن فعله من أعظم الذنوب وهو آية الهمجية والتعصب الديني الممقوت، وبلغ بعضهم الأمر أن حرموا على المسلمين تفسير آيات الجهاد في كتب الفقه وبعيني شاهدت صحيفة الأذن Permited التي حصل عليها شيخنا محمد بن حبيب الله الشنقيطي رحمه الله في مدينة المشربة قسم وهران من الجزائر وفيها أن الإذن بتدريس علوم الدين مقيد بأن المدرس لا يفسر أي آية أو حديث يدل على الجهاد وأن لا يدرس شيئاً من أبواب الجهاد في كتب الفقه ولما راجت دعاية هؤلاء في الشرق صار المسلمون ينفرون من لفظ الجهاد’’.
ويعد المبشرون أن أولى فرصتهم جاءت بعد سقوط السلطان عبد الحميد عام 1908 حيث أمكن منذ ذلك الوقت تفسيخ الدولة العثمانية وتوسع بعثات التبشير على النحو الذي حقق تنفيذ مناهج التعليم على النحو الذي رسمته مخططات الغزو حتى ليقول الدكتور زويمر زعيم المبشرين وكبيرهم في الشرق في مثل هذا التاريخ الذي نقلنا فيه وثيقة الجزائر تقريباً ما يأتي:
إن السياسة الاستعمارية لما قضت من نصف قرن –أي منذ عام 1882 تقريباً- على برامج التعليم في المدارس الابتدائية أخرجت منها القرآن ثم تاريخ الإسلام وبذلك أخرجت ناشئة لا هي مسلمة ولا هي مسيحية ولا هي يهودية. ناشئة مضطربة مادية الأغراض لا تؤمن بعقيدة ولا تعرف حقاً فلا للدين كرامة ولا للوطن حرمة.

الوثيقة الرابعة:
وهذه الوثيقة يقدمها عميد المبشرين في البلاد العربية في الثلاثينات (وهي أخطر مراحل تاريخ العالم الإسلامي الحديث فهي مرحلة تكوين الأسس والقواعد والخطط التي خرجت من بعد نتائجها الخطيرة).
يقول صمويل زويمر في تقريره في مؤتمر المبشرين سنة 1924: ’’في كل حقل من حقول العمل يجب أن يكون العمل موجهاً نحو النشء الصغير من المسلمين وموزعاً فيما بينهم ليحيط بهم وليكونوا منه على صلة مباشرة، ويجب أن يقدم هذا على كل عمل سواه في الأقطار الإسلامية فإن تنور روح الإسلام في الناشئ الحديث يبتدئ باكرا من عمره فيجب والحالة هذه أن يؤتي بالنشء الصغير من المسلمين قبل أن يتكامل نمو عقليتهم وأخلاقهم وحينئذ يستعصي على المبشر ولم يزل التعليم التبشيري هو أفضل طريقة للوصول إلى المسلمين’’.
ويعود في المؤتمر التالي بعد عشر سنوات 1933 فيصور ما تحقق من نتائج وما يجب التأكيد عليه في المرحلة القادمة في مؤتمر المبشرين في القدس’’
’’إن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية فإن ذلك هداية لهم وتكريماً. وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.
هذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السابقة خير قيام.
لقد قضينا في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية تلك التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية. ولذلك جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يعرف أهمية في دنياه إلا الشهوات فإذا تعلم فللشهوات وإذا جمع فللشهوات وإذا تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل المال يجود بكل شئ.
وفي نفس الطريق تقول المبشرة (أنامليجان):
’’ليس ثمة طريق إلى حسن الإسلام أقصر مسافة من هذه المدرسة، إن المدرسة أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير الدين المسيحي، هذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يوماً قادة أوطانهم.

الوثيقة الخامسة:
وهنا وثائق أخرى حية: تتمثل في أفراد وأحداث، أما في 1909 فقد ثار الطلاب المسلمون في إحدى مدارس الإرساليات الكبرى لإجبارهم على الصلاة المسيحية يومياً فأصدرت هذه الكلية بياناً قالت فيه:
’’إن هذه الكلية مسيحية أسست بأموال شعب مسيحي هم اشتروا الأرض وهم أقاموا الأبنية ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليماً يكون الإنجيل من مواده فيعرض منافع الحقيقة المسيحية على كل تلميذ وكل طالب يدخل مؤسستنا يجب أن يعرف سابقاً ماذا يطلب منه.
ثم جاء النص الآتي: ’’إن الكلية لا تؤسس للتعليم العلماني ولا لبث الأخلاق الحميدة ولكن من أولى غاياتها أن تعلم الحقائق الكبرى التي في التوراة وأن تكون مركزاً للنور المسيحي’’.

الوثيقة السادسة:
قد كشف ذلك طالب عربي معروف هو عبد القادر الحسيني (ابن كاظم باشا الحسيني وبطل معركة القسطل فيما بعد) الذي وقف في حفل توزيع الدبلومات في إحدى العواصم العربية على المنصة وفي يده الشهادة التي أخذها ثم اتجه إلى الحاضرين وكانوا علية القوم وقال:
’’إن هذه الجامعة تظهر أمام الناس في مظهر المدرسة العلمية ولكنها في الحقيقة بؤرة إفساد للعقائد الدينية وهي تطعن في الدين الإسلامي ولذلك لا يصح للمسلمين أن يبقوا أولادهم بها’’.
كان ذلك يوم 27 مايو 1932.
فاهتزت الدنيا للحدث وأسرع المبشرون الأساتذة يمزقون الدبلوم من يد الطالب وينهرونه، ولم يلبث عبد القادر أن نشر قصته في الصحف وأعلن عن الكتب المقررة التي تهاجم الرسول والإسلام وحاولت الجامعة أن تتنصل وتقول إن هذه الكتب ليست مقررة.
***
وكان الدكتور وطسون مدير الجامعة قد أعلن قبل ذلك بقليل.
إن المعتقدات الإسلامية آخذة في الانحلال وأنها غير ملائمة للحالة الحاضرة وأن الجيل الناشئ الذي تنصل به نراه مهتماً كل الاهتمام لا بالإسلام ولكن بالمسائل المادية والإلحاد، ونحن نسر حين نستطيع أن نجعل فتى مسلماً يقبل مبادئ المسيحية ووحي المسيح.
وقال الدكتور وطسون:
’’وإننا نراقب سير القرآن في المدارس الإسلامية ونجد فيه الخطر الداهم ذلك أن القرآن وتاريخ الإسلام هم الخطران العظيمان اللذان تخشاهما سياسة التبشير’’.

الوثيقة السابعة:
وهناك وثائق تشهد على أصحاب المخطط نفسه ذلك أنه عندما بدأت حركة التغريب التي تضم التبشير والاستشراق في تقييم عملها تقدم خمسة من المستشرقين لدراسة العالم الإسلامي كله وقدموا تقارير شاملة عن مختلف الأقطار نشرت تحت عنوان هوزر إسلام (المترجمة وجهة الإسلام).
وفيها يتحدث كبيرهم هاملتون جب عن التعلم فيقول -وهي وثيقة أخرى نقدمها للباحثين:
’’إن إدخال طرائق جديدة في البلاد الإسلامية كان سيطلب نظاماً جديداً في التربية من عهد الطفولة في المدارس الابتدائية والثانوية قبل الانتقال للدراسات العالية، وأن إصلاح التعليم على النحو لم يكن في ذلك الوقت يخطر على بال السلطات المدنية الإسلامية، ولكن هذا الفراغ ملأه هيئات أخرى؛ فقد انتشرت في منتصف القرن التاسع عشر شبكة واسعة من المدارس في معظم البلاد الإسلامية ولاسيما في تركيا وسوريا ومصر وذل يرجع غالباً إلى جهود جمعيات تبشيرية مسيحية مختلفة. وربما كان أكثرها عدداً المدارس الفرنسية وقد كانت المدارس الإنجليزية في الإمبراطورية العثمانية أقل منها في الهند وكانت المدارس الهولندية قاصرة على جزء الهند الشرقية.
هذه المدارس صاغت أخلاق التلاميذ وكونت أذواقهم والأهم أنها علمتهم اللغات الأوربية التي جعلت التلاميذ قادرين على الاتصال المباشر بالفكر الأوربي فصاروا في سبيل حياتهم مستعدين للتأثر بالمؤثرات التي فعلت فعلها أيام الطفولة (أي التعليم على الطريقة المسيحية).
وفي أثناء الجزء الأخير من القرن التاسع عشر نفذت هذه الخطة إلى أبعد حد من ذلك بإنماء التعليم العلماني تحت الإشراف الإنجليزي في مصر والهند، ولعل هناك نصيباً من الحق في التهم التي ترمي بها هذه المدارس الأجنبية من أنها مفسدة لقومية التلاميذ وإن كنا لا نستطيع القول بأن التطورات السياسية التي أعقبت ذلك في البلاد الإسلامية أيدت هذه التهمة.
ولكن الذي فعلته بلا ريب أنها ربت في التلاميذ خروجاً على الأنظمة الاجتماعية وأضعف من هذه الوجوه سلطان النزعة الإسلامية القديمة على التلاميذ وأخلت في بناء المجتمع الإسلامي أداة هامة وقطعت بعض الأوامر التي كانت تربطه وتحفظه’’.
ويقول جب راسماً خطة المستقبل: ’’لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدارس العصرية والصحافة أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم آثرا يجعلهم في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد ولا ريب أن ذلك خاصة هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار’’.
هذه صورة سريعة للخنجر الذي غُرس في جسم الأمة الإسلامية جاءت بعد خمسين عاماً محققة للهدف مكونة للأجيال التي أرادها الاستعمار.
تحقق هذا منذ أن دعاء إليه لويس التاسع وحدده غلادستون عندما وقف في مجلس العموم البريطاني ومعه المصحف الشريف وقال: ’’إننا لا نستطيع أن نحكم المسلمين مادام هذا الكتاب باقياً في الأرض’’.
ثم جاء كرومر وقال: ’’جئت لأمحو ثلاث: القرآن والكعبة والأزهر’’، وجاء تقرير لورد دوفرين إلى اللور جرانفيل وزير خارجية إنجلترا بعد الاحتلال البريطاني لمصر محدداً الخطة التي توقف نمو الأزهر وتركز على التعليم المدني وترفع من شأن العامية وتخفض من شأن القرآن. قال دوفرين في تقريره الذ نشرته ’’المقتطف’’ في المجلد السابع ص 668: ’’إخال أن أمل التقدم في مصر ضعيف طالما أن العامة تتعلم اللغة الفصيحة العربية، لغة القرآن، كما في الوقت الحاضر حالة كونها لا تتعلم اللغة العربية الدارجة؛ لأن نسبة اللغة المصرية الدارجة إلى لغة القرآن كنسبة الإيطالياني إلى اللاتيني والإغريقي القديم، وعربية الفلاح لغة قائمة بنفسها وقواعدها خاصة بها، وإذا لم توجد الاحتياطات الفردية للحصول على النتائج المقبلة في المدارس العديدة التهذيبية التي أشرت إليها يستمر الجيل الجديد كسابقه وغير صالح لخدمة وطنه، وساء كان للقيادة العسكرية أو في الصنائع أو في الخدمات، وتبقى عبارة مصر للمصريين كما كانت اسماً بلا مسمى’’.
ولقد كانت مهمة كرور واضحة ومستمرة؛ فهو دائب في كل عام أن يرددها:
’’في مصر جيل جديد يختلف عن أجداده في أشياء كثيرة فيمكن أن تحدثه نفسه يوماً بأن يمد إلى تلك الأركان القديمة يداً لا تعرف حرمة القديم، فيكون أشد عليها من يد حكومة تمدها اليوم طبقاً لإرشاد قوم لا شأن لهم في الأمر (يعني الإنجليز)؛ لأنهم لا يدينون بالدين الإسلامي، فإذا كان لهذا الحساب نصيب من الصواب فالأجدر بأبناء اليوم أن يشرعوا في الإصلاح ويلاقوا الأمر قبل حلوله’’.
هذا في مصر، والتاريخ يحفظ مثله في تونس والمغرب والجزائر لكرومرها ودنلوبها: وفي كل بلد إسلامي كرومر ودنلوب يجري على نفس الخطة وينفذ نفس المخطط.
ويعلق اللورد لويد (المندوب السامي في مصر) بعد كرومر بعشرين عاماً في كتاب له تحت عنوان (مصر منذ أيام كرومر) على خطة التعليم فيقول:
’’إن التعليم الوطني (في مصر) عندما قدم الإنجليز كان في قبضة الجامعة الأزهرية الشديدة التمسك بالدين والتي كانت أساليبها الجافة تقف حاجزاً في طريق أي إصلاح تعليمي وكان الطلبة الذين يتخرجون من هذه الجامعة يحملون معهم قدراً عظيماً من غرور التعصب الديني، فلو أمكن تطوير الأزهر لكانت هذه خطوة جليلة الخطر، فليس من اليسير أن يتصور لنا أي تقدم طالما ظل الأزهر متمسكاً بأساليبه هذه، ولكن إذا بدا أن مثل هذه الخطوة غير متيسر تحقيقها فعندئذٍ يصبح الأمل محصوراً في إيجاد التعليم اللاديني الذي ينافس الأزهر حتى يتاح له الانتشار والنجاح’’ اهـ .
وقد حقق الاستعمار هذا تماماً حين فرق التعليم في العالم الإسلامي إلى ديني ومدني فجمد الأول وحجب تخريجه عن مناصب القيادة ودفع الثاني دفعة قوية إلى الصراع والتعارض والخصومة وأعلاه في خبث ومكر شديدين.
وجملة القول في هذا أن الخنجر الذي طُعِن به المسلمون قد وُضِع بذكاء في موضع القلب وقصد به أن تكون المناهج كلها وخاصة في العقيدة والتاريخ واللغة قائمة على أساس فلسفة الغرب ومفاهيمه وإعلاء شخصيته وتاريخه وحتى يكون تاريخ الإسلام وعقيدتهم ولغتهم هي موضع احتقار شبابها ومثقفيها. ولن أحدثكم عن النتائج فأنتم تعلمونها وأن كل ما يتصل بأزمة المسلمين والعرب اليوم إنما مرده إلى هذا الخنجر المغروس قريباً من القلب وهو ما يزال ينزف بغزارة. أناشدكم الله أن تبحثوا عن السبيل الذي يمكنكم من اقتلاعه وتضميد جراحه.
أنور الجندي
أضافة تعليق