مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2014/08/17 20:10
تحديات في وجه المجتمع الإسلامي

تحديات في وجه المجتمع الإسلامي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد؛ فمنذ كانت البشرية والفكر الرباني في صراع مع الفكر البشري وعلى مدى التاريخ ولما جاء القرآن نسف هذا الفكر كله وصيره ركاماً وكشف زيفه وضلاله وفساده ودعا البشرية من جديد إلى التوحيد بوصفه المنطلق الوحيد إلى إقامة المجتمع الرباني الأمثل. فهزم الإسلام العبودية البشرية في حضارات اليونان والفرس والهند والفراعنة وأقام حرية الإنسان متطلعاً إلى الإخاء البشري وجعل عبوديته لربه وحده دون الخلق جميعاً .. ثم هزم العبودية الوثنية لغير الله وحرر العقل البشري وأطلقه ليجد طريقه إلى معرفة سنن الله في الكون، ومن هذه النقطة أنشأ المسلمون المنهج التجريبي الذي هو قاعدة الحضارة المعاصرة.
غير أن محاولات الهدم لم تتوقف وتجددت مرة أخرى وأخذت تصوغ من ذلك الركام القديم مذاهب جديدة عرفت في العصور السابقة بأسماء كثيرة منها الغنوصية والتناسخ والدهرية وإخوان الصفا والسبئية والحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وظهرت فرق متعددة تحمل لواء هذه الدعوات.
ولقد واجه علماء المسلمين الأبرار هذه المذاهب الهدامة بقوة وحطمت أعمال الشافعي وابن حنبل والأشعري والغزالي ثم ابن تيمية وابن القيم هذه الأعمال الزائفة التي كان لهما زخرف ولمعان يخطف الأبصار الساذجة.
حتى جاء عصرنا فتجددت هذه الدعوات مرة أخرى عن طريق القوى الثلاث التي تواجه عالم الإسلام اليوم: الاستعمار والصهيونية والماركسية والتي تحمل لواءها دعوات: التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الثقافي. ومنذ جاء الاستعمار وهو يعمل على هدم ثلاث قيم أساسية:
التعليم – الشريعة – اللغة.
وهي التحديات الحقيقية التي تواجه مجتمعنا اليوم وما زالت قائمة بالرغم من التحرر السياسي والعسكري الذي قضى على النفوذ الاستعماري. ذلك أن الاستعمار كان يعد قبل خروجه محاولة لبقائه واستمراره تمثل في هذا السلطان الفكري والاجتماعي الذي مازال يحول بيننا وبين امتلاك إرادتنا الحقة. ومن هنا فإننا مطالبون أن نواجه هذا المخطط بقوة ليس على مستوى المفكرين المسلمين فحسب؛ بل على مستوى كافة المسلمين.
ومنطلق هذه المواجهة هي أن نعرف خلفيات ما يُعرض لنا مما هو مكتوب ومذاع ومنشور. سواء أكان صحيفة أو كتاباً، أو مسرحية أو فلماً سينمائياً. ذلك هو العمل الحقيقي الذي يمكننا من معرفة الأصالة من الزيف، والحق من الباطل، والخير من الشر.
ولذلك فقد أردت أن أطلق اسم ’’قبل أن تقرأ’’ عليك أن تكون واعياً لمِا تقرأ: مَن الذي يقدمه لك، ما مدى سلامته، ما مدى صلته بأمتنا وديننا وعقيدتنا، إننا يجب ألا نضع ثقتنا إلا في الفكر الأصيل. إن هناك اليوم قوى كثيرة تطرح فكرها وتنفث سمومها، وشبابنا في حاجة إلى ضوء كاشف يهديه، إنه ينظر فيرى هذه الكتب مكدسة في كل مكان، مترجمة أو مؤلفة، كُتابها مسلمون أو عرب أو أجانب فيقرؤها دون أن يلتفت إلى الغاية أو الخلفية ويظن أن كل ما يقرأ صحيح أو حق، فيأخذ به، وهذا هو مصدر الخطر.
لذلك أردت أن ألقي بعض الأضواء الكاشفة حتى لا تنخدع بالأسماء اللامعة أو الكتب الأنيقة أو العبارات الخلابة، لقد دخل إلى فكرنا زيف كثير، وفُرضت مسلمات كثيرة، في حاجة إلى أن نعيد النظر فيها.
نحن نعرف الرجال بالحق ولا نعرف الحق بالرجال، وهذا الحكم قانون يضئ لنا الطريق.
إن علينا أن نعرف أن أمتنا تقع في مكان الصدارة من العالم كله، ولذلك فهي مطمع الغزاة من قديم، ونحن نعيش الآن الغزوة الصهيونية بعد غزوة الاستعمار الفرنسي الإنجليزي الإيطالي الهولندي.
ومن قبل جاءت موجة الحروب الصليبية وحروب الفرنجة.
كل هذا يقنعنا بصدق الوصية التي دعانا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ’’ستفتح عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جنداً كثيفاً؛ فإنهم خير أجناد الأرض، وهم في رباط إلى يوم القيامة’’.
وهكذا نرى من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم: ’’إن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة’’ وأن المواجهة لن تتوقف بين أهل الإسلام وبين خصومه أبداً، وان علينا أن نكون مرابطين إلى يوم القيامة ندافع عن أرضنا وقيمنا وعقيدتنا.
ولقد خدعنا الاستعمار حين دعانا إلى مناهجه وهجر مناهجنا حين حجب الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية واللغة العربية، ودعانا إلى مفاهيمه وخدعنا رجاله ورجال مِنا أمثال طه حسين وغيره، حين قالوا لنا أن أسلوب الغرب هو الأسلوب القادر على إعطاء صفة التقدم.
وكذبوا؛ فإن الغرب لم يكن ليسيطر على بلادنا ويدعو إلى تغريب فكرنا ثم يسمح لنا بأن نصل إلى وسائل التقدم وامتلاك الإرادة.
لقد خدعنا بأسلوب الغرب في الحكم والتربية والاجتماع وجرينا وراء التجربة الغربية حتى نهايتها التي كانت سقوط فلسطين في يد الصهيونية، ثم جرينا وراء التجربة الماركسية حتى كانت نهايتها سقوط القدس في يد الصهيونية وتعرية المجتمع العربي تعرية كاملة، حتى تعرف أن الهزيمة والنكبة والنكسة التي توالت منذ 1948 حتى 1967 إنما كان مصدرها التماس أسلوب الغرب وحجب أسلوب الإسلام.
وعندما حطمنا هذا القيد والتمسنا أسلوب الإسلام لمن تمضِ إلا سنوات قليلة حتى كان نصر رمضان المؤزر الباذخ الذي هو علامة على الطريق الجديد الذي يجب أن يسلكه المسلمون والعرب: طريق الأصالة، طريق الجهاد والقوة، طريقة الشريعة الإسلامية والتربية الإسلامية، طريق (الله أكبر)، ذلك السلام الكوني الذي تدرسه الآن الأكاديميات العسكرية؛ لترى أنه كان أشد خطراً من القنبلة الذرية والهيدروجينية معاً.
لقد اعتدل الطريق بنا وكان حقاً علينا أن نحطم قيود التغريب والغزو الثقافي التي تتكاتف الآن؛ محاولة أن تردنا مرة أخرى إلى الاحتواء والسيطرة.
يجب أن نقف موقف الحذر من كل ما تقليه إلينا هذه المصادر الغربية الوافدة، ولقد واجه المسلمون مثل هذه التجربة وانتصروا فيها وعلينا نحن أيضاً أن ننتصر. نحن المسلمين، لا يمكن أن تؤكل ولا أن تحتوينا المذاهب، إن مذهبنا هو مذهب القرآن الجامع الذي لا يحرف، ليس هو مذهب الفلسفة ولا العقلانية الخالصة، ولا الجبرية الصوفية ولا الحدس الوجداني، كل ذلك ركام باطل جددته الباطنية والمجوسية والشعوبية، وأعادت صياغته من جديد لتضرب به مفهوم التوحيد الخالص.
إن أخطر ما يتحدى المثقف المسلم هو النظرة الجزئية، أو الرؤية المحدودة، التي تقف عند حادث من الأحداث، أو خبر من الأخبار، أو موقف من المواقف، فتنظر إليه وتحاول أن تحلله أو تحكم عليه دون أن تبحث عن خلفياته أو أبعاده أو أرضيته، ومن هنا تكون تلك النظرة ناقصة، أو جزئية أو غائمة، وليس كذلك يفعل الناصحون الذين رباهم القرآن وعلمهم الإسلام، وإنما تكون النظرة فاحصة ويكون الحكم سليماً إذا ما استوفى شرائط التقدير والبحث عما يتصل بالحدث أو الخبر أو الموقف مِما سبق في الزمن، ومِما جرى وأوشك أن يغيب وراء الأفق؛ ذلك لأن الأمور لا تجري منفصلة عن سوابقها ولواحقها، خاصة فيما يتعلق بتحديات الغزو الفكري والتغريب.

أضواء كاشفة لأبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب
وهذه أضواء كاشفة وخيوط عامة لنا جميعاً، ولكننا ننظر إليها مع الأسف مفرقة وموزعة، ولا نستحضرها عند النظر أو البحث في حادث ما أو خبر ما أو موقف ما، ولذلك يفقد الأمر خطره، ولقد عرف خصومنا فينا هذه النظرة الجزئية فباعدوا بين الأحداث اعتماداً على أننا لن نربطها بعضها ببعض أو ننظر إليها نظرة كلية، هذه الجزئيات المبعثرة للنظر السريع هي في حقيقتها عناصر كاملة لخطة عامة وخطيرة، فلننظر.

ثلاث قوى
(أولاً): هناك ثلاث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين:
’’التعليم – الثقافة – الصحافة’’.
وما تزال مؤسسات التبشير والاستشراق تعمل من خلالها.
وهناك خطة واضحة للغزو الفكري وخطة للتغريب وخطة للشعوبية.
وهناك أساليب متعددة لإثارة الشبهات حول الإسلام: (القرآن – الرسول – تاريخ الإسلام).
وهناك دعوة إلى إخراج المسلمين من ’’ذاتيتهم’’ باسم ’’المعاصرة’’. ودعوة إلى إخراج المسلمين من ’’قيمهم’’ باسم ’’التحرر’’. فيجب ألا تخدعنا الأسماء البراقة فنسلم بكل ما تقول؛ لأن في ما تقوله زيفاً كثيراً وحقاً قليلاً. ويجب ألا نخاف عبارات الرجعية والجمود والتخلف؛ فنها كلمات فقدت معناها وهي تطلق دائماً على أهل الأصالة والحق.
علينا ألا تخدعنا الأسماء البراقة؛ لأنها ليست أصيلة، ولا نصد عن الأسماء الزائفة؛ لأن الدعوى المُدعاة لها ليست صحيحة.
نحن طلاب (أصالة) تكون منا بمثابة (الإطار الثابت) والحجاب الحاجز نتحرك من داخله إلى المعاصرة والتقدم والتحرر.
إن قيمنا القرآنية الإسلامية الربانية هي الأعمدة الثابتة التي يقوم عليها البناء، ثبات في الأسس وحركة من فوقه أو من حوله. ثبات (القطب) وحركة كحركة الأرض حول محورها.
إن كل المؤامرات قد أثبتت حقيقة واحدة: أن الإسلام هو الهدف الذي تعمل القوى الخفية لضربه: (الصهيونية والليبرالية والماركسية).
الهدف: هو أن يظل الإسلام بعيداً عن دائرة العمل والتنفيذ وألا يمتلك المسلمون إرادتهم القادرة على الانتقال من الدائرة الضيقة التي حبسهم فيها الغزو الثقافي والتغريب إلى الدائرة المرنة التي أنشأها لهم الإسلام.
إن هدفنا اليوم هو تحطيم هذه الدائرة الضيقة والتماس دائرتنا ومنهاجنا ومصادرنا ومنابعنا الثرة الخالدة.
والأمل هو أن يعرف المسلمون أنه ليس ثمة طريق آخر.
لقد جربوا: مختلف الأساليب والسبل والمناهج التي راوحت بينهم وبين الفكر الغربي والفكر الماركسي: ودخلوا البوتقة وفشلت التجربة وتأكد لهم بعد سبعين عاماً وهم تائهون بين الشرق والغرب، حائرون بين الأيدلوجيات الوافدة – أنه لا سبيل لهم غير منهجهم الأصيل. لقد عجزت هذه المذاهب والمناهج جميعاً أن تعطيهم التقدم أو التحرر أو امتلاك الإرادة وأعطتهم بدلاً من ذلك: الهزيمة والنكسة والنكبة، وعرضتهم للفناء، ومن ثم تبينوا أنه ليس غير الإسلام ’’سبيل ونصير ونور’’.

حقائق
(ثانياً) إن بين أيدينا حقائق طازجة يجب أن تكون موضع نظركن وتقديركم وأنتم بسبيل دراساتكم:
أولى هذه الحقائق ما أعلن منذ وقت قصير من ’’إلغاء’’ الاستشراق. فقد اجتمع المستشرقون في مؤتمرهم السنوي بعد أكثر من سبعين عاماً ليعلنوا انهم قد ألغوا الاستشراق وإن الاجتماعات القادمة ستكون تحت اسم ’’مؤتمر العلوم الإنسانية’’.
ومعنى هذا في نظر أصحاب اليقظة: أن الاستشراق يغير جلده، كما سبق أن غير التبشير جلده، الهدف واحد والأساليب تتغير مع الأزمة والظروف، وإذا كانت سمعة الاستشراق قد ساءت فإن على أهله أن يغيروا أسلوبهم وإن لم يغيروا هدفهم.
ونحن نذكر الآن: كيف يتحرك ’’الاستشراق اليهودي’’ بعد أن تقدم للسيطرة خلفاً أو شريكاً للاستشراق الغربي المسيحي، وتعرف المخططات التي يقوم بها في سبيل ’’احتواء’’ الفكر الإسلامي والتاريخ الإسلامي.
ومن ذلك ما نجده من بروز أسماء لامعة خطيرة في مجالاته المتعددة:
’’جولد زيهر’’ في الشريعة الإسلامية.
’’مرجليوث’’ في التاريخ الإسلامي.
’’برنارد لويس’’ في مفاهيم الأمم والقوميات؛ مستهدفاً إيجاد صراع بين العروبة والإسلام.
وفي العام الماضي أنعمت (إسرائيل) على ’’برنار لويس’’ بلقب الدكتوراه؛ تحية له عن محاولاته لهدم المفاهيم العربية الإسلامية.
وعلينا أن نذكر في هذا المجال أن معظم كراسي الأدب العربي والدراسات الإسلامية في أغلب جامعا تالغرب يسيطر عليها مستشرقون يهود.
ويتصل بهذا محاولات السيطرة على دوائر المعارف العالمية، وخاصة دائرة المعارف الإسلامية، والسموم التي حملتها مادة ’’عرب’’ ومادة ’’إبراهيم’’ ومادة ’’إسماعيل’’؛ في محاولة لتزييف الروابط الأساسية بين سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحق، وفصل إسماعيل عن ميراث إبراهيم لجعله كله في نسل إسحاق.
وتلك مؤامرة ضخمة في حاجة إلى عناية شديدة.
كذلك فإن الأمر يتصل بمؤامرات تحريف التاريخ الإسلامي، وفي مقدمتها (مؤتمر بلتيمور) الذي عقد عام 1948 والذي حضره لفيف منقادة الصهيونية، وفي مقدمتهم بن جوريون؛ لوضع خطة تستهدف تنظيم ومضاعفة عمليات تزييف تاريخ العرب وإخراج دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل بمؤامرة القرامطة والزنج والباطنية، وإعادة طرح أفكارها وتاريخها في أفق الفكر الإسلامي بوصفها حركات تهدف إلى العدالة الاجتماعية. وقد ظهرت مؤلفات كثيرة بعد ذلك المؤتمر تحاول أن تطبق ما استهدفته هذه التوصيات.
ويتصل بهذا مؤتمر البهائيين العالمي الذي عقد في القدس المحتلة عام 1968 وما كشف عنه من صلة جذرية بين تاريخ البهائية وبين الحركة الصهيونية. كل هذا يجب أن نكون على وعي به ونحن نقرأ وندرس ونتابع.

دلالات خطيرة
(ثالثاً) يجب أن يكون أمامنا ونحن نطالع تاريخ المسلمين والإسلام في العصر الحديث عدة حقائق من شأنها أن تشكل قاعدة أساسية للبحث:
هذه الحقائق لا توردها كتب التاريخ التي بين أيدينا إلا لماماً، وربما أوردت ما يخالفها من شبهات ظلت تتردد حتى أصبحت في منزلة المسلمات.
أولى هذه الحقائق ما طرحه (غلادستون) رئيس وزراء بريطانيا على مجلس العموم البريطاني عام 1883 حين حمل المصحف وقال: ’’مادام هذا الكتاب باقياً في الأرض فلا أمل لنا في إخضاع المسلمين، بل ونحن على خطر في أوطاننا’’.
وعلينا أن نفهم معنى هذا ومداه.
يُضاف إلى هذا قول اللورد اللنبي حين دخل القدس عام 1917 حين قال:
’’اليوم انتهت الحروب الصليبية’’.
فإذا ذكرنا أن الحروب الصليبية كانت قد انتهت قبل ثمانمائة عام، عرفنا ماذا كان يريد أن يقول اللورد اللنبي متابعة مع خطة لويس التاسع بعد هزيمته في ’’المنصورة’’ حين دعا في وثيقة رسمية معروفة إلى بدء حرب الكلمة على المسلمين بعد فشل حرب السلام، وأن ما أشار إليه اللورد اللنبي إنما يعني نجاح هذه الخطة، فهذا قول خطير له أبعاده ومداه ولم يدرس بعد الدراسة الكافية.
فإذا ذكرنا كيف أن وزير خارجية بريطانيا (بترمان) تقدم عام 1907 بوثيقته المعروفة التي كانت خلاصة خبرة المفكرين والسياسيين من أجل دعم وحماية الاستعمار الغربي والتي تقول:
’’لكي يظل الاستعمار قادراً في السيطرة على المسلمين والحيلولة دون توحدهم ونهوضهم، لابد من إقامة حاجز بشري معادِ للمسلمين في مكان ما بين أفريقيا وآسيا، على أن يكون هذا الحاجز من جنس غريب عنهم. ومن شأن هذا الحاجز أن يحول دون وحدة المسلمين’’.
وقد كان الجواب حاضراً؛ فقد تقدم اليهود وقالوا: ’’نحن الحاجز الغريب’’.
كل هذه الخطوط مجتمعة ترسم صورة وتخلق تحدياً وتكشف عن خلفيات لا توردها كثيراً كتب التاريخ التي بين أيدنا أو التي تُدرس في مدارسنا، ولكن هذه التحديات ذات دلالات خطيرة، ويجب أن تكون واضحة أمامنا ونحن نقرأ وندرس ونستوعب، وهي تعطينا فكرة واضحة وهي:
أن هناك تعصباً وحقداً وخصومة ورغبة في ألا يستعيد المسلمون حقهم ولا يستكملون إرادتهم.

مناهج تخريبية
(رابعاً) يجب أن تكون أمامنا نظرة واضحة لعلاقة الفكر الإسلامي مع الفكر الغربي:
الفكر الغربي يعمل في محاولة دائبة منذ بدأ الاستعمار من أجل ’’احتواء’’ الفكر الإسلامي والحيلولة دون سيطرته على المجتمع الإسلامي، ويبدو ذلك في عدة مواقع:
1- التعليم: وهو خاضع للمناهج الغربية وهو الخنجر المسموم الذي طعن به المسلمون.
2- الجهاد: جربت المحاولات لتأويله وإقصائه عن حياة المسلمين.
3- الشريعة الإسلامية: سواء في مجال القانون أو الاقتصاد، وقفت الحوائل دون تحقيقها.
4- اللغة العربية: جرت المحاولات المتصلة للهجوم عليها وانتقاصها؛ محاربةً للقرآن الكريم.
ثم جاءت الموجة التالية وتتمثل في الغزو الثقافي والتغريب:
1- محاولة السيطرة على البلاد الإسلامية بالنظم الديمقراطية والقومية والماركسية.
2- محاولة سيطرة مفاهيم النفس والاجتماع والأخلاق على أسلوب العيش الإسلامي.
وقد جاء هذا مرحلة تالية لسيطرة الصهيونية العالمية على الفكر الغربي سيطرة كاملة. فقد برز زعماء اليهود كمفكرين مسيطرين على جميع مجالات الفكر الغربي؛ حيث حولوا المفاهيم التلمودية اليهودية إلى نظريات حديثة لها طابع علمي زائف ولكنه براق.
وسيطر اليهود الأربعة: هرتزل وماركس وفرويد ودوركايم، وجاء بعدهم سارتر وهو يهودي الأم.
الأهداف:
1- تحويل الفكر البشري ناحية الطعام والمادة.
2- تدمير النفس الإنسانية عن طريق الجنس.
3- إعلاء العنصرية والقوميات والدماء.
4- تأكيد الانشطارية بين الروح والمادة مع إعلاء المادة.
وبرزت الفرويدية والماركسية ومدرسة العلوم الاجتماعية (دور كايم وليفي بريل) ومدارس مقارنات الأديان وعلم اللغة وعلم الأنتثروبولوجيا، وكلها علوم تستهدف إعلاء الفكر التلمودي الوثني المادي الإباحي وبعث تراث التلمود والغنوصية والفكر البابلي القديم.
أما بالنسبة للمسلمين فقد وقعوا تحت تأثير الاحتواء فترة ثم بدأوا يستفيقون، ونحن نرجو أن يكون ’’عصر التبعية’’ قد انتهى، وبدأ ’’عصر الترشيد’’، ويمكن القول بأننا الآن في مرحلة الفهم والعلم والوعي بالخطر الذي يراد بنا ويجب علينا الانتقال بقوة وفوراً: إلى مرحلة الإرادة والتغيير.
كذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى الغرب واقعية.
العالم الغربي الآن يمر بمرحلة ’’الأزمة’’ وبدور ’’النهاية’’؛ فقد عجزت الحضارة عن أن تعطيه سكينة النفس أو طمأنينة القلب بعد أن فصل بين الروح والمادة، ومن ثم كانت أبرز مظاهر حياته الآن:
التمزق والضياع والعبث:
فهل المسلمون في حاجة إلى فتات الموائد وحثالات الأطباق !

البروتوكلات
(خامساً) إن الأخطار التي تواجهنا الآن هي بمثابة مؤسسات ظاهرة ومنظمات خفية، فلا نغفلن أبداً عن ذلك.
أمامنا: الماركسية والاستعمار والصهيونية مؤسسات ظاهرة، ولكن هناك منظمات خفية، هي الماسونية والروتاري والليونز.
وهناك أخطار فكر فرويد وساتر ودور كايم، تبدو واضحة الأثر في نفسيات الشباب وفي مفاهيمهم. وفي مفاهيم المرأة وقضاياها، وكلاهما تتمثل في أخطر قضيتين:
1- إيجاد الصراع بين الآباء والأبناء وتغذية روح الكراهية بينهما.
2- إثارة الشبهات حول قوامة الرجل على المرأة وخلق روح الكراهية بينهما.
وهما قضيتان بالغتا الخطورة، فيجب أن تدرسا بدقة وأن تعرف أبعادهما وخلفيات الخطر القائم وراءهما، وهو يتمثل في (بروتوكلات صهيون) وما كشفت عنه من هدف الاستيلاء على العالم وتدميره أخلاقياً قبل السيطرة عليه.

وبعد: فهذه خلفيات وأبعاد أرجو أن تكون في تقدير مثقفينا وهم يناقشون ويدرسون، وهي تحديات حقيقية؛ فإنها إذا ما استحضرت سوف تعطيهم فهماً أعمق وقدرة أوسع على الإحاطة بالأزمة وعلى إيجاد الحلو الناجعة.
لقد تبين تماماً أن التجربة التي قام بها المسلمون والعرب للنظم الغربية، سواء الليبرالية أو الماركسية، قد فشلت تماماً في تحقيق المطمح الأسمى لأمة القرآن، وبذلك أصبح الطريق أمامهم مفتوحاً نحو خط واحد لم يجربوه وهو خطهم الأصيل وهو ملاذهم الوحيد الذي لن يجدوا دونه محيصاً الذي صاحبهم أربعة عشر قرناً وحماهم وأكد وجودهم ودافع عنهم، وسيظل يحميهم من عاديات الزمن وأحداث الأيام ما استمسكوا به.

نقاط هامة
(سادساً) في التاريخ الإسلامي الحديث ’’نقاط’’ ما تزال في حاجة إلى توضيح وبيان:
وأبرزها العلاقة بين المسلمين والعرب، وبين الدولة العلمانية والعرب، وبين العروبة والإسلام في مواجهة دعوات القومية والعنصرية والإقليمية وغيرها.
أما السلطان عبد الحميد فقد رد إليه اعتباره الآن بعد أكثر من ستين عاماً كان فيها في نظر المؤرخين مستبداً وسلطاناً أحمر، مع أنه كان من أشرف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وملكهم في سبيل دفع جائحة الصهيونية العالمية عن السيطرة على فلسطين. ومذكرات هرتزل تثبت ذلك وتكشف عن مدى الدور الذي ظل خافياً عن العرب والمسلمين سنوات طويلة وإن كانت القضية ما زالت في حاجة إلى نصوص أوفى ووثائق أخرى لتحرير تاريخ السلطان تماماً من كل ما علق به.
أما الخلاف بين العرب والدولة العثمانية: فهو في الحقيقة خلاف مع الاتحاديين الذين حكموا من عام 1909 إلى عام 1918، وورثوا مصطفى كمال نظامهم التلمودي الماسوني الصهيوني، هؤلاء هم رجال ’’الاتحاد والترقي’’ الذين تشكلوا في أحضان المحافل الماسونية والذين عملوا لخدمة الصهيونية العالمية، فأسقطوا عبد الحميد ومهدوا لإلغاء الخلافة وسلموا طرابلس الغرب لإيطاليا، وفتحوا الطريق أمام اليهود إلى فلسطين وكانوا حاضرين في ضمير اللورد اللنبي عندما قال بعدد سيطرة الإنجليز على القدس: ’’الآن انتهت الحروب الصليبية’’.
ثم جاءت المؤرخة اليهودية فقالت: ’’إن وصول الإنجليز إلى القدس عام 1917 كان يعني أنها صبحت في قبضة اليهود، وقد تم ذلك فعلاً عام 1967 ...’’.
فالخلاف إنما كان مع الاتحاديين وليس مع الدولة العثمانية نفسها.
ومن هنا يجري الحديث عن القوميات وعن تمزق ’’وحدة العالم الإسلامي’’ إلى كيانات بادئة بالطورانية في تركيا ومقابلها القومية العربية ..
وما اتصل بعد ذلك بمفاهيم الغرب وبسيطرة النظرية الغربية في القوميات على النحو الذي عرف في كثير من الدراسات، وقد فشلت هذه المفاهيم تماماً في ضوء الوحدة الإسلامية التي تبين أنها الطريق الصحيح والأوحد وذلك بعد التجربة المريرة وبعد هزيمة 1967.
هذه مجموعة من الحقائق لا أعتقد باحثاً أو مثقفاً يستطيع أن يستغني عنها في مواجهة قراءاته ودراساته سواء في تاريخ الإسلام أو التاريخ الحديث. وفي مواجهة الاستعمار والمذاهب السياسية والنظريات العربية بشطريها، ولهذه الأضواء الكاشفة والنقاط السريعة تفصيل واسع وأبعاد هامة يجب أن تتابع، ومن هذه الخيوط المجمعة الآن في كلمة واحدة نستطيع أن نستكشف الآفاق البعيدة ونعرف الخلفيات الظاهرة والخفية ونتابع الأحداث والأخبار في وضوح وفهم.
وهذا ما أعددته وأردت أن أقوله لشبابنا المثقف حين دُعيت لإلقاء كلمة في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة.
أنور الجندي
أضافة تعليق