في الثاني والعشرين من مايو من كل عام، تقف الذاكرة اليمنية أمام واحدة من أعظم محطات التاريخ الوطني المعاصر: ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990. لقد كان ذلك اليوم إعلانًا عن نهاية التشطير السياسي وبداية حلم كبير لطالما راود الأحرار والمخلصين من أبناء الوطن في شماله وجنوبه، شرقِه وغربه.
لقد وضعت الوحدة اليمن على سكة الدولة الحديثة، ومهّدت الطريق لبناء مؤسسات واحدة، ونظام سياسي جامع، لكن غياب العدالة في توزيع السلطة والثروة، وتفشي الفساد، وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح مراكز النفوذ، أطاح بكثير من آمال الناس. ومع تزايد الأزمات، بدأ صوت الوحدة يخفت، وبدأت تتلاشى تلك الذكرى العظيمة من وجدان الأجيال، لتحل محلها مشاريع تمزيق، وشعارات التفكيك، واستدعاء للماضي بكل انقساماته ومآسيه.
الوحدة اليمنية ليست مجرد ذكرى نحتفل بها، بل مسؤولية وطنية ومشروع مستمر لا يُبنى إلا بالتضحية، والحكمة، والتجرد من المصالح الضيقة. وإذا كان للباطل جولات، فإن للحق جولة لا بد أن تأتي. وسينتصر الشعب بإرادته، وتعود اللحمة الوطنية، وتعود الوحدة، ليس إلى الخريطة فقط، بل إلى القلوب.
الوحدة.. نداء التاريخ وصوت الشعب
لم تكن الوحدة مجرد اتفاق سياسي بين نظامين، بل كانت ثمرة نضال طويل وشوقٍ شعبي أصيل لوطنٍ موحد. ولأنها نبعت من أعماق الشعب، فقد استقبلها اليمنيون بفرحٍ غير مسبوق. ما زلت أتذكر تلك الأيام التي أعقبت إعلان الوحدة، كيف انتقلت الأسر من الجنوب إلى الشمال، ومن الشمال إلى الجنوب، والتأمت عائلات فرّقتها عقود من التشطير. امتلأت الأسواق بالناس، وجاء أهلنا من عدن إلى تعز يحملون الشوق والفرح وكأن ميلادًا جديدًا للوطن قد أشرق. اندمجت العادات والقلوب، وركلت براميل التشطير، لأن الشعب اليمني بطبيعته شعب وحدوي، طيب، محب للنظام.
لكن، ورغم هذا التلاحم العظيم، لم تدم الفرحة طويلًا، فالإشكالية لم تكن في الشعب، بل في من يقود دفته؛ في النفوس التي قدّمت مصالحها الشخصية على حساب الوطن، وفي الأطماع والمشاريع الضيقة التي زاحمت الحلم الوطني على الساحة، حتى كادت تطفئ نوره.
من المجد إلى التحدي
لقد وضعت الوحدة اليمن على سكة الدولة الحديثة، ومهّدت الطريق لبناء مؤسسات واحدة، ونظام سياسي جامع، لكن غياب العدالة في توزيع السلطة والثروة، وتفشي الفساد، وإضعاف مؤسسات الدولة لصالح مراكز النفوذ، أطاح بكثير من آمال الناس. ومع تزايد الأزمات، بدأ صوت الوحدة يخفت، وبدأت تتلاشى تلك الذكرى العظيمة من وجدان الأجيال، لتحل محلها مشاريع تمزيق، وشعارات التفكيك، واستدعاء للماضي بكل انقساماته ومآسيه.
الوحدة ليست شعارًا.. بل عدالة وشراكة
الوحدة ليست نشيدًا وطنيًا فحسب، ولا خريطة على الورق، بل هي نظام عادل ومواطنة متساوية، وعدالة اجتماعية، وتنمية شاملة، وتمثيل سياسي متوازن. عندما تغيب هذه القيم، تفقد الوحدة معناها الحقيقي، وتتحول إلى عبءٍ لا إلى حلم.
ولذا فإن الحفاظ على الوحدة لا يكون بالشعارات، بل بإصلاح حقيقي يضمن لكل مواطن حقه في هذا الوطن، ويشعره بأنه جزء أصيل من مشروعه الوطني.
العودة إلى المشروع الوطني الجامع
ورغم كل ما تمر به اليمن اليوم من تمزق، وحروب، وتشتت، فإن الحلم بالوحدة لا يزال حيًا في قلوب الملايين من أبناء الوطن. لكنه يحتاج إلى صيغة جديدة، أكثر عدالة وشراكة، تضع اليمن على أعتاب المستقبل لا الماضي. صيغة تعترف بالتعدد وتحتضن التنوع في إطار دولة اتحادية مدنية، قوية بمؤسساتها، عادلة في حكمها، جامعة لأبنائها.
خاتمة: الوحدة ليست ماضياً.. بل مستقبل
الوحدة اليمنية ليست مجرد ذكرى نحتفل بها، بل مسؤولية وطنية ومشروع مستمر لا يُبنى إلا بالتضحية، والحكمة، والتجرد من المصالح الضيقة. وإذا كان للباطل جولات، فإن للحق جولة لا بد أن تأتي. وسينتصر الشعب بإرادته، وتعود اللحمة الوطنية، وتعود الوحدة، ليس إلى الخريطة فقط، بل إلى القلوب.
ولن يبقى صوت دعاة التمزيق يعلو إلى الأبد، بل ستعلو أصوات الوحدة، لأنها صوت الحياة، وصوت المستقبل، وصوت اليمن.