أيا وطني البعيد القريب، كم خبأتُكَ في سويداء القلب، وكم رويتكَ شوقًا حتى صار الحنين إليك زادي في الغربة… ماليزيا، هذه الأرض التي احتضنتني، بلاد الجمال والخضرة، سكنتها واستقررت فيها، لكنّ روحي لم تفارق سماءك يا يمن.
كلما غفوتُ، أرى جبالك، هضابك، سهولك، ووديانك تفتح أذرعها لي، أسمع نداء أذانك يعانق فجر روحي، أشتمّ عبق البن في طرقاتك، وألمح وجه أمي الحبيبة يضيء الديار، فأنسى المسافات وأعود طفلًا صغيرًا بين جدرانك الدافئة.
آه يا وطني… كم تمنيتُ أن أطوي المسافات بيني وبينك، أن ألثم ترابك، أن أُطيل السجود فوق أرضك الطاهرة، أن أهمس في أذن أمي: ها أنا ذا، يا أماه، قد عدتُ… وأن أبحث عن أبي، لكن ليس كما كنتُ أحلم، بل لأقف عند مرقده، لأبثّه شوقي، لأعتذر له عن غيابي، لأقرأ على روحه الفاتحة وأبلل تربته بدمعٍ تأخر كثيرًا.
لكنني ما زلتُ هنا، في بلادٍ احتضنتني، لكنني ما أزال أهفو إليك، كطائرٍ مهاجرٍ يظلّ يبحث عن عشّه الأول.
يا يمن، أنتَ حكايةٌ لا تنتهي في روحي، غربةٌ وإن طالت لن تسلبني هويتي، ومسافاتٌ مهما امتدت لن تمحوك من دمي… سأظل أنتمي إليك، ما دام في الصدر نَفَس، وما دام القلبُ ينبضُ باسمك.