مركز الوفـــاق الإنمائي للدراسات والبحوث والتدريب

2025/03/04 01:16
اليمنيون.. بين قسوة الحياة وطيبة القلب: هل آن لهذا الشعب أن يحيا؟
عندما تتابع البرامج الجماهيرية التي تسلط الضوء على الشارع اليمني، أو تشاهد مقاطع عفوية لأناس بسطاء يتحدثون عن واقعهم، تجد نفسك أمام مشهد يجمع بين نقيضين: قسوة الحياة وجمال الروح. ترى في عيونهم صبرًا يحكي ألف قصة، وفي ملامحهم آثار الزمن القاسي، بينما تطل من وجوههم بساطة تُدهشك، وابتسامات تأبى الانكسار رغم الفقر والجوع والمعاناة. 
 
الفقر ليس قدرًا.. لكنه واقع فُرض عليهم 
 
ملابس رثة، أحياء متعبة، وجوه تحمل من الهموم ما يكفي لحمل جبال، لكن رغم ذلك، هناك ضحكة صافية، وروح مفعمة بالحياة. البؤس في اليمن ليس اختيارًا، بل نتيجة عقود من الإهمال، وانهيار مؤسسات الدولة، وغياب المشاريع التي تصنع الفارق في حياة الإنسان. ومع كل ذلك، لا يزال اليمنيون يكافحون، يعملون بما تيسر، ويحاولون التمسك بكرامتهم رغم الظروف القاهرة. 
 
لكن لماذا هذا الفرق؟ 
 
عندما ننظر إلى شعوب أخرى تعيش تحت ظروف صعبة، نجد نموذجًا لافتًا: فلسطين. شعب يرزح تحت احتلال غاشم منذ عقود، يواجه حربًا وتدميرًا مستمرًا، لكنك تجدهم في غزة والضفة يلبسون ثيابًا أنيقة، يتحدثون بثقة وطلاقة، ومستوى تعليمهم عالٍ. تجدهم في ساحات الجامعات، وفي مراكز الأبحاث، وبين رواد الأعمال، كأنهم قرروا ألا يسمحوا للاحتلال بأن يهزم إرادتهم أو يسرق أحلامهم. 
 
أما في اليمن، بلد الإيمان والحكمة، فتجد النقيض. الجهل ينتشر، التعليم يتراجع، البنية التحتية منهارة، والمواطن الذي يفترض أن يكون حامل راية الحضارة الإسلامية يواجه الفقر المدقع وكأنما قُدِّر له أن يبقى في دائرة الحرمان. هنا يطرح السؤال نفسه: لماذا تأخّر اليمنيون عن ركب الأمم؟ لماذا لا نجد في بلد الحكمة تلك النهضة التي نراها في بلاد أخرى تعاني ظروفًا لا تقل صعوبة؟ 
 
الشعارات الجوفاء لا تُطعم جائعًا 
 
لم تعد الشعارات الرنانة تنطلي على أحد، ولم تعد الخطابات الحماسية التي تتغنى بالوطنية أو الهوية أو التاريخ المجيد تغني عن الواقع شيئًا. فالناس بحاجة إلى أفعال، لا إلى كلمات جوفاء تملأ المنابر والشاشات دون أن يكون لها أثر في حياتهم. 
 
في فلسطين، شعار المقاومة لا يعني فقط رفع السلاح، بل يعني بناء العقول، وتعليم الأجيال، ورفع مستوى الوعي، والتمسك بالحياة الكريمة كجزء من التحدي. أما في اليمن، فقد تحولت الشعارات إلى وسيلة لتمجيد زعامات لا تقدم شيئًا سوى المزيد من الفقر والانقسام، بينما يتضور الشعب جوعًا، ويكافح وحيدًا من أجل البقاء. 
 
دعوات التشظي.. عبث في بقايا وطن 
 
الأدهى من ذلك أن البعض لا يكتفي بترديد الشعارات، بل يدفع الوطن نحو المزيد من الانقسام والتشظي، وكأن الكارثة لم تبلغ مداها بعد. قادة يتصارعون على سلطة وهمية فوق ركام بلد منهك، يرفعون شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يتدهور حال المواطن الذي لم يعد يجد ما يسد رمقه. 
 
إن الصراع في اليمن لم يعد بين أطراف متنافسة على بناء الدولة، بل تحول إلى عبث ببقايا وطن مزقته الأطماع، وفرقته الولاءات الضيقة، حتى أصبح اليمني غريبًا في أرضه، يبحث عن بصيص أمل في وطن لم يعد يشبهه. 
 
شعب يستحق الحياة الكريمة 
 
اليمنيون ليسوا شعبًا عاجزًا، ولم يكونوا يومًا أمة متواكلة. على العكس، هم أهل كدٍّ وكفاح، لكنهم يفتقدون إلى دولة حقيقية ترعاهم، تنظم حياتهم، وتوفر لهم فرصًا تليق بهم. لا يحتاج اليمنيون إلى صدقات أو مؤتمرات لجمع التبرعات، بل يحتاجون إلى دولة مسؤولة تحترم مواطنيها، وتعيد لهم دورهم الحضاري الذي كاد أن يُطمس وسط الفوضى والتهميش. 
 
الإنسان أولًا.. ثم كل شيء 
 
إذا أراد اليمن أن ينهض، فعليه أن يبدأ بالإنسان: بالتعليم، بالكرامة، بالحقوق، بالعدالة الاجتماعية. الدول لا تُبنى بالحجارة وحدها، ولا تقوم على الموارد الطبيعية فقط، بل تنهض بأبنائها، بقدرتهم على الإنتاج، بإبداعهم، بثقتهم بأنفسهم. لا يمكن أن يستمر المشهد الحالي، حيث الشعب الطيب يُترك وحيدًا ليواجه الجوع والحرمان بينما تهدر ثروات البلاد في غير محلها. 
 
اليمنيون قادرون على النهوض من بين الركام، وشعب الإيمان والحكمة لا يجوز أن يكون أقل شأنًا من غيره، بل يجب أن يكون في مقدمة الأمم، كما كان في تاريخه المجيد. 
 
أعيدوا لليمني كرامته، واتركوا روحه الجميلة تزدهر، فقد آن لهذا الشعب أن يحيا كما يليق به.
 
 
أضافة تعليق