“اللهم إني أعوذ بك من جلَد الفاجر وعجز الثقة”، هذه المقولة التي أطلقها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اقتحمت خاطري بقوة في ظل الأحداث المأساوية التي يعيشها أهل قطاع غزة، وتعرضهم لحرب إبادة من قبل جيش الاحتلال.
ففي الوقت الذي كشف المجتمع الدولي عن وجهه القبيح، وتضامن قلبا وقالبا مع الكيان الإسرائيلي، وقدم له الدعم، صامتا على مذابحه الوحشية التي يرتكبها بحق القطاع، نرى في المقابل عجزًا عربيًا يندى له الجبين، فأهل غزة الذين مُنِعوا الكهرباء والماء والطعام والأدوية والإسعافات، عار علينا أننا لم نستطع تقديم زجاجة ماء لهم.
ألهذا الحد بلغ بنا الخور والضعف، ألهذه الدرجة صرنا عاجزين عن اتخاذ قرار موحد بدعم إخواننا في غزة في الوقت الذي يتبجح الطرف الآخر بدعم الكيان الإسرائيلي؟!
أين الإسلام ورابطة الدين، وأين العروبة، بل أين الإنسانية؟ إن كل هذه المنطلقات تفرض على الجميع مد يد العون للقطاع الذي تُمحى أحياؤه السكنية محوًا من على الأرض.
إذا كان الكيان الصهيوني يدكّ البيوت والمنازل على رؤوس أهلها المدنيين العزل بأطفالهم ونسائهم وعجائزهم، ثم يخرج إعلامه لتزييف حقائق يراها العالم كالشمس في رابعة النهار مدعيًا أنه شن غارات على المقاومة، فماذا عن أنظمتنا العربية التي ترى هذا الكذب؟ ماذا ستقول لشعوبها؟ وماذا ستقول للأجيال القادمة وقد تركت غزة للدمار دون فعل أي شيء سوى الدعوة إلى وقف إطلاق النار من الجانبين!
الشباب من غزة يكتبون على مواقع التواصل تحت أزيز الطائرات، ويزفون أخبارا عن استشهاد العائلات والجيران والأهل، يستصرخوننا أن نفعل شيئا، رائحة الموت في كل مكان، والأطفال يقضون ليلهم في رعب، كل أهل بيت يتساءلون: هل هذه الليلة هي موعدنا مع الموت، أم نعيش إلى الغد؟
نحن لم ترق طموحاتنا لأن تعلن الأنظمة الحرب على الكيان الغاصب، إنما نطالب بكسر هذا الحصار والاتفاق على خط إمداد للقطاع بما يحتاج إليه من مؤن وأجهزة طبية وأدوية، والضغط على الغرب لوقف العدوان، لأن الكيان الإسرائيلي يرغب في تدمير القطاع حتى يفرض شروط المنتصر عندما يدخل في فترة التفاوض، وبالتالي يضع حينها شروطا مجحفة مقابل إعادة إعمار غزة، قد تغير مسار القضية الفلسطينية لصالحه وعلى حساب الفلسطينيين.
لدينا أوراق عدة لهذا الضغط، المقاطعات الاقتصادية والدبلوماسية، الغاز والنفط العربي، تجميد اتفاقيات وفاعليات التطبيع للحكومات المطبّعة، الأوراق كثيرة لكن أين الشجاعة لاستخدامها!
الشعوب تغلي كالمراجل لهذا الصمت الرسمي العربي، ويهدد بمزيد من الشقاق بين الجماهير وأنظمتها الحاكمة، والتاريخ لا يموت، ستتناقل الأجيال القادمة قصة الخذلان العربي.
إضافة إلى الدعم الغربي للكيان الإسرائيلي، تأتي الطائرات بالصهاينة من أنحاء العالم للانضمام إلى جيش الاحتلال علانية، دون خوف من اتهامهم بالإرهاب، وهم الكيان المحتل الغاصب الجائر، دون أن نحرك ساكنا أو نطلق صرخاتنا بوجه هذا الإرهاب بالاعتراض، لقد استطاعوا في ظل صمتنا الذي يشبه صمت القبور أن يعزلوا عنا غزة وإخراجها من السياق العربي كأنه لا صلة لها بالعرب والمسلمين.
الجراح غائرة والقلب دامٍ، وأشعر أنني بهذه الكلمات أعبر عن حلم وأمنية لن تجد آذانا صاغية، فأسوأ ما يمر به الإنسان هو أن يطالب بما يعلم أنه شبه مستحيل، يطالب به من فرط العجز، ليهدأ في نفسه صوت الضجيج قليلا، لكنني كالعادة أتبع منهج الخليل إبراهيم، فكان عليه النداء وعلى الله البلاغ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.